23 / 04 / 2025, 33 : 10 PM
|
رقم المشاركة : [1]
|
مديرة الموقع المؤسس - إجازة في الأدب ودراسات عليا في التاريخ - القصة والمقالة والنثر، والبحث ومختلف أصناف الأدب - مهتمة بتنقيح التاريخ - ناشطة في مجال حقوق الإنسان
|
فقد القدرة على الكتابة / هدى الخطيب
اتصلت به سكرتيرة مدير المجلة التي يدير أحد أقسامها ويكتب فيها عموداً، وأخبرته أن المدير العام يود الاجتماع به في الساعة الثانية بعد ظهر اليوم التالي.
كان هناك في الموعد المحدد
بالكاد جرّ جسده وتلمس طريق خطواته مع ذلك الصداع المرير الذي كان يلازمه
دخل واستقبله الرجل بحميمية وترحيب وطلب له قهوته السادة
استهل المدير بسؤال ودي:
- أينك يا صديقي لا أراك ولا تسأل عن أحد ولا ترد على جوالك ولا تذهب للمقهى؟
• هناك أنا.. تحت الأشلاء وبين الركام ومع الأفواه الجائعة بعيداً عن مدن النفوس الجائعة وأشلاء الضمائر وركام الإنسانية
- هل أنت بخير يا ماجد؟
• الحمد لله.. لست بخير مع هذا الزمن
- نعم .. نعيش حداً من الألم لا يطاق ولا يحتمل.. يمهل ولا يهمل وله سبحانه حكمة لا نعلمها
• ممم .. لله الأمر من قبل ومن بعد.. سبحانه
- أردت من هذا اللقاء أن نتحدث على انفراد.. ما بيننا ليس زمالة عمل بل صداقة امتدت لأكثر من عشرين عاما
• بالتأكيد عماد
- لماذا لا أقرأ لك إلا نادراً وحين تكتب لا أجدك فيما تكتب ولا أرى بصمتك الإبداعية ولا مفرداتك؟
• هذا حقيقي.. عاجز تماماً عن الكتابة، وإن كتبت فمن باب الواجب ليس إلاّ.. وكأني فقدت لغتي..!
- أنت من كان يقول أن الأحزان مصنع الإبداع، والآلام تخرج أجمل وأصدق الكتابة..
• اللهم لا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به - الحد الفاصل بين الممكن والمستحيل - حين يبلغ الألم مرحلة تفوق الاحتمال يفقد الكائن الحي وعيه.. الأحزان النبيلة في فقد حبيب قريب.. مرض.. خسارة مال.. صدمة بصديق.. وكسة .. نكسة.. خسارة معركة في حرب خاضها جيش الوطن المغوار!.. حادثة.. كل هذا وأمثاله يمكن التعامل والتعايش معه مهما اشتد الألم لاستخراج المعادن الثمينة للكتابة التي صهرتها الأحزان ولكن..!!
- آخ.. أكمل يا صديقي ..
• حين ينهار أساس البنيان وينهار الأمن القومي.. حين يباد شعب منّا قتلاً وتجويعاً وتدنّس وتهدم مقدسات الأمّة بأموالنا.. حين يتواطأ حكام يفترض بهم الحماية ونحن رابع قوة في العالم ، ويزودون العدو بكل ما يلزمه ويحاصرون أطفالنا وشيوخنا ويمنعون عنهم الماء والدواء والغذاء ويتآمرون عليهم، ويقدمون لهذا العدو وداعميه فروض الطاعة والولاء ويتبرعون بالمليارات.. حين يصرّح العدو وداعميه عن توسيع دولتهم المزعومة الكرتونية لتبتلع المزيد والمزيد.. حين نهوي إلى وادي سحيق.. نذهب إلى الفناء والاندثار بين الخيانة والصمت..
حين تتضخم كروش حماة الوطن ومدخراتهم ويسكنون القصور الفارهة ويتقاضون الأموال من الأعداء ولا يوجهون أسلحتهم إلا للداخل ولا يهتموا بالأمن القومي....
• هوّن عليك يا ماجد فقد انتفخ وجهك..
- حين يمنع ويصادَر الإعلام الوطني والثقافة الهادفة
• ارحم نفسك يا صديقي ولا تستطرد أكثر فالجرح واحد والألم مشترك
هذا الوضع لن يستمر طويلاً وشعوبنا لن تسكت أكثر
- لا تخدع نفسك يا صديقي.. قالها الصادق الأمين عليه صلوات الله وسلامه: ((كما تكونوا يُولّى عليكم))
• لا تظلم الناس، لا أحد راض عما يجري.. الكل يغلي ويتألم ويشعر بالذل والمهانة
- لا يا عماد.. ادخل مواقع التواصل الاجتماعي التي حلّت مكان المقاهي والنوادي والمنابر والتجمعات
• أراهم.. معظمهم يشجب ويدعو لأهل الأرض المحتلة ويتألم و..
- قلة قليلة يكتبون بصدق ويحاولون إيقاظ الناس، وهم محبطون يتألمون بلا شك.. أما السواد الأعظم، يدعون ويشجبون لإراحة ضمائرهم (قاموا بما عليهم).. يخرجون من مشاهد الإبادة وأشلاء الأطفال، يمسحون دمعة ادّعوا ذرفها (الاكسسوار الإنساني) ليدخلوا مباشرة للهرج والمرج والتسالي على درب مسلخهم.. انظر جيداً.. لقطات بليدة لكنها كالخناجر المسمومة..
• دعني أقيس لك ضغطك
- هل هؤلاء من سيغيرون المعادلة ويعزلون الخونة وينقذون إخوانهم ويحررون البلاد من الضباع التي تتهيأ لابتلاعها؟؟!!
• ما رأيك أن نذهب الليلة إلى المقهى؟
- أريد أن أنام يا صاحبي.. دعني أوقّع لك استقالتي فأنا لم أعد أصلح للكتابة
• لا تقل شيئا كهذا أرجوك.. سترتاح وتكتب وتبدع
**** الشيخ يقرأ وصوت القرآن يصدح بآياتٍ بينات من سورة المائدة
• يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرتَدَّ مِنكُم عَن دِينِهِ فَسَوفَ يَأتِي اللَّهُ بِقَوم يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَه أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَفِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَومَةَ لَائِم ذَلِكَ فَضلُ اللَّهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)
يقف كلما دخل أحد المعزين، ثم يعود لشريط الذكريات ورحلة طويلة جمعتهما ولصوته يصدح مبحوحاً في رأسه ليتكرر السؤال بلا توقف:
((هل هؤلاء من سيغيرون المعادلة ويعزلون الخونة وينقذون إخوانهم ويحررون البلاد من الضباع التي تتهيأ لابتلاعها؟؟!!))
رحمك الله يا صديقي، لعلّ الله سبحانه أرادك مع الشهداء رفيقاً لهم.. أما نحن فيا ويلنا من مصيرنا الدنيوي الذي يكتبه ضباع العالم والأخروي على صمتنا وتخاذلنا.
هدى نورالدين الخطيب
19/ 04 / 2025
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|
التعديل الأخير تم بواسطة هدى نورالدين الخطيب ; 05 / 05 / 2025 الساعة 17 : 01 AM.
|
|
|