30 / 09 / 2022, 32 : 02 AM
|
رقم المشاركة : [1]
|
موظفة إدارية-قطاع التعليم العالي-حاصلة على الإجازة في الأدب العربي
|
وتسألني هل أحبك؟
وتسألني هل أحبك؟
عاد خالي الوفاض، خائب الرجاء، بعد تعب مضني في التنقيب عنها، مد قامته على السرير، قلب جسده يمنة ويسرة، في حلقة مفرغة دار فكره، داخ عقله، أسقطه أرضا ثقل همه؛ جلس القرفصاء ويداه على خديه يتجرع مرارة الندم ويمضغ الألم.
طال غيابها، لم يخطر على باله ضربتها القاضية في حلبة ساقها إليها دون سابق إشعار، عانق وسادتها المخملية، رائحة عطرها تشيع جنازة غضبه التسونامي على مذبح التسرع، كم كان ظالما في قراره، كيف هان عليه لحظة انفعال إبعادها عن ساحة قلبه؟ كيف تسنى له أن يطردها من بيت الزوجية إثر كذبة ملفقة أودت بسنين عشرتهما الطيبة؟
سرح فكره بعيدا، استرجع الأحداث؛ التقاه طارق على مفرق الشارع السفلي من حيهما؛ المبثوث على هضبة القرية، كان ينتظر عودته من العمل بفارغ الصبر، صعدا إلى مقهى بانورامي يطل على جمال القرية المترامية الأطراف حد البصر؛ حيث دعاه بعد أن رتب اللقاء على إيقاع ماكر؛ لاحتساء فنجان قهوة ستعصر مرارته سعادة قلبه؛ بشفرة الحزن والخيبة. تجذبا أطراف الحديث حول ذكريات مشتركة ثم أرساه على بيت القصيد مهنئا إياه.
- مبارك عليك السيارة الفاخرة.
- أي سيارة؟ رد صهيب والضحكة تملأ عينيه.
- تلك التي قادتها رشا في مدينة المحمدية يوم أمس وأنت بجانبها
- من قال ذلك؟
- رأيتكما معا بأم عيني؛ وأنا عائد من مدينة الرباط على الطريق الساحلية.
- فعلا رشا ذهبت قبل يومين لزيارة أمها بالمحمدية، وأجلت اللحاق بها إلى العطلة الأسبوعية، لكن لم يتسن لنا بعد اقتناء سيارة؛ لأولويات سطرنا تحقيقها مسبقا.
استمر طارق في تلفيق الكذبة على مقاس المعلومات التي استقاها من فريدة؛ التي لم تجمعها وأخاها طارق علاقة الجوار بصهيب وزوجته أيام الصبا فحسب؛ بل كانت صداقتهم متينة خلال الفصول الدراسية بالمدرسة المجاورة لحيهم، وأكمل صهيب ورشا دراستهما وحصلا على عمل محترم، وتوجت علاقتما بالزواج إثر حب أخفايا معاليمه، في حين أخفق طارق وأخته في الدراسة؛ لما قضى حريق منزلهما على حياة أبيهما ومستقبلهما؛ وحكمت الظروف أن يتنازل طارق عن دراسته لإعالة أمه وإخوته الصغار، وكانت الصدمة حائلا دون تحقيق أحلام فريدة، فتكفلا معا بالحفاظ على مورد عيش الأسرة، عربة لبيع الفواكه لازمت أباهما أيام حياته.
ولأن طارق كتم حبه لرشا؛ حيث آثر عدم البوح حتى يشتد عوده، ويتم دراسته ويتقلد منصبا يليق بآماله، أحس أن صهيب اختطف على حين غفلة قلبه، كما التهم الحريق أباه، وسرقت الظروف حلمه؛ فأشعلت نار الغيرة لهيبها في صدره، والحال أن عشقه لرشا لازال يرهل نسيج قلبه ويلعب بعقله حتى لبسه شيطان الانتقام.
فكر مليا ثم دبر في حيلة تدمر عش صهيب ورشا؛ ونجحت خطته بعد أن استأصل شريان الثقة؛ بداء الشك الذي غرسه في عقل صهيب، فجعله ينتقص من عرض زوجته؛ ويتهمها في شرفها حتى فاض بها، وأهرقت كأس الصبر على امتلائها؛ مسبلة الدمع بملوحة التعسف ومرارة الظلم ركبت قارب الغربة وغابت عن محيطه إلى حيث لن يلقاها.
ولأن بحر الشيطان بلا قعر؛ فقد رمى الصنارة من عين المصاد؛ لكن هذه المرة بطعم مغاير؛ حيث أزاغ قلب طارق فانتقل حقده إلى أخته بعد أن حرمها وأسرته من مورد العيش طمعا في الاستفراد به وحده، فكال لها من الكيد ما كال لصهيب؛ مما جعل فريدة مفجَّعة لا دفع لها للضيم سوى الانتقام؛ ترد الصفعة على وجه السرعة، التقت صهيب وحكت له عن مكيدة طارق للتفريق بينه وبين زوجته طمعا في الظفر بها؛ غير واع أن حب رشا لصهيب أعمى؛ لم تر أحدا غيره.
كمن يتخبطه الشيطان من المس؛ طار عقل صهيب؛ الذي لم يبصر به مقام رشا وغدر طارق، و ظل يتجرع مرارة الندم على ظلمه لزوجته، أملت عليه فريدة أن يكلم رشا من محمولها؛ لأنها حذفت اسمه من قائمة معارفها، رفضت رشا مكالمته فكتب لها رسالة يقول فيها:
حبيبتي الغالية، يخرس لساني عن التعبير لك عما سببته لنا من وجع إذ ظلمتك، وإن لم تغفري لي فلن أسامح نفسي، وسأظل متلبسا بذنبي، فعودي إلي أصلح ما أفسد المارد، ولك أن تشترطي علي ما بدا لك. عودي إلي إن هتف قلبك يوما بحبي، عودي حبيبتي إن لا زالت ذرة حب في قلبك تنبض بي.
بعد تردد دام أياما عديدة ردت عليه رشا:
وتسألني هل أحبك؟ سؤالك يحرض على نميمة تغري لسان قلبي، فتنفرج الشفاه عن خزائن سري؛ تحطم جدار الصمت الرهيب والسكون المهيب، تتولد رعشة البوح الدفيق فيهطل من غيمة حب عتيق. لاخضرار أمانيك في ارتجاف غروبي الأخير ستسبل سمائي بغيث رقراق.
أصخ حبيبي؛ سألقي على مسمعك رنين أوتار نبضي، سأصب الزيت في سراج قلبك الحزين، وأهرق في مقلتيك ذياك البريق. يا من أحطتني من قبل بعناية أكثر مما ينبغي، يا من أفردت لي فضاء قلبك؛ بكل اللغات أحبك، لو كان بيدي لأخذت من عمري ومددت في عمرك. انظر إلى قلبي تراك جنته، ما وحده ملكته، سلبت عقلي وروحه، كسيل جارف أتى على مدينة قلبي أراك، داهمني هواك، جبارا مستبدا احتلني؛ احتل كياني، وأسائل نفسي من أي نبض فيَّ أقبض عليك؛ سجين حبي بين جدران قلبي أرديك. هاك عيناي فرشا وغطاء؛ فتمدد أنى تشاء، سأبقيك على جدار ناظري صورة غناء، لا تسقطها عواصف الزمن، ولا تهزها أمواج المحن، سأسمعك صهيل شعوري، وموسيقى حوامل دواخلي؛ مفعمة حبا مختزلا من أول دفقة عشق في التاريخ البشري؛ إلى الزمن الأزلي. سيندلق حبي سيلا مخمليا رقراقا على نهر قلبك، وعلى جبين حبنا؛ بإزميل العهد الذي وقعنا سأنقش عبارة اعتصرت ملامحها من بواطن الوجدان؛ منذ أن أطلت ذات جوع لأنفاسك؛ بواكير حبك على صفحة روحي، وتدلت تترى في عيون قلبي. يا من أعتنق حبه بكل ألوان الجمال، يا من أشتاقه حين ذراعه وسادتي، ونبض قلبه سقاء روحي، يدغدغني همسك، تقتلني وتحييني نظراتك الغارقة في يم العشق، وترديني ريشة تائهة في نسيم هواك.
أصخ حبيبي جيدا؛ سآتيك هناك لا هنا في موعد غير معلن عند رب السماء، هناك سأعانقك عناقا من فوهة كبد الشمس؛ عناق السنبلة للذهبيات المفلجات؛ قبل أن يشي المنجل بقطع حبل الحياة.
وختمت الرسالة بحسام فتق غمام مقلتيها؛ فجادت سفوح مدمعها على تضاريس الحزن المشقوقة على خديها؛ ونزفت على مقصلة الرسالة عبارة؛ ذبيحة عماك.
أكمل الرسالة، فشلت رجلاه في تحمل ثقله الذي تضاعف لحظة انهيار؛ خاصة وأنها تزامنت مع توصله بطلب الطلاق؛ رمك فيه الجنون، تسربل سربال التيه، سقط أرضا من جناح عل نفض عنه رضاه، وهو يعلم أن زوجته صارمة في اتخاذ قراراتها مهما كلفها الثمن، ويدرك تمام الإدراك مهما سعى في الصلح معها؛ لن تتنازل عن كرامتها وقد أنزل عليها لحظة الدفاع عن نفسها؛ ما لم تحط به خبرا من ظلمه الجائر، وما لم يستوعبه عقلها من وابل القسوة الجهنمية؛ التي أحالته في عينيها آنذاك وحشا جبارا تأسد على براءتها.
طارت حمامته إلى غير رجعة وتركت له الجمل بما حمل؛ فابتلع السكين بدمها موقنا أن نهاية علاقتهما على جبين السماء قد سطرها القدر. [/size][/color]
[/font]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|
|
|
|