رد: رفقة الأمس
4
مرت ساعات الليل بسلام وهدوء واطمئنان، شعرت بتصالح مع داخلي نوعاً ما نهضت مع بزوغ الفجر نشيطة وبداخلي رغبة كبيرة لاحتضان الطبيعة بمختلف مكنوناتها، استبدلت ملابسي ثم فتحت نافذة الغرفة ليتسلل نسيم جبلي ينعش الأنفاس إلى أركان الغرفة التي مازالت تعلق بها روائح الزيوت العطرية التي عبقت بحوض الاستحمام ليلة أمس، فتحت التلفاز منتظرة موعد الفطور.
أغلب الفضائيات تركز على التمارين الرياضية صباحاً، سيكون لدي متسع من الوقت لممارسة الرياضة والجري واحتضان الطبيعة خلال أيام إجازتي، لدي الكثير ما أفعله برحلتي التي أتمنى أن تسير كما خططت لها، نظرت إلى ساعة الجوال إنها الثامنة موعد وجبة الفطور علي التوجه إلى المطعم العلوي بدأت أولى ساعات الإجازة، وعلي استغلال كل لحظة فيها.
دخلت قاعة الطعام، التي بدأت باستقبال محبي فصل الخريف، من هواة تسلق الجبال ومن محبي الكتابة والشعر وموسيقيين، لمحت وجه "مانويل"بين الوجوه، يتقدم نحوي باسماً ملقياً تحية الصباح، وكأس من عصير البرتقال بين يديه، هي عادتنا الصباحية منذ زمن ماتزال الذاكرة تختزنه، ملتصق بنا كما الجذور لن نقو على الانسلاخ عنه.
تبادلنا تحية الصباح، وبعض من عبارات الإعجاب بالديكور الجذاب للفندق والأجواء بشكل عام، القليل من الزبدة والعسل وسلطة، لجانب الأومليت بالخضار، وفطائر محشوة باللحم البقري، حسناً هذا جيداً ليوم سيكون حافلاً بالنشاط والحيوية، كانت الطيور تستعد لهجر أوكارها، تشد انتباه نزلاء الفندق وكانت الشمس باهتة ترسل بعض من أشعتها بتوهج فاتر للغاية، سحبٌ داكٍنة، زخات متفرقة من المطر، وعيون صديقي ترقب نظراتي أينما نظرت يتابع ماتقع عليه عيني.
انتهينا من تناول الفطور، وبدأنا برنامج الرحلة غير المخطط، لقد أحبط مخططي بقضاء عطلتي بمفردي، توجهنا إلى حيث الجبال بالعربات الهوائية، كنا على ارتفاع 1500م عن سطح البحر، وسط ديمات مسافرة، وجبال شاهقة نزلنا عند تل تكسوه بعض الثلوج وتوجهنا لاستئجار مستلزمات التزلج لازمته مرغمة حتى لا أتعثر بكرات الثلج ورغبة مني في ممارسة رياضة التزلج.
ارتديت المعطف والقبعة الصوفيةوالقفازات الجلدية، ما إن لبست الزلاجات حتى تعثرت بزلاجات فتاة كانت على وشك أن تبدأ بالتزلج فوق الهضاب، رمقتني بنظرة حادة للغاية، تريد جاري لها وحدها، كان عليك يامانويل إخباري بوجود صديقة لك، يجب أن تفهمها بأنني جارة الطفولة وبأن مرافقتك لي كانت مصادفة، لمحتها عندما دخلت إلى متجر "أدوات التزلج" سرعان ما تحدثت معه كأنها تبحث عنه، ولو أنها لم تجده لما دخلت إلى المتجر.
كانت تتحدث باللهجة المصرية الشامية، وتحاول إخفاء جنسيتها! في قسماتها ملامح شرقية، شعرها داكن السواد تميل للتعامل بعنف، سحبها من يدها "مانويل" لأترك بدوري كل ما يتعلق بالتزلج وأُعيدها إلى المتجر ، تواريت عن أنظار مانويل، وتوجهت إلى استراحة ريفية، يتوسطها موقد خشبي، طلبت كأس شاي وجلست إلى جانب الموقد لأُدفئ يدي قليلاً.
وصلني الشاي كان لذيذاً، أحسست بدفئه بين يدي، لمحت مانويل يدخل وحيداً إلى الاستراحة، داريت نفسي خلف الموقد، شعر بأنني لا أريد الحديث معه، اِقترب ليراني ثم اِبتعد تاركاً خلفه سحبا وعواصف خاطفة تثير في شجوني القلق والتأمل من المصادفة أو ربما اللقاء المُرتب مع صديقته التي أثارت غباراً ضبابياً ترمد له العيون!
شربت الشاي دامعة أتساءل عن سر مصادفة مانويل لي بعد تصفية شركته، واتجاهه إلى عمل آخر، هل يراقبني؟ومن تكون تيك الفتاة النحيلة، هل هي إسبانية أم عربية؟أنهيت الشاي لأُفاجأ بمانويل وقد سدد ثمنه!تسللت خلسة بين الحضور مُبتعدة عن مساحة التزلج لأعود في العربة الهوائية وحيدة بدون صديقي الذي انشغل بها صديقته التي على مايبدو جاء لأجلها.
كانت المسافة طويلة إلى الفندق، لم اكن أرى شيئاً في الآفاق، لقد غطى الضباب كافة المسافات حتى العربات الهوائية كانت تبدو وكأنها تسبح بين السحب المسافرة كما الناس المسافرون من قمة إلى وادي ومن تلٍ إلى مرتفع، تأملت السائحين في العربة من جنسيات وميول مختلفة، يتأملون الغمام الشارد بابتسامة وإعجاب بالطبيعة الجميلة التي لايتبدل جمالها إلا لترتدي عباءة الحُسن أكثر.
توقفت العربة، دون أن نشعر بالوقت كيف مضى بين الغيوم والسحب، ترجلت إلى الفندق بشيء من النزق ودخلت إلى صالة للألعاب الرياضية، صعدت بهدوء فوق جهاز لمشي، ورويدا رويدا بدأت المشي لأُزيد من سرعته متخطية حواجز الوقت شاردة الذهن لا أعلم كيف مضت الثلاثون دقيقة، كانت الموسيقى تملأ الصالة، وكانت الفتيات يتسابقن بحماس لتسجيل أرقاماً جديدة، الخريف فصل مميز حقاً.
أنهيت تمارين الرياضة، وتوجهت إلى الغرفة منهكة، متناسية ماحل معي صباح اليوم الأول من تواجدي بالفندق صعدت إلى غرفتي التي نسيت إغلاق نافذتها التي فتحتها صباحاً كانت وقد امتلات روائح الزيزفون الجبلي معظم أرجاءها تبدو كما غادة وسط الطبعية، لكن كيف نسيت إغلاقها، ولِم لم تقوم بإغلاقها مشرفات النظافة!؟أغلقتها متعجبة وأغلقت الستائر لتبدو الأجواء رومانسية اكثر.
ألقيت بنفسي في حمام السباحة، وسبحت في عالم ممتع للغاية متناسية إساءة صديقة مانويل حيناً من الزمن مستغربة من أمر النافذة المفتوحة على الجبل، وغطست حتى القاع، ثم عُدت إلى السطح عائمة مسترخية..أمضيت استراحتي بكل هدوء، ومع حلول العصر وبداية تأهب الشمس للمغيب، نزلت إلى بهو الفندق لأبدأ نشاط جديد بكل هدوء.
فاجأني"مانويل"باقترابه مني، محاولاً الحديث معي، بادلته التحية بابتسامة واعتذرت عن الجلوس لأن لدي الكثير ما أفعله ما هي إلا لحظات حتى لمحت ثلاثة أشخاص يدخلون من باب الفندق ما إن وقعت عيني مانويل عليهم حتى استئذن مُبتعداً باتجاههم لتظهر فتاة الثلج التي صادفتها نهار اليوم بكامل أناقتها مُتجهة نحو مانويل والأشخاص الذين قدموا، ما إن هممت بالنهوض حتى اِقترب أحدهم باتجاهي وكأنه يريد التحدث معي، لكنين نهضت مسرعة متجاهلة اِقترابه وكأنني مرتبطة بموعد هام للغاية علي اللحاق به.
كانت الشمس قد غابت تماماً خلف قمم الجبال، ودرجات الحرارة بدأت تميل للانخفاض، شعرت بالبرودة ومعطفي
الصوفي في الغرفة التي أحكمت إغلاق نافذتها وبابها أيضاً، لا رغبة لي في التحدث مع الأغراب ورحت أُحدِثُ نفسي
ـ سأذهب إلى أقرب مركز تسوق عله يكون دافئاَ أتعرف على المنتجات والعلامات التجارية الرائجة، ريثما تمضي هذه الليلة على خير.
وهذا ماحدث، على بعد500متر صادفتُ مركزاً للتسوق، مغلقاً ودافئاً، يغص بمختلف العلامات التجارية المشهورة والعادية، سرعان ماابتعتُ معطفاً مخملياً أنيقاً للغاية، بألوان الكاجو والفستقي الفاتح منحني إطلالة مختلفة ودفئاً وثقة بنفسي،هيأت نفسيتي للقاء "فتاة الثلج" والتحدث معها بدون أي تردد.
وهكذا أمضيت أكثر من ساعة ونصف بين المحلات والاستراحات اتنقل مستمتعة بالدفء والحرية، كُنت كما فراشة تمردت على الفصول بمباهجها وقساوتها، أتنقل بحرية وخفة الحياة تستحق أن تُعاش وصديقة الثلج لاتاثير لها عليّ تذكرت بأن مانويل بصدد تمويل لمشروع جديد، نعم ربما هي إحدى أركانه!نعم أو ربما هي التي ستحقق حُلمه بالسفر إلى "أرض الميعاد".
كل شيء ممكن، عليّ أن اكون حذّرة كل الحذر، وعدم التسرع بإقامة أي علاقات قد تؤثر على عملي وحياتي الخاصة انهيت جولتي وتوجهت إلى الباب الخارجي لمركز التسوق أريد العودة وقد إِدلهم المساء وشارف اليوم الأول لعطلتي على الاِنتهاء.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــع
|