طلعت في أيامه الأخيرة - مالم أبح به من قبل - هدى الخطيب
تحية نور أدبية وبعد..
كعادتي سأكتب مباشرة ما أتذكره أثناء الكتابة ودون تحضير مسبق..
حين بدأت الثورة العربية الشعبية والتي عرفت باسم " الربيع العربي " في الشهر الثالث بتاريخ ميلاده تحديداً، عام 2011 بداية من تونس ثم انتقلت إلى مصر ، فرح بها طلعت كثيراً واستبشر خيراً ، مثل معظمنا ، تحقيق حلم تحرر وطننا الكبير من الحكومات الوظيفية التابعة للاستعمار .. وكنا جميعاً نتابع لحظة بلحظة بكل أمنياتنا وفيض مشاعرنا.
كان نور الأدب لم يزل في قمة نشاطه وكان لا يهدأ ليلاً ولا نهاراً .. لا زلت أذكر حين دخل الأعضاء من مصر وكيف استقبلناهم استقبال الفاتحين ، بعد غيابهم القسري حين قطعت سلطة مبارك الانترنت لفترة.
بدأ يكتب الشعر مستبشراً بقرب تحررنا ويفتح الملفات لنصرة الثورة ، والتي لم تزل في أرشيف نور الأدب.
بدأت الثورة تمتد إلى ليبيا فاليمن حتى وصلت إلى سورية حيث مملكة الرعب الأسدية الأشد وحشية ودموية.
قبل أن أكمل سأتوقف عند نقطة كنا اتفقنا عليها هو وأنا ، في الشهر العاشر من عام 2009 ،أي بعد قرابة عامين على إنشاء نور الأدب، قررنا أن نضع " القانون الداخلي والنظام الأساسي " لنور الأدب..
كانت أهم النقاط عدم الكتابة في السياسة إلا ما يختص بفلسطين / والسبب واضح بلا شك..!
بين المتملقين للأنظمة القمعية الاستبدادية والمستفيدين منها، ومن تجندهم مخابرات الأنظمة لأي موقع ناجح كنوع من وضع اليد عليه والبلطجة، وتحويله منبراً تابعاً لها تبث سمومها فيه ومنه..!
لا أبالغ إن قلت تلك البلطجة ملكها المتوج كان " نظام الأسد " .. لذا كنا نقصد ضمنياً الحد مما يجري وما بدأ ينتشر إن شعراً وإن غير ذلك ، فمن يتعب ويدفع من ماله الخاص وجهده لدعم حرية الرأي ويرفض ما يصله من عروض تبرع مادي وعم ، يستفز إلى أبعد الحدود من هذا السطو - هم يريدون لك أن تعرف - ليس لك شيء ولا تملك ، وإن لم تكن تحت أيديهم، فقد سبق لنظام الأسد أن قام بحذف موقع " أوراق99 " بكل أرشيفه الذي بدأنا به وكان طلعت فتحه في سورية ،قبل أن أفتح أنا نور الأدب الذي كان أرشيفه غير متاح التحكم به ، فأنا اشتريت كل شيء بين كندا وأميركا وأبعدته عن أي مصدر عربي / وعليه أرادوا وضع اليد عليه بطريقة أخرى
كان هناك أيضاً سيدة - إذا كانت - وظيفتها المراقبة من الداخل ، وكنتُ من منصة الإدارة أراقب مراقبتها، التي كانت واضحة لي، وإشارة: ( يرسل تقريراً ) .
إسمي بحد ذاته كان مشكلة ، فأنا على اللائحة السوداء بسبب ملف كنت فتحته لإحدى الصحف اللبنانية ، وأيام الوصاية كنت أسافر إلى لبنان بعد الإبلاغ هنا بسفري طلباً لحمايتي وكان يتم يومياً الاتصال بي هاتفياً بوقت محدد من قبل السفارة الكندية في بيروت للتأكد من أني في أمان.
يمكن لاحقاً لو أردتم أن أكتب عن ما شاهدته وتعرض له نور الأدب، وبعض ما كان يحصل ، لكني الآن أود أن أكمل ما أردت أن أبوح به تحديداً في أيام طلعت الأخيرة قبل دخوله في الغيبوبة لشهرين كاملين قبيل وفاته رحمه الله.
كما تعرفون بدأت الثورة في سورية بسبب طفل كتب على الجدار في ملعب مدرسته كلمة تشير للثورة : (( إرحل)) ، فتم القبض عليه وتعذيبه هو ورفاقه قبل قتلهم تحت التعذيب ، وتم القبض على من طالب بهم إلخ.. وقال قريب بشار الذي كان المكلف بالملف لأهاليهم انسوهم وأنجبوا غيرهم وإن لم تتمكنوا أرسلوا لنا نسائكم.
آخر عرض ، عُرِض على طلعت قبل مدة من الثورة منصباً كمدير عام لمجلة كبيرة ، ومعها امتيازات كثيرة ، ورفض رفضاً باتاً كعادته، حتى لا يضطر أن يكتب افتتاحية مفروضة عن سيادة الرئيس و في مناقب الفاسدين ، وهو ما كان ينتهجه دائما دون تردد ودون أي يعتريه أي ضعف تجاه ما يمكن لمثل هذا أن يوفر له.
المشكلة حين بدأت الثورة وبدأ نظام الأسد باعتقال الناس وقتلهم ببشاعة
في تلك الأيام لم يكن بدأ واتساب ، وكنا نتحدث هو وأنا يوميا لبعض الوقت طال أم قصر، على مدى سنوات من خلال المسنجر وبعض الآليات الأخرى المتاحة حينها
بدأ البعض يتخذ من نور الأدب منبراً ضد الثورة والمعارضين ، وكنت أحياناً أخاف الحذف خوفاً عليه وهو يعيش في دمشق، فكان يدخل ويحذف بنفسه ما يجده دون تردد ، مما زاد خوفي عليه
وصل به الأمر أن بدأ بفقد أعصابه أحياناً ، وعلى المسنجر يصر أن يروي لي ما يحدث، وأنا أسكته وأحاول تغيير الموضوع بلا فائدة
بدأت أغلق المسنجر وأغادر حتى لا أترك له مجالاً
ما زلت أذكر عبارته التي كان يكررها:
((الناس يذبحون كالخراف يا هدى))
أُغلق.. ثم أُغلق .. ثم أُغلق ..
كنت أسمع وأقرأ هنا ما يثار في الإعلام عن تزويد روسيا لنظام الأسد بأجهزة متطورة للمراقبة عبر الانترنت
كنت أقول لنفسي ، لا بأس إن جرحته من أجل أمنه ، وليزعل مني أفضل من أن يحدث له شيء..!
هو لم يزعل أبداً .. كان يعرف ويدرك جيداً أني خائفة عليه وأني مضطرة أن أجافيه حتى لا يتهور أكثر
آخر محادثة بيننا كانت قبل دخوله الغيبوبة بساعتين.. لم أغلق يومها وكأن الروح تعرف ما لا ندركه
بسبب إغلاق المحادثة معه ، كان يكتب لي أحياناً في قسم المدير العام الخاص في الموقع.. وكان يكتب لنفسه وللتاريخ .. كتب شعراً عن الخراف التي تذبح ..!
في اليوم الأخير اكتشفت أن شخصا دخل قسم المدير العام الخاص واطلع، قمت دون تفكير بحذف الملف كله من شدة غضبي ..!
تحسن وضع طلعت وخرج من الغيبوبة وزال عنه الخطر كما قيل من خلال متابعتي اليومية مع ابنته .. فجأة وبلا مقدمات..
تدهورت حالته ومات..!
الناس يا هدى تذبح كالخراف ..
وبقي سؤال كبير لم أجد له جواباً ، رغم تطمين من كانوا حوله في استبعاد الفكرة التي سيطرت عليّ..!
رحمك الله وأسكنك فسيح جناته يا ابن عمتي الغالي
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|