عرض مشاركة واحدة
قديم 03 / 07 / 2020, 52 : 09 PM   رقم المشاركة : [1]
يونس بومعزة
حاصل على شهادة الإجازة المهنية في ديداكتيك اللغة العربية بالمدرسة العليا للأساتذة بمدينة مكناس - أستاذ - يكتب الشعر ومهتم بالسرد العربي
 





يونس بومعزة is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

Gadid الفصاحة والبلاغة

الدرس الأول: الفصاحة والبلاغة
في الدرس البلاغي العربي القديم مقدمات من المهم لدارس علم البلاغة معرفتها، منها مبحث "الفصاحة والبلاغة"، هذه الثنائية التي سجلت حضورَها الواعي في التراث البلاغي العربي القديم، فانطلق منها البلاغيون بوصفها شرطا مبدئيا لولوج عالم الإبداع الأدبي.
1-الفصاحة
أ‌- تعريف الفصاحة
ïƒک في اللغة: الفصاحة في أصل الوضع اللغوي: الظهور والبيان، فهي من قولهم: أفصح الصبح إذا ظهر وأضاء، وأفصح اللبن إذا انجلت عنه رغوته فظهر، والكلام الفصيح ما كان واضح المعنى، سهل اللفظ، جيد السبك.
ïƒک في الاصطلاح: هي الألفاظ البيِّنة الظاهرة، المتبادرة إلى الفهم، والمألوفة الاستعمال بين النابهين من الكُتاب والشعراء لمكان حُسنها. وهي تقع وصفًا للكلمة، والكلام، والمتكلِّم.
ب‌- شروط الفصاحة
ï‚§ القسم الأول: شروط فصاحة الكلمة.
إن الكلمة تكون فصيحة صحيحة سلسة إذا خلت من العيوب التالية:
1- تنافر الحروف؛ يعني أن تكون حروفها متآلفة، غير متنافرة، والتآلف معناه أن يسهل النطق بها مجتمعة، إن تنافر الحروف وصف في الكلمة يوجب ثقلها على اللسان، وعسر النطق بها، نحو:
• المثال الأول: روي أن أعرابيا سئل عن ناقته فقال: "تركتها ترعى الهعخع".
• المثال الثاني: قال امرؤ القيس:

غدائره مستشزرات إلى العلا ****تضل العقاص في مثنى ومرسل

ïƒک نلاحظ الثقل في كلمتي( الهعخع – مستشزرات) وصعوبة النطق بهما، لذا فهما كلمتان خارجتان عن الفصاحة.
2- الغرابة في الاستعمال؛ تكون الكلمة غريبة وغير ظاهرة المعنى، إلا بعد النظر في كتب اللغة ومراجعة القواميس والمعاجم اللغوية.
• مثال: يروى أن عيسى بن عمر النحوي سقط يوما عن حماره فاجتمع عليه الناس فقال لهم:
"ما لكم تكأكأتم عليّ، كتكأكؤكم على ذي جنة؟ ! افرنقعوا عني".
ïƒک بالتأكيد لم يتضح معنى هذا الكلام، كون بعض الكلمات غير ظاهرة المعنى، نحو: تكأكأ بمعنى اجتمع، وافرنقع بمعنى انصرف، وذي جنة بمعنى: جنون، ومعنى هذا الكلام: ما لكم اجتمعتم علي كاجتماعكم على مجنون تنحوا عني؟! إن الكلمتين (تكأكأ - افرنقع) خارجتان عن الفصاحة لغرابتهما.
3- مخالفة القياس؛ يعني: القياس الصرفي، فما خالف القياس الصرفي، فإنه غير فصيح: ومخالفة القياس: كون الكلمة شاذة غير جارية على القانون الصرفي المستنبط من كلام العرب.
• مثال: قال الشاعر المتنبي:
فإن يكُ بعضُ الناس سيفًا لدولةٍ**** ففي الناسِ بُوقاتٌ لها وطبولُ
ïƒک إن القياس في جمع كلمة "بوق" هو: أبواق وليس بوقات.
4- الكراهة في السمع؛ بأن تكون الكلمة وحشية، تمجها الأسماع، وينفر منها السامع :
• مثال: قال الشاعر المتنبي:
مــبارك الاسم أغــرّ اللقبْ****كريم الجرشّى شريف النسبْ
إن المقصود بكريم الجرشي: أي كريم النفس، وكلمة (الجرشي) كلمة تستثقلها الأسماع لذا فهي كلمة خارجة عن الفصاحة.
 إذا كان في الكلمة شيء من هذه الأربعة، كانت غير فصيحة، فاللازم على الفصيح اجتناب هذه الأمور.
o القسم الثاني: شروط فصاحة الكلام
يشترط في فصاحة التركيب فوق جريان كلماته على القياس الصحيح وسهولتها الشروط التالية:
1- عدم تنافر الكلمات
يشترط أن يسلم التركيب من تنافر الكلمات، فلا يكون اتصال بعضها ببعض مما يسبب ثقلها على السمع، وصعوبة أدائها باللسان، كقول الشاعر:
وقَبرُ حَربٍ بمكانٍ قَفرٍ ** ولَيسَ قُربَ قَبرِ حَربٍ قَبرُ
ïƒک قيل إن هذا البيت لا يتهيأ لأحد أن ينشده ثلاث مرات متواليات دون أن يتتعتع، لأن اجتماع كلماته وقرب مخارج حروفها، يحدثان ثقلا ظاهرا، مع أن كل كلمة منه لو أخذت وحدها كانت غير مستكرهة ولا ثقيلة.
2- البعد عن ضعف التأليف
أن يسلم من ضعف التأليف، وهو خروج الكلام عن قواعد اللغة المطردة، كرجوع الضمير على متأخر لفظا ورتبة في قول حسان رضي الله عنه:
ولو أن مجدا أخلد الدهر واحدا****من الناس أبقى مجده الدهر مطعما
ïƒک إن الضمير في "مجده" راجع إلى "مطعما" وهو متأخر في اللفظ، وفي الرتبة لأنه مفعول به، فالبيت غير فصيح.
3- عدم التعقيد اللفظي والمعنوي

أ‌- التعقيد اللفظي:
وهو أن يكون في الكلام خفي الدلالة على المعنى المراد بسبب تأخير الكلمات أو تقديمها عن مواطنها الأصلية أو بالفصل بين الكلمات التي يجب أن تتجاور ويتّصل بعضها ببعض.
• مثال: قال المتنبي:
أنّى يكون أبا البرية آدام****وأبوك والثقلان أنت محمّد؟
ïƒک والوضع الصحيح أن يقول: كيف يكون آدام أبا البرية، وأبوك محمد، وأنت الثقلان؟ يعني أنه قد جمع ما في الخليقة من الفضل والكمال، فقد فصل بين المبتدأ والخبر وهما "أبوك محمد"، وقدّم الخبر على المبتدأ تقديما قد يدعو إلى اللبس في قوله "والثقلان أنت"، على أنه بعد التعسف لم يسلم كلامه من سخف وهذر.
ب‌- التعقيد المعنوي
ويجب أن يسلم التركب من التعقيد المعنوي، وهو أن يعمد المتكلم إلى التعبير عن معنى فيستعمل فيه كلمات في غير معانيها الحقيقية، فيسيء اختيار الكلمات للمعنى الذي يريده، فيضطرب التعبير ويلتبس الأمر على السامع.
• المثال الأول : قال عباس بن الأحنف:
سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا****وتسكب عيناي الدموع لتجمدا
ïƒک أراد الشاعر بجمود العين الفرح والسرور الموجب لعدم البكاء، وهذا خلاف المعنى المتفاهم.
• المثال الثاني: قال أبو تمام:
حذبت نداه غددوة السّبت جذبة****فخرّ صريعا بين أيدي القصائد
ïƒک فإنه ما سكت حتى جعل كرم ممدوحه يخرُّ صريعا وهذا أقبح الكلام.
4- كثرة التكرار وتتابع الإضافات
• مثال: قول المتنبي في فرسه:
وتسعدني في غمرة بعد غمرة****سبوح لها منها عليها شواهد غمرة
ïƒک تتابعت في البيت حروف الجر ومجروراتها وكذلك الضمائر مما أفضى إلى ثقل الكلام على اللسان. وتكرار غمرة أسقط عنها طاقة الإيحاء.
2- البلاغة
أ‌- تعريف البلاغة
• في اللغة: الوصول والانتهاء إلى الشيء، يقال بلغ فلان مراده إذا انتهى إليه. قال تعالى: (ولما بلغ أشده) أي: وصل، وبلغ الراكب المدينة: إذا وصل إليها، ومبلغ الشيء: منتهاه.
• في الاصطلاح: البلاغة هي وضع الكلام في موضعه من طول وإيجاز، وتأدية المعنى المراد أداء واضحا بعبارة صحيحة وفصيحة، لها أثر في نفس السامع، مع ملاءمة كلّ كلام للمقام الذي يقال فيه، وللمخاطبين به.
ب‌- عناصر البلاغة
عناصر البلاغة هي: اللفظ، والمعنى، وتأليف الألفاظ على نحو يمنحها قوة وتأثيرا حسنا ثم الدقة في اختيار الكلمات والأساليب على حسب مواطن الكلام، وموضوعاته، وحال السامعين، والنزعة النفسية التي تسيطر عليهم.
وفي البلاغة نميز بين :
ïپ¶ بلاغة الكلام: هي مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته ومقتضى الحال مختلف ومقامات الكلام متفاوتة، فمقام التنكير يباين مقام التعريف، ... ومقام الإيجاز يباين مقام الإطناب والمساواة، وكذا خطاب الذكي يباين خطاب الغبي.
ïپ¶ بلاغة المتكلم: فهي ملكة يقتدر بها صاحبها على تأليف الكلام البليغ، بحيث يكون مطابقا لمقتضى الحال فصيحا.
ت‌- علوم البلاغة
تضم البلاغة ثلاثة علوم:
1. علم المعاني: يختص بمعرفة كيفية بناء الجمل والتركيب بناء يتطابق مع مقتضى الحال.
2. علم البيان: يختص بمعرفة الطرق المختلفة التي يمكن التعبير بها عن المعنى الواحد بأكثر من صورة لفظية.
3. علم البديع: يهتم بوجوه تحسين الكلام مع مطابقته لمقتضى الحال.
ïƒک إن علوم البلاغة العربية تتكامل مع بعضها البعض كاشفة عن القيم الجمالية في كلامنا العربي الفصيح.
3- الفصاحة والبلاغة عند البلاغيين العرب.
أ‌- عند المتقدمين: يرى الإمام عبد القاهر الجرجاني، وجمع من المتقدمين، أن الفصاحة والبلاغة شيء واحد (البلاغة تساوي الفصاحة).
ب‌- عند المتأخرين: ذهب جمع من البلاغيين المتأخرين كابن الأثير، والسكاكي، والخطيب القزويني، إلى التفريق بين الفصاحة والبلاغة، واعتبروا أن الفَصَاحة مقصورة على وصف الألفاظ، والبَلَاغة لا تكون إلَّا وصفًا للألفاظ مع المعاني.
4- علاقة الفصاحة بالبلاغة
إن البلاغة أعم من الفصاحة؛ لأن البلاغة تكون وصفا للألفاظ مع المعاني، أما الفصاحة فهي مقصورة على وصف الألفاظ فقط هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الفصاحة توصف بها الكلمة المفردة و الكلام المركّب و المتكلّم، فيقال لفظة فصيحة وكلام فصيح و رجل فصيح، أما البلاغة فيُنعت بها الكلام و المتكلّم فقط، فيقال: كلام بليغ و رجل بليغ.. ولا يقال في كلمة واحدة إنها كلمة بليغة وإن قيل فيها فصيحة، ومنه فإن البلاغة لا تكون إلا في اللفظ والمعنى بشرط التركيب، لذلك قيل "إن كل كلام بليغ فصيح، وليس كل فصيح بليغا".


المصادر والمراجع المعتمدة
- ابن منظور: لسان العرب، دار صادر، بيروت-لبنان.
- ابن فارس: مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الفكر، 1979.
- ابن سنان الخفاجي: سر الفصاحة، تحقيق: عبد المتعال الصعيدي، مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح، مصر، 1952.
- ابن الأثير: المثل السائر، دار نهضة مصر للطبع والنشر، الفجالة-القاهرة.
- السكاكي: مفتاح العلوم، تحقيق: عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان.
- الخطيب القزويني: التلخيص في علوم البلاغة، دار الفكر العربي .
- علي الجارم ومصطفى أمين: البلاغة الواضحة "البيان والمعاني والبديع"، دار المعارف.
- عبد العزيز عتيق: علم المعاني، دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت-لبنان، 2009.

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
يونس بومعزة غير متصل   رد مع اقتباس