عرض مشاركة واحدة
قديم 13 / 09 / 2021, 04 : 04 AM   رقم المشاركة : [29]
خولة السعيد
مشرفة / ماستر أدب عربي. أستادة لغة عربية / مهتمة بالنص الأدبي


 الصورة الرمزية خولة السعيد
 





خولة السعيد will become famous soon enough

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: المالكي المواطن المناضل

اقتباس
 مشاهدة المشاركة المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خولة السعيد
وحكم عليه بسنتين سجنا،..
كانت السلطة الاستعمارية قد أغلقت المدرسة الحرة بأزرو ولذلك هاجر العمراوي بن الحسين الذي كان يدرس بها إلى مدينة مكناس بحثا عن عمل، وفعلا عمل بإحدى خزانات الوقود قرب محطة القطار، - هو الآن موظف بإدارة الأمن الوطني - اتصلت به ، فسمح لي أن أبيت عنده كل ليلة بالخزان المذكور، ولم تمض إلا ستة أيام على دخولي مكناس حتى وقعت مؤامرة 20 غشت 1953، في تلك الليلة كان هو مسافرا إلى الرباط، ولم أجد محلا أنام فيه،لكني تذكرت أن العمراوي سبق أن عرفني على الأخ أمين محمد، فذهبت عنده، وطلبت منه أن يجد لي محلا أنام فيه، وما تردد؛ أخذني إلى أخ سيد الحبيب بلعربي، وطلب منه أن يترك لي دكانه لأنام به ليلتها، ريثما يعود أخوه من الدار البيضاء في الغد فيجد لنا حلا أنسب، لكنه رفض لأنه لا يعرفني.
ظللت أتساءل: ماذا أفعل أنا؛ وأنا السلطة الاستعمارية متربصة بي، لا تعريف لي ولا مقر يأويني، ولا أي شيء...؟! وبقي السيد أمين يفكر معي فيما يمكن فعله،فقلت له:
* أخي محمد لابد أني سأنام اليوم عند البوليس، فهذا هو آخر المطاف عندي.
كنت أرى ألم أمين على ملامحه وحسرته علي، ورد علي قائلا:
* يكون خير.
ذهبنا بعد ذلك عند أحد الإخوان الذي كان يملك كوخا صغيرا من الخشب بين أزقة تبربرين والصباغين ورياض الجامعي بقبة السوق ، كان يبيع فيه الخضر ، فسأله أمين أن يترك لنا الكوخ تلك الليلة ريثما يعود سيد الحبيب من الدار البيضاء ليجد لنا حلا، فلم يتردد، وحمل الصناديق على كتفيه، ودخلت سريعا لأن ( البراح) يصول ويجول صائحا :
" إن كل من وجد في الشارع بعد الساعة السادسة مساء سيلقي القبض عليه، وما كان فراشي إلا بعض الحجر والخشب، دون أي غطاء او ملاءة، ولم تمض ساعتان حتى فوجئت بالبوليس على الكوخ الصغير وأنا ممدود كالميت على ظهري أردد اسم الله اللطيف لمدة ساعة تقريبا، لأسمع صوت أحد البوليس المغاربة يقول للفرنسيين: " لنذهب، يبدو ألا أحد هنا ، لم يعد أي شخص يتجول بالمدينة، حينها فقط تحركت ولم أعد ممددا على ظهري بل على جانبي، ولكني لم أستطع ان اغمض عيني حتى الصباح، قمت من مكاني متجها إلى المسجد - اجامع الكبير - حيث أديت صلاة الصبح وغفوت قليلا، وإذا بخاري المسجد يوقظني ليخبرني أنه قد صار علي الخروج من المسجد لأنه سيغلقه، فخرجت متجها إلى حديقة الحبول، حيث بقيت إلى حدود العاشرة صباحا بعدها عدت إلى الكوخ لألتقي بالأخ أمين، وجدته هناك يفتش عني أيضا ، والحيرة قد ارتسمت عليه حين لم يجدني، كان المسكين يتساءل عما إذا كان قد ألقي القبض علي ، ويعاتب نفسه كأنه هو من أهداني للبوليس، وما إن رآني حتى قال:
* ماذا وقع؟ أين كنت؟...
وحكيت له كل شيء ، فحزن وتألم، ثم قال:
* لو كانوا ألقوا القبض عليك، ما كنت لأسامح نفسي، سأكون أنا من قدمتك لهم..
* لا يا أخي، لا تلم نفسك، أنت قمت بواجبك نحوي ، وهذا قدر الله تعالى.
* اذهب الآن، وعد إلي وقت الزوال عند الثانية عشرة لنتغذى معا.
ذهبت أتجول في أحياء المدينة، إلى أن حان الموعد، فذهبت إليه، تناولها غذاءنا، ثم ذهبنا عند سيد الحبيب، الذي وجدناه أمام السوق المركزي بالهديم، يستعد ليذهب لتناول وجبة الغذاء، بعد السلام عليه قال:
* هل هناك بأس يا أمين؟
* البأس هو ما نعيشه اليوم
* أسألك ماهذا البأس
* هذا الرجل كاد أن يكون ضحية ليلة أمس
* من هو؟
* إنه من الإخوان المتورطين، والبوليس يبحث عنه، وقد ذهبنا أمس عند أخيك بلعربي ليسمح له بالمبيت في الدكان لكنه رفض، ولم يجد هذا الرجل مكانا يبيت فيه..
* تعالوا معي..
وأخذنا سيد الحبيب إلى أخيه بلعربي فسأله إن كنا قدمنا عنده أمس، فأجابه أخوه ب " نعم" ، ثم سأله:
* وماذا قلت لهم؟
* قلت لا؛ لأنني لا أعرفه، ولا أخفيك أخي أني خفته أيضا.
* لا يوجد رجل مثل هذا تحمل كثيرا في سبيل الوطن، ولم تبق له ضيعة ولا بقرة ولا أي شيء ، وها هو الآن يتعذب ويتحمل الصعاب.
بعد كلماته الطيبة تلك أمر أخاه ورفيقه الدائم السيد مولاي الصديق الشاب الوطني بأن يترَك الدكان لي على الساعة السادسة إلا ربع مساء ، وتسلَّم إلي المفاتيح ، حتى يفكر في حل آخر أنسب، وهكذا أنقذني سيد الحبيب بعد الله سبحانه.
في اليوم الثالث جاء سيد الحبيب وأوصى الإخوة بأن يخبروا البوليس أو مقدم الحومة إن رأوني وسألوهم عني أن يقولوا إني أخاهم قدمت من الصحراء، وحذرهم من أن يقولوا عكس ذلك، أو يخبروهم أنهم لا يعرفونني، فردوا عليه بالموافقة، ثم طلب منهم أن يجعلوا لي مكانا بينهم، فإن كانوا هم يبيعون الخضروات، فلأكن أنا بجانبهم أبيع النعناع والبقدونس والقزبر، لكني أخبرته ألا دراهم معي لأتاجر بها، فأجابني مولاي الصديق فورا أن أترك الأمر له ليتكلف به

ثم طلب منهم أن يجعلوا لي مكانا بينهم، فإن كانوا هم يبيعون الخضروات، فلأكن أنا بجانبهم أبيع النعناع والبقدونس والقزبر، لكني أخبرته ألا دراهم معي لأتاجر بها، فأجابني مولاي الصديق فورا أن أترك الأمر له ليتكلف به، واشترى لي فعلا ما يلزم، وبدأت التجارة، وقد قيل لي أن أحتفظ بالأرباح لنفسي لأشتري ما أحتاجه من ملابس وغيرها، وبقيت معهم بالدكان إلى أوائل 1954 حيث انتقلتُ إلى " بني امحمد" .
هناك اتصلت ب" عكيوي ادريس الزموري" الذي كان قد خرج من السجن أيضا، شاركت معه في دكان كان يبيع فيه المواد الغذائية، ، كما فوجئت ببعض من كانت تربطني بهم علاقة الوطنية بعين اللوح _ السيدان: بوعزة والحسني مولاي الشريف، فقد كان الإخوان هناك يعرفون جل أخباري، بعدما تحدثنا قليلا، سألوني إن كنت ما أزال أستطيع التضحية أم تنازلت عنها، فكان ردي أن تضحيتي دائمة ، وتوادعنا على أمل لقاء آخر ، حيث كان اتفاقنا على أن يتصلوا بي لإطلاعي على ما يجب أن نقوم به، فكان أن أعادوا زيارتهم بعد مدة قصيرة ، لنتعاهد على عمل جديد، إذ كانوا قد اتصلوا بإخوان لنا في منطقة أسد التحرير،وفي المرة الثالثة قدموا من الدار البيضاء، وهنا كان نشاطي أقوى، حيث عدت لتوزيع المنشورات بمشاركة الحسن بن عبد السلام الكرواني الذي كان شابا نشيطا، وكان عاملا بمعمل الجلد بسيفطا، كما كونت صلة بين الدار البيضاء وعين اللوح، وقد زارني حينها المناضل السيد الغندور رحمه الله تعالى بمكناس.
وفي أكتوبر من السنة نفسها ذهبت إلى أزرو قاصدا زيارة بعض الإخوان الذين خرجوا من السجن ، كما أردت زيارة " بايسي بن بوعزة" رغبة في ربط الاتصال به ليشاركنا أعمالنا بآيت عمر وعلي، لكن ولسوء الحظ التقيت خاله " موحى بن رقية" الذي كان يعرفني جيدا ، فسألني بعد السلام إن كنت ذاهبا لزيارة ابن أخته فأنكرت وادعيت أن مروري من ذاك المكان ما هو إلا لتقصير الطريق ، و قد عدت حالا إلى أزرو، حيث فكرت أنه قد يتحسسني لأنه عميل للبوليس، ثم ذهبت عند الأخ موحى وكوش الصحراوي وقضيت معه تلك الليلة في المذاكرة، كما اتفقنا أن نذهب إلى غابة " صدر كيرو" لإحراق أحد " لاكوبات" في ملك المعمر الفرنسي، ولكننا بعدما وصلنا إلى تابغوت استقبلنا الخير، إذ وجدنا سيارة في ملك فرنسيين، كانوا يصطادون داخل الغابة، ولم يكن بالسيارة أحد، فكسرنا الزجاج، وفرغنا البنزين ، ثم شب الحريق ، وعدنا هاربين.
بعد وصولي إلى أزرو قصدت مقهى الحافلات، ثم ركبت بإحدى المتجهات إلى مكناس، وحمدت الله أني وصلت سالما.
في اليوم الثالث؛ ذهب موحى ولد رقية عند البوليس بأزرو وأبلغهم بأن عمر العتابي زار بايسي، وأخبرهم بأن عمر وابن أخته بائسة زعموا على إحراق مزرعة المعمر الباريسي، وفعلا ألقي القبض عليه، وتلقى المسكين كل أنواع التعذيب والتنكيل قصد الاعتراف بالزيارة لكنه أنكر، وظل ثابتا صامدا، وقد أخبرني عمر وعنزول وهو أخو موحى والشريف وقال لي: " كن على بال، بايسي معتقل من أجلك" .
وفي أوائل 1955 فوجئت بأحد الأيام بكمال مصطفى يقف أمامي وقد بدا متغيرا كأنه شخص آخر، فلما سألته عما به، أجابني بأن معه أمانة قد احتار أين يخبئها، وما كنت أرى عنده غير قفة امتلأت بالخضر، لذلك سألته : ماهذه الأمانة؟ هات كل ما معك لأخزنه لك، فأدخل يده تحت الخضر، وإذا به يمد إلي قنبلتين، تركهما عندي ليومين، ثم رجع حين وجد مخبأ لهما بحي الزيتون.
بالسنة نفسها كنت قد أحرقت بمشاركة الأخ الحسن بن عبد السلام الكرواني مزرعة بالبرج المشقوق كان يملكها معمر فرنسي. وشاركت أيضا رفقة السادة: بوبكر الصائغ الذي يعمل الآن بالشرطة القضائية بفاس، والمرحوم بإذن الله تعالى محمد السوسي الذي استدعتنا السلطة المحلية من أجله فيما بعد ، وهددتتا بفتح الدكاكين خاصة يوم الجمعة، وكل من أغلق دكانه يلقى عليه القبض، لكننا استمرينا في العمل بتنظيم الإضراب الذي كان بحي بني محمد .
وشاركت الحسن بن عبد السلام أيضا في قطع أسلاك الهاتف الرابطة بين مكناس وأكوراي .
وبالتاريخ نفسه زارني حمو وسعيد الذي كان يملك سيارة من نوع " جيب"والأخ الغندور من الدار البيضاء، فاتفقنا على تنفيذ عملية قتل أحد الخونة بأزرو، حيث كان جاسوسا مع القائد أحمد وقد جاء إلى مكناس يبحث عني ليبلغ صاحبه بمكاني وعنواني، ووصل إلي مدعيا زيارتي، فاستقبلته، وضيفته، لكن ما إن وصل إلى أزرو حتى بلغ القائد عني، لكن بعض الأصدقاء عرفوا بالأمر وهم من قبيلته دكالة كانوا قد أبلغوني ؛ إنهم: " سلام الدكالي، الخياط والشقرات هدى، لأنه هو من أخبرهم أنه وجدني، فظل يترجاه الأخ هدى ألا يبلغ القائد، ولأنه لم يستطع أن يثق به مع ذلك كتب إلي رسالة يخبرني بما جرى، وطلب مني أن أحتاط وأحذر لأن المدني سيبلغ عني، فصرت أغلق الدكان نهارا وأفتحه ليلا لأكثر من شهر، وبعدما حكيت للإخوان السبب في ذلك، اتفقنا على قتله، لكننا لم ننجح في ذلك، لأننا بعدما ذهبنا لتنفيذ العملية أصبنا في حادثة سير ، حيث دهمتنا شاحنة الجيش الفرنسي، فكسرت رجلي، وكسرت بدا موحى وسعيد، كما أصيب الغندور بجروح، فكانت هذه الحادثة هي نهاية ما خضته من أعمال وطنية كانت بإيجاز بين 1949 و1955،
وفي الختام يقول المثل: " الحق ما شهد به الأعداء"
كل شيء موجود بسجلات إدارة الأمن والسلطة المحلية بعين اللوح وأزرو وآيت عتاب .
إمضاء: المالكي محمد العتابي.
( النهاية)
خولة السعيد غير متصل   رد مع اقتباس