 |
اقتباس |
 |
|
|
 |
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خولة السعيد |
 |
|
|
|
|
|
|
وفي 13 مارس عقدت الجلسة، فنادى علي الشاوش ( الحارس) البوعزاوي للمثول أمام القائد والقبطان وسأل هذا الأخير القائد عن جرم الرجل فكان رده:
* منذ دخوله القبيلة وهو يعمل مع الشياطين في كل من عين اللوح وأزرو
* وما جزاؤه إذن؟
* قررت أن أحكم عليه بسنة سجنا.
* لا .. لا يوجد أي قانون يجعلنا نحكم عليه بسنة
* لتكن ستة أشهر
* لا. وستة أشهر أيضا غير ممكنة.
* إذن؛ ثلاثة أشهر ، ثم النفي من القبيلة إلى حيث كان، شرط أن يذهب راجلا.
* هذا الحكم نعم، هذا هو القانون الذي لدينا طبقا لما جاء به المقيم العام.
وحين نفذت الأشهر الثلاثة ذهبوا بي مشيا على الأقدام من عين اللوح إلى الحمام إلى خنيفرة² إلى آيت إسحاق³ ومنها إلى زاوية الشيخâپ´ ، ثم إلى قصبة موحى أُو سعيدâپµ إلى تاكزيرتâپ¶ فبني ملالâپ· ، فتزكي بني اعياط،âپ¸ ثم إلى تداريب آيت اعتابâپ¹ مسقط رأسي..
مكثت بملحقة آيت عتاب ما يزيد عن شهرين ، وقد منع علي الاتصال بأي شخص من معارفي أو أهلي وأقاربي، بعد وصولي تم حلق شعر رأسي الذي كان قد وصل إلى ظهري.
في يوم من الأيام أتيحت لي فرصة الهروب،حيث لم يعد بالمكتب إلا شخصين من المراقبين، فقررت الفرار نهارا وسط غابة اللوز ، وصلت إلى قبيلة آيت يعزم¹âپ° بعد صلاة العشاء، فهذه القبيلة توجد بداخل غابة اللوز ، دخلت عند الفقيه الملازم بأحد المساجد، وطلبت منه أن يشتري لي من الدكان ما أسد به رمقي، أعطاني خبزا وزيتا، فأكلت وهما على الحصير دون فراش أو ملاءة ، وبعد طلوع الفجر، خرجت أقصد طريقا أخرى، فمشيت وسط الغابات وبين الجبال الوعرة،ألتحف الخوف من الطريق ومن أعوان الاستعمار الذين يفتشون علي، وأقاسي المحن، خاصة أن ملحقة آيت اعتاب تشبه زنزانة مظلمة،وما كادت تدق ساعة الواحدة والنصف بعد الزوال حتى وصلت بني ملال، هناك ولجت إحدى المقاهي خارج المدينة، وتناولت ما تيسر من طعام، ثم تابعت طريقي إلى تاكزيرت التي يتواجد بها أحد أصدقاء ملازم مسجد دوار ( قرية) فرياطة كفقيه كفقيه درس معي في قريتنا بالكُتّاب حفظ القرآن الكريم، بقيت معه مدة قصيرة، حيث وجد لي مسجدا أستقر فيه، وكأن هذا المسجد بدوار " آيت سعيد" فوق " تاكزيرت" وسط الغابة بعيدا عن القرية، لكني لم أستقر فيه إلا مدة قصيرة ، فراجت قضية الحنصالي¹¹ الذي كان قد أثار الرعب والخوف في المستعمر بجبال الأطلس، حيث جندت السلطة الاستعمارية جل قبائل الأطلس للبحث عن الحنصالي، كما فكرت السلطة أيضا في إلقاء القبض على كل الأجانب كما كانوا يسمونهم آنذاك ، مع أنهم هم الأجانب الذين استعمروا بلادنا، ولأجل هذا قررت أنا الفرار من جديد عائدا إلى أزرو.
في أوائل 1952 اتصلت ببعض المسؤولين ممن أعدهم إخوانا في الحزب لأطلب مساعدتهم، وذلك ما كان لأجدني مع أحد الإخوان من الصناع التقليديين، متخصص في خياطة الجلباب والسلهام ( البرنوس)¹²، كان اسمه: السيد" الطاهر الجبلي" وكان معروفا بإتقان حرفته، وكنت كذلك أيضا.
في أكتوبر من السنة نفسها فوجئت ب ( مقدم الحومة)¹³ موحى وهدة يقف أمامنا، مخاطبا صديقي :
*كل شخص أجنبي جاء عندك لابد أن يذهب عند الخليفة بوعقيق ليعرف بنفسه لديه، لأن الأشخاص المنفيين أو الهاربين يستقرون هنا دون أن تعرفهم السلطة.
* ليس معي أي غريب
* لدي معلومات على هذا الذي معك؛ إنه من عين اللوح منفي على يد القائد " لحمر" ، وها هو معك أنت الآن، لذلك وجب عليه أن يذهب بعد الزوال إلى الخليفة، أما أنا فسأسبقه إليه لأبلغه، وبينما أنا وصديقي نفكر في هذا الوضع حتى لحق بنا المرحوم بإذن الله تعالى مولاي هاشم بن صالح أحد القادة الوطنيين بأزرو، حيث كنا نخيط له سلهاما، فحدثناه بما حصل بيننا وبين المقدم موحى وهدة، فقام بالواجب، إذ ذهب عند الخليفة بوعقيق، وحكى له القصة، وتكلف بضمانتي، ونظرا لمكانته، واحترام السلطة له، قال له الخليفة:
اذهب أ مولاي هاشم وأبلغ ذلك السيد ألا داعي لقدومه إلي، فحضورك أنت يكفي.
في المساء اتصلت ببعض الإخوة المسؤولين في الحزب هم السادة " أحمد بن علال، أحمد بن محمد لبيب الملقب آنذاك بالحارس، محمدوقاسم الفيكيكي ¹âپ´ ، وغيرهم" طلبت منهم مساعدة ليجدوا لي طريقة أخرج بها من المدينة، فاجتمعوا وإخوانا من مدينة إفران" الحسين السكليس، محمد الرفالي، موحى والشريف من آيت عمر وعلي، بعد ذلك اتصلوا بي لأذهب إليهم فأستقر بمسجد في إفران ، كما اتصل بي أصدقاء من آيت عمر وعلي لأذهب إليهم،ولكني رفضت إفران لكثرة " آيت عتاب" هناك فهم جميعا يعرفون قصتي وسيبلغون السلطة الفرنسية عني بين عشية وضحاها، فأنا هارب من سجنهم، وقبلت الذهاب لآيت عمر وعلي نواحي أزرو، فذهبت برئاسة الأخ موحى والشريف بن ميمون ، وجعلت لي هناك أجرة سنوية كفقيه بالمسجد ، أما عملي فكان هو تسيير الجماعات الحزبية حيث كانت لديهم أربع عشرة جماعة رئيسها هو الأخ موحى والشريف بن ميمون وكاتبها عبد ربه محمد العتابي، إذ كنت أتقن اللغة الأمازيغية، ويساعدني أحيانا محمد المرغادي .
بعدما ألقي القبض على الأخ موحى والشريف تحملت المسؤولية بعده بمساعدة الأخ بايسي بن بوعزة في جميع الأمور كالتواصل مع إخواننا بأزرو، ومساعدة المساجين ، وتسيير الجماعات، وظللنا على هذه العادة إلى أواخر يوليوز 1953، إذ ألقت شرطة المستعمر القبض على جميع مسيري الجماعات والأمناء، هنا كنت قد قررت باتفاق مع بعض المسؤولين في الحزب،بعدما عرفنا بالتعذيب والاستنطاق والتنكيل الذي تعرض له الإخوان بأن يعترفوا بأن محمد العتابي هو المكلف بجمع الدراهم وجلب المنشورات والاتصال بأزرو ....، بعد هذه الاعترافات المتفق عليها بدأت الاستدعاءات ترد على شيخ القبيلة من جميع أعضاء السلطة ( القائد، البوليس، الدرك...) للبحث عن محمد العتابي.. ( يتبع)
_________________________
². خنيفرة مدينة مغربية وحاضرة إقليم خنيفرة، تقع في جهة بني ملال خنيفرة بين جبال الأطلس المتوسط على ارتفاع 826 م فوق سطح البحر، تحيط بها أربعة جبال. تعتبر عاصمة قبائل زيان الأمازيغية، إذ يشهد لها التاريخ بمقاومتها ضد المستعمرين الفرنسيين في بداية القرن العشرين؛ إذ هزموا الفرنسيين في معركة الهري سنة 1914 م بقيادة محمد بن حمو الزياني وقد أخذت اسم خنيفرة عن بعض الروايات التي تقول أنه كان هناك راعي غنم يعيش قديما في هده المنطقة يدعى خنفر ( نقلا عن ويكيبيديا)
|
|
 |
|
 |
|
بعد هذه الاعترافات المتفق عليها بدأت الاستدعاءات ترد على شيخ القبيلة من جميع أعضاء السلطة ( القائد، البوليس، الدرك...) للبحث عن محمد العتابي.. ، بينما كنتُ قد ذهبت إلى مدينة تازة عند صهري الذي كان جنديا بالجيش الفرنسي، أما رجال البوليس حيث كنت فقد كانوا يغرون الناس بأن كل من جاءهم بأية معلومة عن محمد العتابي سيحصل على جائزة مالية مهمة، أو وظيفة بالحكومة، ووصل البحث عني إلى كل من عين اللوح وآيت عتاب حيث ألقي القبض على أخي رحمة الله عليه، وظل في البحث والتحقيق خمسة عشر يوما، لكن أخي ظل رغم ذلك ثابتا يؤكد لهم أنه لا يعرف عني شيئا منذ ألقوا علي القبض وذهبوا بي نحو اتجاهات أخرى، ولكن الإخوان الذين كنت قد اتفقت معهم على أن يذكروا اسمي في التحقيق لم يهدأ لهم بال، فطلبوا من نسائهم عند الزيارة أن يتصلن بصديقنا موحى وحسن، فيكلَّف بألا يغيب عن محطة حافلات أزرو ليراقب إن كنت راجعا بإحداها فيبلغني أن كل الاتهامات قد ألصقت بي، حتى أعود إلى حيث كنت، وهذا ما كان فعلا، إذ لم يتجاوز مكوثي بتازة أكثر من خمسة عشر يوما، إذ كنت على أحر من الجمر أود استطلاع معرفة آخر الأخبار ، فما إن وصلت إلى أزرو حتى فاجأني الأخ موحى وحسن وقد أمسك بيدي اليمنى، يسألني عن سبب رجوعي والسلطة الفرنسية تبحث عني، إضافة إلى أن الشيخ موحى وادريس ما إن يراني حتى ينطلق جريا إلى الشرطة للإبلاغ عني، وزاد عن ذلك قوله:
* إذا أردت سلامتك اذهب من أزرو وإن لم ترد فما على الرسول إلا البلاغ، وأنا قد أديت مهمتي التي أسندها إلي إخواننا السجناء، والله يعينك على أمرك.
وذهب وتركني وحدي، بينما سلكت طريقا إلى الأخ بنداود بن محمد الذي كان منفيا أيضا من تادلة¹âپµ ، وقد كانت لي معه صداقة، فما إن أقبلت عليه حتى وقف وعانقني، وصار يبكي ويسألني أيضا عن سبب تواجدي بأزرو مع علمي بالاتهامات المنسوبة إلي،وأن كل سلط المستعمر تبحث عني ، بقيت معه حوالي خمس عشرة دقيقة نتحدث ونخوض في حوارات سريعة، وقلت له أخيرا أن الموت واحد لا مفر منه لذلك سأسلم نفسي وأخبرهم أني محمد العتابي الذي يبحثون عنه
________________________
³. آيت إسحاق هي قرية مغربية وسط البلاد. تنتمي لإقليم خنيفرة وتبعد عن عاصمته ب 25 كلم جنوبا
4 . تقع مدينة زاوية الشيخ في الواجهة الغربية من جبال الأطلس المتوسط في سفح الجبل من حوض أم الربيع أكثر الأنهار صبيبا في المغرب.
5. هو محمد (موحا) أوسعيد أوعسو الويراوي، من قبائل آيت ويرة الأمازيغية (ِتُنطق ويرَّا بتشديد الراء) التي تستوطن بلاد تادلا في جبال الأطلس المتوسط بالمغرب الأقصى - وهو يعد بامتياز بطل المقاومة الأمازيغية مع بداية الاحتلال الفرنسي للمغرب في إطار معاهدة الحماية التي وقعها السلطان عبد الحفيظ سنة 1912 أو ما عرف لدى الفرنسيين بسياسة "تهدئة المغرب" أو "la pacification du maroc".
وسميت القصبة باسمه لذلك.
6. تاكزيرت: تاكزيرت هي قرية مغربية شمال المملكة، تنتمي لإقليم بني ملال.جهة تادلة ازيلال. بجبال الأطلس المتوسط.