أخرج من ظلامك ، لست وحدك ، أخرج إلينا ، فنحن
والهم سواء ، هو القدر ! لا نملك أمامه الحيلة .
ولكنك أنت لنا ، ونملك أن نبقيك معنا ، نملك أن نبقى
بجانبك ، نملك أن نهبك أنفاسنا ، أن نهبك رئتنا .
نحن بشر ، مجرد بشر ، لا نملك أية قوة خارقة ،
لا نملك تغيير مسار الريح إن هاجت ، ولا نملك رد
موج البحر الصاخب المتلاطم ، نحن بشر ،
لا نملك رسم حدود ٍ للألم والجراح ، ولا نملك حق
نفيها أو تشريدها أو تهجيرها أو حتى تشتيت شملها .
نحن بشر كتبت علينا خطى ، رسمت لنا طريق ، لا
نتعداها ، نتقبلها ، بالحزن ، بالأسى ، بالرضى ، نتقبلها
ولا نحيد عنها ولا نملك حق مساومتها أو استرضائها ،
لا نملك حق استدرار عطفها أو حتى استجدائها.
نحن بشر يتملكنا حزن ٌ ، يتملكنا عجزٌ ، يتملكنا
قهرٌ ، ظلم ٌ ، كيد ٌ ، فقر ٌ، لكننا أيضا ً يتملكنا قلب ٌُ
يحتوي كل الحب ، كل العطف ، كل الأمل ، كل الحلم ،
فلا تيأس، لست وحدك ، أخرج من ظلامك ،أخرج إلينا أخرج إلينا ،
لست وحدك ، أخرج من ظلامك .
أرى البؤس في عينيك ، أسمع رنة الحزن في ترانيم صوتك ، أرى تقاسيم الشقاء المتغطرسة وقد تمترست على مساحات وجهك الخالي من
كل الانفعالات .
أحاول أن أمد يدي إليك فلا تصل وأنا الشجرة الباسقة التي ترقى بهامتها إلى السماء ، وتخترق بجذورها عمق الأعماق ، وتلتف بفروعها تحتضن كل الأصقاع ، لم تصل يدي إليك .
حزنك يملأني ، حزنك يسري في دمي ، في شراييني ، في أوردتي ، ويملؤها سوادا ً.
أراك تقبع في ظل غيمة سوداء ، هبطت عليك مشرعة نحوك كل السهام ، ترفع إليها يديك العاجزتين ، تتلقى بهما الطعنات ، تستدير حول نفسك ، تلتف مئات المرات وهي تطبق عليك بفكيّها ، لا تبغي غيرك ترسا ً للطعنات .
كنتُ في الأمس بحالة حب ، أعشق شمسا ً ، تأتيني كل صباح ، أغازلها ، أبادلها الغرام ، اسكنها وتسكنني ، أحركها كيفما أشاء ، أداعب خصلاتها الذهبية فتضيء لي السماء .
اليوم أشاحت بوجهها عني خجلة ، عاجزة ، مستكينة ، مستسلمة لهذا السواد .
شمسي لا تخونني ، لا يسكنها الجبن ، لا يعتري ضوءها الخوف ولا يمزق خيوطها فتك السهام ، لكنني لم أعد أجيد غزل الغرام وترجمة حروف العشق وتذويب الهمسات .
قلبي مفرغ من كل ذرات العشق ، من كل نبضات الغرام فأنا في حزنك فقدت أبجدية الغرام .
أملأني حبا ً أيها المجروح بسكاكين الدهر
والمطعون من الظهر الآف الطعنات ، أملأني حبا ًأيها المسكون في الحزن والبؤس والشقاء .
لن تأتيني شمسي بعد اليوم إن جف حبل الوداد ، ولن أرفع عنك غيمتك ، لن أرفع عنك هذا الشقاء، أملأني حبا وأنت العاجز عن التقاط الأنفاس ؛ فأنا بلا حبك خاوية من جوفي ، لا يسري في عروقي إلا السواد .
أملأني حبا ً أيها المطعون والمجروح والمخذول والمقهور والمسكون في الحزن والمدمي ّ في الآف الطعنات ، أملاني حبا ً.