الموضوع
:
المالكي المواطن المناضل
عرض مشاركة واحدة
08 / 09 / 2021, 54 : 03 AM
رقم المشاركة : [
28
]
خولة السعيد
مشرفة / ماستر أدب عربي. أستادة لغة عربية / مهتمة بالنص الأدبي
بيانات موقعي
اصدار المنتدى
: المغرب
رد: المالكي المواطن المناضل
اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خولة السعيد
* دعي الأمر لي ولا تخافي.
تركني الرجل في بيته حينها وخرج في طريقه إلى بيت ابن عمه " ادريس والحاج" ليعودا معا بعد برهة ، جلسنا لحظة ثم قُدم لنا العشاء، لكن كيف آكل وقلبي مملوء حزنا وأنا أعرف أن وإخواني قلقون علي، ودموعهم منهمرة لأجلي ، وهم يتألمون لألمي.
بعد منتصف الليل أخذني السيد ادريس إلى منزله الذي يبعد بحوالي ثلاث كيلومترات عن السكن في واد يكاد يخلو من البشر ، وقد مكثت ببيته خمسة أيام ثم غادرته باتجاه عين اللوح ومنها إلى أزرو لأصل إلى الحاجب حيث يوجد بعض أفراد العائلة، وما إن قضيت عندهم خمسة أيام حتى فوجئت بمقدم الحومة يقف أمامي، وأنا جالس بالطريق المؤدية إلى مدينة فاس، فسألني:
* من أنت؟ وعند من أنت؟
* عند الإخوة عبد القادر وعبد الله ومحمد أبناء عمي عمر
* قم؛ ستذهب معي الآن عند القائد ميمون بن مختار.
وما كان علي إلا أن أذهب معه ، فسألني الأسئلة نفسها التي وجهها إلي مقدم الحومة فأجبته الجواب ذاته، ثم قال إنه يعرفهم، سألني:
* من أين أنت؟
* من آيت عتاب
* عليك أن تختار إما أن تذهب ( وتخوي هاذ البلاد) أو السجن.
* سأرحل من هنا.
غادرته حينها، وذهبت عند أبناء عمي أودعهم، وكان طريقي الذي اتخذته حينها مدينة مكناس.
عندما وصلت إلى العاصمة الإسماعلية اتصلت بالسيد أحمد بن هاشم الذي كان أيضا مبعدا عن عين اللوح، وكذلك كان مولاي الهادي بن الطائع بسوق الحبوب ، الذي عرف بقضيتي عن طريق السيد أحمد..
فتح مولاي الهادي كيسه وأعطاني درهمين، ثم أخبرني أنه علي أن آتي كل يوم إليه لآخذ هذا القدر المقرر كإعانة لكل المنفيين مثلي، فأخذت هذا القدر ثلاث مرات، وبعدها للأسف ألقي القبض على مولاي الهادي، وحكم عليه بسنتين سجنا،..
وحكم عليه بسنتين سجنا،..
كانت السلطة الاستعمارية قد أغلقت المدرسة الحرة بأزرو ولذلك هاجر العمراوي بن الحسين الذي كان يدرس بها إلى مدينة مكناس بحثا عن عمل، وفعلا عمل بإحدى خزانات الوقود قرب محطة القطار، - هو الآن موظف بإدارة الأمن الوطني - اتصلت به ، فسمح لي أن أبيت عنده كل ليلة بالخزان المذكور، ولم تمض إلا ستة أيام على دخولي مكناس حتى وقعت مؤامرة 20 غشت 1953، في تلك الليلة كان هو مسافرا إلى الرباط، ولم أجد محلا أنام فيه،لكني تذكرت أن العمراوي سبق أن عرفني على الأخ أمين محمد، فذهبت عنده، وطلبت منه أن يجد لي محلا أنام فيه، وما تردد؛ أخذني إلى أخ سيد الحبيب بلعربي، وطلب منه أن يترك لي دكانه لأنام به ليلتها، ريثما يعود أخوه من الدار البيضاء في الغد فيجد لنا حلا أنسب، لكنه رفض لأنه لا يعرفني.
ظللت أتساءل: ماذا أفعل أنا؛ وأنا السلطة الاستعمارية متربصة بي، لا تعريف لي ولا مقر يأويني، ولا أي شيء...؟! وبقي السيد أمين يفكر معي فيما يمكن فعله،فقلت له:
* أخي محمد لابد أني سأنام اليوم عند البوليس، فهذا هو آخر المطاف عندي.
كنت أرى ألم أمين على ملامحه وحسرته علي، ورد علي قائلا:
* يكون خير.
ذهبنا بعد ذلك عند أحد الإخوان الذي كان يملك كوخا صغيرا من الخشب بين أزقة تبربرين والصباغين ورياض الجامعي بقبة السوق ، كان يبيع فيه الخضر ، فسأله أمين أن يترك لنا الكوخ تلك الليلة ريثما يعود سيد الحبيب من الدار البيضاء ليجد لنا حلا، فلم يتردد، وحمل الصناديق على كتفيه، ودخلت سريعا لأن ( البراح) يصول ويجول صائحا :
" إن كل من وجد في الشارع بعد الساعة السادسة مساء سيلقي القبض عليه، وما كان فراشي إلا بعض الحجر والخشب، دون أي غطاء او ملاءة، ولم تمض ساعتان حتى فوجئت بالبوليس على الكوخ الصغير وأنا ممدود كالميت على ظهري أردد اسم الله اللطيف لمدة ساعة تقريبا، لأسمع صوت أحد البوليس المغاربة يقول للفرنسيين: " لنذهب، يبدو ألا أحد هنا ، لم يعد أي شخص يتجول بالمدينة، حينها فقط تحركت ولم أعد ممددا على ظهري بل على جانبي، ولكني لم أستطع ان اغمض عيني حتى الصباح، قمت من مكاني متجها إلى المسجد - اجامع الكبير - حيث أديت صلاة الصبح وغفوت قليلا، وإذا بخاري المسجد يوقظني ليخبرني أنه قد صار علي الخروج من المسجد لأنه سيغلقه، فخرجت متجها إلى حديقة الحبول، حيث بقيت إلى حدود العاشرة صباحا بعدها عدت إلى الكوخ لألتقي بالأخ أمين، وجدته هناك يفتش عني أيضا ، والحيرة قد ارتسمت عليه حين لم يجدني، كان المسكين يتساءل عما إذا كان قد ألقي القبض علي ، ويعاتب نفسه كأنه هو من أهداني للبوليس، وما إن رآني حتى قال:
* ماذا وقع؟ أين كنت؟...
وحكيت له كل شيء ، فحزن وتألم، ثم قال:
* لو كانوا ألقوا القبض عليك، ما كنت لأسامح نفسي، سأكون أنا من قدمتك لهم..
* لا يا أخي، لا تلم نفسك، أنت قمت بواجبك نحوي ، وهذا قدر الله تعالى.
* اذهب الآن، وعد إلي وقت الزوال عند الثانية عشرة لنتغذى معا.
ذهبت أتجول في أحياء المدينة، إلى أن حان الموعد، فذهبت إليه، تناولها غذاءنا، ثم ذهبنا عند سيد الحبيب، الذي وجدناه أمام السوق المركزي بالهديم، يستعد ليذهب لتناول وجبة الغذاء، بعد السلام عليه قال:
* هل هناك بأس يا أمين؟
* البأس هو ما نعيشه اليوم
* أسألك ماهذا البأس
* هذا الرجل كاد أن يكون ضحية ليلة أمس
* من هو؟
* إنه من الإخوان المتورطين، والبوليس يبحث عنه، وقد ذهبنا أمس عند أخيك بلعربي ليسمح له بالمبيت في الدكان لكنه رفض، ولم يجد هذا الرجل مكانا يبيت فيه..
* تعالوا معي..
وأخذنا سيد الحبيب إلى أخيه بلعربي فسأله إن كنا قدمنا عنده أمس، فأجابه أخوه ب " نعم" ، ثم سأله:
* وماذا قلت لهم؟
* قلت لا؛ لأنني لا أعرفه، ولا أخفيك أخي أني خفته أيضا.
* لا يوجد رجل مثل هذا تحمل كثيرا في سبيل الوطن، ولم تبق له ضيعة ولا بقرة ولا أي شيء ، وها هو الآن يتعذب ويتحمل الصعاب.
بعد كلماته الطيبة تلك أمر أخاه ورفيقه الدائم السيد مولاي الصديق الشاب الوطني بأن يترَك الدكان لي على الساعة السادسة إلا ربع مساء ، وتسلَّم إلي المفاتيح ، حتى يفكر في حل آخر أنسب، وهكذا أنقذني سيد الحبيب بعد الله سبحانه.
في اليوم الثالث جاء سيد الحبيب وأوصى الإخوة بأن يخبروا البوليس أو مقدم الحومة إن رأوني وسألوهم عني أن يقولوا إني أخاهم قدمت من الصحراء، وحذرهم من أن يقولوا عكس ذلك، أو يخبروهم أنهم لا يعرفونني، فردوا عليه بالموافقة، ثم طلب منهم أن يجعلوا لي مكانا بينهم، فإن كانوا هم يبيعون الخضروات، فلأكن أنا بجانبهم أبيع النعناع والبقدونس والقزبر، لكني أخبرته ألا دراهم معي لأتاجر بها، فأجابني مولاي الصديق فورا أن أترك الأمر له ليتكلف به
خولة السعيد
مشاهدة ملفه الشخصي
البحث عن كل مشاركات خولة السعيد