ظاهرة التلاشي …
في ركن بارد من غرفتها جلست القرفساء ، مختبئة في دثر من الفراء تنظر حيث البعيد تلقائها ، تستدعي عقودا خلفها ، تستدعي أصواتا وأصداءا ، مرت خلالها ، تغمض عيناها في ثبات وصمت ، تمارس فيهما الذكرى بإمعان ، صور متموهة تتضح شيئا فشيء ، إنه بياض مموه ! صه ، فلتخفضي الهمس قليلا ، حديث نفسك يشوشني ، ويشتت تركيزي ، من هذا القادم من ردهة البيت ؟! إحم إحم ،، نعم أسمع صوته من بعيد ، بل و أميزه جيدا ، نعم لقد وضحت الرؤية ، أصبحت أراه جيدا ، ولكن من الذي يحمل على كتفه ؟! إنه أخي الصغير الذي بلغ لتوه تسعة أشهر ، كان يصرخ بشدة ، يبدو أنه يتألم ، يا إلهي ماذا أفعل لكي لا يتألم هكذا ؟ لا أحتمل صراخه ، يناديني أبي الآن ، أراني أخرج من غرفتي أنا وأختي أحمل عروستي التي أسميتها سميرة ، وهي الآن ابنتي ، كم كنت صغيرة !! ما هذا ؟! يضحكني طولي القصير الذي لطالما ظننته طويلا ،، ها هي تقف أمام أبيها أراهما الآن بوضوح ، ليعطيها اسم الدواء ويطلب منها الذهاب إلى الصيدلية لإحضار الدواء ،، من هي ؟! انتظري قليلا سأخبرك إنها أنا ! نعم أراني الآن وأسمعني ووالدي ، وأخي الذي لازال صراخه يحتكر سمعي بشدة !! كنت أبحث عن حذائي يمينا ويسارا ، وقلبي ينفطر لبكاء أخي ، كان قد ابتلع الكثير من حبات الزيتون دون مضغها ، ودون انتباه والدتي !! وها هي قد جعلت بطنه الصغير كالصخرة !! وما هذا ؟ انتظري قليلا ساخبرك ، دعي الصورة تكتمل ، إنها تجري كالخيل أو أسرع ! تعبر الشارع في سرعة جنونية ، ظانة انها المنقذة لحياة أخيها الباكي ، تقع الآن من شدة الخوف أن تعود إلى البيت قبل أن تحضر ما كتبه لها أبيها لتنقذه .. ها أكملي .. تموهت الصورة ثانية ! عادت من حيث البياض الآتي من ردهة البيت ، عادت من حيث الصوت ، عادت من حيث تلاشى أبيها ! وتلاشى صراخ أخيها ، وتلاشت عروستها سميرة ، وتلاشي الطريق والعدو والسقوط إلى البياض المموه ، ولازالت تنظر عائدة في تؤدة من خلفها حتى منتهى العقود !
â—¦
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|