الدرس الثاني : التشبيه المرسل و التشبيه المؤكد
الدرس الثاني : "التشبيه المرسل و المؤكد "
إنجاز الأساتذة:
فاطمة الزهراء بحوص – نزهة الكعبي_ محمد الطاهري (الفوج 1)
_________________________________________________
سلام المحبة و الود، أرجو أن تكونوا بخير.
بداية نشكر الدكتورة المتميزة "رجاء بنحيدا" على تحفيزها المستمر.
إليكم الدرس الثاني الذي يخص موضوع "التشبيه المرسل و المؤكد"، و بما أنه أول درس تعليمي في التشبيه، فقد ارتأينا أن نبدأ بتعريف التشبيه أولا لننتقل إلى تحديد أركانه الأساسية باختصار شديد، وعلاقة هاته الأركان بأنواع التشبيه، لنقف عند موضوع الدرس، و الذي يخص التشبيه "المرسل و المؤكد".
بعد ذلك سندعكم مع تطبيقات الدرس كتقويم إجمالي.
إعداد الدرس: فاطمة الزهراء بحوص___________________________ ______________________________________على بركة الله_____
1_ مفهوم التشبيه:
أ - لغة:
التمثيل: و هو مصدر مشتق من الفعل «شبه» بتضعيف الباء، يقال شبهت هذا بهذا تشبيها، أي مثلته به.
ب - اصطلاحا:
يعرفه ابن رشيق في العمدة بقوله : « التشبيه صفة الشيء بما قاربه وشاكله من جهة واحدة أو جهات كثيرة، لا من جميع جهاته، لأنه لو ناسبه مناسبة كلية لكان إياه. ألا ترى أن قولهم» «خد كالورد» إنما أرادوا حمرة أوراق الورد وطراوتها، لا ما سوى ذلك من صفرة وسطه وخضرة كمائمه».
إذن اصطلاحا: التشبيه هو عقد مماثلة بين أمرين أو أكثر، لاشتراكهما في صفة أو أكثر؛ بإحدى الأدوات لفظا أو تقديرا لغرض يقصده المتكلم.
و تنشأ بلاغة التشبيه من أنه ينتقل بك من شيء أو أشياء شاركت غيرها في صفة أو أكثر، أو في صورة تمثله. و كلما كان الانتقال بعيدا لا يخطرعلى بال أو ممتزجا بالخيال كان التشبيه أروع و أدعى إلى الإعجاب بالمماثلة. و هذا الإبداع في عقد المشابهة لن يتجسد إلا بحضور أركان التشبيه التي تتضمن ماهو أساسي و ماهو قابل للحضور و الغياب. إذن ما هي أركان التشبيه ؟
2_ أركان التشبيه:
المشبه: هو الركن الرئيس في التشبيه، تخدمه الأركان الأخرى، ويغلب ظهوره لكنه قد يضمر للعلم به على أن يكون مقدرا في الإعراب، وهذا التقدير بمنزلة وجوده.
المشبه به: تتوضح به صورة المشبه، ولابد من ظهوره في التشبيه.
_و يسمى الركنان الأولان- و هما المشبه و المشبه به- طرفي التشبيه.
وجه الشبه: هو القاسم المشترك أو المعنى الجامع بين طرفي التشبيه، و يكون في المشبه به أقوى منه في المشبه.
أداة التشبيه: هي اللفظ التي يتم بواسطته التشبيه، و قد يكون ملفوظا أو مقدرا في أحد أنواع التشبيه.
بالنسبة للأداة الملفوظة التي تدل على المماثلة فتنقسم إلى:
الحروف: الكاف و كأن.
الأسماء : نحو مثل و شبه.
الأفعال : نحو : يحاكي و يضاهي، و أفعال اليقين و الرجحان، مثل ظن و حسب و خال.
3- أنواع التشبيه بحسب أركانه:
لقد تنوع التشبيه بحسب حضور أو غياب أركانه، خصوصا تلك التي تقبل الغياب لفظا لغرض يقصده المتكلم، لكنها تقدر بواسطة تأويل يبقى مقيدا بالقرائن و المؤشرات المتضمنة في جملة التشبيه، لذلك انقسم التشبيه إلى مؤكد و مرسل، و مفصل و مجمل، و بليغ ، ثم ضمني و تمثيلي، رغم أن هذين النوعين الأخيرين؛ لا تؤتثهما خصوصية حضور و غياب الأركان ؛ و التي ترتبط أشد الارتباط بباقي الأنواع المذكورة.
(سيتطرق الأساتذة إلى كل أنواع التشبيه مع الدروس المقبلة بإذن الله تعالى)
كان هذا محورا موجزا حول مفهوم التشبيه و أركانه و أنواعه، على أن ننتقل إلى التشبيه المرسل و التشبيه المؤكد باعتباره موضوع هذا الدرس. إذن ما المقصود بالتشبيه المرسل ؟ و التشبيه المؤكد ؟ و أين تتجسد ظاهرة الحضور و الغياب فيهما من حيث الأركان ؟
التشبيه المرسل و التشبيه المؤكد:
1- التشبيه المرسل:
لنتأمل الأمثلة التالية مع تحليلاتها:
أنا كالماء إن رضيت صفاء و إذا ما سخطت كنت لهيبا
يشبه الشاعر نفسه في حال رضاه بالماء الصافي الهادئ، و في حال غضبه بالنار الملتهبة. مستثمرا أداة الكاف للربط بين طرفي التشبيه. حيث أن الأداة تعد حجة بارزة على التشبيه.
مدح أعرابي رجلا فقال :
له هزة كهزة السيف إذا طرب و جرأة كجرأة الليث إذا غضب
يشبه الشاعر هزة الممدوح في حال طربه بهزة السيف، كما يشبه جرأته في حال الغضب بجرأة الليث، مستثمرا في كلا التشبيهين أداة الكاف.
استنتاج: 1
نستنتج من الأمثلة أعلاه أن أداة التشبيه حاضرة، و هذا ما يسمى بالتشبيه المرسل، مادام المتكلم يفصح بواسطتها عن عقده المماثلة بين عنصرين، كما أن الأداة تعد حجة بارزة على التشبيه، و حضورها ليس كغيابها، ورغم أن الكاف هي الغالبة في الحضور، فهذا لا يمنع حضور أسماء و أفعال التشبيه كما سنرى في التطبيقات بشكل واضح.
2-التشبيه المؤكد:
لنتأمل الأمثلة التالية مع تحليلاتها:
قال النابغة الذبياني:
فإنك شمس و الملوك كواكب إذا طلعت لم يبد منهن كوكب
شبه الشاعر ممدوحه، بالشمس، و شبه الملوك بالكواكب، لكنه ركز على مركزية ممدوحه لكونه شمس حين تشرق تختفي الكواكب ، ولأن إطلالة الشمس تحجب رؤية الكواكب. أما أداة التشبيه فهي مضمرة كما هو واضح، لكن يمكن تقديرها، و إضمارها هذا لن يكون اعتباطيا؛ بل غرضه تأكيد الادعاء للقارئ، و كأن الممدوح فعلا شمس، و الملوك فعلا كواكب، و ما زاد من هذا التأكيد هو الصورة التي وردت في الشطر الثاني. و هذا من شأنه أن يوهم القارئ بأن المشبه هو عين المشبه به.
_العالم سراج همه تبديد ظلمة الجهل.
شبه القائل: العالم بالسراج، في تبديد الظلمة، لكن الأداة حذفت لتأكيد ادعاء ؛أن العالم سراج فعلا و ليس كالسراج فقط.
_ أنت أسد ، كرمك بحر، قولك شعر، حديثك شهد.
نفس الشيء نلحظه في هذا المثال، حيث أضمرت الأداة لأجل البرهنة على أن المشبه عين المشبه به. و لا فرق بينهما، في حين أن تقدير الأداة يبقى دائما وارد.
استنتاج:2
نستنتج إذن أن التشبيه المؤكد، هو ما حذفت فيه الأداة، وتأكيد التشبيه حاصل من ادعاء أن المشبه عين المشبه به، و كأن المتكلم بإضماره لأداة التشبيه لا يفصح عن عقده المماثلة بين عنصرين بينهما قواسم مشتركة، و إنما يدعي بشكل مؤكد أن المشبه هو المشبه به، و لا فرق بينهما، بل يشتركان في كل الصفات، و في هذا إيهام للقارئ بصحة الادعاء من أول وهلة.
كما يعد التشبيه المؤكد أبلغ من التشبيه المرسل وأوجز؛ فمعنى "أبلغ" فلجعل المشبه مشبها به من غير واسطة، فإنك إن قلت: زيد أسد كنت جعلته أسدا من غير إظهار أداة التشبيه، أما بالنسبة لمعنى أوجز فلحذف أداة التشبيه منه.
ولقد أثبت السكاكي قوة بلاغة التشبيه المؤكد على التشبيه المرسل وذلك في قوله: "ترك كلمة التشبيه (أداة التشبيه) كقولك زيد أسد في الشجاعة؛ وفيها نوع من القوة".
خلاصة:
التشبيه المرسل هو ما صرح فيه المتكلم بأداة التشبيه سواء كانت حرفا أو اسما أو فعلا.
أما التشبيه المؤكد هو ما أضمر فيه المتكلم أداة التشبيه لغرض يريده هو؛ كأن يوهم القارئ أن المشبه هو عين المشبه به.
تطبيقات التشبيه المرسل والمؤكد مع تحليل الشواهد:
من إعداد: ذ. نزهة الكعبي و ذ. محمد الطاهري
قال الشاعر:
أنت نجم في رفعة وضياء تجتليك العيون شرقا وغربا
شبه الشاعر الممدوح بالنجم في الرفعة والضياء من غير أن يذكر أداة التشبيه وذلك لتأكيد الادعاء بأن المشبه عين المشبه به، وهذا ما يسمى بالتشبيه المؤكد.
قال المتنبي:
أين أزمعت أيهذا الِهُمام؟ نحن نبت الرُّبا وأنت الغمام
جعل الشاعر وجود الممدوح شبيها بالغمام التي تحيي الأرض بعد موتها، حاذفا أداة التشبيه ليؤكد أن المشبه عين المشبه به، ويسمى هذا النوع بالتشبيه المؤكد.
قال ابن الرومي:
فكأن لذة صوته ودبيبها سنة تمشى في مفاصل النعس
وصف الشاعر عذوبة إيقاع المغني وحسن صوته بأوائل النوم الخفيق الذي يسري في الجسم، موظفا أداة التشبيه كأن، ويدعى هذا النوع من التشبيه بالمرسل.
قال المعري:
أنت كالشمس في الضياء وإن جا وزت كيوان علو المكان
ماثل الشاعر بين الممدوح والشمس الثابت رغم علو مكانها وابتعادها في الضياء والإشراق ، وقد دلت أداة الكاف عن المماثلة، وهذا ما يسمى بالتشبيه المرسل.
قال المتنبي:
تشرق أعراضهم وأوجههم كأنهما في نفوسهم شيم
شبه المتنبي إشراق الأعراض والوجوه بإشراق الشيم أي الأخلاق الطيبة، فإشراق الوجوه ببياضها وإشراق الوجوه بشرفها وطيبتها، وقد ذكر أدة الكاف، مما جعلنا نقف عند الشبيه المرسل.
قال االله تعالى:
(ترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مراالسحاب) سورة النمل الآية: 88
شبه الله عزوجل مرور الجبال بسير السحاب في السرعة، أي أن الجبال تُرى يوم ينفخ الصور تسير في الهواء كسير السحاب الذي تسوقه الريح.
إن الملاحظ في هذه الآية الكريمة وجود أداة التشبيه "الكاف" مما يؤكد على أننا بصدد تشبيه مرسل.
الحياء شجرة مثمرة.
في هذا المثال شبهنا الحياء بالشجرة المثمرة، فالمشبه هو الحياء والمشبه به هو الشجرة المثمرة ووجه الشبه هو السخاء والعطاء وأداة التشبيه محذوفة، ومنه فالتشبيه هنا مؤكد.
قال الشاعر:
العمر مثل الضيف أو كالطيف ليس له إقامة
شبه الشاعر في هذا البيت العمل بالضيف وجعل المشبه هو العمر والمشبه به هو الضيف وذكر أداة التشبيه ( مثل) ووجه الشبه في عبارة ( ليس له إقامة ) دليل على التحول والانتقال المستمر، ومنه فالتشبيه هنا مرسل بذكر الأداة .
قال تعالى :
" وله الجواري المنشأة في البحر كالأعلام "
شبه الله عز وجل الجواري وهي السفن بالأعلام وهي الجبال فالمشبه هي الجواري والمشبه به هي الجبال أما وجه الشبه فهو الارتفاع والعلو والضخامة أما الأداة فهي الكاف، ومنه فالتشبيه هنا يسمى مرسلا.
____________________________________________
___تطبيقات للاشتغال (إعداد :ذ. فاطمة الزهراء بحوص)_____
حلل الأبيات الشعرية التالية مركزا على نوع التشبيه فيها :
قال بدر شاكر السياب في قصيدته "أنشودة المطر":
عيناك غابتا نخيل ساعة السحر
أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر
عيناك حين تبسمان تورق الكروم
وترقص الأضواء... كالأقمار في نهر
يرجه المجذاف وهنا ساعة السحر
كأنما تنبض في غوريهما النجوم...
قال البحتري:
قصور كالكواكب لامعات يكدن يضئن للساري الظلاما
قال الشاعر:
أنا نار في ملتقى نظر الحا سد ماء جار مع الاخوان
قال أبو القاسم الشابي:
عذبة أنت كالطفولة كالأحــــــلام كاللحن كالصباح الجديد
كالسماء الضحوك كالليلة القمراء كالورد كابتسام الوليـــد
قال الشاعر:
وتراه في ظلم الوغى فتخاله قمرا يكر على الرجال بكوكب
قال المرقش:
النشر مسك و الوجوه دنا نير و أطراف الأكف عنم
قال أبو بكر الخالدي :
يـــــــا شبيه البدر حسنا وضياء ومنالا
وشـــــبيه الغصن لينا وقواما واعتدالا
أنــــــت مثل الورد لونا ونسيما ودلالا
قال ابن المعتز:
بدر و ليل و غصن وجه و شعر و قد
خمر و ذر وورد ريق و ثغر و خد
_____________________________و الله ولي التوفيق
قائمة المصادر و المراجع المعتمدة:
ابن رشيق القيرواني : العمدة في صناعة الشعر ونقده ج1 .
علي الجارم، ومصطفى أمين البلاغة الواضحة، دار المعارف 1999.
محمد أحمد قاسم، محي الدين، علوم البلاغة ( البديع والبيان والمعاني)، لبنان 2003 .
: عبد الفتاح فيود، علم البيان دراسة تحليلية لمسائل البيان، القاهرة 2015.
عبد العزيز عتيق، في البلاغة العربية علم البيان، دار الطباعة العربية للطباعة للطباعة والنشر، 1985،
أبو يعقوب يوسف ابن أبي بكر مجمد بن علي السكاكي، دار الكتب العلمية، لبنان ط2، 1987،
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|