رد: مذكرات طفولية
نملك بحياتنا مجموعة من الصور التي تخلد ماضينا أو على الأقل تجعلنا نسترجع ذكريات عشناها، يحصل هذا ونحن نقلب صفحات ألبوم الصور، أو نمرر السبابة أو الإبهام على الهاتف لنشاهد شريطا من الصور والفيديوهات.. وأحيانا لا يكون علينا إلا أن نتيه في عالم السهو والشرود لنعود عبر آلة الزمن إلى الماضي ونحِن.. نحن .. نحن ، ونشتاق، قد نردد ياليت، ونقول الحمد لله، وقد تأخذنا دموع الذكرى شوقا، وقد نضحك على ما بكينا عليه قبلا...
رُب يوم بكيت منه فلما.... صرت في غيره بكيت عليه
قبل أيام فتحت الواتساب وإذا بي أجد رسالة من عمي ، أفتحها ؛ إنها صورتي صغيرة مع جدي أحمد رحمه الله يحملني بين ذراعيه، لا أدري لماذا امتزجت عندي المشاعر حينها ( فرحة وحزن وشوق وحنين ودمعة وابتسامة...) الصورة الورقية معي، لكن لا أعرف لماذا رأيتها يومها بأحاسيس لا أعرف وصفها..
لقد كان جدي هو المحامي، نعم كانت تلك مهنته التي يمارسها مع كل صغير أو ضعيف، قد تبكي أمي إن رأتني أتألم، وأبي أيضا، قد يتأثران لدموعي حين أحزن ويغضبان مني ومن دمعاتي، لكن جدي أحمد لا أذكر أنه كان يتأثر لغضبي أو لدموعي بالشكل الذي عهدناه من آبائنا وأجدادنا، إنه يصير كالأسد الثائر إذا عرف أني غاضبة من شيء أو رأى دموعي، والويل لمن أغضبني إن عرفه من يكون وأيا كان، كان رحمه الله وديعا بلطفه وهائجا وقت غضبه، كلماته حينها تهرب منها الكلمات خوفا، كم دافع عني وحماني من أبنائه حتى عمي نفسه الذي بعث لي الصورة، بل أذكر مرة وكان الوقت صيفا أني نزلت إليه لأسلم عليه، وإذا بعينيه تلمحان إمارة على يدي كانت قد ضربتني أمي أو ربما أبي لا أذكر، ياه!!! ما كان موقفه حينها!!!
كان جدي يسافر إلى شمال المملكة كثيرا، وكان كلما عاد أحضر معه علب جبن كبيرة مستطيلة الشكل، يقسمها قطعا مربعة، ومع أني لا أفضل أكل الجبن، إلا أني كنت أعشق أن آكله بعد أن يمده لي جدي أحمد،أو يناولني سكينا، ويقول لي: اذهبي إلى ذاك الركن ، احملي ذاك الصندوق، انظري هناك ستجدين علبة الجبن، اقطعي جزءا وخذيه، زيدي قطعة أخرى، خذيها لأمك وقولي لها : إن جدي هو الذي أعطاها لك... فأذهب سعيدة بقطع الجبن، وكم تحلو حينها!!
لم يكن عطاؤه قطع جبن فقط، خمسة دراهم.. حلوى .. مادلين ومع أني لا أحب المادلين إلا أنه لا ينبغي رفضها أمامه وإلا غضب، وإن كنت أحيانا آكلها فقط لأنها من جدي ...
كان عطاؤه عطفا وحنانا، كان عطاؤه يبدو مستترا لكن فقدنا له ب2006 فقدت معه هيبة عظيمة كانت بالبيت الكبير، ذهبت معه نخوة وعزة، صارت " الدار التحت" في رأيي كأنها أطلال لا حياة بها بعد رحيله عن الدنيا رحمه الله تعالى رغم وجود أهل الدار
رحمة الله عليك جدي.. أسأل الله عز وجل أن يكون قد جعلك من أهل الجنة
2 أكتوبر 2021
|