عرض مشاركة واحدة
قديم 27 / 01 / 2022, 53 : 12 PM   رقم المشاركة : [1]
خولة السعيد
مشرفة / ماستر أدب عربي. أستادة لغة عربية / مهتمة بالنص الأدبي


 الصورة الرمزية خولة السعيد
 





خولة السعيد will become famous soon enough

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

مقاربة قرائية لنص "يا أهل مكناس"

1. النص:
يا أهل مكناس في أشجاركم كبدي*** اخضرت فصارت على صبابة شجر
قد عرس القلب في أمدائكم ألقا***فأشعل النار والأزهار والمطر
يا أهل مكناس للرحمن دركمُ **أنى اتجهتُ بعينِي أبصرَتْ قمرا
في ربعكم جاءت الأيام هانئة*** تقدم السعد في أهوائها الكدر
ونعمة الرب لا أرنو إلى شجر*** إلا وجدته في مكناس قد كبر




2. المقاربة القرائية:
عبد الناصر لقاح الأديب الألمعي شاعر وسارد ميزته مذكراته الرمضانيه على صفحته الفيسبوكيه (قبل ما يناهز أربعة أعوام) بأسلوب مشوق أثار كل قرائه فجعلهم ينتظرون جديده بشغف حتى إن هناك من كتب عن المذكرات دراسات أو مقالات مثل 'محمد داني" في مقاله "فن المذكرات لعبد الناصر لقاح" .
عدد من الدواوين تغنى فيها بالطبيعة، بمكناس، بأفراد أسرته، وبكل ما ومن يمكن أن يحبه إنسان، كما سبق أن أصدر ديوانا مشتركا مع الدكتور فريد الأنصاري رحمه الله بعنوان "جداول الروح" ،واليوم أقطف من حقل قصائده نصه الموسوم ب"يا أهل مكناس" الذي نجده نداء خاصا فيه تغنى الشاعر بالمدينة وأهلها، فهذا المقطع الشعري يحمل في ثناياه كما من الحب والجمال والكرم إذ جعل المتلقي خاصة عشاق مدينة مكناس وإن لم يكن لهم ميول شعري يميلون طربا وانتشاء بكلماته، وأول ثمرة نجنيها من شجرته هي أسلوب النداء، حيث أبان عبد الناصر لقاح عن مقصوده من النص بدءا من عنوانه ثم من مطلعه الذي يعيد لنا جزء منه ذلك العنوان، إضافة إلى أنه يزرع الأمل والاطمئنان، واستنشاقه هواء الطبيعه والحب من خلال مجموعه من الألفاظ يمكن أن تلمحها العين عند أول نظره للنص أو أن تتلقاها الأذن سريعا كأنها تصل القلب قبل السمع (أشجاركم ؛ أهل؛ كبدي؛ اخضرت؛ صبابة؛ الشجر) إن الشاعر قد جعل هذا المقطع يركب بحرا متموجا يزاوج بين تفعيلتين فكأن واحدة لا تكفيه ليعبر عن هذا الحب الذي يسكنه ؛ حب مكناس وأهلها ، كأنه كان اختيارا متعمدا لمناسبة موضوع النص حيث منح مضمونه إيقاعا بسيطا بموسيقى عذبة، أضف إلى ذلك اختيار الشاعر لألفاظ وأحرف امتزجت والموضوع، فإذا أخذنا جولة بين أبيات المقطع الشعري سنجد أننا في طبيعة خصبة مخضرة، أشجارها مثمرة وأزهارها فواحة؛ طبيعة كريمة بعد ارتوائها. وإن كان حرف السين الذي يهب موسيقى النص إيقاعا جميلا وصفيرا مميزا باعتباره آخر "مكناس" اللفظ الوارد أربع مرات إضافة إلى العنوان، كما أن صوت السين تكرر في عدد من الألفاظ التي وردت في النص (عرس - السعد ) وصوت الصاد القريب من السين في تموجاته (صارت -صبابة - أبصرت) أما روي هذا المقطع الشعري الجميل فكان راء وهو حرف أعطى النص لحنا يخصه ويميزه فهو صوت جهوري أضفى عليه المد بالألف ألقا وفخامة ، وصوت الراء لم يكن يتكرر فقط بنهاية كل بيت، بل في كل الأبيات نجده قد ورد أربع مرات إلا في بيت واحد جاء مرتين هو البيت الرابع، أما من حيث المعجم فإنه غني تغازل الطبيعة فيه المحبة والفرح وإن كان النص الشعري لا يتجاوز خمسة أبيات نجد الألفاظ المعانقة للطبيعة ( الشجر- أشجار - أزهار- مطر - قمر ) ولم يكتف الشاعر بهذه الألفاظ التي تزرع الجمال الطبعي وتتحف نفس وتزهر في القلب بل إنه يضيف معجم الحب والفرح الذي يبرز تعلقه بمكناس وأهلها ( كبدي - عرس - القلب - صبابة - هانئة- السعد) وربط شاعرنا بين الحقلين في قالب موسيقي بديع و في جدول يفيض حيوية.
إن لقاح وإن بدأ نصه بنداء فإنه لم يتلق ردا مباشرا لأنه واصل حديثه؛ وهو نفسه لم يكن ينتظر ردا، بل يريد أن يبلغ رسالة حب ومودة، ونحن قد أدركنا أنه قصد أشخاصا بندائه وقد أكد هذا النداء في مستهل البيت الثالث أيضا ولم ينجب أسلوب الخطاب في النداء فحسب ، بل إننا نجده أيضا في قوله: ( في ربعكم - في أشجاركم- أمدائكم - دركم) وهذا يجعلنا نلحظ حسن السبك في النص وروعة النظم إذ أسلوب الخطاب قد جعل المقطع الشعري أكثر وضوحا وفهما وأسرع أيضا في توصيل المقصد من مطلع القصيد إلى نهايته، فاختصر المسافات لتحقيق التراكيب مع بعضها وأسرع لجذب القارئ إلى نصه، وفي أسلوب الخطاب الذي يوظفه شاعرنا نجد أنه قد عين متلقيه فهو يخاطبهم دون غيرهم وإن كان يظهر أنه يحدث حتى غير المكناسيين ليخبرهم عن مدى حبه وتعلقه بمكناس وأهلها، ومزاوجته بين ضميري المخاطب والمتكلم جعل هذا التنوع مميزا للنص حتى تخال أن عبد الناصر لقاح وأهل مكناس شخص واحد أو جمع متكلم بلسان واحد، وإذا كان استعمال أسلوب النداء في النص قد جعل المخاطب يشعر بأن له رغبة في الرد على المنادي كأنه يريد أن يقول له نعم أنا هنا وهو منتش بكلمات الشاعر فإن أسلوب القسم الموظف في آخر المقطع الشعري يحيي فينا تلك الروح التي نستشعر من خلالها أفضال ونعم الله علينا وعلى أهل مكناس خاصة لأن شاعرنا يقسم بنعمة الله، ويشير إلى رمز الخير والعطاء والخصوبة، إلى الشجر ليبين أنه ينمو ويكبر بمكناس، أما بخصوص التكرار فقد خلق موسيقاه وجاء متوازنا محدودا إذ النص يلهم المتلقي حبا ويجعل من لا يعرف مكناس وأهلها يأخذه الفضول الجميل للتطلع على هذا الخير وهذا الجمال الطبعي الذي رسمه شاعرنا في لوحة فنية شعرية، حيث وردت مثلا لفظة شجر مرتين اسما نكرة يظهر من خلاله أنه لا يقصد شجرة معينة أو صنفا معينا من أشجار مكناس، ولكنه يتحدث عن كل شجر المدينة، وقبل اللفظتين نرى أنه في مستهل المقطع الشعري عرف كلمة شجر التي جاءت تؤكد أنها جمعا لكن ليس ب"ال" التعريف بل بالإضافه لأنه يخبرهم أن كبده في أشجارهم، فقد أضاف نسبة الشجر إليهم، وفي هذا تصوير جميل يميز رونق إيقاع النص وبهائه بالإضافة لبعض الصور الفنية التي تتوالى كالطباق( السعد والكدر ) أما الصور المجازية فجعلت النص رسما فريدا تتخيل فصوله وألوانه حيث شخص القلب فجعله إنسانا يعرس من فرح بل ويشعل من سعادته النار والأزهار والمطر وهنا استعارات أخرى فالنار يمكنها أن تشتعل لكن الأزهار والمطر قد أعطاهما صفة من صفات النار فجعلهما تشتعلان مثلها ومن الذي يشعلهما ؟ إنه القلب.. كما جعل في البيت الرابع الأيام تجيء ويتقدم السعد فيها على الكدر وكلها استعارات مكنية يشاركنا من خلالها شاعرنا خياله الخصب المثمر، فنرى كلماته أمامنا صورا حقيقية ، ومرئية، وغير الصور يمكن أن نلاحظ في مستهل النص ظاهرة التقديم والتأخير التي تمثلت في تأخير الفعل وتقديم الفاعل ( كبدي اخضرت)، وهذا التقديم والتأخير لم يكن مراعاة الوزن الشعري فحسب، بل إنه صور تشويق المتلقي لما سيأتي بعد كبدي خاصة أن شبه شبه الجملة ( في أشجاركم) جعلنا نقف بالقصيدة أمام الطبيعة الغناء فنتخيل أن كبد الشاعر جزء من هذه الطبيعة أو أنها ثمرة أشجارها، ليخبرنا أن هذه الكبد قد اخضرت لتفاعلها مع الأشجار، كما أن تقديم لفظة الأشجار على الفعل " اخضرت" يكون كافيا لنتخيل لون الطبيعة الذي سيهيمن على كبد الشاعر وإن لم يشر إلى اخضراره، وكذلك البيت الرابع سبقت شبه الجملة ( في ربعكم) الجملة الفعلية : جاءت الأيام هانئة، وفي نهاية البيت الثالث كانت الفائدة من التقديم والتأخير التعجب في قوله : " لله دركم!".
إن نص "يا أهل مكناس " وإن كان قصيرا لا يتجاوز أبياتا خمسة فإنه طويل بمعانيه وبلاغته. إن النص بصوره يشكل لوحات يبدو فيها المتلقي جزءا منها، يعيش طقوسها، ويحيا تفاصيلها، ويشكل الخطاب في النص حوارا روحيا تجري بأحرفه كلمات لقاحية بديعة

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
خولة السعيد غير متصل   رد مع اقتباس