08 / 08 / 2020, 23 : 10 AM
|
رقم المشاركة : [1]
|
مديرة الموقع المؤسس - إجازة في الأدب ودراسات عليا في التاريخ - القصة والمقالة والنثر، والبحث ومختلف أصناف الأدب - مهتمة بتنقيح التاريخ - ناشطة في مجال حقوق الإنسان
|
بيروت يا عشقاً لا يموت / هدى الخطيب
شهور مرّت عليّ وأنا مغيبة.. واجمة.. ذاهلة كصخرة جامدة عاجزة عن التحرك والتفكير .. خارج الزمان والمكان ، أشغل نفسي بحديقة منزلي رغم المرض حتى الإجهاد بلا حاجة ولا سبب .. فلحت التراب مرّات وقضيت ساعاتي فيها في كل الأوقات تحت الشمس الحارقة وتحت المطر.. وجلدي فريسة لحشراتها ، لا يشاركني فيها غير السناجب والغربان وحين تأت العصافير تغرد وتشدو ألحانها كنت لا أحفل بها ، لأن نعيب الغربان كان أكثر شبها بذلك الصوت الذي أسمعه في أعماق ذاتي .. لعلّي كنت أعاقب نفسي وجسدي المنهك..!
لم أقترب من الشبكة العنكبوتية .. حتى موقعي نور الأدب هجرته والمجلة أهملت متابعة تطويرها وتركت كل منهما على سيرفر ودومين مستقل عن الآخر، والتكاليف تتراكم عليّ ولم تزل ..أغلقت الجهاز تماما ولم أكن أرد حتى على الهاتف .. الجوال فرغ شحنه ومات أو كاد طوال الأشهر الماضية وهاتف البيت إن لم يجد غيري في البيت فلن يجد رداً..!
منذ أن خنقتني صدمة الحرب الجديدة على البشرية والاتجار بها، وداست بشراسة على إنسانيتي واحترامي لانسانية الإنسان وقيمة الحياة وحرمتها، بتّ يائسة ذاهلة من أي بصيص نور لهذا العالم ، ربما لأني لم أصغ لكل ما تناقلته وسائل الإعلام ولأن ما ترسخ في ذهني هو ما قرأته منذ سنوات عن خطة التخلص من الفائض البشري في الكرة الأرضية بفايروس ما يعد ويعد معه لقاح سري خاص بالنخبة فقط – نخبتهم - ربما ..!
ما علينا .. فهذا موضوع يطول الحديث به وفتح ملفاته وتناولها..!
حاولت أن أستعيد نفسي مرات وكنت أفشل .. حتى آخر محاولة باهتة فاشلة في العيد...
وسط هذا الموت صاعقة كهربائية هائلة اخترقتني من رأسي وحتى أخمص قدمي ورمتني على قارعة العشق التي تحترق..!
زلزال هائل تخلخل له كياني وكل ما تبقى من ذاتي التي تذرف ذاتها وهي تدور في دوامة الأسئلة البديهية لما تعلمناه أطفالاً وفقدناه كباراً ....
إنه لبنان مسقط الرأس .. الكلمة الأولى والخطوة الأولى.. الضحكة والدمعة والمدرسة .. ملعب الطفولة والخطوات الصاخبة فوق الأرصفة وووو.. لبنان الذي أعشق مهما أطفؤوا أنواره ومهما طال أمد الفراق ..
فاجعة إسمها: "هيروشيما بيروت " ..!
آه بيــــــــــــروت يا درّة الشرق الذبيحة..!
صدمة تشل وصدمة تصعق بألف تيار كهربائي يشعل فينا براكين الجنون..!
بيروت منارة الأمس وأول مدرسة للحقوق في التاريخ..
بيروت مأوى الثوار من كل حدب ومقهى المثقفين وملجأ الأحرار والمرآة التي كانت تتفاعل مع كل مواجع العرب من الجزائر إلى فلسطين.. عاصمة الطبابة والأزياء والجمال.. سويسرا الشرق وجسر الحضارة بين الشرق والغرب..
بيروت مدينة القبضايات الذين دوخوا المستعمر وأمام حبل المشنقة كان يقف البيروتي بقمبازه قائلا: " المشنقة أرجوحة الأبطال "
اجتاحها الاسرائيلي وحين تجرأ بالتجول في شوارعها رشوه بالرصاص ..
كبريائها .. شموخها.. وعيها.. ثقافتها..مسارحها.. منتدياتها الثقافية.. مطابعها....
ما زلت أذكر منذ سنوات طويلة وفي أول زيارة إلى لبنان بعد غياب دام ثلاث سنوات .. حين حلقت الطائرة فوق بيروت ورأيتها من الجو أصابتني نوبة عصبية لم أستطع تمالكها، فكنت أبكي كالأطفال وأنشج وأرتجف بشدّة إلى حد لم أستطع السيطرة فيه على نفسي وكل من حولي في الطائرة يحاول تهدئتي والبعض أصابته العدوى وأخذ يبكي ..
آه بيروت..
منذ خُطفت بيروت من أهلها .. منذ أرادوا تغيير ملامحها وتقزيمها..
منذ تسلمها الفساد وساد عليها أمراء الحرب ...!!
آه
منذ ثورة تشرين على الطائفية والفساد وأنا أتوقع مصيبة ..!
لكني أبداً لم أتوقع أن تذبح بيروت وأهلها وتحرق بهذا الشكل
الذي حدث أكبر من إهمال وأقذر .. الذي حدث لا يتوقعن أحد أن يكشفه أرباب الفساد..!
صبراً بيروت .. مرّت بك الكثير من الأوجاع .. هذه النيران التي أحرقتك ستحرق كل متآمر عليك ومتستر، وأنوارك لا بد أن تشرق من جديد وتعودين منارة الشرق.
هدى نورالدين الخطيب
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|
|
|
|