عرض مشاركة واحدة
قديم 07 / 02 / 2009, 02 : 12 AM   رقم المشاركة : [1]
هشام البرجاوي
ضيف
 


المعجزة الإلهية و العقل الإنساني.

[align=justify]
لا شك أن المتابعة المتأنية للقصص الواردة في النصوص الدينية تسمح لنا بوضع استفهام مشروع حول ظاهرة :"المعجزات"، و الملاحظة الإنطلاقية هي أن المعجزات أدوات اثبات و اقناع عزز بها الله عز و جل أنبيائه من أجل النجاح في استمالة البشر إلى المنظومات الدينية التي يدعون إليها. التناقض الأول و الأساسي يتراءى في خصوصية السلوك الذي يتعاطى بواسطته الإنسان مع مادية أو لامادية التعجيز، فالإنسان منذ مطلع القرن العشرين صار عبدا للآلة التي غزت كل مناحي حياته اليومية و تحضر حتى في اللحظات الأكثر حميمية من مساره الخاص. مادية المعجزة تؤدي إذا إلى استجابة متباطئة لدى المستهدف بها، و قد تعرضت هذه النظرية للتطبيق في علاقة الإنسان باجتياح الآلة حتى لكيانه البيولوجي الخاص (زرع رقاقات الكترونية داعمة لبعض الأعضاء الحيوية في جسم الإنسان كالقلب). فلماذا لم تقع نفس الإستجابة في حالات مشهورة ذكرت في القرآن الكريم، كقصة النبي موسى مع فرعون، و انشقاق القمر، و قصة النبي صالح...؟ هل يجيب التباطؤ الزمني عن هذا التساؤل؟

لقد شكلت المعجزات تأكيدا أوليا على اعتراف الله أو عالم الغيب حسب التعبير الإسلامي بالمصطلحين الرئيسيين في معجم العقل الإنساني و هما :"النقد و المنطق" و هي تسقط بذلك الإتهام الذي أصدره اللادينيون على النصوص الدينية بكونها تمارس "الإستهواء" على المؤمنين بها، لأن البحث عن الأداة الإقناعية مؤشر دال على جهد مبذول من أجل تغليف الخطاب بطبقة فوق-موضوعية و يستهدف الحوار مع العقل و ليس مع المواقف العاطفية الزائلة. فالفرق بين القناعة العقلية و مثيلتها العاطفية يتجلى في الزمن أولا و في ظروف الإقتناع ثانيا. من البديهي أن الارتباط العاطفي بفكرة ما مؤقت بينما يتصف الإيمان العقلاني بالإطلاق الزمني و هكذا فإن الإنسان عندما يعي باستخدام عقله من أجل استيعاب قضية معينة، فتراجعه عن القناعة التي كونها يثبت أن بناءها تأسس على مزيج لا شعوري أو مستتر بين العاطفة و العقل، و قد تعني العاطفة ضمن معانيها الممتدة المصالح بكافة أنواع خلفياتها و لا يصح أن يؤول التغيير في القناعات إلى قصور في الوظيفة العقلية. هذه الفرضية تختصر في مقولة :" الضمير مزيج تقاربي بين الممارسة المنطقية و الإنتماء الإنساني العاطفي". و تعد هذه المقولة ديباجة للتعاطي الكوني مع التداخل الحتمي بين العاطفة و العقل، إذ قد يذهب البعض إلى إقامة التطابق بينهما و اعتبارهما مفهوما واحدا تعرض للتجزيء المعرفي. غير أنه في اعتقادي فإن الفرق في الظروف و في الزمن فضلا عن النتائج، كلها عوامل تؤدي إلى الفصل بين العقل و العاطفة على مستوى الغايات.

الفرق بين العقل و العاطفة سيساعدنا على فهم الإطار الفلسفي للمعجزات التي أيد بها الله عز و جل الأنبياء.

حين نوظف الفرق الزمني بين العاطفة و العقل سننتهي إلى صياغة فرضية جريئة مؤداها أن المعجزات الإلهية كوسائل إثبات تخاطب العقل و لا تخاطب العاطفة، هذا الإفتراض ليس انتقاصا من التمامية البنيوية للدين التي ترتكز على ركنين محوريين : الترغيب و التهديد، أضيف إليهما الركن الثالث و هو :"الإقناع" و يعتبر الركن الأكثر أهمية و أولوية، فالإسلام لا يختزل في الجنة و النار، هو نمط حياة و حضارة و مجال للتأمل البناء و هذا ما يجعل منه رسالة تتسم بالكونية و الإنسانية. و من هنا جاز التمييز دائما بين النظرية و التطبيق، و هو المخرج الممتاز من الإتهامات التي كالها المؤرخون لنظريات عديدة كالشيوعية و فكر الفيلسوف الفرنسي سان سيمون الذي تحول فيما بعد إلى وضعية تلميذه أوكوست كونت. على هذا الأساس، يصبح اتهام المعجزات باستغلال خاصية الإنبهار التي سماها القرآن :"الهلوع" في قوله تعالى:"خلق الإنسان هلوعا إذا مسه الشر جزوعا"، اتهاما باطلا. بل إن الله استخدم الإطار البشري للوصول إلى ثوابت تسمو فوق الممكن الموضوعي البشري على الأقل، أما نظريا فالكتابات التي قرأتها للسيدة هدى الخطيب تدفعني إلى افتراض أن المستطاع الروحاني قد يكون قادرا على تقديم افتراضات أخرى لا أستطيع التوسع فيها لأنها تنطوي تحت طائلة التجربة الشخصية، و الرأي الشخصي كما تقول السيدة حنا أرندت أصعب مجال يسمح لنا بافتحاص ظواهر لا تنسجم مع المادة، فهي فضاء لا متناهي يتماهى مع المخيال و السايكولوجيا و الرغبة في إبراز كفاءة الذات و لو بتحويل التعقيد المعرفي إلى إنجاز عبقري

لقد اختصر القرآن قوة خطابه الإقناعي عبر مفهوم:"الجحود" الذي يعني رفض الحق رغم إدراكه، و التبريرات و المواقف المنبثقة عن الجحود تخرج من نطاق النقد و التنقيب المشروع عن الحقيقة، إلى نطاق الأيديولوجيا الذي يهدف إلى تزييف الحقيقة.
[/align]

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)

التعديل الأخير تم بواسطة هشام البرجاوي ; 08 / 02 / 2009 الساعة 34 : 10 PM. سبب آخر: تعديل
  رد مع اقتباس