رد: ملف الخاطرة/عروبة شنكان
6
قصفت طائراتهم منزلا لي!
انا ياسيدي فتاة لم أبلغ العشرين من العمر، لي جديلة عنيدة، وقامتي طويلة، وهامتي لم تنحن سوى لخالقها، زرعت مرة في أرض الدار فسيلة قمح، وبعض من الليمون والبرتقال، عند زاوية منزلنا لي شتلات فل وريحان وجوري، لم تفقد هذه الممتلكات حضورها وألقها منذ أن هبت رياح الحرب من أعوام عشر، صمدت تحت القنابل وعصف الطائرات العملاقة والصواريخ العابرة لزوايا الغرف الحائرة.
تعبت من الانتظار، وتعبت معي عريشات الياسمين، لم أعد قادرة على ترميم ما تبقى في صدري من آلام وجراح، لقد هدموا كل ما في جعبتنا من قدرة على الصمود والتقوى، سعينا لإنها ء الحرب المدمرة، لقد سئمنا من قتل البشر دون وازع أو ضمير، سئمنا من وجع الحجر، وآنات الشجر، الضحايا تتكدس كما أوراق الخريف تسافر المدى، تطوي أوجاعها تاركة عبراتها في الجذور العتيدة، تتجزر ومعها تورق حكايات الورد الذي ارتوى من عميق آلامها!
لقد فشلت الجهود الإنسانية بتذويب جليد الانتظار، وجمود المباحثات، ها هي الطاولات بتوسع والكراسي بتكدس لكن الحرب لم تضع أوزارها، ومازلت يا سيدي أبحث بين لاوجوه عن رسم لأخ هزمته الآه الوحشية فتلاشى وتلاشت معه مشاعر الود والمحبة.
علينا أن نعيش اوجاعنا، وعلينا عدم الاستكانة للآلة الوحشية، لي انتمائي كفتاة رسمت مستقبلها حقول قمح ودوالي كروم وأملي أن تحل هذه الازمة ونعود لنرتوي من مياه الفرات ودجلة، والفيجة، لي آمالي بلم الشمل، ورفع راية موحدة فوق مشاعل النور.
لي مواقفي، ولي ما يشغلني من التفكير بهذا العالم المجنون، ترى ما الذي سيحدث في الغد الآتي؟ استغلال وجشع ونهب وتزايد الفقر والحاجة قلبي موجوع يا سيدي!بتزايد القواعد العسكرية وضررها الطائرات تقصف من كل جهة، والسلام كلمة عابرة للقلوب غير مستوفية العناصر، تحط عاجزة كما حمامة مبتورة الجناح.
لقد سئمت الأماكن التي تبحث عن الأمان، سئمت من انتظار القضاء على كورونا، وسئمت من انتظار مواعيد الصلاة وسئمت من صيام أصنام السلام، وكل اشكال الأوهام التي فصلتنا يمينا ويسارا، أمام حفنة من ذئاب الغدر والخيانة التي انصاعت لرسم الدولار وركعت لوشم اليورو، لم يبق سوى الحب في قلبي حبهم الذين يكوي ضلوعي، أمام غرق الكون بالعنف.
أنا ياسيدي، فتاة في العشرين من العمر، ولدي الكثير من الآلام التي أغرقتني بأوهام العزلة والوحدة، لي الكثير ما أقوله مع هبوب رياح الحرية التي تلوح نسائمها في روابي ضيعتنا العتيقة.
|