الموضوع: رفقة الأمس
عرض مشاركة واحدة
قديم 02 / 04 / 2020, 46 : 11 PM   رقم المشاركة : [9]
Arouba Shankan
عروبة شنكان - أديبة قاصّة ومحاورة - نائب رئيس مجلس الحكماء - رئيسة هيئة فيض الخاطر، الرسائل الأدبية ، شؤون الأعضاء والشكاوى المقدمة للمجلس - مجلس التعارف

 الصورة الرمزية Arouba Shankan
 




Arouba Shankan has a reputation beyond reputeArouba Shankan has a reputation beyond reputeArouba Shankan has a reputation beyond reputeArouba Shankan has a reputation beyond reputeArouba Shankan has a reputation beyond reputeArouba Shankan has a reputation beyond reputeArouba Shankan has a reputation beyond reputeArouba Shankan has a reputation beyond reputeArouba Shankan has a reputation beyond reputeArouba Shankan has a reputation beyond reputeArouba Shankan has a reputation beyond repute

رد: رفقة الأمس

5
عندما وصلت إلى الفندق، كانت الساعة شارفت على الثامنة والنصف موعد العشاء، دخلت بحذر لاأريد أن ألتقي بأحد ولاأريد لمسائي أن يتعكر، صعدت إلى غرفتي بحذر شديد، وسرعان ما جهزت نفسي لجلسة عشاء خاصة بي، بالغت بالظهور أنيقة، كما بالغت بوضع العطر فوق معصمي، حملت شالي المخملي، وتوجه إلى قاعة العشاء بعد أن تأكدت من أن النافذة مغلقة تماماً، وبان أحداً لم يفتحها.
دخلت البهو المؤدي إلى قاعة الطعام، كانت يصدح في الأجواء الخريفية صوت "انكلبرت همبردينك" بكل رومانسية وشاعرية (للأسرار التي تخفيها عينيك، للحنان الذي تظهره، للطريقة التي تفهمها، لاأعرف أبدا ماذا أنا بالنسبة لك للطريقة التي كسرت كبريائي) منحتني كلمات الاغنية الكثير من التفاؤل والثقة لأدخل قاعة الطعام بكبرياء أُنثى لاتعرف التنازل أو الإنكسار.
حجزت طاولة لي بإطلالة على حوض السباحة الخارجي، كانت أجواء خريفية بامتياز، تمتزج الموسيقى بحفيف أوراق الشجر، كلما اهتزت أغصان الأشجار تطايرت أوراقها يمنة ويسرةً، فوق صفحة الماء لتضفي المزيد من السحر والبانورامية على المكان، تناولت ماتيسر من مقبلات وبعض من وجبة المساء، مع عصير البرتقال وتوجهت لطاولتي التي يتوسطتها مزهرية وشمعة متوهجة.
لم أعر أي انتباه للقادمين او المغادرين ممن أنهوا وجبات العشاء، كنت مستمتعة جداً بالموسيقى والنسيم المسائي العليل الذي منح نفسيتي الراحة والاسترخاء لأعود إلى التفكير من جديد بموضوع "مانويل" وصحبته! بدأت صالة الطعام تمتلأ، وبدأ الليل يدلهم، لمحت طيفها يقترب تلك الشابة التي يرافقها جاري لكنني لم أر ضيوفه الثلاثة الذين زاروه عصر هذا اليوم!
كانت تبدو عليه علامات الراحة والإنشراح وهو يتحدث معها، وكانت تبدو مهتمة بأمر ما، تشرحه له أو ربما توجهه لأجل شيء ما، استغربت من حشريتي التي هي ليست من طبعي، ومن اهتمامي المتزايد بمانويل، صديق الرحلة الذي انشغل بأخرى عن عمد وليس مصادفةً.
أنهيت كافة طقوس المساء من أكل ومراقبة واحتفاء بالطبيعة، وتوجهت إلى قاعة الموسيقى لسماع شيء يريحني بعد عناء يوم طويل مليئ بالمفاجآت والمصادفات، في تمام الساعة الحادية عشر والنصف توجهت إلى غرفتي رغبة مني بالاسترخاء والاستسلام للنوم.
مرت ليلتي على أحسن مايرام، غالبني التعب وغفوت بعمق حتى الصباح، كان في المنتجع الكثير من المـتع ووسائل التسلية ما شغلني كثيراً عن متابعة مانويل وفتاة الثلج، التي عادت للظهور بعد يومين من تغيبها عن المشهد، قضيت خلالها أمتع اللحظات بين أحضان الطبيعة وعلى ضفاف البحيرات الطبيعة الينابيع الحارة، لم أشأ الاقتراب أو الحديث مع فتاة الثلج، كلما صادفتها أسرعت للابتعاد والجلوس بعيداً تبدو وكأنها أتت لمهمة ما وعليها إنجازها، هاهو يقترب مانويل لأنهض مبتعدة عن أي مساحة نتواجد فيها.
بدا مانويل مستاءً مني، خاصة مبالغتي بالابتعادعنه بعد أن رأيت وجوه الغرباء الثلاثة، كسر عنادي واقترب مني متسائلا لِم الابتعاد وكأنه يقترب لغاية ما في نفسه، كنت متوجهة في طريقي إلى الاسطبلات القريبة لأمتطي حصاناً أسابِق به الريح، لكنه أصر على التحدث معي وبشدة، كأنني قرأت ما يدور في ذهنه من تكهنات، وفهم أنني فهمت مايريد ولن أوافقه على أفكاره المجنونة التي لن أؤمن بها، تجلدت أمامه وتماسكت لأنها عليه بالرد دفعة واحدة:
ـ إذا أردت الرحيل مع السلامة، ومشاريعك أنت حرٌ فيها، لتؤسس ما شئت من منشآت ومشاريع ليس بإمكاني منعك لكنني لن أدير أي مشروع خاص بك ولن أقف وراء أي رغبة تلوح بالتعاقد معي أو مع آخرين، لهم الطموح الذي يلازمك منذ عقود!
دخلت الاسطبل الذي كان بارداً، فاجأني حصان ممدود العنق، امتطيته وأطلقت العنان له، ليسابق الريح ومعه اِبتعد ت عن مانويل وما يدور في ذهنه من أفكار شيطانية، ارتسمت أمامي وجو الشباب الذين يخوضون مواجهات يومية مع العدو هناك بعد الحواجز حكايات مؤلمة تتوالى، وحناجر تهتف ضد صفقة القرن وما أدراني ما هي بنودها مرارا حاولت حفظها لكن عبثاً!
ما أجمله من حصان جعلني أُصدق نفسي "ربان برتبة فارس"تهوى الخيل، ولاتخشى ركوب البحر، كان يراني مانويل فوق صهوة جوادي أيام الجمعة والأحد في مراحل الثانوية الأولى، كانت الوجوه مندهشة تتابعني بإعجاب وربما بمقت لم أعبئ به، كان صهيل خيلي يمنحني القوة ويشعرني بالفخر والاعتزاز، يرفع معنوياتي ويمنحني العزيمة والتفاؤل بغد أنا أصنعه، ومستقبل زاهر صفحاته ناصعة.
كثيراً ما كنت أحاول التملص من أسئلة "مانويل" حول الغد، وماسيؤول إليه كل منا، عاد بملامح متطورة، أكثر مرونة وبأحلام مجنونة حقاً!
عدت بالحصان إلى الاسطبل، لأعاود اكتشاف جمال الطبيعة في فصل الخريف ترجلت بعيداً عن الخيل مرغمة وتركت لأقدامي حرية اختيار الدرب ريثما أصل إلى الفندق الذي اخترته للنزول فيه، كانت المنحدارت الجبلية جميلة للغاية تنبعث من بطونها مياه هدارة، تمنح محبي التخييم شعوراً مختلفاً، كان هواة التصوير يتوازعون الأمكنة للتصوير والتقاط الصور الجذابة والجميلة، أما محبي القلم وهواة التأليف فقد ابتعدوا ليرسموا جمال الأمكنة بالكلمات.
على بعد عشرات الأمتار توازعت الأكواخ الخشبية ببصماتها التراثية حيث مناحل العسل، ومربي الخراف الذين ينشغلون في تحضير المنتجات الحيوانية لبيعها للسائحين، أو لبيعها لأصحاب الاستراحات وتقديمها كوجبات أو مقبلات للعائدين من رحلات الصيد، أو من الاسطبلات أو من رحلات التخييم، توقفت بعض الشيء لالتقاط بضع صور أحملها معي لأجد مانويل من جديد برفقة صديقته واولئك الثلاثة الذين صادفتهم في الفندق مساء أول أمس!
على مايبدو هناك أمر ما، ألمح وجوههم متجهمة، والنقاش يحتد فيما بينهم، أحدهم كان يتحدث ببرود واضح ليحطم معنويات الآخرين، نظرت إلى فتاة الثلج التي باتت على وشك الانهيار، فنظرة منه كانت كافية لجعلها تفقد الأعصاب خيل إلي أنها تستنجد بمانويل الذي بدا عليه التوتر واضحاً تماماً، فاستدار مبتعداً لتلحق به رفيقته، ويلتحق بهما باقي أفراد المجموعة.
هممت بالعودة أيضاً وقد بدأ يحِلُ المساء، كانت خطواتي متسارعة حتي أني تخطيت شجرة تفاح جلس تحتها الشبان الثلاثة بدون "مانويل وصديقته" لاحظت انشغالهم بالحديث ومتابعة المارة، لم أشأ العودة وإثارة الاهتمام بي، سارعت في المسير أكثر وأكثر حتى بدأت المشي مهرولةً باتجاه الفندق الذي اقترب رحيلي عنه لانتهاء إجازتي بعد يومين لاأكثر. كانت رائحةً اللبلاب تزحف بين الدروب تعطرها وترشد الضالين من المارة إلى أماكن إقامتهم بكل رومانسية، تختلط بها روائح الزيزفون الجبلي القادم من مرتفعات الجبال ندياً يتغلغل في الأنفاس يمنحها الراحة والانتعاش لتسري في النفس مشاعر مختلطة تعيد تكوين مرتادي هذه المناطق، وتمنحهم الأمل والتفاؤل في الحياة سطور قاتمة لكن شعاع الشمس قادر على أن يخفيها بأشعته القوية سرعان ما تتبخر هذه القتامة كما تبدد غيوم المِحن، والسُحب الدخانية.
أخيراً، وبعد فلسفتي هذه وصلت إلى بهو الفندق الذي يستعد لتقديم وجبة العشاء لنزلائه المحترمين بكل حفاوة وتقدير، بينما ذاكرتي مازالت تعبئ وتخزن مشاهد الإثارة والتشويق لترافق حقيبة عودتي إلى منزلي بعد أيام قليلة لاأكثر. الآن علي مفاجأة زميلات العمل بإرسال مجموعة صور طبيعية التقطتها خلال رحلتي عبر الفيس بوك .

يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــع
توقيع Arouba Shankan
 

مازلت ابنة بلاط رباه في أعالي المجد بين الكواكب ذكره
أحيا على نجدة الأباة ..استنهض همم النبلاء.. وأجود كرما وإباءً
Arouba Shankan غير متصل   رد مع اقتباس