الموضوع: فصول حب
عرض مشاركة واحدة
قديم 02 / 09 / 2020, 46 : 04 AM   رقم المشاركة : [1]
خولة السعيد
مشرفة / ماستر أدب عربي. أستادة لغة عربية / مهتمة بالنص الأدبي


 الصورة الرمزية خولة السعيد
 





خولة السعيد will become famous soon enough

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

فصول حب

كان الحب خريفا، كل أوراقه متساقطة أرضا، وقد تعرت الأشجار من وريقاتها، وغادرتها ثمارها، فظلت فروعها والجذوع يلفحها الجو بطقوسه، وحل الشتاء وتساقطت أمطار، فأينعت عن بعد وردة بلون شديد البهاء لا يماثله لون في الدنيا، لكن تلك الوردة كان عطرها يفوح بكل ركن في البلاد، ومع ذلك لا يزعم أحد على قطفها، فمنهم من رآها شائكة وخاف أن تدمي أنامله الخشنة، ومنهم من فضل أن ينظر لجمالها ويشتم عطرها الفواح عن بعد كي لايؤذي جمال الطبيعة، وفي آخر شهر من فصل الشتاء، تلاقت روح الوردة مع روح شجرة بعيدة كادت تفقد الأمل في الكساء مجددا بعد ذلك الخريف الذي حرم الوردات والزهرات المحيطة بها من ظلها... وتساقطت أواخر قطرات غيث الشتاء وتقابلت الروحان ... استأنستا، وكلما تهاطل الغيث كلما وفرت الشجرة ظلها للزهرة التي تعلقت روحها بها من مكان بعيد، وكلما تساقط الغيث كلما عم عبق طيب من الزهرة الجميلة ليملأ كوكب الأرض، وحل الربيع، فكان العناق، تعانقت الروحان، تلاحمتا، عن بعد همستا حبا، أيعقل أن يتم حب بين شجرة ووردة/ زهرة؟ منعت الشجرة ظلها عن كل المريدين، عن المارين والزائرين، منعته عن وردات عرفتهن قبلا، وعن زهرات لمحتهن أخيرا فلم تهتم؛ وأوقدت شموع الحب وأضاءت بكل الكواكب شموس الحب..
وأغصان الشجرة وجذوعها وكل ما فيها يراقص ساق الزهرة وأوراقها في نشوة وطرب .. وصارت الشجرة لا ترسل ظلها إلا لتلك القريبة البعيدة، لتلك التي سكنت القلب، فتلاقت روحاهما معا وسط الأرض وبين السماوات ، وها قد جاء الصيف، واشتد لهيب الحب وحرارة الشوق ورغبة اللقاء تشوي كليهما، لكن الشجرة أجهدها الحر فكانت تحتفظ بالظل لنفسها وصارت تتمنع من أن تظلل وردتها، بل قد أصبحت ترى أنه من الأفضل أن تظلل وردات أحطن بها وهن أقرب إليها، أما تلك التي علقت بها روحها فستظل هناك بعيدة وستجهدها وهي ترسل لها كل مرة ظلا لتحميها به، صفرة الشمس تذبل الزهرة، لكن عطرها ما زال يحافظ على عبقه الجميل، النسيم الذي ينشر صداه بكل البلاد.. أوشك الصيف أن ينقضي، وبدأ الخريف يطرق أبوابه من جديد .. ذبل الحب وتساقطت أوراقه صفراء بنية يدوسها المارون بأقدامهم دون أن يقرأوا سطورها، دون أن ينتبهوا لأنهم يدوسون قلب زهرة تناثر أشلاء..
وقبل مقدم الخريف حل الخريف فقد كانت الشمس شديدة الصفرة صيفا أحرقت الحب اليانع الطري قبل أن يتم نضجه، أحرقته لأنه ما كان معقولا أن يكون بين شجرة وارفة الظلال وبين زهرة .... تحتاج لظل .. أحرقت الشمس بلهيبها كل حياة.. واصفرت الدنيا، وتساقطت الأوراق، وتعرت الأشجار... وذبلت الزهرة لكنها ظلت تحتفظ ببريقها رغم الذبول، بعطرها فواحا رغم انحناء ساقها.. وتعتصر ألما لتخرج من ذاتها قطرات الندى فتسقي حالها وتروي حبا بقلبها تحتفظ به لنفسها

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
خولة السعيد غير متصل   رد مع اقتباس