عرض مشاركة واحدة
قديم 30 / 09 / 2021, 31 : 10 PM   رقم المشاركة : [1]
د. منذر أبوشعر
محقق، مؤلف، أديب وقاص

 الصورة الرمزية د. منذر أبوشعر
 





د. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: سوريا

عبد الرحمن الداخل صقر قريش

توطئة

في سنة (132 هـ / 750 م) استطاع أبو العباس السَّفَّاح عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، القضاء على مروان بن محمد آخر خلفاء الأمويين، ليكون أول خلفاء العباسيين. وكان في السادسة والعشرين من عمرِه، واتخذ من الكوفة عاصمة له، ثم تحول إلى الأنبار، وبقيت عاصمة لأخيه أبي جعفر المنصور حتى بناء مدينة بغداد سنة (145 هـ / 762 م).
= وخلافته لم تدم طويلاً، لوفاته بالجدري عام (136 هـ / 754) بعد أربعة أعوام من توليه الخلافة، فكان الحكم من بعده لأخيه أبي جعفر المنصور ولي عهده. ويلتقي نسبه مع نسب سيدنا محمد ﷺ في جده عبد المطلب، ولُقّب بـ (السَّفَّاح) وتعني: الرجل الكريم الباذل الفيَّاض، الذي يكون عطاؤه للمال حثياً؛ ليس كما يتبادر إلى الذهن أنه من «سَفْح الدم»، فهو من الكرم والعطاء والبذل. فلا يصح في العقل أن يُلَقب أحدٌ ولدَه بـ «سَفْح الدم»، وهو يعُدُّه للناس خليفة، وقد لقَّب أخاه من قبل بالمنصور.
= ومع أن العرب في جاهليتها سمَّت بالأسماء المنكرة، لكن الإسلام جاء فحسم ذلك كله، ولم يبق من التلقيب والتسمية بالمنكر من الألفاظ شئٌ في أكثر البادية العربية، فكيف في الحَضَر ثم أعظم بيوت الحَضَر، وهو بيت العَبَّاس؟ وقد كان لهم في رسول الله ﷺ أسوة حسنة، فهو قد غَيَّر أسماءَ كثيرٍ من الوافدين عليه من أصحابه كـ «زَحْم بن مَعْبَد» سمَّاه بشيراً، و«عاصية» امرأة عمر بن الخطاب سَمَّاها جميلة، وخلقٌ كثير.
وعلى هذا الأصل نرى أنَّ الناس في صدر الإسلام سَمُّوا «السَّفَّاح»، فمنهم: السَّفَّاح
بن مطر الشيباني، وهو ممن وُلد في النصف الثاني من المائة الأولى للهجرة وكان من أصحاب الحديث، والسَّفَّاح أخو أبي سلمة بن عبد الرحمن الزُّبيدي لأمه وهو من التابعين، وقد روى عن أبي هريرة وغيره.
فلا شك أن التسمية منصرفة إلى المدح لا إلى الذم، فصفة أبي العباس «السَّفَّاح» هي إلى العطاء والكرم. أمَّا سكوت الطبري وغيره ـ من متأخري المؤرخين عن صدر الدولة العباسية، ولم يلقبه أحدهم بهذا اللقب ـ فليس يُعَدُّ دليلاً على بطلانه. وإن دلَّ على شيء فربما دلَّ على أنهم جانبوه وتباعدوا عنه وتركوه لما كان قد انتشر في عصرهم من معنى السَّفَّاح على أنه السَّفَّاك للدماء، وخفاء معنى هذا اللفظ الأول وهو الكريم الباذل الفّيَّاض الذي يكون عطاؤه للمال حثياً (معجم محمود محمد شاكر 156).
** ** ** **
عبد الرحمن الداخل صقر قريش
بعد سقوط الخلافة الأموية وقيام الخلافة العباسية لاحق العباسيون وعاملهم على إفريقيا عبد الرحمن بن حبيب الفهري الأمويين، وعملوا على مطاردتهم، وقتْل الكثيرين منهم، فهدفهم كان القضاء على أفراد البيت الأموي، بقتل الأمراء وأبناء الأمراء وأحفادهم، وكل من يُتوقَّع أن يكون أهلاً للإمارة، خشية محاوله أحدهم استرداد مجدهم لاسيما في الشام. لذلك أذاع عم الخليفة عبد الله بن علي (ت: 147 هـ / 764 م) في بلاد الشام، أنه قد أمن مَنْ بقي منهم على قيد الحياة، فخُدع بهذا البيان عددٌ كبير من الأمويين، ولبوا دعوته إلى الظهور، فاستطاع قتل ما يربو على سبعين رجلاً في مجزرة نهر أبي فطرس في مدينة الرملة جنوب فلسطين (جمل من أنساب الأشراف: البلاذري 9 / 329، الكامل: ابن الأثير 5 / 77، نفح الطيب: المقري 1 / 327)، مما دفع من تبقى منهم إلى الاختفاء عن أعين العباسيين لدى بعض القبائل الموالية لهم، أو الهروب صوب المناطق البعيدة التي تتميز بضعف السيطرة العباسية المباشرة عليها، ومنها بلاد المغرب.
وقد عانى عبد الرحمن الداخل (ت: 172 هـ / 788 م) حفيد هشام بن عبد الملك من
تلك المطاردة، فاحتمى بإحدى القرى القريبة من نهر الفرات، لكنه خشي من الوقوع بإيدي العباسيين، فهرب مع أخيه، واسمه الوليد، وكان في الثالثة عشر من العمر، إلى موضع ناء عن القرية. فوشى به رجل من معارفه، فأحاطت بهما خيل العباسيين، فرميا أنفسهما في نهر الفرات، فأغراهما الشرطة أن يرجعا ولهما الأمان، فرجع أخوه، فقتله العباسيون أمام عينيه، بينما نجح عبد الرحمن بالوصول إلى الضفة الأخرى بسلام، ولم تنطلِ عليه مكيدتهم. وتوارى عن الأنظار، حتى خفَّ الطلب عنه، فتوجَّه إلى إفريقيا مروراً بمصر (الكامل: ابن الأثير 5 / 122، المقفى الكبير: المقريزي 4 / 103، سير أعلام النبلاء 8 / 245، نفح الطيب: المقري 3 / 27).
وقد شكك د. محمد محمد زيتون بتفاصيل الصورة التي ذكرها الخبر، لا سيما قتل أخي عبد الرحمن أمام عينيه، إذ المنطقي في تسلسل الأحداث أن يؤخروا قتل أخيه حتى يطمئن عبد الرحمن إليهم، فيتم استدراجه للقبض عليه (المسلمون في المغرب والأندلس: د. محمد محمد زيتون، ص 239)، كما شكك د. خليل السامرائي، وزملاؤه بروايات اضطهاد العباسيين للأمويين وقتل الكثيرين منهم بعد سقوط دولتهم، باحتمال أن يكون معظمها موضوعاً (تاريخ العرب وحضارتهم: د. خليل السامرائي، وآخرون، ص 87).
وكلا الرأيين فيه وجه حق، فغير بعيد سمة المبالغة في تلك الروايات: فعبد الرحمن أرسل سنة (147 هـ / 764 م) لإحضار ابنه الأكبر سليمان (ت: 184 هـ) من بلاد الشام، أي بعد سقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية بخمسة عشر عاماً. كما حاول إحضار أختيه أم الأصبغ وأمة الرحمن إلى الأندلس، ففضلتا البقاء في بلاد الشام، لأن فضل العباسيين قد وسعهما (الكامل: ابن الأثير 5 / 184، تاريخ افتتاح الأندلس: ابن القوطية ص 55، سير أعلام النبلاء 8 / 246)، مما يدل على أن إقامتهما هناك لم تكن بصورة مستترة، إنما بعلم من العباسيين الذين كان بإمكانهم أن يقتلوهما أو يؤذوهما. وهذا ينطبق على ابنه سليمان.
= وقال المؤرخون: إنه توجه إلى مصر، ومنها إلى أخواله بني نفزة / أو نفزاوة
من البربر، فتتبعته عيون العباسيين، فنزل على قوم من قبيلة زناته؛ ثم إلى "برقة" فاستجار ببني رستم ملوك تيهرت؛ فمكث فيها مستتراً خمس سنوات (تاريخ الإسلام: الإمام الذهبي 11 / 239، الوافي بالوفيات: صلاح الدين الصفدي 18 / 167، فوات الوفيات: محمد بن شاكر الكتبي 2 / 302، المقفى الكبير: المقريزي 4 / 104، نفح الطيب: المقري 3 / 29)، لكن مكوثه هذه المدة الطويلة في برقة، المحاذية لمصر، فيه مبالغة أيضاً، فبرقة على الرغم من تبعيتها إلى بلاد المغرب جغرافياً، إلاَّ أنها في كثير من الأحيان، كانت تتبع ولاية مصر من الناحية الإدارية لقربها منها. فكان لزاماً على عبد الرحمن أن لا يستقر فيها هذه المدة الطويلة، ويسارع في مغادرتها الى مكانٍ أبعد وأكثر أماناً. بل كيف يستقر هذه المدة الطويلة في برقة البعيدة عن الأندلس، والقريبة من بلاد المشرق مركز أعدائه العباسيين؟
= وبعد برقة كانت محطته الثانية ولاية إفريقيا (أو المغرب الأدنى)، وهي تونس ومنطقتي طرابلس (شمال غرب ليبيا) وقسنطينة (شمال شرق الجزائر). وكان عبد الرحمن بن حبيب الفهري (ت: 137 هـ / 755 م) واليها منذ عهد الأُمويين منذ عام (127 هـ)، وبقي في حكمها بعد مبايعته للخليفة العباسي الأُول أبي العباس السفاح. ويبدو أنه استقبل ـ في بادئ الأمر ـ الأُمويين الهاربين اليه من العباسيين، الذين لجأوا إليه: ربما لبعد ولايته عن مركز العباسيين، وأنه كان والياً تابعاً للأمويين.
إلاَّ أن أولئك الفارين جهلوا أنَّ الفهري هو كمعظم الولاة، ليس لديه ولاء ثابت، وإن ولاءه يكون حسبما تكون مصلحته، ومصلحته اليوم صارت مع سادته الجدد (العباسيين). لذلك فسرعان ما انقلب عليهم، ليثبت ولاءه لأسياده الجدد؛ فأقدم على الغدر بالأُمويين اللاجئين إليه والتضييق عليهم، وصار يقتل كل من لجأ إليه منهم ويأخذ أموالهم (تاريخ المغرب الإسلامي: النويري ص٥٩، المقفى الكبير: المقريزي 4 / 1، البيان المغرب: ابن عذاري 2 / 4)، لكن في قتل الفارين مبالغة أيضاً، فالثابت أن الفهري لم يقتل سوى ولدي الوليد بن يزيد بن عبد الملك، واستولى على أموال إسماعيل بن أبان بن عبد العزيز بن مروان (نفح الطيب: المقري 3 / 2)، والسبب الظاهر وراء انقلابه على الأُمويين اللاجئين إليه، هو ازدياد كثرة أعدادهم، وتخوفه من تدبيرهم مؤامرة لانتزاع حكم إفريقيا من يده، تعويضاً عن خسارتهم حكم بلاد المشرق التي آل حكمها إلى العباسيين (تاريخ إفريقيا والمغرب: الرقيق القيرواني، ص٧). فكل ما كان يهمه هو منطقة إفريقيا (المغرب الأدنى)، وهي المنطقة الواقعة تحت سيطرته الفعلية، أمَّا بقية مناطق بلاد المغرب كالمغربين الأوسط والأقصى، فقد كانتا خاضعتين لسيطرة الخوارج بعد ثوراتهم على الأُمويين، واستمرارها بعد مجيء العباسيين.
فالخطر الذي يخشاه الفهري إنما هم الخوارج وليس عبد الرحمن الداخل الذي كان كل همه أثناء تنقله في بلاد المغرب العثور على مكان آمن. ومما ينهض دليلاً على عدم تشكيله أيَّ خطر على أصحاب السلطة والنفوذ في بلاد المغرب، عدم تمكنه من إقامة دولة للأُمويين في تلك البلاد أو في أي جزء منها.
وذكر عبد الواحد بن علي المراكشي (ت: 647 هـ) أن عبد الرحمن لمَّا هرب من بلاد الشام بعد قيام الدولة العباسية، لم يزل مستتراً ينتقل في بلاد المغرب حتى دخل الأندلس، وأنه حين دخلها كان طريداً وحيداً لا أهل له ولا مال (المعجب في تلخيص أخبار المغرب)، وعبارته غير دقيقة، فعبد الرحمن حاول الاستتار في بادئ الأمر عن أنظار العباسيين حينما كان في بلاد الشام، وذلك لم يطُل كثيراً فسرعان ما كُشف أمره فاضطر إلى الفرار. وعندما وصل إلى إفريقيا كشف أمره حاكمها عبد الرحمن الفهري، أو هو من عرَّفه بنفسه ظاناً بأنه سيحميه مع بقية أفراد أُسرته من ملاحقة العباسيين (المقفى الكبير: المقريزي 4 / 1)، وبالتالي، فما دخل الأندلس طريداً لا أهل له ولا مال، لأن مطاردة عبد الرحمن الفهري زالت حدتها عند وصوله إلى منطقة المغرب الأقصى، التي كانت قد انفصلت عن العباسيين سياسياً ومذهبياً وانتشرت في المغرب الأوسط ـ كما أشرنا إلى هذا قبل قليل ـ.
ولذلك، ففي المغرب الأقصى، هذه المنطقة النائية، نال عبد الرحمن بغيته بما كان ينشده من أمان، واستقر به المقام في مدينة طنجة قبل الشروع بالعبور إلى الأندلس، نظراً لقرب ديارها من الأندلس، (إذ تقع طنجة على الضفة الجنوبية من مضيق جبل طارق، وتقع الأندلس على ضفته الشمالية). كما لم يدخل الأندلس وحيداً، إنما كان معه مجموعة من مواليه، يُقَدَّر عددهم بأحد عشر رجلاً (نفح الطيب: المقري 3 / 31)، وكان موالي الأُمويين المثبتين في الديوان يتراوح ما بين أربعمائة الى خمسمائة فارس، فضلاً عن القبائل اليمنية المعروفة بتفوقها العددي على القبائل المضرية وحنقها عليها، التي سارعت إلى مبايعته، رغبةً في التخلص من سيطرة تلك القبائل على بلاد الأندلس، التي يمثلها حكم الوالي يوسف الفهري ومساعده الصميل بن حاتم الكلابي (نفح الطيب: المقري 3 / 29).
وفي سنة ( ١٣٦ هـ /٧٥٣ م) عندما أصبح عبد الرحمن قريباً من بلاد الأندلس، أثناء إقامته في ديار قبيلة مغيلة على ساحل مدينة طنجة، بدأ بتنفيذ مشروعه في الوصول إلى حكم الأندلس، فأوعز إلى مولاه بدر بالعبور إلى تلك البلاد والالتقاء بزعماء موالي الأُمويين فيها، على رأسهم: أبي عثمان عبيد االله بن عثمان، وصهره ومساعده عبد االله بن خالد، وأن يعرض عليهم فكرة تسلم الحكم، ويعدهم بالامتيازات الكبيرة في حالة استجابتهم وتعاونهم معه، على أن يمهد لذلك ببث الدعوة له بين العناصر والجماعات الناقمة على حكم الوالي يوسف بن عبد الرحمن الفهري (ت: 138 هـ) ومساعده الصميل بن حاتم الكلبي (ت: 142 هـ)، وفي مقدمتهم موالي الأُمويين والقبائل اليمنية (البيان المغرب: ابن عذاري 2 / 40، نفح الطيب: المقري 3 / 2). قال ك. بويكا: وكان الظرف الحاسم الذي هيأ له السلطة وجود عدد كبير من عرب الجنوب في إسبانيا الموالين للأُمويين، فهم قد فاقوا بعددهم عرب الشمال. وكان في دعمهم لعبد الرحمن دور أساسي في انتصاره (المصادر التاريخية العربية في الأندلس، ص٢٢. وعن دور القبائل اليمنية في مساندة عبد الرحمن الداخل في الوصول إلى حكم الأندلس انظر: دور اليمنيين السياسي: كارم محمود إسماعيل يوسف، ص١٥٢).
= فتمكن بدر من إنجاز مهمته بالتعاون مع زعماء موالي الأُمويين، وتم كسب عدد كبير من المؤيدين، مستغلين اضطراب أوضاع بلاد الأندلس، لقيام بعض الثورات ضد الوالي في شمال البلاد وانشغاله بقمعها، مما أدى إلى خلو قرطبة من القوات الرئيسة، فاشترى أنصار عبد الرحمن مركباً لعبور البحر، وتم تزويد بدر بخمسمائة دينار لنفقاته، يصحبه أحد عشر رجلاً لمرافقته إلى ساحل طنجة محل إقامة عبد الرحمن، لاصطحابه إلى بلاد الأندلس.
وبذلك تمكن عبد الرحمن من العبور إلى الأندلس، وكان ذلك في سنة ١٣٨ هـ / 755 م. وبعد أن تمكن من النزول على أرض الأندلس، التف حوله الأتباع من الموالي الأُمويين وبعض العناصر العربية، ثم أخذ عدد أتباعه بالتزايد عند تنقله في المدن المؤيدة له. فزحف نحو العاصمة قرطبة وأنهى حكم الوالي يوسف الفهري، بعد انتصاره في موقعة المصارة، وهو لم يتجاوز السادسة والعشرين من عمره (أعمال الأعلام: ابن الخطيب 2 / 8، نفح الطيب: المقري 3 / 3، تاريخ المغرب الإسلامي: النويري، ص٥)؛ ولم يشأ أن يعلن نفسه (خليفة)، لأن الخلافة عند فقهاء السنة تقتضي أن يكون الخليفة هو حامي الحرمين الشريفين المسيطر على الحجاز، لذلك اكتفى بأن لقّب نفسه بابن الخلفاء، باعتبار أن أجداده من الأمويين كانوا خلفاء أكبر دولة إسلامية في الشرق.
وقال د. حسين مؤنس: والواقع أن موالي بني أُمية قاموا بدورٍ خطيرٍ جداً في إقامة أمر عبد الرحمن وتحويل تاريخ الأندلس كله وجهةً جديدة، ولولا مؤازرتهم والتفافهم حوله لما قام أمره، ولولا إخلاصهم له ولبنيه لما استطاعت الإمارة الأُموية أن تسير على هذا النحو الموفق الذي سارت عليه (فجر الأندلس ص٣)، فعبد الرحمن على الرغم من عدم دخوله الأندلس بجيشٍ من خارج البلاد، إلاَّ أنَّ جيشه كان ينتظره في داخلها ممثلاً بالمؤيدين له من الموالي والقبائل اليمنية. والمعروف أن الأندلس كانت بلداً إسلامياً منذ ما قارب نصف قرن من الزمان، بعد أن فتحها موسى بن نصير (ت: 97 هـ) وطارق بن زياد (ت: 101 هـ)، سنة ٩٢ هـ /٧١٠ م في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بن مروان (ت: 96 هـ)، وكانت تحت حكم القوط الغربيين. فدخلت بذلك في حوزة الدولة الإسلامية.
** ** ** ** **
حكم عبد الرحمن الداخل للأندلس
استمر حكم عبد الرحمن في الأندلس ثلاثاً وثلاثين سنة، اهتم فيها بالأمور الداخلية للبلاد اهتماماً كبيراً، فعمل على إنشاء جيش قوي، وصل تعداده إلى مائة ألف فارس غير الرجّالة والمشاة والجنود، ونظَّمه أحسن تنظيم.
= فأنشأ مصانع السيوف ـ نقل صناعتها من دمشق ـ ومصانع المنجنيق، وكان من أشهرها: مصانع طليطلة Toledo.
= وأنشأ أسطولاً بحرياً قوياً، وبنى أكثر من ميناء، كان أشهرها: ميناء طرطوشة Tortosa وألمرية Almería وإشبيلية وبرشلونة.
وكان يقسّم ميزانية الدولة السنوية إلى ثلاثة أقسام: قسم ينفقه على الجيش، والقسم الثاني ينفقه على أمور الدولة العامة: كـ المرتبات، والمؤن، والإنشاءات كـ (تشييد الحصون والقلاع، والقناطر، والمباني، والمساجد، وأماكن العلم، والمصانع، وغير ذلك). والقسم الثالث يدّخره لنوائب الزمان غير المتوقعة.
= فعمل على نشْر العلم وتوقير العلماء والمفكرين والفقهاء، واهتمّ بالقضاء، وبالحسبة، أي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وبنى مسجد قرطبة الكبير، والمدارس، والمكتبات، ودور القضاء، ومجالس العلماء، وغيرها.
= وأنشأ أول دار لسك النقود الإسلامية في الأندلس.
= وبنى منية الرصافة Ruzafa بضاحية قرطبة، وجعلها مقراً صيفياً له لارتفاعها عن قرطبة وإطلالتها على نهر الوادي الكبير. أنشأها على غرار الرصافة التي بناها جده هشام بن عبد الملك على بعد ثلاثين كيلومتراً من مدينة الرقة في شمال سورية على نهر الفرات. فجلب إليها مهرة البنائين، والنباتات التزينينة التي لم تعرفها البلاد: كالورد، والياسمين، والقرنفل، والبنفسج، وشقائق النعمان، والدفلى، والخشخاش، والسوسن، والنرجس، وعلى الأشجار المثمرة: كالمشمش، والتفاح، والرمان، والتين، والإجاص، والنارنج، والأترج (الكباد)، ونخيل البلح، وقصب السكر، والسبانخ، والأسفراج (الهليون)، والزنجبيل، والمر، والموز، والكرز، والليمون، والسفرجل، والخوخ (ويسمى اليوم في الشام: الدراقن).
= كما ربط كافة أنحاء بلاد الأندلس ببعضها. وجعل من الأندلس ومدنها منارة للحضارة لتصبح قرطبة وإشبيلية وغيرها من أهم المدن الإسلامية الأموية في عهده.
** ** ** ** **
صفاته
كان كريماً، متواضعاً، يخالط العامة، ويصلى بالناس، يزورهم، ويحضر جنائزهم، ويعود مرضاهم، ويخاطبهم. وكان شاعراً، عالماً بأحكام الشريعة.


نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
توقيع د. منذر أبوشعر
 تفضل بزيارتي على موقعي الشخصي

http://drmonther.com
د. منذر أبوشعر غير متصل   رد مع اقتباس