تكتب الشعر والنثر والخاطرة
|
مقدسات منتهكة
في محنة إنسانية قد تتحطم سفينة رباط عاطفي , بين زوجين أوخطيبين أو حبيبين على صخرة القدر , ربما لم يكن في الإمكان رده , أيحق لأحد الطرفين مبارزة الطرف الأخر , أو التراشق بالإتهامات والافتراءات لمجرد النيل منه ؟ ليس من المعقول أن يصبحا بين عشية وضحاها خصمين لدودين , يتفنن كل منهما في إيذاء الأخر ماديا ومعنويا وبأبشع الصور وأفجرها متجردا من النبل الأخلاقي والضمير الديني , متناسياً ذكرى راقية مرت بينهما ,كانت يوماً ما سبباً في خلق مشاعر السعادة والإنتشاء لقلبيهما معاً , إن اقتسام الحاجات الإنسانية كالحب والإبتسامة والسعادة وحتى مشاطرة الفضفضة والحزن والهموم لا تقل عن مشاطرة الطعام ,التي كان يقدسها البعض صدوعا بالعادات والتقاليد وفخراً بالمرؤة العربية , حتى أن البعض ذهب لأن يجعل منها قسم (بالعيش والملح) وقد كانت العشرة والزمن خير شاهد على ذلك الرباط أو تلك العلاقة , التى كانت ولا زالت ضمن حسابات الزمن والذكريات , لا فكاك منها إلى الأبد وإن انتهت في الواقع فهي لم تكن حلم في يوم من الأيام , بل كانت حقيقة , وستظل حقيقة مكتوبٌ في العمر أنها مرت , وسجلتها الذكريات أنها كم عاشت معنا كما عشنا معها , ولطالما بذلنا إليها مشاعرنا وأحاسيسنا , وعمرا محسوبا ضمن العمر , لا نكران لود سبق معروفه , ولا لجميل سبق إسدائه , ولا لعمر طالت عشرته , وإن كان دقائق معدودة , وليس كالخلافات على وجهه الأرض من اختبارات واقعية , يكتشف بها معادن البشر الحقيقية وأخلاقياتهم فمن يصون ومن يفضح ؟ ومن هم أصحاب الفضائل ومن هم من يبعون بلحظات جموحهم للإنتقام والإيذاء كل أرصدة الحب والإحترام القديمة .؟ والبعض يخسر في ذلك الكثير , وقد يظنون الخسارة حين نطرق أبواب الحديث تتمثل في تلقي الإساءة وعدم ردها , للأسف هؤلاء قصار العقول فالخسارة الحقيقية أن يخسر المرء ذكراه الجميلة التي تتردد على الألسنة , وصورته الرائعة التي رسمت يوما ما في الأعين , والتي سكنت قلوب خصومه قبل مرور الإعصار الذي أودى بالعلاقات مغيبا إثر أنقضائها , فمهما طالت الخلافات والأعاصير ومهما علت الأمواج لتغرق العلاقات من بين يدي أصحابها , سيأتي الزمن بهدوء العواصف وسكون الموج , ليمسح زجاج القلوب والضمائر , لتترأى الحقائق كما تترأى الشمس في كبد السماء وإن لم يعترف بها علانية تبقى الحقيقة , فلا هتك عرضا ولا أزاح سترا ولا مزق صاحبه بين جميله ونقمته , ويذكر له نبله وفضيلته , ولو اقتصر ذكراها داخل القلوب , وقد يبقى جسرا قد يكون على موعد باللقاء , والقرب بعد الفراق , والحنين بعد الجفاء , فلا أسرف في العداء ولا جهل عمق الجراح , ولا بلغ الذروة في الإذاء , فربما تعود المياه تجري مرة أخرى بين مجاريها , ولا شك أن الموقف سيختلف كثيرا , فلن يطيل العتاب دربه ,ولن تتعدد التعابير والأفعال المزرية , ويبقى القريب قريب وإن لم يجمعهم جسر اللقاء سيجمعهم قارب الذكرى , وبدلا من تمعر وجه أحدهم بذكرى الأخر , تظل الأبتسامة في ذكراه والدعاء بالخير والسماح , هكذا يبقى النبلاء وأصحاب الضمائر السامية , رحم الله الهين اللين السمح في البيع وفي الشراء , وإن القلوب بضائع غالية المعنى , باهظة الثمن , لا تقايض إلا بأمثالها من القلوب , لا يبخسها إلا لئيم ولا يحتال بها إلا منافق , وقد مضت سنوات عدة دمى بها القلب مآساته على أعين الليالي والأيام , وبعض الذكريات تقاتلنا كما لو كنا ألد أعدأها , ونسيت أننا كنا يوما جزء منها , نجمل فيها ونزين أركانها , ونصوغها بين دفترنا ونرسم صورا بدائع لصحبتنا للذين شاركونا دروبها , ونعطرها بالزهر النائم على أهدابها , كنا قصصا قصيرة وهي روايتنا الممتدة على مر العمر , شاهدة علينا وعلى صحبتنا للذين لعبوا أمامنا الأدوار بصدقهم , أوغير ذلك , أسعدونا أو غير ذلك , سنظل لها ولأصحابها مدينين بالوفاء رغما عن رسائلها الموجعه وأطيافها الحزينة.
2013
أحببت أن أدرج القصة المستوحى منها ثورة كلماتي في ذلك المقال , ليعلم كيف وصلت إنسانية بعض البشر ..
كانت جميلة ذو مكانة اجتماعية وعملية مرموقة , ذو نسب , ذو عقل , امرأة تخطت الخمس وخمسون من عمرها , أحبته كما لم تحب امرأة زوجها كنت قريبة منها تريني رسائل تبدلاها أثناء فترة خطبتهم وأثناء سفره بعد عامين من زواجهما , كانت موهوبة تطوي الرسائل بصورة فنية رائعة , تزرع صورة له بين طيات بعض الرسائل , بحيث تصبح الرسالة بروازا أنيقا لصورته , والبعض الأخر بروازا لوردة حمراء جففها العمر , كنت شاهدة على الحب الذي كانت هي , وهي فقط تحبه له , أحبت , ثابرت , اغتربت , خلفت أبناءا ذكورا وأناث , ربت , عملت , تعبت , لأجله كثيرا , وماذا بعد , ذهب يبحث عن أخرى , لا مقارنة إجتماعية , ثقافية , شكلية وجوهرية , تزوج ولما نافشته فيما فعل بها كان الجزاء السب والقذف بأدنأ المسبات وأوجع القذائف ولم يقتصر السباب بينهما , بل شهده أبناءهما وهم في عمر الشباب , وجيرانهما , والأقارب وافترقا أشر افتراقا !!! بصرف النظر عما آل إليه حاله الأن مقارنة بحالها , لم يكن إنسانا حتى بالمعنى السطحي لكلمة (إنسان) بعد فترة ليست بالقصيرة من الإنفصال النهائي ذهبت إليها زائرة ، أعودها في فراش المرض , فأجلستني جانبها وأخرجت من حقيبتها الرسائل والصور وأشياؤه الصغيرة ، كأزرار لأكمام بدلة الزفاف , كأول شفرة حلاقة قديمة جدا , كوريقات صغيرة كانا يقتسمان فيها كلمات حب عند سفره ليعودا فتلصقهما من جديد , كانت تريني وتبتسم وتبكي وكنت أجهش بالبكاء لأجل تلك المشاعر الراقية !! كانت تخبرني أنها ليست غاضبه منه بل مازالت تحبه وتقول إبن عمري كأنه أبنا لها وليس زوجا مخادعا لم يلق بالا لها أو لجرحها .. ذلك ما دعاني لأكتب وربما كتبت بمشاعر مرهفة خيالية بعض الشيء , لكن الأمر كان شديدا على نفسي وقاسيا ..
سامحوني إن أحزنت أحدكم بمأساة أخرى تأثرت بها كثيرا ورأيت أن من واجبي تكريما لتلك المرأة أن أذكرها , عسى أن تذكرونها بالدعاء كلما تذكرتم قصتها فهي اليوم لم تكن معنا هنا , فلقد واراها التراب بعد معاناة طويلة الأجل مع المرض فرحمها الله .
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|