قراءة في نص "دعوة فارغة!!!"
للأديبة عزة عامر
في قراءة أولى للعنوان تفرض بعض الأسئلة طرحها منها؛ ما المقصود بالدعوة؟ وما نوعها؟ علما أن للدعوة دلالات تختلف حسب سياق النص ونسقه الداخلي، فهل هي دعوة تضرع لله؟ أو دعوة سخط على مغضوب عليه؟ أو دعوة لقاء؟ وما إطار هذا اللقاء هل هو ثقافي أم سياسي أم اجتماعي؟ أم هي دعوة لحضور حفل؟ وما نوع الحفل؟ هل هو حفل عقيقة أم حفل ختان أم حفل زفاف؟ ثم ما الفراغ؟ هل يقصد به فراغ ظاهر أم فراغ بلاغيا مضمرا خلف التعبير؟ وإلى أي حد أستطاعت الأقصوصة الإجابة عن الأسئلة الملائمة لمضمونها؟
وبقراءة موصولة للنص يتضح لنا أن الدعوة بمعنى أحادي الدلالة؛ يمليه رسمها المعبر عن بطاقة؛ وهي استدعاء لحضور حفل زفاف غيبت الكاتبة معالمه؛ مما يوضح الفراغ المعلن عنه في عتبة النص، وعلى خلفية هذا الغياب يطرح السؤال؛ كيف يمكن أن تكون هذه البطاقة دعوة؟ والدعوة تستلزم الحضور، والمدعو نكرة لم يعلن عنه، فكيف وصلت الدعوة لقارئتها؟
أرى أن الدعوة؛ القلب النابض للنص تتيح أكثر من تخمين .. لعلها بطاقة منسية أو محتفظ بها للذكرى من تجهيزات حفل الزفاف؛ بدليل وقوف البطلة أمام المرآة وهي تقارن في استرجاع الذكرى الذي أملاه الشرود؛ وجهها الفتي وجمالها الذي زادته معدات زينة العروسة بهاء، بوجهها المنعكس على المرآة بما خطه العمر من آثار على صفحته، وتؤيد السقطة التي انتهت بها الأقصوصة (فإذا بها لا ترى سوى!!!) هذه القراءة؛ أي أنها هي نفسها العروس؛ والعروس لا تتلقى دعوة حفلها، وتبقى علامات التعجب سيوفا مرفوعة في وجه العمر الذي يسرق من كل وجه نضارة الشباب.
وقد تكون هذه الدعوة من تمثل أملاه الحرمان؛ فحاربت البطلة بتمني مُلح وأمل غير منقطع وحدتها خياليا؛ بكتابة بطاقة دعوة لحفل مفترض دارت أحداته في مخيلتها؛ ولما كسرت الحقيقة حلمها على وجه المرآة ذات استيقاض؛ لم تر إلا تلك التي لم تحظ بعد برفيق دربها؛ فبصمت خيبتها بعلامات تعجب ثلاثية الأبعاد تخفي الفراغ المضمر والمسكوت عنه في النص، وهو فراغ وليد لحظة شرود من مآل وجهها؛ الذي تغير من صفته الشابة في طور الصبا إلى صفة تمتطي مراحل عمرية يصعب تحديدها في النص؛ بغياب الدال اللفظي المثبت لها، ولا يفسر تعبير (تقدمت بخطوات وئيدة نحو المرآة) بالتدقيق ماهية المرحلة العمرية ولا حدها؛ لأن فعل (تقدمت) قد يفيد أن البطلة في عمر متقدم غير محدود، وقد يفيد معناه الظاهر في الجملة الذي تعززه الخطوات المتئدة؛ التي بدورها تفيد الطرح الأول بعامل الزمن؛ المثقل المتعب للخطوات وقد تفيد الطرح الثاني بفعل صعقة الدهشة وحالة الشرود من واقع يكسر زجاج الأمنيات، ويحرق غلة حلم على مشارف الذكرى المتاخمة لنبض البطلة.
ودون بطاقة الدعوة نجد أن النص تؤثثه ثماني عشرة لفظة، منها ست أفعال؛ خمس في الزمن الماضي (قرأت، شردت، أغلقت، تقدمت، تأملت)، وواحد في الزمن المضارع (ترى)؛ أي أنه في زمن مستمر استمرار التغيير الذي يفرضه عمر البطلة على ملامحها، والمفرز لحالة تعجب ملفت النظر؛ حين مقارنة مستفيضة بعد الشرود.
ويفضي التكرار للفظة الدعوة إلى خلل في التعبير(قرأت الدعوة- أغلقت الدعوة) ، ثم إن فعل الإغلاق جاء في غير محله؛ لأنه فعل حركي يلزمه عقل يقض، وهذا الأخير دخل في حالة تلغي الحركة بعده (شردت)؛ فالأولى أن تصاغ الجملة مطابقة للمعنى المعبر عنه فتصير؛ قرأت الدعوة، أغلقتها، شردت،....
وفي الجملة (تأملت ملامحها المنعكسة) نجد بترا للمنعكس عليه (المرآة) وإن ورد في جملة قبلها؛ فلا يفيها معناها إلا بإظافة حرف جر مقرون بضمير متصل يعود عليها فتصبح الجملة (تأملت ملامحها المنعكسة عليها).
ويبقى السرد قويا بالتباس المعنى، قويا بعبارات بسيطة سهلة خالية من التعقيد؛ تتخله أخرى موجزة معبرة، كما أن فكرة النص فيها من الإبداع والجودة والثراء ما يجعلها منفتحة على قراءات متعددة حسب تصور المتلقي.