الموضوع: الإمام البخاري
عرض مشاركة واحدة
قديم 25 / 08 / 2021, 33 : 04 PM   رقم المشاركة : [2]
د. منذر أبوشعر
محقق، مؤلف، أديب وقاص

 الصورة الرمزية د. منذر أبوشعر
 





د. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: سوريا

رد: الإمام البخاري


من الأردن، كتب إليَّ صديقي الطبيب الأديب محمد راتب زنداقي، (المكتبة المتنقلة)، عالي المشاعر، وصادق الأحاسيس:
أخي دكتور منذر السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
شكراً على مقال البخاري وجزاك الله كل خير. إلاَّ أن لي تساؤل واحد: هل بعض الأرقام الواردة في المقال صحيح (وبالتالي مبالغ فيه)، أم أن هناك أخطاء طباعية؟ وإليك مثالين: قال البخاري: أحفظ 100000 حديث صحيح و200000 حديث غير صحيح، أي: (300000حديث). ولو كان كل حديث يحتوي 10 كلمات فقط لكان المجموع 3 ملايين كلمة، وهذا ما يساوي بحجم الطباعة الحالي. وبفرض كل صفحة تحوي 300 كلمة يساوي عشرة آلاف صفحة أي عشرة أجزاء كل منها ألف صفحة؟
وقال: (كتبت عن ألف شيخ وأكثر، عن كل واحد منهم عشرة آلاف وأكثر)، أي 1000مضروبة بـ 10000، أي ما يساوي عشرة ملايين حديث. ولو استغرق سماع كل حديث مع رواته حوالي عشرة دقائق، لكان وقت جلوسه إلى المشايخ 100 مليون دقيقة أو ما يعادل تقريباً مليون ونصف ساعة. ولو حسبنا أن يوم العمل لديه 16 ساعة، لكان ذلك يعادل: 104166 يوم أي 285سنة، (دون أن نحسب الزمن الذي استغرقه سفره وتنقله بين البلدان.
تحياتي، وطابت أوقاتك.
** ** ** **
فكتبت إليه:
الضبط والحفظ شرطان لقبول الحديث؛ لأن الذي لا يحفظ الخبر، لا يؤمن أن يخطئ، فيزيد وينقص، لذلك جعلوا الحفظ أحد ركني التوثيق بعد العدالة. والضبط هو أخذ المسموع أو أخذ المروي بتيقظ وإتقان منذ سماعه إلى أن يؤدَّى.
والأصل في ذلك حفظ الصدر، وهذا أمر مشاهد معروف: فمن اعتمد على الكتابة نسي الحفظ. والضبط ضبطان: ضبط صدر، وضبط كتاب، وضبط الكتاب أن يكتب من أصل شيخه أو من إملاء شيخه، ويقابله بعد الكتابة ويحفظه، ولا يعيره إلاَّ إلى ثقة خشية أن يغير فيه.
والحفظ ملكة من الملكات، فمن حفظ هذه الملكات وسائر الجوارح عن المعاصي لا شك أنه يعان على كل ما يريده بأي جارحة من جوارحه، لكنَّ اليوم ازداد الأمر ضعفاً بعد اعتماد الناس على الكتابة فضعفت ـ بالتالي ـ الحافظة، مع أنَّ الكتابة ومعاناة الكتابة وسيلة من وسائل تثبيت الحفظ، وأنه لمَّا كان الناس يكتبون الكتب بأيديهم، كانت الكتابة تغنيهم عن قراءة النص عشرات المرات ـ كما هو مجرب ـ، لكن ظهر أثر ذلك على التحصيل، فبعد ظهور الكمبيوترات، إنْ أراد الطالب أي معلومة في أي فن من الفنون ضغط زراً فخرجت له المعلومة التي أرادها، ممَّا أثر على التحصيل الجاد، وهذا ظاهر بيّن؛ فلا شك أن هذه الآلات، مع أنها نعم تقرب العلوم، إلاَّ أنها لا يعتمد عليها ولا يربى عليها طالب علم، فلا علم إلاَّ بحفظ، والعلم والحفظ والفهم له سنٌّ تتلقاه، ولا بد أن يكون بدؤه من أول النشأة، ثم بعد ذلك يُبنى على ما فهمه وما حفظه سابقاً.
قال البخاري: أحفظ مائة ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث غير صحيح، وقال مسلم: صنفتُ هذا المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث انتخبت منها ما ضمنته كتاب " السنن "، وقال الحاكم في " المدخل ": كان الواحد من الحفاظ يحفظ خمسمائة ألف حديث، سمعت أبا جعفر الرازي يقول: سمعت أبا عبد الله بن وارة يقول: كنت عند إسحاق بن إبراهيم بنيسابور فقال رجل من أهل العراق: سمعتُ أحمد بن حنبل يقول: صح من الحديث سبعمائة ألف وهذا الفتى – يعني: أبا زرعة - قد حفظ سبعمائة. قال البيهقي: أراد: ما صح من الأحاديث وأقاويل الصحابة والتابعين.
فبيَّن البيهقي أن مرادهم بهذه الأعداد العظيمة ما يشمل السنَّة وآثار الصحابة والتابعين، ويريدون طرق الحديث المتنوعة، فيجعلون كل طريق حديثاً، وكل حديث له طرق وروايات؛ فمرادهم بهذا العدد العديد: طرق الحديث الواحد العديدة ورواياته المتنوعة، فقد يكون الحديث واحداً لكن باعتبار طرقه واختلاف ألفاظه وتعدد من رواه، يعدُّ الحديث الواحد بالمائة، لأنهم كانوا يقولون: لو لم نكتب الحديث من عشرين وجهاً ما عرفناه (التراتيب الإدارية 2 / 204)، وقال ابن الصلاح: وقد قال البخاري: أحفظ مائة ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث غير صحيح ،.. إلاَّ أن هذه العبارة قد يندرج تحتها عندهم آثار الصحابة والتابعين، وربما عد الحديث الواحد المروي بإسنادين (مقدمة ابن الصلاح 10).
ثانياً:
وأهل الحديث مراتب، فمنهم " المُسنِد " ومنهم " المحدِّث " ومنهم " الحافظ "، ولم يكونوا يطلقون لقب الحافظ إلاَّ على من ثبت حفظه لطرق الأحاديث وأسانيدها، وليست هذه الألقاب مورَّثة ولا مشتراة، ولم تكن ألقاب مجاملة، ولا يُطلقها الأتباع والتلامذة، إنما يُطلقها على من يستحقها الأئمة الكبار، أو يحدث هو عن نفسه وهو إمام ثقة صادق، وكان الحفاظ والنقاد يعرفون مقدار حفظ أولئك الأئمة بالمدارسة ومجالس الإملاء والتحديث، قال الإمام الذهبي: قال عبد الله بن أحمد : قال لي أبو زرعة: أبوك يحفظ ألف ألف حديث، فقيل له: وما يدريك ؟ قال: ذاكرتُه فأخذت عليه الأبواب. فهذه حكاية صحيحة في سعة علم أبي عبد الله ، وكانوا يعدُّون في ذلك المكرر، والأثر، وفتوى التابعي، وما فسر، ونحو ذلك، وإلاَّ فالمتون المرفوعة القوية لا تبلغ عُشر معشار ذلك (سير أعلام النبلاء 11 / 187).
ثالثاً:
فما ذكر من حفظ هؤلاء الأئمة ليس عجيباً، إذ وهب الله تعالى بعض خلقه القدرة على الحفظ، ورزقهم الهمة العالية في ذلك؛ ومن حفاظ هذا الزمان الشيخ عبد العزيز بن باز (ت: 1420 هـ / 1999 م)، والشيخ عبد الله الدويش (ت: 1409 هـ / 1989 م)، والشيخ يحيى بن عبد العزيز اليحيى (المولود سنة 1380 هـ / 1960 م)، والشيخ صالح بن عبد الله العصيمي (المولود سنة 1391 هـ / 1971 م)، وأمَّا الشناقطة المعاصرون فشأنهم أعجب وأعجب، ومنهم العلامة سيدي محمد بن عبد الله العلوي (ت: 1250هـ / 1834 م) حيث يقول : إن علوم المذاهب الأربعة لو رُمي بجميع مراجعها في البحر لتمكنتُ أنا وتلميذي "ألْفَغّ الديماني" من إعادتها دون زيدٍ أو نقصان! هو يحمل المتن وأنا أمسك الشروح!.
ومنهم العلاّمة محمد محمود التّرْكُزي الشنقيطي (ت: 1322هـ / 1904 م) حيث كان يتحدى الأزهريين بأنه أحق بإمامة اللغة والاجتهاد فيها منهم؛ لأنه يحفظ "القاموس المحيط " كحفظه الفاتحة ! فاستبعدوا ذلك وعقدوا له مجلساً بالأزهر، فكان كما قال، فأقرّوا له وصاروا يصححون نسخهم من نسخة "التركزي" المحفوظة في صدره.
ومنهم الشيخ الإمام محمد سالم عبد الودود الشنقيطي (ت: 1430 هـ / 2009 م)، وغيرهم كثير.
وقد رزق الله تعالى أولئك الحفاظ نعمة حفظ الوقت وإدارته، فكانوا مع حفظهم فقهاء ومعلمين وأصحاب وظائف، وكانوا يعطون كل شيء حقَّه، ومن رتَّب وقته وأدار ساعات يومه باقتدار حاز ما حازه أولئك الحفَّاظ، ولا غنى لأحدٍ عن فضل ربِّه تعالى وتوفيقه.

توقيع د. منذر أبوشعر
 تفضل بزيارتي على موقعي الشخصي

http://drmonther.com
د. منذر أبوشعر غير متصل   رد مع اقتباس