كان علي أن أكون بتلك الثانوية قبل الثامنة بساعة، لكنهم لم يسجلوا ذلك على الورقة؛ بالورقة سجلوا صباحا دون تسجيل الساعة ، كيف لي أن أعرف أنا إذن؛ ولم أسأل أحدا؟
اعتقدت أن الامتحان سيبدأ على الساعة الثامنة والنصف، أنا لا ألتزم بضرورة الحضور قبل ساعة، أ أذهب لأخوض في أحاديث مع أشخاص لا أعرفهم أو مع جدران لست آلفها..؟ كنت هناك على الساعة الثامنة وثلاث دقائق تقريبا ، ما هذا؟ الباب مقفل؟ معقول؟ بقي من الوقت لاجتياز الامتحانات أقل من نصف ساعة، فلماذا لم يفتحوا الباب بعد؟ لعل هذا الباب لا يفتح ولهم باب آخر.. أووووه والباب الآخر مغلق أيضا، ما هذا؟ أهناك جهة أخرى... حسنا بعد حين؛ ها أنا أدق بابا من البابين ؛ وأخيرا يفتح لي الحارس..
_ السلام عليكم، أهلا.. أ لم تبدأوا بعد؟
_ وعليكم السلام والرحمة أستاذة؛ بدأنا
بدأوا؟ ماذا يقول هذا؟
وجهني إلى الطريق التي يجب أن أتبعها، اتخذت السبيل، وبدأت أضحك على نفسي ، أمر على هذ القسم وذاك فإذا بالامتحان قد بدأ من زمان وأنا كما يقول المثل المغربي " فدار غْفْلُونْ" أو " مْقْلُوبة عْلِيَّ القْفة" عرفت أين يجب أن أكون... دخلت القاعة التي كان من الواجب أن أكون بها قبل أكثر من خمس عشرة دقيقة .. هنا أستاذ وأستاذة ؛ اسأذنت بعد السلام وطلبت من الشخص المسجل بالاحتياط أن يخرج لأحل محله كما يجب أن يكون، فخرج الرجل، وظللت مع الأستاذة.. كانت تجلس بالمكتب، هناك وضعت أنا حقيبتي، فأشارت إلي أن أملأ الاستمارات، حينها أدركت أن من هم أمامي تلاميذ توجههم أدبي يمتحنون في مادة الرياضيات.. نظرت إلى وجوههم ، قرأت أعينهم التي تميل عن الورقة بعيدا، تأملت كلا منهم على حدة، منهم من يلتفت أحيانا لورقته، ومنهم من تراه كأنه لا يستطيع النظر بالورق ولا حتى بالقلم، تلك التي كانت تجلس أمام المكتب مرتبكة جدا، ظللت أرقب تصرفاتها عن بعد، ثم ألتفت إلى الآخرين، أقف بجانب الباب فأراهم جميعا ( حركاتهم.. نظراتهم.. تصرفاتهم.. ) والسيناريو يعيد نفسه ؛ تذكرت حين كنت بسنهم تقريبا، حين كنت أيضا أجتاز الامتحان نفسه؛ أذكر أن موعده كان العاشرة بعد امتحان آخر، لكني كنت آخر التلاميذ دخولا إلى القسم حينها، لا لشيء سوى شعوري بكآبة الامتحان قبل وقته... " أف.. امتحان في الرياضيات" توجهت أخيرا إلى القسم بعد كلمات من السادة الحراس العامين، والسيد المدير، وآه لو رآني أحد أساتذتي الذين أحترمهم أو أستاذي العزيز.. حتما كان سيعاقبني بعد أن يجرني جرا لقاعة الامتحان.. يا إلهي.. أرجو ألا يكون هو أحد المراقبين ..
الحمد لله.. هو ليس هنا، استأذنت واعتذرت من الأستاذين، سمحا لي بالدخول، أخذت ورقة الامتحان، تفحصتها... تأملت الجدران، والوجوه، أجبت على التمرين الوحيد الذي كنت متيقنة من فهمي له، ماهذا؟ الساعة توقفت.. ألن يدق جرس النهاية بعد؟ حسنا سأرسم " ميكي ماوس" ولم يدق الجرس.. " سأرسم " توم" ولم يدق الجرس" سأرسم " كونان" ولم يدق الجرس... سأرسم أوراق الشجر ملتصقة ببعض ... أووووووف مللت حقا.. لم أشعر إلا وقد وقفت متجهة صوب المكتب لأضع ورقة الامتحان..
_ خولة.. لا يمكن الخروج إلا بعد مضي نصف ساعة على الأقل..
ويرد الأستاذ الآخر:
_ بل نصف زمن الامتحان
_ العاشرة وخمس وعشرون دقيقة ( يقول أحدهما)
_ عندما أوقع، وأصل إلى باب الثانوية ستكون نصف ساعة قد مرت.. أرجوك، اسمح لي بالخروج أستاذ، ليس لدي ما أضيفه ..
لم يتحمل عصام، فثار في وجهي غاضبا أمام الجميع
_ خولة، عودي لمكانك، اجلسي فإن إمكانية الحصول على الأجوبة تكون عادة في نهاية حصة الامتحان
_ عذرا؛ اختنقت، لا أستطيع أن أبق هنا ثانية واحدة، المهم أني لن أحصل على نقطة الصفر..
وخرجت من القسم.
والآن؛ السيناريو يعيد نفسه، هكذا أرى وجوه بعض التلاميذ، تبدو كئيبة حزينة، أتنقل بين الصفوف لأطمئن على ما خطت أقلامهم بورق الامتحان، أو ما رسمت من أرقام... أكثر من نصف الوقت قد مر، والبعض لم يكتب على الورقة غير اسمه، وتعود بي الذاكرة من جديد، فأسترجع لحظة كنت في مكان كمكانهم أمثل أمام ورقة الامتحان، ولأني أعرف أن عقلي الجامد الصغير لن يستطيع منحي جوابا لأسئلة امتحان ما أطلقوا عليه " رياضيات"، لم أطق البقاء بالقاعة حتى لا أمل وقد تنزل دموعي كهذه الفتاة التي أراها الآن أمامي.. لا يمكن أن أتركها باكية هكذا، ذهبت إليها رغم وجود زميلة معي، سألتها أن تتريث لعلها تستطيع أن تفكر فيما وضع أمامها، قالت إن فكرها قد تجمد، ولم تستطع التفكير في شيء أبدا، رأيت فيها نفسي مجددا، فطلبت منها الابتعاد لحظة عن التفكير في الامتحان ريثما تهدأ نفسها، تخيلتني أرسم ورودا وأشجارا أو مجرد دوائر و ميكي ماوس أو شيئا لا أفهمه لكنه قد يروق فنانا تشكيليا، فقلت لها خذي من الوقت خمس دقائق وارسمي شيئا أو فكري في شيء تحبينه واكتبي وابتسمي.... هدأت دموعها، وابتسمت، ضحكت عيناها وفرحت أنا لذلك، بعد برهة ذهبت أطمئن ، ابتسمت شاكرة وهي تكتب بورقة الامتحان...
عند انتهاء حصة الامتحان وخروجي أنا والأستاذة المراقبة، وبعد تسليمنا الأوراق للإدارة، سألتني الأستاذة:
_ درستِ بثانوية " ابن الهيثم"؟
_ نعم.. ( مستغربة)
_ أتذكرك جيدا
_ اعذريني، لم أستطع التعرف عليك، ربما الكمامة هي السبب، لكني لا أتذكر أن اسم فاطمة كان معي بالقسم أيام الثانوي!!!
_ أنت فعلا لم تدرسي معي، كنت أكبر منك..
_ درست مع زينب صديقتي إذن؟
_ نعم
وكم دار في ذهني من شريط وسيناريوهات حينها، وتمنيت لو تمكنت من طرح أسئلة عديدة لكن! ابتسمت جوارحي وأنا أسترجع بعض الذكريات، وظلت علامات استفهام كثيرة تلاحق أسئلة تراودني، وأنا أخرس ابتسامات عميقة متعجبة من صدفة حصلت، حيث هي معي وأنا أقرأ رسالة وأرد على رسالة، لو رأتني لكنت ربما تلقيت أجوبة عما يدور بذهني..