عرض مشاركة واحدة
قديم 27 / 11 / 2008, 32 : 11 PM   رقم المشاركة : [1]
طلعت سقيرق
المدير العام وعميد نور الأدب- شاعر أديب وقاص وناقد وصحفي


 الصورة الرمزية طلعت سقيرق
 





طلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: مدينة حيفا - فلسطين

النفق الرابع / هذا يكفي لعمر فوق عمري

[align=justify]الرصيف بارد .. الوجوه باردة .. رذاذ المطر بارد .. هناك شيء غير مدرك يوجعني ويدفعني لأن أقول أشياء كثيرة أريد من خلالها أن أتواصل مع أشياء أشعر أنّ مفاتيحها ليست بيدي أو حتى قريبة مني..أحدق في المرآة الواقعة أمامي على جدار أملس فلا أجد غير ملامح رجل فيها الكثير من الحيرة.. ما معنى أن تدخل النفق وأنت تعرف تماما أنه قد يؤدي بك إلى نهاية مظلمة قد يصبح الخروج منها مستحيلا ؟؟.. هل عندي جواب جاهز ومقنع لأطرحه أمام نفسي على أقل تقدير ؟؟.. لا أظن .. مشكلتنا أننا ندعي معرفتنا بأشياء نكون أبعد الناس ، بل أكثرهم جهلا ، بمعرفتها ..النفق يعني أن تسير في درب لا تعرف نهايته ..الشيء الوحيد الذي تعرفه هو المدخل .. وبعدها لا شيء ..حتى الشمعة أو القنديل أو ما شئت ، تبقى أشياء لتعرف من خلالها موقع خطواتك ليس إلا !!.. من أجل ذلك كنت أظن دائما أن النفق قد يقود إلى نفق آخر ، وهكذا دون نهاية .. لكن هل حياتنا كلها عبارة عن نفق ؟؟.. الأجوبة الجاهزة لن توصلنا إلى شيء ..
قالت هنية :
- تعرف في وجهك سؤال حائر اليوم .. حتى تحديقك بالأشياء يأخذ معنى مغايرا .. هل تفكر بشيء يختلف عما كنت قررته ..
قلت لهنية :
- بصراحة هناك سؤال في ذهني يبدو مفاجئا لي ..ما معنى أن تقول لك تلك التي تحبها دون سابق إنذار " أنت لست أنت .. أعد لي وجودك الحقيقي فأنت شخص مختلف يشبه كل الرجال ولا يشبه نفسك" معناها أنّ هناك شيئا في داخلها قد تغير نحوي .. يبدو الأمر جارحا بشكل قد لا تقدره من قالت هذه الكلمات في ثورة غضب .. هل صرتُ مجرد إنسان عادي يكرر رتابة الأيام ؟؟..
قالت هنية :
- لماذا لا توجد لها العذر ..ربما كنت قد أخطأت .. عليك أيضا أن تنظر إلى الوجه الآخر من المسألة وليس إلى وجه واحد يشعرك بكل هذا الحزن .. أنت تبتعد حتى عن نفسك أحيانا ألا تشعر بذلك ؟؟..
- الملل مصيبة .. أملّ حتى من نفسي وهذا لا يغير شيئا في حبي لمن أحب .. هناك ظروف كثيرة كسرت داخلي الأشياء وبعثرتها ..
- إذن لا تلمها فربما تكون محقة في شعورها ..
أمشي على الرصيف فأشعر بخطواتي وكأنها غير خطواتي التي كانت .. أحيانا أفكر بالحياة .. هل كان محقا جان بول سارتر عندما قال :" إننا حين نحيا ، لا شيء يحدث ، فالديكور يتغير ، والناس يدخلون ويخرجون ، وهذا كل ما في الأمر ".. الحياة إذن كما يرى سارتر مجرد نكتة لا معنى لها .. أكرر قول سارتر مرة ومرتين وثلاث مرات .. هل كل ما في الأمر أن الناس يدخلون ويخرجون .. ولماذا؟؟.. لكن من المفترض أنني اكتب رواية ، أو ربما ظلا لرواية ، أو لا شأن لما اكتبه بكل ما في الرواية من معنى ..وماذا إذا كتبت رواية في ظل هذا الاختصار الشديد لسارتر ؟؟..
يرى عبد الملك مرتاض في واحد من كتبه انه :" لعلّ أهم ما تستميز به الرواية الجديدة عن التقليدية ، أنها تثور على كل القواعد ، وتتنكر لكل الأصول ، وترفض كل القيم والجماليات التي كانت سائدة في كتابة الرواية التي أصبحت توصف بالتقليدية ..فإذن لا الشخصية شخصية ، ولا الحدث حدث ، ولا الحيز حيز ، ولا الزمان زمان ، ولا اللغة لغة ، ولا أي شيء مما كان متعارفا عليه في الرواية التقليدية متألقا اغتدى مقبولا في تمثل الروائيين الجدد "..
كل هذا يضع النقاط بعيدا عن الحروف ، أو حتى دون حروف .. شيء ما يجرد كل شيء .. لكن الزمن لا أحد يستطيع أن يوقفه .. فهو يمشي مصرا على أن يدهس كل ما مضى بعجلات غاية في القسوة أحيانا .. والكتابة هي الكتابة ، دخول إجباري في النفق .. أو كما عند أرنست همنغواي :" متى أصبحت الكتابة بليتك الكبرى ومتعتك فلن يصرفها عنك سوى الموت "..
أمشي وحدي على الرصيف .. أحدق في الوجوه وأبحث عن ظل وجه أعرفه فلا أجد ..أقترب من متسول وأسأله : كم الساعة الآن ؟؟.. ينظر إليّ باستغراب وهو يرى أنّ ساعتي في يدي .. يقول : " من مال الله " .. كأنه حتى لا يريد أن يتنازل ويجيب بأي حرف .. أقف وأنظر إليه بكثير من التمعن.. لا يهتم .. يتابع نشيده اليومي المتواصل " من مال الله ".. وبدل أن يجد الناس أنه يتصرف تصرفا غير طبيعي ، ينظرون إلي وكأنني رجل آت من المريخ .. إذ ما معنى أن يقف واحد مثلي ليحدق بوجه متسول دون أي سبب ..
قالت هنية وأنا داخل النفق :
- ما يحدث في غزة مرعب .. وما يحدث بين الجانبين من الفلسطينيين مرعب أكثر ..كل واحد يريد أن يظهر بمظهر البريء ويلقي الخطب والكلمات الرنانة الطنانة التي تتهم الجانب الآخر..وكلاهما مخطئان ، والبريء الذي يضيع بينهما هو الشعب ..
- هكذا نحن نعيد الأشياء بحذافيرها وكأننا نكرر صورة لا تريد أن تنتهي ..
- الغريب موقف العرب ..
- غسلنا أيدينا منذ مدة طويلة منهم ..اطمئني العرب مهتمون بأشياء كثيرة إلا المهم ..فالمهم عندهم هو الشيء الوحيد الذي لا يهم ..!!..
أخذتني هنية من يدي إلى الماضي .. كنت ذات يوم أسير معها في واحد من شوارع دمشق ..كان ذلك منذ سنوات ..شعرت يومها أن هناك حبا ينمو ويطول في الداخل .. قالت وهي تحدق في هذا للماضي:
- أتذكر يوم سرنا مارين من أمام الجامع الأموي وتابعنا نحو سوق البزورية ؟؟.. فقط أريد أن اعرف هل كنتُ يومها تفكر بي حقا ؟؟؟.
- يبدو السؤال غريبا ..من الصعب ألا أفكر بك .. أنسيت انك منذورة لي .. ؟؟.. أما كان على النذر أن يوفى ؟؟..
- الحق عليك وليس عليّ ..أنت الرجل ..
- أي رجل يا هنية وأنا في ذلك العمر ؟؟..
- أتدري لم أكن اعرف أنك كنت شاعرا أو انك تكتب حتى .. كان الأمر سيختلف ..
- صدقيني لن يختلف أي شيء ..ما كان كان .. كلانا فرخا حمام لم ينبت ريشهما ليقررا ..
التلفاز يعرض المتناقضات ..مؤتمر حق العودة في قصر المؤتمرات بدمشق خلال يومي 23-24 تشرين الثاني 2008 تحت شعار " العودة حق " يتبعه انتخاب محمود عباس رئيسا لجمهورية فلسطين .. أي جمهورية ؟؟.. النفق يطول والسير فيه يصبح دون نهاية .. أسأل نفسي ما هو موقف الواحد منا من كل ما يجري ؟؟.. اشعر أن النفق أطول من أي نهاية ..
غربة ما تغتالني ..فعلا أشعر بأنني غريب وسط كل الأشياء ..
تقول هنية :
- من حسن حظك أنك تكتب ..الكتابة مخرج من أزماتنا النفسية التي تكاد تميت الواحد منا قبل أن ينتهي عمره ...
- ذكرتني بالكتابة وحالها في الوطن العربي .. نجيب محفوظ صاحب نوبل وبعد أن تجاوز الخمسين من العمر أو كان في الخمسين من العمر – كما يورد عبد الستار إبراهيم في الحكمة الضائعة – هذا الأديب الكبير وبعد أن نشرت روائعه الروائية وبعد أن صار مشهورا في السينما والإذاعة ، أي بعد أن تربع على قمة الشهرة يقول لمن سأله هذا السؤال أو ذاك :" لا أستطيع أن أخفي عنك ، ونحن نتحدث هنا هذا الحديث الأخوي الصادق ،، أني أعاني دائما قلقا من ناحيتين :ناحية المال وناحية الصحة .. فمن ناحية الصحة أنت تعلم أني مصاب بمرض السكر ، وهو يفرض عليّ قيودا كثيرة تعوقني عن القراءة أو الكتابة كما أريد .. أما المال فأصارحك أني لم أصل حتى الآن إلى مرتب يكفل لي ضرورات الحياة ..وكل شهر أسدد بقية التزاماتي من الخارج .. من أجر نشر الكتب والقصص ومكافآت الإذاعة ونحوها .. والحالة مستورة والحمد لله ، ولكني لا أستطيع أن أتخلص من ذلك الإحساس بالقلق ، إذ ماذا يحدث لو لم تأت هذه التكميلات غير المنظورة ،غير المضمونة ؟؟"..
قالت هنية باستغراب :
- نجيب محفوظ وفي قمة شهرته ؟؟..
- نعم نجيب محفوظ وفي قمة شهرته .. وهل كنت تظنين حال الكتاب نعيما عندنا ..اطمئني أو خذي علما هم يعانون ما يعانون .. فلا يكفي ما يفرضه عليهم الإبداع من تعب وإرهاق ومتابعة،بل عليهم أن يفكروا في لقمة العيش ..
- لكن نجيب محفوظ ؟؟..
- ولماذا تستغربين بهذا الشكل .. كل العباقرة الذين كانوا في زمن نجيب محفوظ عانوا المعاناة نفسها .. الكتابة يا هنية نعمة من جهة ما ، لكنها أيضا تعب وإرهاق ونقمة من جانب آخر..
كنت اسأل نفسي متى يحق لي أن ألجأ قليلا إلى نوع من الراحة التي تبعد عن ذهني التفكير بالكثير من الأشياء التي تكاد تتوزعني بل تبعثرني وتبعثر تفكيري .. ضحكت .. كأنّ مثل هذه الراحة المطلقة غير متاحة لنا بأي شكل من الأشكال .. فحتى حينما لا نفكر ، نفكر سائلين لماذا لا نفكر بهذا الشيء أو ذاك ؟؟.. فالطريق مرسوم بشكل قسري لا نهاية له .. وعلينا أن نمضي ونمضي وكأننا نريد أن نصطاد شيئا ما يشبه الخيال أو السراب ..نجري خلفه طوال عمرنا دون أن نصل إليه .. وكلما اتسعت خطانا اقتربنا من الجدران المفتوحة على صور غير مرئية وضعنا أو تهنا في نفق جديد لا نهاية له..بعض الوجوه التي تحضر تذكرني بأيام من أيام العمر ، وبعضها الآخر يذهب في بحيرة النسيان حتى لو كان وجهي .. هل هو أمر غريب ..فعلا لا أدري .. خطواتنا التي نضعها على رصيف ما قد تحدد طريقنا وقد لا تحدد أي شيء .. هي مجرد خطوات علينا أن نضعها على الرصيف وأن نمشيها.. والوصول مسألة نسبية .. الطرق كثيرة .. نختار الطريق ..وأحيانا لا نختار شيئا .. هناك طرق كثيرة تفرض نفسها علينا .. الطرق التي تفرض علينا نفسها قد تكون هي طرقنا .. لكن لماذا لا نختار ونحدد ؟؟.. نحن نمشي ونمشي .. ودائما نجد نفسنا في حالة سير إلى الأمام أو الوراء لا فرق..لكن في كل خطوة جديدة طريق نمشيه ولا نعرف تماما هل هو الطريق الذي كنا نريد أن نمشيه .. ؟؟.. هناك لعبة ما ..لعبة ليست بيدنا على الإطلاق .. فالطرق هي الطرق .. والأنفاق هي الأنفاق ..وباعتقادي شكل الطريق هو حيلة يفرضها علينا العمر ..

[/align]

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
طلعت سقيرق غير متصل   رد مع اقتباس