عرض مشاركة واحدة
قديم 03 / 02 / 2009, 46 : 11 PM   رقم المشاركة : [1]
بوران شما
مديرة وصاحبة مدرسة أطفال / أمينة سر الموسوعة الفلسطينية (رئيسة مجلس الحكماء ) رئيسة القسم الفلسطيني


 الصورة الرمزية بوران شما
 





بوران شما has a reputation beyond reputeبوران شما has a reputation beyond reputeبوران شما has a reputation beyond reputeبوران شما has a reputation beyond reputeبوران شما has a reputation beyond reputeبوران شما has a reputation beyond reputeبوران شما has a reputation beyond reputeبوران شما has a reputation beyond reputeبوران شما has a reputation beyond reputeبوران شما has a reputation beyond reputeبوران شما has a reputation beyond repute

آثار العصور القديمة (الموسوعة الفلسطينية - المجلد الأول)

آثار العصور القديمة (من مواد الموسوعة الفلسطينية – المجلد الأول )

أ- العصر الحجري القديم الأدنى Lower Palaeolithic: تشير الأدلة الأثرية إلى أن الإنسان ظهر في فلسطين لأول مرة في هذا العصر , أي قبل حوالي نصف مليون سنة. ولم يعثر على عظام أو جماجم لهذا الإنسان, ولكن عثر في فلسطين على الأدوات الظرانية التي كان يستعملها هذا النوع من البشر. فهنالك فؤوس يدوية ليس لها شكل معين, ولكنها مشطوبة ومكيفة ليسهل استعمالها. تدعى هذه الفؤوس (ابفيلين) نسبة إلى (أبفيل Abbeville) في فرنسا حيث عثر عليها لأول مرة . اكتشفت هذه الأدوات في المستعمرة اليونانية جنوب غربي القدس, وفي السهل الذي يقع عند الكيلومتر 18 من طريق رام الله . وقد دام استعمال هذه الأدوات مدة طويلة من الزمن تبلغ 300000 سنة على وجه التقريب. ومنذ مئتي ألف سنة ظهرت فؤوس يدوية أخرى , شكلها مثلث ورأسها حاد, ومشطوبة على الجانبين, تدعى هذه "أشولين" نسبة إلى St. Acheule في فرنسا. ودامت هذه الفؤوس مدة 120000سنة. والعنصر البشري الذي استعملها يدعى" الإنسان المنتصب Homo Erectus" تبلغ سعة جمجمته 900سم3 . وبجانب هذه الفؤوس ظهرت عرضا قشرات تدعى القشرات الكلكتونية نسبة إلى " كلكتون" في إنكلترا, حيث عثر عليها لأول مرة .
وفي هذا العصر كان الإنسان يقطن السهول وضفاف الأنهر, وربما أوى إلى أعالي الأشجار ليتقي شر الحيوانات الضارية. وكان يقتات من صيده الحيوانات البرية مثل الغزلان والفيلة ذات الشعر الطويل التي تدعى "مموث Mammoth" .
ومنذ حوالي 80000 إلى 60000سنة ظهر في فلسطين عنصر جديد من البشر , كان في الماضي يدعى"الإنسان النياندرتالي", وأصبح الآن يدعى "الإنسان العاقل Homo Sapiens" تبلغ سعة جمجمته1500 سم3 , وعظمتا جفونه بارزتان , وذقنه منكمشة. ظهر هذا الإنسان في أواخر العصر الجليدي الثالث, وكان يسكن الكهوف والمغاور . وعثر على القسم الأعلى من جمجمة هذا الإنسان في كهف الزطية على شاطئ بحيرة طبرية , كما وجدت أقسام هياكل عظمية وجماجم في مغارة الطابون في جبل الكرمل . وأدخل هذا الإنسان نوعا جديدا من الأدوات تدعى "الفلوا-مستيريه" , نسبة إلى lalevallois-maustere في فرنسا. وكان هذا الإنسان يحضر قطعة كبيرة من الظران أو الصوان ثم يضرب طرفها ليشطب قشرة منها يهذبها فيما بعد لاستعمالها إما سكينا وإما رأس رمح وإما رأس نبل . وقرب المكان الذي انسلخت منه القشرة نتوء واضح يدعى بصيلة النقر Percussion Bulb , كما تظهر تموجات على وجه القشرة عند انسلاخها من العقدة الأم . وقد وجدت أدوات هذا النوع من البشر في مغاور وكهوف كثيرة , بالإضافة إلى المغارتين المذكورتين .
ولهذا الإنسان الفضل في استعمال النار لشيَ لحوم الحيوانات التي كان يقتنصها, أو لإشعالها أمام مغارته ليصد الحيوانات الضارية . وزيادة على لحوم الحيوانات البرية كان هذا الإنسان يقتات الأعشاب والفواكه البرية , ويدعى عصره "العصر الحجري القديم الأوسط Middle Palaeolithic . ومنذ حوالي 40000 سنة ظهر الإنسان العاقل العاقل , الذي يسمى من قبل "الإنسان العاقل" ظل هذا الإنسان يسكن الملاجئ والمغاور الصخرية حتى دنو العصر الجليدي الرابع. ومشى في صنع أدواته في خطى سلفه بعد أن غير شكلها, وتفنن في صنع أشكالها, فطريقة صنعها كانت طريقة الشلخ والانسلاخ, لكن العقدة الأم اكتسبت شكلا أسطوانيا قبل الشلخ, ولذلك أصبحت الشفرات الآن مستطيلة لا مثلثة , ولها طرفان حادان . وصنع هذا الإنسان المقاشط على نوعين: مقاشط جانبية Side Scrapers , ومقاشط طرفية End Scrapers . كما صنع أيضا الحفارات والمخارز وهلم جرا. وتختلف شفرات هذا العصر عن شفرات العصر السابق بكونها أصغر حجما. وقد اقتات هذا الإنسان من صيد الحيوانات , وجمع الأعشاب والفواكه البرية , وكان يكثر من أكل الحلزون . ويدعى هذا العصر بالعصر "البليوليثي الأعلى Upper Palaeolithic " , ووجدت بقايا منه في مغارة الطابون بجبل الكرمل, وفي جبل القفزة قرب الناصرة , وفي وادي خريطون قرب بيت لحم .
ب – العصر المسوليثي Mesolithic أي العصر الحجري المتوسط(8,000-6,000ق .م): قبل حوالي 10,000 سنة وبانتهاء العصر الجليدي الرابع تبدلت حياة الإنسان في فلسطين وفي كثير من أنحاء المعمورة تبدلا كبيرا, إذ اهتدى إلى الزراعة . وهكذا أصبح ينتج قوته بدلا من أن يكون عالة على الطبيعة كسابق عهده. والمظنون أن المرأة , أثناء غياب زوجها طلبا للصيد والقنص, أخذت تجرب زراعة الحبوب خارج مغارتها. واكتفى الإنسان في بادئ الأمر بزراعة البقعة الصغيرة من الأرض أمام مغارته .
عثر على أنقاض هذه الحضارة في مغارة شقبة في وادي النطوف قرب الرملة , ولذلك سميت حضارته بالحضارة النطوفية . ولكن فيما بعد عثر على بقايا أغنى منها بكثير في مغارة الواد في جبل الكرمل. والأدوات النطوفية صغيرة جدا, ولذلك سميت الصناعة النطوفية" ميكرولثيك Microlithic" . وأغلب هذه الأدوات تشبه الأهلة, وكانت توضع في أيد خشبية وعظيمة, الواحدة بجانب الأخرى. كما عثر على حفارات ومخارز صغيرة. وكانوا يصنعون المناجل بوضع صف من هذه القطع الصوانية بفك الحيوانات والعظام, تزخرف في بعض الأحيان بشكل عجول. وكانوا يجرشون القمح والشعير بجواريش من الحجر البازلتي .
كان الإنسان النطوفي في بادئ الأمر يسكن المغاور كما في مغارة شقبة/ مغارة الواد في جبل الكرمل. ولكن عندما شعر بمزايا الزراعة انتقل إلى السهول يفلح ويزرع أرضا أوسع . ووجدت بقايا نطوفيه في أسفل الطبقات الأثرية في أريحا, وفي عين ملاحة قرب بحيرة الحولة. وربما ابتدأت في هذا العصر المعتقدات الدينية , لأن النطوفيين كانوا يعتنون بموتاهم ويدفنونهم مع جميع ممتلكاتهم في قبر تحت الأرض .
وكان الإنسان النطوفي أنيقا يهتم بتزيين نفسه, إذ عثر في مغارة الواد على جثة مزين رأسها بخرز مصنوع من الدنتاليا(نوع من الصدف المستطيل الأسطواني الشكل) . كما عثر على كمية من الخرز المصنوع من الفيروز وعظام الحيوانات , وعثر أيضا في عين الملاحة على خرز من الدنتاليا. وكان أيضا يعرف الخياطة, إذ عثر على إبر ودبابيس مصنوعة من العظام في مغارة الواد وعين الملاحة. وفي هذا العصر أخذ الإنسان يدجن الحيوانات , وأولها الكلب .
ج – العصر النيوليثي Neolithic أو العصر الحجري الحديث : أدى اكتشاف الزراعة في العصر السابق إلى تقدم كبير وسريع في حياة الإنسان, مما حدا بالعلماء إلى وصفه بالثورة النيوليثية . ومن مزايا هذا العصر انتشار الزراعة على نطاق واسع, وظهور القرى, وازدهار الصناعة على نطاق ضيق , وظهور هندسة بدائية, وتدجين الحيوانات على نطاق واسع من معز وبقر وهلم جرا. فاعتماد الإنسان على الزراعة أرغمه على بناء أكواخ قرب مزروعاته ليقيها من الحيوانات. وأخذت الحيوانات البرية تقترب من الحقول لتقتات من بقايا الحصيد, فيأخذها الإنسان ويدجنها . وأخذ ينسج من صوفها الثياب , ويصنع من جلدها القرب, كما أخذ يصنع السلال من القصب. وكان يقتات من حليب الحيوانات الداجنة ومن لحومها. فانتشرت في فلسطين قرى كثيرة , مثل قرية أريحا وغيرها. وحصل تبديل في صنع الأدوات فعادت هذه إلى حجمها الكبير المألوف في العصر البليوليثي الأدنى , ولكنها كانت مصقولة صقلا لماعا, لأن الإنسان النيوليثي اهتدى إلى صناعة الأيدي الكبيرة من أغصان الأشجار السميكة, فصنع رؤوس الفؤوس والقداديم كما صنع رؤوس الرماح , ورؤوس النبل , والمناشير والسكاكين والمخارزالخ. وزيادة على ذلك أخذ الإنسان النيوليثي يصنع الأدوات والطلاسم من حجر السربنتين الأخضر المرقط. وكانت القرى تقام حول معبد صغير قرب ينبوع من الماء , وكانت الأكواخ تبنى من اللبن , وكانت مستطيلة لتسهيل سقفها , إذ لم يكن بمقدور النيوليثيين قطع أشجار سميكة, واكتفوا بقطع الأغصان الصغيرة لسقف أكواخهم .
وكانوا في بادئ الأمر يخزنون محصولاتهم في قرب مصنوعة من جلد الحيوان , ولكنهم اهتدوا فيما بعد إلى صناعة الخزف المشوي الذي كان يصنع بالأيدي, وفي كثير من الأحيان يصقلون الأواني الخزفية ويزخرفونها بحزوز أو بألوان , واكتفوا بصنع الجرار والأطباق والأكواب .
وتكونت معتقدات دينية ذات صلة مباشرة بالزراعة. فجعلوا للرعود والبرق إلها لأنه يروي الزرع, وجعلوا من الأرض إلاهة , هي إلاهة الخصب التي تجعل الزرع ينمو ويترعرع. وصنعوا تماثيل من الطين لهذه الآلهة بشكل البشر. كما أنهم كانوا يعبدون الأسلاف , إذ عثر في أريحا على تسع جماجم زيد عليها طين أبيض لتمثيل سحنة الميت .
وكانوا يدفنون موتاهم بعناية, ويضعون في القبر أواني تحتوي على مأكولات ومرطبات لاستعمال الميت في الآخرة, إذ كانوا يعتقدون بحياة بعد الموت.
وقلما كانوا يحصنون قراهم, إلا أن أريحا شذت عن القاعدة, فأقيم سور حول هذه القرية في أواخر العصر النيوليثي, فيه برج مستدير .
د – العصر الكلكوليثي: أمَ فلسطين في أوائل الألف الرابع قبل الميلاد أقوام جاؤوا من أماكن كانوا فيها يسكنون خياما مصنوعة من جلود الحيوانات, وأنشاؤا حضارة منبثقة من حضارتهم ومن الحضارة التي وجدوها في وطنهم الجديد. أسست هذه الأقوام قرى في أماكن كثيرة في فلسطين مثل مجدو , وتل أبو مطر قرب بير السبع , وبيسان , ووادي غزة , وتل الفارعة بجوار نابلس, وتل الجزر, قرب الرملة , وأريحا وتليلات الغسول في شرقي الأردن . تتميز صناعة الخزف في هذا العصر بأشكالها الجديدة . فقد عثر في المقابر في وادي غزة والطبقة الأثرية الثامنة في أريحا على أوان بشكل الطيور وشكل قرون الحيوانات .
ويظن أن سكان وادي غزة في هذا العصر كانوا يمارسون الزراعة , وينزحون بعد الحصاد. أما في أبو مطر فكانت الأقوام تسكن المغاور في بادئ الأمر , ثم انتقلت إلى أكواخ صغيرة . وربما كانوا أول الأقوام الذين عملوا في صناعة النحاس, إذ وجدت كمية من الدبابيس والأقراط ورؤوس النبابيت بكميات صغيرة . وفي حظيرة وجدت نماذج بيوت ذات سقف مروس , وفي بيسان وجد خزف رمادي اللون مصنوع بالأيدي . كما أن البيوت كانت تبنى على شكل مستدير مثل البيوت الكلكوليثية في مدينة جبيل , وعثر في تل الفارعة على خزف من هذا النوع أيضا. وبعض الأواني ذات قاعدة عالية . والأباريق ذات قعر مستدير وأعناق عريضة ومقابض تتخطى حافة الإبريق . وكانت الأواني تزخرف بالخرز وبالألوان وبانطباع الأصابع .
هـ - العصر البرونزي(3,000-2,300 ق.م): يمكن القول إن هذا العصر كان عصر الحضارة والمدنية, إذ أخذت تظهر المدن المحصنة في أماكن كثيرة من فلسطين , مثل مدينة عاي قرب رام الله, وتل بيت مرسيم في جبل الخليل, وبيسان, وتل الدوير, ووادي غزة , وتل الفارعة, وتل الجزر, وأريحا , ومجدو, وتل النصبة . فالقرى القديمة توسعت, وتحولت إلى مدن محصنة بأسوار متينة. وفي بادئ الأمر كانت الأسوار تقام على مرحلتين: في المرحلة الأولى كان يبنى حائط قائم, وفي المرحلة الثانية يضاف إليه حائطان آخران مائلان من الداخل والخارج. وهذه الحيطان كانت تبنى من الطوب على أسس من الحجارة المبعثرة في الحقول. وكثيرا ماكانت هذه الأسوار محصنة بأبراج وبخندق يحيط بها من الخارج. وفيما بعد اعتاضوا عن هذا بسور مبني بحجارة ضخمة, مائل من الخارج, يعلوه حائط من الطوب . وفي كل مدينة من مدن فلسطين قصر ومعبد واحد أو أكثر . وقد وجد معبد في عاي مستطيل الشكل يؤدي إليه باب في أحد الحيطان الطويلة, وأقيم مذبح في وسط الحائط بالمقابل . بني هذا المعبد من حجارة صغيرة, وكان مسقوفا بسقف خشبي يرتكز على دعامات خشبية قائمة في وسطه وجدت قاعدتها الحجرية في مكانها الأصلي. ووجد معبد على هذا الشكل في مجدَو .
أما بيوت السكن فكانت تبنى على ذات النمط, لكنها كانت أصغر من المعابد والقصور . والأسس والمداميك السفلى كانت تبنى من الحجارة. أما المداميك العليا فكانت من اللبن الطوب غير المشوي, وكان بيت السكن يحتوي على غرفتين في طابق واحد, وكان السقف يرتكز على دعائم خشبية تقوم فوق الحجارة الموضوعة وسط الغرفة وعلى أطرافها, تعلوها الأخشاب بشكل مثلث , ثم يوضع عليها القصب بشكل محكم , ويغطى بالطين. وماالفرق بين بيوت السكن والقصور إلا في الحجم .
وتفنن أهل هذا العصر بصناعة الخزف, إذ صنعوا الجرار والأباريق بأحجام مختلفة والأطباق وهلم جرا. كما أنهم كانوا يصنعون جرارا صغيرة مزدوجة لحفظ العقاقير , وكانوا يدهنون بعض أوانيهم بأشكال هندسية باللون الأحمر , وفيما بعد كانوا يطلونها بطلاء أحمر , ويصقلونها بالحصى صقلا عموديا. وفي أواخر هذا العصر ظهر في شمال فلسطين , خصوصا في خربة الكرك, نوع من الخزف المطلي باللون الأسود أو اللون الأحمر أو اللونين معا. كان يزخرف بالأصابع , ثم يصقل صقلا لماعا.
وازدهرت الصناعة إلى حد ما في العصر البرونزي . فأخذوا يصنعون الخناجر ورؤوس الفؤوس والقداديم من النحاس. وكانوا يصنعون تماثيل للآلهة, خصوصا آلهة الخصب. فكانت هذه التماثيل مؤلفة من رأس بشكل رأس البوم, يعتمر تاجا مزخرفا بالريش, وكان باقي الجسم أسطواني الشكل, عدا الزراعين اللذين كانا يوضعان على الصدر, كما أنهم كانوا يصنعون تماثيل بدائية من النحاس.
وفي هذا العصر درج صنع الأختام, ولكن الصنع المحلي كان بدائيا للغاية. أما بعض الأختام الأسطوانية السومرية فقد استوردت من العراق .
وكانوا يستعملون الحلي, فيلبسون القلائد المصنوعة من الخرز ومن حجارة كريمة كالكورنلين والعقيق. كما أنهم كانوا يلبسون الأقراط النحاسية والفضية والذهبية في بعض الأحيان .
وفي أواخر الألف الثالث قبل الميلاد قدم أقوام من الصحراء شنوا حملة على المدن الفلسطينية والسورية والفينيقية, ودمروها شر تدمير , وفتكوا بسكانها. تدعى هذه الأقوام العمورية, أو مارتو, أو أموريين. ففي الحفريات الأثرية التي أجريت حتى الآن وجدت طبقة كثيفة من الرماد الذي تركه العموريون وراءهم. وقد عادت البلاد معهم إلى حال الهمجية, فلا سلطان ولا رادع. وبقيت على هذه الحال مدة مئتي سنة. وبعد ذلك أخذ العموريون يتحضرون شيئا فشيئا, وابتدأوا يبنون البيوت البسيطة لسكناهم بدلا من خيامهم. وفي أواخر القرن الحادي والعشرين أو أوائل القرن العشرين قبل الميلاد قامت أقوام من الشمال يجيدون صناعة النحاس, فاختلطوا بالعموريين ومدنوهم شيئا فشيئا .
ولئن كان العموريون لايكترثون بمساكنهم, فإنهم كانوا يعيرون موتاهم العناية الخاصة , فكانوا يدفنونها في قبور محفورة في الصخر, ومعهم كمية وافرة من الطعام موضوعة في أوان خزفية. وقد وجدت لهم مقابر في مجدو, وتل العجول , وأريحا وغيرها من المواقع الفلسطينية الأثرية, وكانوا يستعملون القبر مرة واحدة فقط . وتذكر النصوص المصرية بمضض أعمال العموريين الهمجية في المخطوطات المعروفة بنصوص اللعنات التي كانت تلعن أشخاصا من العموريين على تماثيل صغيرة كانت تكسر فيما بعد ليصيب هذا الكسر صاحب الاسم المكتوب على التمثال .
أدخل العموريون نوعا جديدا من الخزف يختلف عما سبقه كليا, وكانوا أول من صنع السرج, كما أدخلوا خنجرا مربعا وسيفا طويلا .
أمت فلسطين في أواخر القرن الحادي والعشرين قبل الميلاد أقوام من الشمال يدعوهم العالم الأثري شيفر بحملة الأطواق. وكان هؤلاء ماهرين في صناعة النحاس, فكانوا يصنعون منه ومن الفضة معه الأطواق ورؤوس الفؤوس الحربية المثقوبة المروسة والأشكال الحلزونية والخرز والأساور والتماثيل. وكان قدومهم قبيل نشوء الأسرة الثانية عشرة في مصر . وكان ذلك بادرة خير , إذ ساد النظام في البلاد, وأنشئت مدن جديدة على أنقاض مدن العصر البرونزي القديم, وأكبر منها, وعادت الحياة الطبيعية إلى سابق عهدها, فازدهرت الصناعة والتجارة والزراعة, وصبغ العموريون البلاد بالعنصر السامي, بعد أن كان سكان البلاد ينتمون إلى عناصر مختلفة .
و – العصر البرونزي المتوسط : أدت النهضة التي ظهرت في مصر في عهد الأسرة الثانية عشرة إلى الاستقرار في فلسطين . فقامت مدن جديدة , ونشطت الزراعة وازدهرت التجارة والصناعة . فالحفريات التي جرت في تل العجول وتل بيت مرسيم وبيتين وبيسان ومجدو وتل الدوير وتل فارة وتل الفارعة وتل الجزر وتل القاضي (حاصور قديما) وأريحا وبلاطة تشير إلى ازدهار ورخاء لامثيل لهما. فأسوار المدن كانت مبنية بحجارة ضخمة, وكانت مائلة من الخارج, في أسفلها, وكان اللبن في أعلاها. كانت الأسوار محصنة بأبراج كثيرة , ومزودة ببوابة كبيرة لها ثلاثة أبواب وأربع غرف للحرس, وكان سور المدينة عريضا, حتى إنه يمكن بناء بيت في أعلاه . وأصبحت القصور تبنى حول صحن داخلي تحيط به الأواوين والغرف من جهاته الأربع. أما المعابد فكانت تحتوي على غرفة مزودة بمذبح في الطرف المقابل للباب , وأمامها صحن مفتوح إلى الفضاء .
وكان أهل هذا العصر يدفنون موتاهم في مقابر مصنوعة خارج السور. وكان القبر غنيا بالتحف والأواني والأسلحة والأدوات الأخرى. وفي أغلب الأحيان كان القبر يستعمل مرات كثيرة , ويحتوي على عدد كبير من الجثث والهياكل العظمية , بعكس العصر السابق .
بلغت صناعة الخزف أوجها في هذا الزمن. فكانوا يصنعون الخزف على دولاب سريع ثم يطلونه في بادئ الأمر بالطلاء الأحمر , وفيما بعد بالطلاء العاجي, ويدهنونه بألوان كثيرة , ويصقلونه صقلا لماعا ويغلب عليه الشكل الإجاصي. وقد صنعوا الطاسات والأباريق الكبيرة والصغيرة والمكاييل والجرار على هذا الشكل. وفي عهد الهكسوس ظهرت أباريق أسطوانية وطاسات مجأجأة (أي على شكل جؤجؤ, وهو صدر السفينة) وكثرت في هذا العصر صناعة الطاسات من الذهب والفضة والنحاس, كما أن صناعة الأدوات والأسلحة البرونزية ازدهرت في هذا العصر. فهنالك خناجر ورؤوس فؤوس ورؤوس بلطات حربية ورؤوس رماح . كما ظهرت أيضا دبابيس برأس مكبر وأشكال حلزونية لتصفيف الشعر والاستعمال كأساور . وعثر في تل العجول على كمية من الأشكال الحلزونية مصنوعة من الفضة, كما عثر على أساور فضية .
وفي عهد الهكسوس اكتشف عدد كبير من الجعلان المصنوعة من حجر الستاتيت. وكان سكان هذا العصر يتلهون بألعاب مثل "الداما" .
ويظهر ازدهار التجارة جليا في الصور الملونة التي وجدت في بني حسن, حيث تشاهد جماعة من التجار الفلسطينيين يسيرون بقافلة تحمل الكحل والمنافيخ , مما يدل على أنهم كانوا تجارا ونحاسيين .
ز – العصر البرونزي المتأخر (1600-1200 ق.م): تعرضت المدن الفلسطينية في هذا العصر إلى هجمات من الفراعنة المصريين الذين ينتمون إلى الأسرة الثامنة عشرة . فأحمس الأول دمر مدينة شروحين(تل فارعة حاليا) , كما أن تحوتمس الثالث دمر مجدو وبيسان وأريحا وتل بيت مرسيم وحاصور . ثم أعيد بناء بعض هذه المدن , مثل مجدو وحاصور وبيسان , وظل بعضها الآخر, مثل أريحا وتل بيت مرسيم, مهدوما إلى مابعد سنة 1400 ق.م .
والمدن التي نجت من حملات المصريين تهدمت عندما هاجمها الخابيرو في عهد العمارنة بين1375و1340 ق.م . والمدن التي نجت من هجمات الخابيرو هدمها الفرعون ستي الأول في أواخر القرن الرابع عشر , والفرعون مرنبتاح في أواخر القرن الثالث عشر قبل الميلاد.
تأثرت المدنية في فلسطين بالحضارة المصرية في هذا العصر إلى حد بعيد , لكن الضرائب التي فرضتها مصر أفقرت البلاد ويلاحظ ذلك من فقر محتويات القبور التي ترقى إلى هذا العصر .
أما في الهندسة فلا فرق بين هذا العصر والعصر السابق إلا في الأسلوب , فالحجارة لم تنحت بتلك الدقة المألوفة في العصر السابق , وطريقة البناء كانت غير متقنة . وبالرغم من ذلك وجد في مجدو معبد فوق معبد من العصر السابق, كما وجد أيضا معبد في خندق السور في تل الدوير . والمعبد في مجدو إيوان واسع, في مؤخرته محراب صغير في الحائط لوضع تمثال الإله , وفي مقدمته غرفتان للكهنة . والمعبد في تل الدوير إيوان مستطيل , في مؤخرته مذبح , وعلى جانبه غرفة للكهنة . وقد وجد في المعبد تمثال للإله رشف الكنعاني , وفي مجدو وجد قصر طوله 50 م وعرضه 25 م , وهو إيوان تحيط به الغرف من ثلاثة جوانب . وعثر في هذا القصر على كمية كبيرة من الحلي تشمل القلائد الذهبية والخواتم , وكمية من الخرز من الحجر اللازوردي والزجاج , وجواهر أخرى .
وقد أثر الانحطاط الذي أصاب الحضارة في هذا العصر في صناعة الخزف , فالأواني التي عرضت في العصر السابق مازالت تصنع في هذا العصر, ولكنها لم تعد دقيقة الصنع والزخرفة , وانعدم الصقل تماما. وفي منتصف هذا العصر(حوالي سنة 1400 ق.م) استوردت أوان من قبرص ومن منطقة البحر الإيجي .
إن جميع الأدوات والأسلحة في هذا العصر كانت تصنع من البرونز, وقد ظهرت فؤوس ورؤوس رماح جديدة تختلف عن شبيبهتها في العصر السابق, وظهر لأول مرة في التاريخ رؤوس نبل من البرونز .
أما الحلي فقلَ الخرز المصنوع من الحجارة الكريمة عند العامة, واستعيض عنه بخرز من معجون الزجاج الأزرق. وكثر استعمال الجعلان المصرية والأختام الأسطوانية البابلية والأختام الحثية. أما الأثرياء فما فتئوا يستعملون المجوهرات المصنوعة من الذهب والفضة والكورنالين (العقيق الأحمر) والعقيق والخواتم والأقراط الذهبية . وكثرت صناعة التماثيل البرونزية , فعثر على تماثيل للإله رشف في تل أبو حوام وتل الدوير ومجدو , كما كثر استعمال تماثيل آلهة الخصب المصنوعة من الطين المشوي بقوالب حجرية . كما شاعت صناعة تماثيل الحيوانات مثل الثيران والمعز والكلاب . وفي هذا العصر حدثت تجارب للكتابة بالأحرف الهجائية بدلا من الكتابة بالمقاطع كما كان شائعا في مصر والعراق. فظهرت كتابة أبجدية في سرابيط الخادم في سيناء, وعثر في تل الدوير على جرة ظهرت عليها بعض الأحرف الأبجدية .
واستوردت المدن الفلسطينية من مصر بعض الأواني المصنوعة من الألاباستر .
وفن النحت نادر في فلسطين . وبالرغم من هذا عثر في تل بيت مرسيم على نصب بشكل امرأة يلتف حولها ثعبان. ولكن استوردت فلسطين من البلاد المجاورة بعض الأنصاب المنحوتة , مثل نصب الفرعون ستي الذي وجد في بيسان. ونصب الأسد الذي وجد في المكان ذاته. كما عثر في مجدو على عدد من الأنصاب المستوردة من مصر.
أما طريقة دفن الموتى فلم تختلف عن طريقة العصر السابق .
ح – العصر الحديدي (1200-600 ق.م) : منذ القرن الرابع عشر حتى القرن الثاني عشر قبل الميلاد أصبحت فلسطين عرضة لهجمات من الشرق والغرب. ففي عهد العمارنة, أي في زمن أخناتون , ضعفت شوكة مصر, فاستغل الخابيرو هذا الضعف , وشنوا حملات على سورية وفينيقية وفلسطين , ودمروا الأرياف والقرى, ولكنهم لم يتمكنوا من فتح المدن, إلا مدينة أريحا.
وظلوا يسرحون ويمرحون في الأرياف حتى جاء الفلسطيون من الغرب, وفرضوا سلطانهم عليهم , كما فرضوا الجزية على المدن . ففي القسم الأول من العصر الحديدي كان الفلسطيَون مسيطرين على البلاد. وتشير الدلائل إلى أنهم هم الذين أدخلوا صناعة الحديد واحتفظوا بها, مرغمين جميع سكان البلاد على الهبوط إلى مدنهم لشحذ أدواتهم المصنوعة من الحديد .
نشأ في فلسطين في أوائل العصر الحديدي ثلاث طرق لصنع الخزف: فهنالك الخزف الفلسطيَ الذي انتشر على الساحل والهضاب الواطية , وصناعة الخزف الكنعاني الذي استعمل في المدن, وصناعة الخزف الإسرائيلي الذي انتشر في القرى التي سكنوها. وكانت كل صناعة تختلف عن الأخرى, فصناعة الفلسطييَن منبثقة من الصناعة الإيجية, والصناعة الكنعانية منبثقة من صناعة الخزف في العصر البرونزي المتأخر. أما صناعة الإسرائيليين فصناعة بدائية يتم معظمها بالأيدي .
وكان الفلسطيون يزينون خزفهم بصور مدهونة باللون الأحمر تمثل إوزة تنظف ظهرها بمنقارها,أو صلبانا, أو شجر النخيل. وقلما كان الخزف الكنعاني يدهن إلا بحزوز أفقية , أما الخزف الإسرائيلي فلم يدهن بتاتا, وحل محل الدبابيس القديمة المعروفة عند العامة بدبابيس قفل التي كانت تصنع من البرونز .
أما الهندسة فأصابها شلل كبير , وقد استعان هؤلاء بالمهندسين والبنائين الفينيقيين, واتبعوا في هندستهم تصاميم البيت الهيلاني. وكانت القصور تحتوي على رواق يؤدي إلى غرفة العرش, وهي محاطة بغرف كثيرة , منها غرف نوم ومكاتب ومخازن, ومن زخارف هذا العصر صور أسود مجنحة لها رأس إنسان .
ووجد في مجدو قصر وإسطبلات ترقى إلى هذا العصر. كما عثر على قصر الملك شاؤول في تل الفول, على بعد خمسة كيلومترات شمالي القدس.. وعثر على مصنع للنحاس في تل خليفة (عصيون جابر قديما) , وعلى عدد كبير من المقابر التي ترقى إلى هذا العصر في تل الجزر ومجدو, وتل الدوير , وتل النصبة, وغيرها. وجرت العادة أن يقبر الموتى في كهوف يحفرها الإنسان , وكانوا يدفنون مع الموتى أغلب ممتلكات الميت, ويضعون في المقابر المأكولات والمشروبات في أوان خزفية. وفي أغلب الأحيان كان الفلسطيَون يدفنون موتاهم بتوابيت مصنوعة من الخزف , وينحتون على الغطاء صورة الميت .
ووجدت في مجدو مجموعة كبيرة من العاج المحفور , من بينها صندوق صغير مربع محفور على جهاته الأربع أسود وحيوانات ميثوليجية مجنحة. وهنالك تمثال صغير لامرأة , وعصا سحر محفور عليها منظر ملك جالس على عرش يستقبل قائدا منتصرا واقفا على عربة تجرها الخيل . ومما يجدر الانتباه إليه أن العرش على هذه الصورة يشبه تماما العرش المحفور على تابوت أحيرام الذي وجد في جبيل .
وكثر حفر الآبار في هذا العصر لخزن المياه. وبعد انقسام الدولة الإسرائيلية إلى قسمين أصاب صناعة الخزف شيئ من الانحطاط بسبب إنتاجها بكثرة ولعدم الاكتراث بشكلها. وكان الأثرياء يستوردون الخزف من فينيقية , حيث كانت الصناعة أتقن إحكاما وأجمل تزيينا . ورغم توبيخ الأنبياء ظل الإسرائيليون في الشمال , واليهود في الجنوب , يصنعون تماثيل آلهة الخصب .
وكانت ممارسة الفن منذ القرن التاسع معدومة, وإن وجدت ضروب من الفن فقد كانت من صنع أجنبي , كالعاج الذي وجد في السامرة, فهو من صنع فينيقي متأثر بالفن المصري.
وكثر استعمال الأختام نقلا عن الجعلان المصرية, وكانت في العادة تزخرف بأسد حوله كتابة ترمز إلى صاحب الختم باللغة العبرية. كما وجدت في السامرة (سبسطية حاليا) قطع فخار مكتوب عليها تعليمات وإرشادات إدارية . ووجدت في تل الدوير رسائل بين قادة القلاع المجاورة أثناء حملة نبوخذ نصر على الدولة اليهودية .
واكتشفت أبنية كثيرة ترقى إلى هذا العصر . فهنالك قصر آخاب في السامرة الذي بناه الفينيقيون . واستعمل الإسرائيليون في هذا العصر الطراز البروتوايوني. والحجارة في البناء, عدا حجارة قصر آخاب , لم تكن منحوتة نحتا أنيقا. وأغلب المدن كانت محصنة بأسوار , والبوابة مزدوجة , وعلى كل من جانبيها غرفة للحرس.
ويمكن القول أن القسم الثاني من العصر الحديدي (900-600 ق.م ) هو عصر انحطاط إذا ماقورن بما كان يجري في البلاد المجاورة .

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
توقيع بوران شما
 بيننا حب أمامنا درب وفي قلوبنا أنت يارب
بوران شما غير متصل   رد مع اقتباس