09 / 11 / 2008, 47 : 10 AM
|
رقم المشاركة : [1]
|
مديرة الموقع المؤسس - إجازة في الأدب ودراسات عليا في التاريخ - القصة والمقالة والنثر، والبحث ومختلف أصناف الأدب - مهتمة بتنقيح التاريخ - ناشطة في مجال حقوق الإنسان
|
أفاميا، أكروبول سوريا .. بقلم الدكتور رياض نعسان آغا
ملف مرفق 430
[align=justify]
زرت أفاميا للمرة الأولى في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، وكنت في رحلة مدرسية لم تتح لي فيها طفولتي فرصة التأمل المعرفي، ولكنها تركت صور أفاميا حية في ذاكرتي سنين طويلة حتى عدت إلى زيارتها مرات، وأذكر أن المرة الثانية كانت إلى قلعة المضيق، أتفرج على هضبة أفاميا (أكروبول سوريا) وقد هدمت الزلازل هذه القلعة الحصينة مرات، لكن نور الدين زنكي أعاد بناءها وأعاد لها دورها العسكري الضخم، لكنها أهملت في زمن العثمانيين، وكنت دائماً أشعر بأن مدينة أفاميا الأثرية الفريدة لم تحظ بما يليق بها من اهتمام شعبي ورسمي، فقد أوشك اهتمامنا بتدمر وبصرى أن ينسينا أهمية أفاميا وهي لا تقل عنهما في عظمة البنيان الضخم الذي لا يزال إلى اليوم شاهد حضورها التاريخي الكبير، بل إن أفاميا تمتاز بالقرب من الحواضر الكبرى، فهي تبعد عن حماة مسافة ستين كيلومتراً فقط، وكانت في التاريخ القديم واحدة من أهم عواصم سوريا إلى جوار أنطاكية واللاذقية، وهي تعود إلى العصور البرونزية والهلنستية والرومانية والبيزنطية والإسلامية، وقد أعاد تأسيس أفاميا سلوقوس نيكاتور عام 300 ق• م، ويقال إنه هو الذي أطلق عليها اسم أفاميا تكريماً لزوجته (أباما)، وجعلها عاصمة مملكته السلوقية، لكن المدينة سقطت في أيدي الرومان سنة 46 قبل الميلاد، ثم خضعت للبيزنطيين ثم الفرس، ثم استعادها هرقل حتى حررها العرب المسلمون عام 638 ميلادية، وأثناء الغزو الصليبي ضمها الصليبيون إلى أنطاكية، إلى أن حررها نور الدين زنكي أواخر القرن الحادي عشر الميلادي، وأهم ما في أفاميا إلى اليوم شارعها الطويل الذي يمتد قرابة 1850 متراً تمتد على جانبيه وعلى امتداده الأعمدة الحلزونية الرائعة التي أعيد ترميمها من قبل وزارة الثقافة، وفي المدينة مسرح نفكر في إحيائه عبر إقامة مهرجانات فيه على غرار مهرجاناتنا الفنية في بصرى وتدمر، وفي المدينة كاتدرائية وآثار كنائس ومسجد قديم ، وثروة ضخمة من اللوحات الفسيفسائية البديعة التي كشفت عنها بعثات أثرية تنبهت إليها منذ مطلع القرن العشرين وأهمها البعثة البلجيكية التي أنشأت بالتعاون مع مديرية الآثار مركزاً خاصاً للتنقيب في أفاميا، ولعل أجمل لوحات الفسيفساء التي اكتشفت في أفاميا لوحة الصيد التي اصطحبها الآثاريون البلجيك معهم إلى متحف الفن في بروكسل، لكن المتحف الذي أقامته وزارة الثقافة، وهو الخان الأثري البديع الذي كان استراحة القوافل التجارية والحجاج القادمين من القسطنطينية عبر أنطاكية، فهو يحتوي على ثروة هائلة من روائع فن الفسيفساء والموزاييك والتماثيل التي اكتشفت في أفاميا وقلعة المضيق، وثمة قطع موزاييك بديعة موجودة بين متحف دمشق ومتحف بروكسل، وقد تعرضت المنطقة قديماً لسرقات كبيرة لآثارها كان يصعب ضبطها، إلا أن ما تمت استعادته من بعض المتاحف التي اشترت المسروقات شكل ثروة إضافية، وفي أفاميا مازالت آثار هيكل الحوريات وآثار قصر الحاكم (التركلنيوس) وبقايا معبد زيوس الذي كان مقر الفلسفة الأفلاطونية الجديدة، وقد دمر حين انتشرت المسيحية، وتقدم دراسة هذه المرحلة رؤى عميقة لتطور الفكر المسيحي، أما الأعمدة التي لا تزال منتصبة فهي الشواهد الحية على عظمة ما حققت أفاميا من مكانة عبر التاريخ، أما قلعة المضيق فلم تعد قلعة أثرية مهجورة، بل تحولت إلى بلدة حية هي اليوم درة الغاب، يعيش فيها السكان بعد أن فقدت أهميتها العسكرية التي بلغت ذروتها في العهد الأيوبي، حيث ما زالت قناطرها تحمل أسماء أبناء صلاح الدين وأحفاده، وكانت خنادقها تغمر بمياه نهر العاصي حين يحاصرها الغزاة فتصير عصية على السقوط، وأحسب أن الزائر لأفاميا وقلعة المضيق سيجد في هذا المكان الخصب خلاصة فذة لتاريخ سلسلة من الحضارات العريقة بقيت آثارها حية إلى اليوم•
[/align]
21/09/2008 مجلة المرأة اليوم
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|
|
|
|