رد: رفقة الأمس
2
وتبدأ شمس الصباح بالتسلل من خلف زجاج النوافذ باعثة الأمل في البشرية، تدعوهم للاستيقاظ ومعانقة الطبيعة في الحياة مايستحق العمل والجد والنشاط، استيقظت متأملة الغرفة حولي، كانت تبدو كأنها غارقة تحت ظلال الستائر بلون ذهبي باهت امتزج بألوانها، إنه يوم الأحد، ولامانع من البقاء في الفراش حتى ساعة متاخرة، نهضت لأبدأ نشاطي ببعض من التمارين الرياضية، التي تبعها حمام الصباح لمزيد من الرطوبة والانتعاش.
أجلس في البيت وحيدة لكنني سعيدة بذلك، أشعر برائحة الياسمين تملأ فناء حديقة العمارة، سارعت إلى المصعد بدون تفكير وتوجهت على عريشات بيضاء ضاحكة تُبشر بشيء ربما سيكون استثنائي في هذا الحر، قطفت ما استطعت من ياسمين العمارة وتوجهت مسرعة إلى المنزل، بعثرت البراعم المنتفضة في المزهرية بعد أن أغرقتها بالماء، وتوجهت لترتيب غرفة النوم، والصالة.
أنجزت أصعب مهامي، ترتيب يومياتي الروتينية، شعرت بحاجتي للقهوة، لكنني اخترت النسكافيه، بقرب مزهرية الياسمين، وأمام شاشات التلفزة الإخبارية، حرب تُشّنُ على بلد، وبركان يثور على أسد، وحدي مع الصحف الالكترونية
أُقلب في معاناة الشعوب، لأجد معاناتي هي الأصعب، أريد أن أطمئن على نفسي هل سأمضي يومي بين جدران أربعة أُجدد ذكرى زيارة "مانويل" لي يوم أمس، تغير الزمان، وتبدل مكان اللقاء، لكننا بقينا لانبالي برياح التغيير، كلانا مصرٌ على متابعة حياته كما يشاء لاكما شاء القدر أن نتابعها!
نشاط غير اعتيادي بدأت أشعر به، جعلني أُفكر بالتنزه والتسوق، وشرب القهوة في المقاهي ذات الإطلالة الخارجية على مشارف المدينة، استبدلت ملابسي بما يمنحني قدر كافٍ من النشاط والحيوية، وأغلقت ستائر غرفة النوم والصالة والتلفزيون، بدا المنزل ساكناً وبارداً، يغري بالجلوس والاستمتاع بسماع الموسيقى بتقنية d8،لكنني أُصر على التفكير بعيداً عن مساحاتي المنزلية.
استقليت سيارتي، وتوجهت نحو مركز المدينة، الازدحام كان قليلاً رغم أنه يوم أحد، ومن عادة الشباب التوجه إلى صالات السينما أو صالات الألعاب، كانت وجهتي إحدى المقاهي التي تشرف على المدينة التي ابتعدت عنها عشرة كيلومترات حيث أحد الأسواق التجارية ذات البحيرات الاصطناعية تم إنشاؤه من ستة شهور أريد زيارته ورشف القهوة فيه.
وصلت إلى موقف السيارات لأترجل عن سيارتي، وأدخل البهو الفسيح المُبرد الذي يتوسطه بحيرة يتكئ على جانبيها زوارق ملونة بألوان جذابة، أما المتاجر فقد توزعت بانتظام على الجانبين الممتدين لمساحة طويلة داخل المبنى الذي كان هادئاً نوعاً ما، صادفت استراحة على زاوية المبنى أمام البحيرة وبعيداً عن الزوارق، دخلت بهدوء واتخذت مكانا يشرف على الساحة الرئيسية بعيدا عن الضوضاء.
طلبت فنجان قهوة متوسطة السكر، ورحت أتأمل حداثة المكان وأناقته، وعصرية الطبقات التي تزوره، وصلني صهيل الهال، ووصلني فنجان القهوة، استمتعت برشف القهوة كثيراً، وأنا أُفكر كيف بحديث "مانويل" ربما يرغب في العودة إلى مدينتنا التي ابتعدنا عنها، ويرغب بمرافقتي إلى هناك، أعلم نفسية صديقي هو لايأتي لزيارتي سوى لأمر غاية في الأهمية. رغم ما نحتفظه من مشاعر حب متبادلة تجاه بعضنا، لكننا نفصل بين العقل والعاطفة التي لانُقحِمها في أمور الجد والعمل.
أنهيتُ طقوس رشف القهوة، وتوجهت للتبضع وزيارة المتاجر الجديدة، رغم انتشار المتاجر الالكترونية وإمكانية التسوق الرقمي، أجد للتسوق التقليدي طقوسه ونكهته، التي لاتضاهيها نكهة، وجوه جديدة، وأذواق متنوعة وعلامات تجارية تغري بالشراء واقتناء جديد ما، يُضفي التجديد على يومياتنا الروتينية.
وفِقت بشراء قميص قطني، وبنطال من الكتان الهادئ الألوان، يناسبان العمل كثيراً، وعدت أدراجي باتجاه المدينة وكلي أمل أن ألتقي جاري"مانويل" الذي أدخل على يومياتي مساحة تجعلني أُفكر به من آن لآخر، قطعت العشر كيلومترات بتأن وسلامة ودخلت المدينة لأجد الازدحام قد ازداد، والساحات ممتلئة، بدأ يوم الأحد صيفياً حاراً بامتياز، لايُغري على المشي في الشوراع او الساحات، لكن لابأس من المشي في الحدائق ليلاً بعد مغيب الشمس تماماً.
دخلت منزلي الذي كان بارداً وقد عبقت أرجاؤه بروائح الياسمين، شعرت بشيء من السرور لقد بدد التسوق مللي وقلقي بعض الشيء بهذه الملابس البسيطة التي بدلت من نزقي، سأكون على أحسن مايرام صباح الغد، هكذا شعرت بينما بدأ المساء يتسلل رويداً رويداً فوق المنعطفات والدروب التي بدأت تزحف إليها خطوات المارة المتوجهة إلى الحدائق أو الاستراحات، وبدأت تسري في روحي شيئا من بوادر التفاؤل، لقد بدل مزاجي كثيراً التسوق وشرب القهوة على ضفاف البحيرة الصناعية.
علي التواصل عبر الانترنت، وإنجاز بعض الأعمال الكتابية المتعلقة بالعمل، المحاسبة مهنة جيدة لآنسة تفضل العيش بمفردها، عالم الأرقام مليء بالفوضى التي تحتاج إلى ترتيبات من خلال الجمع والطرح والقسمة والضرب، ومن خلال تنظيم جداول المبيعات والمشتريات، وعمل ميزانية توضح أين تذهب نثريات المصاريف التي ترهق الجيب كثيراً!هي مهمة ليست صعبة لكنها تحتاج إلى الصبر والتأني حتى لانقع في خطأ فادح يعرضنا لعقوبة تستهدف مرتبات عام بأكمله كثيراً ما أبتعد عن زميلات العمل لأنفرد بوضع ميزانية متوازنة تماماً، الدائن والمدين ونفسيتي يجب أن أُحدث توازناً ثلاثي الأبعاد حتى لا أقع بالخطأ الذي يعيدني لأولى أبجديات المحاسبة.
كثيرة هي الأرقام التي تمر علي، وكثيرة هي الأسماء التي يحمل أصحابها حسابات ضخمة العدد، تذكرت "مانويل" أظن بأن له اسماً بين أوراقي المحاسبية إنه يمتلك شركة للعطور، يدير حساباتها المكتب الملاصق لمكتبي، كنا ندقق في حسابات بعض التجار والمستثمرين، ووقع اسم "مانويل" أمامنا، إنه لا يتقن فن التلاعب بالأرقام أو الأسعار تماماً مثلنا مانويل شخصية جيدة، ينحدر من أسرة مالياتها أكثر من جيدة، لن يقع بالخطأ أبداً، إنه عهدي به.
وهكذا قضيت أكثر من ساعة أمام حاسوبي لإنجاز بعض من مهامي المحاسبية، ووسط روائح الياسمين التي ملأت الساحات والمباني، وعلى وقع الخطوات التي بدأت تخف شيئاً فشيئاً لتتوجه إلى تناول أو شرب المرطبات توجهت بدوري فور ابتعادي عن الحاسوب لشرب شيء من شراب التوت البارد الذي أحتفظ به في ثلاجة المنزل.
يتـبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــع
|