07 / 02 / 2009, 02 : 02 AM
|
رقم المشاركة : [11]
|
كاتب نور أدبي متوهج ماسي الأشعة ( عضوية ماسية )
|
رد: حصريا: كتاب اليهودية بين النظرية والتطبيق
[align=justify]
الفصل الثالث
1- الغدر والخيانة،
2- الانحلال الخلقي
أولاً: الغدر والخيانة
من المهم والمفيد أن نتعرّف على سلوكية اليهود من خلال سيرتهم كما وردت في النصوص التوراتية. فهم يعتبرون أنّهم الشعب المختار المقدّس الذي اختصه يَهْوه لنفسه ليكون شعبه الخّاص ويكون هو إلههم.
مثلُ هذه النظرة الضيّقة لا بدّ وأن يكون لها مرتكزات أساسية يستندون إليها في استعلائهم ونظرتهم الفوقية، تدفع بالأمم الأخرى أن تقتدي بسلوكيتهم وفكرهم الديني والمدني ويكونون قدوة الأمم. كالقيم الأخلاقية مثلاً والنظرة الانسانية، والسعي للتفاعل والتآخي والانسجام. والانفتاح نحو آفاق الحقّ والتسامح والحرية والعدالة والمساواة.
القدوة ينبغي أن يتحلّى دائماً بمواصفات ايجابية متميزة تؤهله أن يترفّع ويستعلي، مع الإشارة إلى أن القدوة دائماً يملكُ ذهنية منفتحة وروحاً متسامحة ونفساً سامية تدعو إلى التعاون والتسامح والإخاء.
كيف يمكن أن نوافق على أنّ اليهود هم الزّرع المقدّس والشعب المختار الذي اختّصه ربّ الجنود ليكون شعبه الخاص معتبراً أنّه الشعب الوحيد الذي يحقّ له الترّفع والاستعلاء وعلى كافة الشعوب أن تعمل لخدمته وأن تستعبد له حتى لو استدعى ذلك إبادتها..
لقد تناولتُ في الفصل الأول والثاني ما يتعلّق بالنزعتين العدوانية والعنصرية التي تشدّد عليهما النصوص التوراتية على أنّها خلاصة الدين اليهودي وجوهره، وقد بينّت مستنداً إلى هذه النصوص مدى انغلاقهم وتعصّبهم وعدوانيتهم وعنصريتهم، وفي هذا الفصل أعرض ومستنداً أيضاً إلى النصوص التوراتية ما تحمله هذه النصوص من إشارات وأحداث عن الغدر والخيانة والانحلال الخلقي لشعب اللّه المختار المقدّس. إنّها سلوكية أجداد اليهود اليوم الذين يمثّلون القدوة لهم والمرجعية الرئيسية في مجمل حياتهم الدّينية والمدنية..
إنّ حكام إسرائيل اليوم يستشهدون بسلوكية شمشون وجدعون وداود وأبناء يعقوب على اعتبار أنّهم يمثلّون الأسلاف، وما قاموا به من أفعال وأعمال يسمونه بطولات وأمجاد، ومن الضروري الاقتداء بسلوك هؤلاء الأسلاف ... إنّه استحضار للتاريخ رغم ما يحمله من مساوئ ونزعات يهودية سلبية تمثلّ الانحلال الخلقي ، والغدر والخيانة والعدوان والعنصرية الفاضحة.
إنّ من يقرأ الأسفار التوراتية، يخلصُ إلى نتيجة مفادها أنّ الغدر والخيانة والانحلال الخلقي كانت من الثوابت التي سار عليها أسلاف اليهود اليوم، وهذه الثوابت جوهرية في الفكر الديني اليهودي. فقد بنيت اليهودية على مبدأ التوّجس من الأغيار والاستعلاء والعدوان والعنصرية. وهذه النزعات لا بدّ وأن تطبع الروح اليهودية بصفات الغدر والخيانة والانحلال الخلقي، فاليهودي يحقّ له أن يسرق.. لكن ليس يهودياً مثله، بل أي شخص من الأغيار، وكذلك الأمر بالنسبة للزنى والقتل والغدر والخيانة وغيرها..
من هذه الزاوية الضيّقة يتعامل اليهود مع الأغيار، إنّها ثوابت جوهرية من أصول الدين اليهودي المدّون في كتابي التوراة والتلمود والذي يُدّرسُ في مدراس إسرائيل اليوم وفي المدارس الخاصّة لليهود في أماكن إقاماتهم في دول العالم . وعليه يتربى الأطفال اليهود، لتنمو في عقولهم الباطنة أفكار اللامساواة والعدوان والغدر والتوّجس والاستعلاء والعنصرية.
لهذا.. من الضروري أن نلقي الضوء على النصوص التوراتية (الأسفار) ولو بإيجاز، ونتحدّث عن السلوكية اليهودية التي سار عليها الأسلاف اليهود وغدتْ منهجاً رئيساً للأجيال . ونبدأ بفقرة "الغدر والخيانة".
نقرأ في سفر التكوين أنّ يعقوب (إسرائيل) وأبناءه سكنوا في منطقة شكيم عند عودتهم من فدان آرام. كان حاكم المنطقة يدعى حَمُور الذي كان يتصّف بالأخلاق الحميدة والروح الإنسانية المنفتحة. وقد أحبّ ابنه شكيم إبنة يعقوب (دنيه). وطلبها له والده حَمُور قائلاً:"شكيم إبني قد تعلّقت نفسه بإبنتكم. أعطوه إيّاها زوجة وصاهرونا. تعطونا بناتكم وتأخذون لكم بناتنا وتسكنون معنا وتكون الأرض قدامكم. اسكنوا واتجروا فيها وتملكوا بها .."(.[1])
".ثم قال شكيم لأبيها وإخوتها. دعوني أجد نعمة في أعينكم. فالذي تقولون لي أعطي. كثروا عليّ جداً مهراً وعطية فاعطي كما تقولون لي وأعطوني الفتاة زوجة"([2])
لقد اعتبر بنو إسرائيل مثل هذه المصاهرة تدنيسا لهم، فشريعتهم ترفض الاختلاط بالشعوب، والمصاهرة اختلاط لن يقبلوا به. ونظراً لأنّهم كانوا غرباء عن المنطقة وعددهم قليل وليس بمقدورهم مجابهة سكان شكيم إن حاولوا الإعتداء عليهم ليمنعوا مثل هذه المصاهرة. فكان لا بدّ من الغدر والخيانة حتى يتمكّنوا من التخلّص من هذه المصاهرة (الاختلاط) . مستغلّين طيبة وشجاعة حَمُورَ حاكم المنطقة وابنه شكيم.
وضع أبناء يعقوب خطة (حيلة) مفادها الموافقة ظاهرياً على هذه المصاهرة شرط أن يقبل حمور وولد شكيم وكل سكان شكيم أن يختتنوا حيث نقرأ:"فأجاب بنو يعقوب شكيم وحمور أباه بمكر. قالوا لهما لا نستطيع أن نعطي أختنا لرجلٍ أغلف. إن صرتم مثلنا بختنكم كلّ ذكر نعطيكم بناتنا ونأخذ لنا بناتكم"([3])
وافق حمور وولده على هذا الشرط ولم يكونا يعلمان بأنّ هذه عبارة عن خطة ومؤامرة للغدر بهما وبسكان شكيم جميعهم .فنقرأ:"فحسن كلامهم في عيني حَمُور وفي عيني شكيم بن حَمُور. ولم يتأخر الغلام أن يفعل الأمر. لأنه كان مسروراً بابنة يعقوب. كان أكرم جميع بيت أبيه، فأتى حَمُور وشكيم ابنه إلى باب مدينتهما وكلّما أهل مدينتهما قائلين. هؤلاء القوم مسالمون لنا. فليسكنوا في الأرض ويتجرّو فيها. وهوذا الأرض واسعة الطرفين أمامهم نأخذ لنا بناتهم زوجات ونعطيهم بناتنا، غير أنّه بهذا فقط يواتينا القوم على السكن معنا شعباَ واحداً بختننا كلّ ذكر كما هم مختونون"([4])
لقد التزم سكان شكيم بالأمر واختتن كل ذكر في المنطقة تأكيدا على حسن نواياهم واحترامهم لبني يعقوب. غير أنّ بني إسرائيل لم تكن نواياهم حسنة تجاه سكان شكيم ولم يكن هذا الشرط إلاّ خدعة ليغدروا بسكان المنطقة جميعهم ويتخلّصوا من المصاهرة.. حيث نقرأ:" فحدث في اليوم الثالث إذ كانوا متوجعين أنّ ابني يعقوب شمعون ولاوي أخوي دنيه أخذا كلُّ واحد سيفه وأتيا على المدينة بأمنٍ وقتلا كلَّ ذكر وقتلا حَمُور وشكيم ابنه بحدِّ السيف"([5])
"ثم أتى بنو يعقوب على القتلى ونهبوا المدينة لأنّهم نجسّوا أختهم. غنمهم وبقرهم وحميرهم وكلّ ما في المدينة وما في الحقل أخذوه وسبوا كلّ ثروتهم وكلّ أطفالهم ونساءهم وكلّ ما في البيوت"([6])
وكان يعقوب نفسه قد غدر بأخيه (عيسو) بعد أن تآمر مع والدته رفقة على ذلك حسب ما يرد في سفر التكوين. حيث خطّطتْ والدته ليأخذ بكورية وبركة أخيه بالحيلة والمكر، ونفّذ يعقوب المخطّط تنقيذاً جيداً ونجح في سلب بكورية وبركة أخيه عيسو مستغلاً وضع والده الصّحي حيث كان قد شاخ وكلّت عيناه عن النظر فلم يعد يرى فنقرأ:"وحدث لما شاخ إسحق وكلّت عيناه عن النظر أنّه دعا عيسو ابنه الأكبر وقال له يا بني فقال له ها أنذا. فقال إنّني قد شختُ ولستُ أعرف يوم وفاتي، فالآن خذْ عدّتك جعبتك وقوسك واخرج إلى البرّية وتصّيد لي صيداً. واصنع لي أطعمة كما أحبُّ وآتني بها لآكل حتى تباركك نفسي قبل أن أموت. كانت رفقة سامعة إذ تكلّم إسحق مع عيسو ابنه فذهب عيسو إلى البرّية كي يصطاد صيداً ليأتي به وأمّا رفقة فكلّمت يعقوب ابنها قائلة إنّي قد سمعت أباك يكلّم أخاك قائلاً أئتني بصيد واصنع لي الأطعمة لآكل وأباركك أمام الرّبّ قبل وفاتي فالآن يا بني اسمع قولي في ما أنا آمرك به. اذهب إلى الغنم وخذ لي من هناك جدْيين جيّدين من المعزى فأصنعها أطعمة لأبيك كما يحبُّ فتحضرها إلى أبيك ليأكل حتى يباركك الله قبل وفاته"(.[7])
"فذهب وأخذ وأحضر لأمّه فصنعت أمّه أطعمة كما كان أبوه يحبّ وأخذت رفقة ثياب عيسو ابنها الأكبر الفاخرة التي كانت عندها في البيت وألبستْ يعقوب ابنها الأصغر. وألبست يديه وملاسة عنقه جلود جديي المعزى وأعطت الأطعمة والخبز التي صنعت في يد يعقوب ابنها. فدخل إلى أبيه وقال يا أبي فقال هاأنذا. من أنت يا بني فقال يعقوب لأبيه أنا عيسو بكركَ. قد فعلت كما كلّمتني . قم اجلس وكل من صيدي لكي تباركني نفسك . فقال إسحق لابنه ما هذا الذي أسرعتَ لتجد يا ابني. فقال إنّ الرّبّ إلهك قد يسّر لي. فقال إسحق ليعقوب تقدّم لأجُسّك يا بني أأنت هو ابني عيسو أم لا فتقدم يعقوب إلى إسحق أبيه. فجسّه وقال الصوت صوتُ يعقوب ولكنّ اليدين يدا عيسو. ولم يعرفه لأنّ يديه كانتا مشعرتين كيدي عيسو اخيه فباركه "([8]).
حضر عيسو من صيده وصنع أطعمة لأبيه كما أمره ولم يكن يعلم أنّ يعقوب قد غدر به واحتال على أبيه وسلبه بكوريته وبركته.. فتقدّم إلى أبيه قائلاً:"ليقم أبي ويأكل حتى تباركني نفسك. فقال له اسحق أبوه من أنت فقال أنا ابُنك بكرك عيسو. فارتعد إسحق إرتعاداً عظيماً جداً وقال فمن هو الذي اصطاد صيداً وأتى به إليّ وأكلت من الكلّ قبل أن تجئ وباركتهُ. نعم. ويكون مباركاً. فعندما سمع عيسو كلام أبيه صرخ صرخةً عظيمة ومُرَّة جداً. وقال باركني أنا أيضاً يا أبي . فقال قد جاء أخوك بمكر وأخذ بركتك . فقال ألا إنّ اسمه دُعي يعقوب .. فقد تعقّبني مرّتين. أخذ بكوريتي وهوذا الآن قد أخذ بركتي"([9]).
لقد حقد عيسو على أخيه يعقوب لأنّه خدعه ومكر به، وقَرّر قتله فهرب يعقوب إلى حاران عند أخواله كما نصحته والدته رفقة. وأقام هناك وتزوج أربع نسوة أنجب منهن اثني عشر ولداً "([10])
ويبدوا أنّ يعقوب اعتاد على الغدر والخداع، فنقرأ في سفر التكوين أنّه خدع حميه (لابان) وهرب من فدان آرام إلى كنعان بعد أن أخذ كلّ المواشي والمقتنيات.. وقد لاحقه لابان وتمكّن من إدراكه في جبل جلعاد كما يرد في سفر التكوين الاصحاح الواحد والثلاثون: " فأخبر لابان في الثالث بأنّ يعقوب قد هرب فأخذ اخوته معه وسعى وراءه مسيرة سبعة أيام فأدركه في جبل جلعاد"([11])
بدأ لابان بتأنيب يعقوب على فعلته. فقد خدعه ومكر به فاستنكر لابان هذا السلوك قائلاً:" لماذا الهرب خفية وخدعتني ولم تخبرني"([12])
كما احتال أولاد يعقوب على أبيهم ليغدروا بأخيهم الصغير يوسف فأخذوه معهم إلى البرّية وتآمروا عليه هناك وغدروا به ورموه في بئر ليموت فيها ويتخّلصوا منه لأنّه كان له حظوة عند أبيه.. فنقرأ:"فلمّا أبصروه من بعيد قبلما اقترب إليهم احتالوا له ليميتوه. فقال بعضهم لبعض هو ذا هذا صاحب الأحلام قادم . فالآن هلُمّ نقتله ونطرحه في إحدى الآبار ونقول وحشٌ رديءٌ أكله"([13])
ونقرأ في سفر التكوين أيضاً عن (تامار) كنّة يهوذا ابن يعقوب كيف خدعْت حميها واحتالت عليه. حيث ظهرت له في الطريق على أنّها زانية ليدخل عليها ويضجع معها لأنّه لم يزوّجها ابنه (شيله). علماً أنّها كانت زوجة لولديه تباعاً (عيرا وأُونان) وكلاهما توفيا وبقيت تامار أرملة تنتظر أن يتزوجها الابن الثالث لحميها وكان يدعى (شيله):"قالت يهوذا لتامار كنتَّه اقعدي أرملة في بيت أبيكِ حتى يكبرُ شيلة ابني لأنّه قال لعله يموتُ هو أيضاً كأخويه. فمضتْ تامار وقعدت في بيت أبيها"([14]).
عندما توفيتْ يهوذا، استغلّت كنَّته تامار ذلك وخطّطتْ لفعلتها السيئة حيث نقرأ: "فأخبرت تامارُ وقيل لها هوذا حموكِ صاعدٌ إلى تمنةَ ليجّز غنمه. فخلعتْ عنها ثياب ترمُّلها وتغطّتْ ببُرقع وتلفّفت وجلستْ في مدخل عينايم التي على طريق تمنة ، لأنّها رأت أنّ شيلة قد كبُر وهي لمُ تعط له زوجةً فنظرها يهوذا وحسبها زانيةِ . لأنّها كانت قد غطّتْ وجهها . فمال إليها على الطريق وقال هاكي أدخُل عليك. لأنّه لم يعلم أنّها كنَّته. فقالتْ ماذا تعطيني لكي تدخل عليَّ. فقال ما الرَّهن الذي أعطيك. فقالت خاتُمكَ وعصابتُك وعصاك التي في يدكَ. فأعطاها ودخل عليها فحبلتْ منه ثم قامت ومضتْ وخلعت عنها بُرقعها ولبستْ ثياب ترمُّلها."([15])
وفي سفر الخروج نقرأ عن احتيال وخداع بني اسرائيل للمصريين وسلبهم فضتّهم وذهبهم وأمتعتهم بتوجيهات من موسى الناطق باسم يَهْوهَ:"وفعل بنو إسرائيل حسب قول موسى. طلبوا من المصريين أمتعة فضةٍ وأمتعة ذهبٍ وثياباً. وأعطى الرّبّ نعمة للشعب في عيون المصريين حتى أعاروهم فسلبوا المصريين([16]).
وأنا أطالب المصريين اليوم وغداً وبعد غد أن يسترّدوا ممتلكاتهم التي سُلبتْ احتيالاً وغدراً وأن يطالبوا بمحاكمة السارقين وإنزال العقوبات عليهم، مثلما يطالب اليهود (حكام إسرائيل) باستعادة أرض إسرائيل المزعومة لأنّها أرض أسلافهم. وبإعتبار حدود التوراة هي الحدود الرئيسة للمملكة المزعومة وعلى التوراة الميثولوجية يستندون في ترجمة سلوكيتهم المادية.
أمّا في سفر القضاة فنقرأ عدّةُ حوادث غدر واحتيال وقتل بشع قام بها اليهود منها حادثة الغدر والخيانة التي قام بها رجلٌ بنياميّ يدعى (إهود بن جيرا) ويسمّيه كاتب السفر (قاضياً).. أرسله يَهْوهَ أو كلّفه أن يقضي لإسرائيل ويخلّصها من أعدائها الموآبيين الذين ضربوا اسرائيل وامتلكوا مدينة النخل وشدّدوا عليهم حتى اضطروهم إلى عبادة ملك موآب (عجلون) ثماني عشرة سنة كما يروي كاتب السفر حتى صرخوا إلى الرّب يستغيثون فأرسل لهم مخلّصاً لينقذهم وكان هذا المخلّص (إهود بن جيرا) وهو رجل أعسر. فدّبر خطّة للغدر بملك موآب وقتله:"فعمل إهودَ لنفسه سيفاً ذا حدّين طوله ذراع وتقلّده تحت ثيابه على فخذه اليمنى وقدّم الهدّية لعجلون ملك موآب وكان عجلون رجلاً سميناً جداً. وكان لما انتهى من تقديم الهدية صرف القوم حاملي الهدّية وأمّا هو فرجع من عند المنحوتات التي لدى الجلجال وقال. لي كلام سرٍّ إليك أيّها الملك. فقال صه. وخرج من عنده جميع الواقفين لديه. فدخل إليه إهودَ وهو جالسٌ في علّية برودٍ وكانت له وحده. وقال إهودَ عندي كلام اللّه إليك فقام عن الكرسيّ فمدَّ إهودَ يده اليسرى وأخذ السّيف عن فخذه اليمنى وضربه في بطنه فدخل القائم أيضاً وراء النَّصل وطبق الشّحم وراء النّصل لأنّه لم يجذب السيّف من بطنه."([17])
ثم نقرأ أيضاً عن حادثة مقتل (سيرا) رئيس جيش مملكة حاصور على يد إمرأة تدعى (ياعيل) وهي امرأة حابر القيني.. وبيت حابر القيني كانوا في صلح مع (يابين) ملك حاصور. وحابر القيني من (قاين) من بني حوباب حمي موسى. وعندما حدث صراع بين حاصور وبني إسرائيل، انتصر الإسرائيلّيون حسب ما يزعم كاتب السفر فهرب قائد جيش حاصور (سيسرا) والتجأ إلى بيت حابر القيني نظراً لوجود عهد وصلح بينهما: "وأما سيسرا فهرب على رجليه إلى خيمة ياعيل إمرأة حابر القيني لأنّه كان صلح بين يابين ملك حاصور وبيت حابر القيني. فخرجتْ ياعيل لاستقبال سيسرا وقالتْ له ملْ يا سيدي . ملْ إليّ لا تخفْ فمال إليها إلى الخيمة وغطّته باللحّاف. فقال لها اسقيني قليل ماءٍ لأنّي قد عطشتُ. ففتحتْ وطبَ اللبن وأسقته ثم غطّته. فقال لها قفي بباب الخيمة ويكون إذا جاء أحدٌ وسألك أهنا رجلٌ أنّك تقولين لا. فأخذتْ ياعيل إمرأة حابر وتَدَ الخيمة وجعلتْ الميتدة في يدها وقارَتْ إليه وضربت الوتد في صُدغه فنفذ إلى الأرض وهو متثقّل في النّوم ومتعبٌ فمات."([18])
في سفري صموئيل الأوّل والثاني نقرأ مزيداً من حوادث الغدر والخيانة والقتل نفذّها بنو اسرائيل فيما بينهم من جهة، وفيما بينهم وبين سكان كنعان من جهة أخرى.
كاتب السفر يروي هذه الأحداث باسهاب، مرّجعاً إياها إلى رضى ورغبة ربّ الجنود يَهْوهَ، فنقرأ عن الصراع بين شاول ملك بني اسرائيل كما يسميه وداود، وكيف كان شاول يخطّط لاغتيال وتصفية داود لأنّه كان يغار منه ويحسده بينما صموئيل النبّي يخطّط لتصفية شاول والتخلّص منه وتسليم السلّطة لداود، ونظراً لأنّ شاول تجاوز صموئيل النبّي عدد مرات، وهذا أمرٌ لم يكن ليرضى به صموئيل فهو المرجعية الرئيسة دينياً ودنيوياً ولا يقبل أن يتصرّف شاول أي شيء دون الرجوع اليه واستشارته وأخذ موافقته لأن يهوه يريد ذلك كما يزعم.
لقد أراد شاول أن يتخلص من داود بأية وسيلة وأخذ يخطّط لهذا الأمر فتارة يدفع به إلى محاربة الفلسطينين ليُقتل في المعركة. وتارة يخطّط لاغتياله سراً وتارة عبر تزويجه ابنته وهكذا.. أمضى شاول أيامه يبحث في الوسيلة التي تخلّصه من داود. "وقال شاول لداود هوذا ابنتي الكبيرة مَيْرةُ أُعطيكَ إياها إمرأة. إنما كنْ لي ذا بأسٍ وحارب حروب الرّب. فإنّ شاول قال لا تكن يدي عليه بل لتكنْ عليه يدُ الفلسطينين."([19]).
ماتَ شاول وثلاثة من أولاده في حرب مع الفلسطينيين كما يرد في سفر صموئيل الأول ولم يبق من أولاده إلاّ (إيشبوشث). فجعله (أَبنيرُ بنُ نيرَ ) ملكاً على اسرائيل مكان أبيه. فقد كان أَبنير رئيس جيش شاول. أما بيت يهوذا فقد اتبعوا داود. واشتدت الحرب بين الطرفين على السلطة.
كانت لشاول سرية اسمها "صفة" بنت أية. وكان ابنير قائد الجيش يدخل إليها ويضطجع معها كما يروي كاتب السفر:"وكان في وقوع الحرب بين بيت شاول وبيتُ داود أنّ أَبنير تشدّد لأجل بيت شاول. وكانت لشاول سّرّية اسمها رصفةُ بنتُ أيّة. فقال إيشبوشث لأبنير لماذا دخلت إلى سرّية أبي. فاغتاظ أَبنير جداً من كلام إيشبوشث وقال ألعّلي رأس كلبٍ ليهوذا اليوم أصنع معروفاً مع بيت شاول أبيك مع إخوته ومع أصحابه ولم أسلمّك ليد داود وتطالبني اليوم بإثم المرأة."([20]).
قرّر أَبنير التخلي عن إيشبوشث بن شاول وينضّم إلى داود استنكاراً فراسلَ داود واتفق معه على المصالحة وتسليمه السلطة على جميع إسرائيل ويهوذا فوراً، وقد وافق داود لكنه اشترط على أبنير أن يأتي له بامرأته ميكال بنت شاول التي فرض عليها والدها التخّلي عن داود والزواج من رجل آخر يدعى (فلطئيل بن لايش). وقد تمّ له الأمر حيث نقرأ:”فأرسل داود رُسلاً إلى إيشبوشث بن شارل يقول أعطني امرأتي ميكال التي خطبتها لنفسي بمئة غُلْفَةٍ من الفلسينيين فأرسل ايشبوشث وأخذها من عند رجلها من فلطئيل بن لايش وكان رجلها يسير معها ويبكي وراءها إلى يحوريم. فقال له أَبنير إذهب ارجعْ.. فرجعْ."([21])
لقد غدر أَبنير بن نير بايشبوشث وتخلّى عنه لصالح داود، لكنّه لم يهنأ بهذا الغدر.. وانقلبت خيانته عليه. حيث نقرأ:"فجاء أبنير إلى داود إلى حبرون ومعه عشرون رجلاً. فصنع داود لأبنير وللرّجال الذين معه وليمة وقال أبنير لداود أقوم وأذهب وأجمع إلى سيدي الملك جميع إسرائيل فيقطعون معك عهداً وتملكُ حسب كلّ ما تشتهي نفسكَ. فأرسل داود أبنير فذهب بسلام"([22]).
غير أنّ (يوآب) أحد قوّاد داود استنكر هذا الأمر ورأى ضرورة قتل أَبنير. لأنّه قتل أخاه (عسائيل). فترك الأمر سراً ولم يخبر داود وقرّر اغتيال أبنير بخدعةٍ وغدرٍ. حيث نقرأ: "ثم خرج يوآب من عند داود وأرسل رسلاً وراء أَبنير فردوه من بئر السيرة، وداود لا يعلمُ. ولمّا رجع أَبنير إلى حبرون مال به يوآب إلى وسط الباب ليكلّمه سراً وضربه هناك في بطنه فمات بدم عسائيل أخيه."([23])
إنّ حادثة اغتيال أبنير غدراً وخيانة تركت صدى كبيراً وخاصة لدى ابن شاول (إيشبوشث) الذي تعرّض بعد وفاة أبنير لحادثة اغتيال أيضاً من قبل قائدين يعملان عنده.. فقد قتلوه غدراً حيث نقرأ:"ولمّا سمع ابن شاول أنّ أَبنير قدمات في حبرون ارتخت يده وارتاح جميع إسرائيل. وكان لابن شاول رجلان رئيساً غزاةٍ اسم الواحد بعنة واسم الآخر ركاب ابنا رمّون البئيروتيّ من بني بنيامين"([24]).
" وسار ابنا رمون البئيروتي ركاب وبعنة ودخلا عند حرّ النهار إلى بيت ايشبوشث وهو نائمٌ نومة الظهيرة. فدخلاً إلى وسط البيت ليأخذا حنطة وضرباه في بطنه ثم أفلت ركاب وبعنة أخوه. فعند دخولهما البيت كان هو مضطجعاً على سريره في مخدع نومه فضرباه وقتلاهُ وقطعا رأسه"([25]).
ثم نقرأ عن حادثة اغتيال غدراً قام بها داود ضدّ قائده (أوريا الحثّي) ليأخذ زوجته:"وكان في وقت المساء أنّ داود قام عن سريره وتمشى على سطح بيت الملك فرأى من على السطح امرأة تستحم وكانت المرأة جميلة المنظر جداً فأرسل داود رسائل عن المرأة فقال واحد أليست هذه بتشبع بنت أليعام إمرأة أورّيا الحثي فأرسل داود رسلاً وأخذها فدخلت إليه فاضطجع معها وهي مطهّرة من طمثها ثمّ رجعت إلى بيتها وحبلت المرأة. فأرسلت وأخبرت داود وقالت إنّي حُبلى فأرسل داود إلى يوآب يقول أرسل لي أورّيا الحثي فأرسل يوآب أوريا إلى داود فأتى أورّيا اليه. فسال داود عن سلامة يوآب وسلامة الشعب ونجاح الحرب وقال داود لأوريا انزل إلى بيتك واغسل رجليك. فخرج أورّيا من بيت الملن وخرجت وراءه حصّة من عند الملك ونام أورّيا على باب بيت الملك مع جميع عبيد سيدّه ولم ينزل إلى بيته. فأخبروا داود قائلين لم ينزل أورّيا إلى بيته. فقال داود لأورّيا أما جئت من السّفر فلماذا لم تنزلْ إلى بيتك. فقال أورّيا لداود إنّ التابوت وإسرائيل ويهوذا ساكنون في الخيام وسيدي يوآب وعبيد سيدي نازلون على وجه الصحراء وأنا آتي إلى بيتي لآكل وأشرب وأضطجع مع إمرأتي. وحياتك وحياة نفسك لاأفعل هذا الأمر."([26])
إنّ هذا الموقف النبيل والشجاع من أورّيا الحثّي، يعبرّ تماماً عن إلتزام واحترام أبناء حثّ للعمل مهما كان نوعه. وعن وفائهم وإنسانيتهم وشجاعتهم. فأوريّا الحثّي لم يكن يهودياً ، كان من بني حثّ.. ومع هذا فقد كان محارباً شجاعاً ووفيّاً لرفاقه اليهود، فلم يرّضَ أن ينعم مع امرأته ورفاقه يحاربون في الصحراء.. فكان مثال الإنسان الملتزم الخلوق الذي يتصّف بالإنفتاح والتسامح والوفاء. ولم يكن ليدري أنّ داود غدر به واضطجع مع امرأته ويخطّط لإغتياله والغدر به أيضاً. فقد كان حسن النّية وفضّل النوم على باب بيت الملك بدلاً من بيته ، ولكنّ دواد لم يرق له الأمر فنقرأ:”وفي الصباح كتب داود إلى يوآب مكتوباً وأرسله بيد أوريّا . وكتب في المكتوب يقول اجعلوا أوريّا في وجه الحرب الشديدة وارجعوا من ورائه فيضرب ويموت."([27])
حمل أوريّا الحثّي رسالة موته غدراً.. ونجح مخطّط داود في التخلّص من أوريّا الحثّي ليسلبه زوجته الجميلة. ومات أوريّا حيث نقرأ:"وكان في محاصرة يوآب المدينة أنّه جعل أوريّا في الموضع الذي علم أنّ رجال البأس فيه. فخرج رجال المدينة وحاربوا يوآب فسقط بعض الشعب من عبيد داود ومات أوريّا الحثّي أيضاً."([28])
"فلّما سمعت امرأة أوريّا أنّه قد مات رجلها ندبت بعلها ولما مضت المناحة أرسل داود وضمّها إلى بيته وصارتْ له امرأة وولدت له ابناً "(.[29])
ويحدّثنا كاتب سفر صموئيل الثاني أيضاً عن حادثةٍ بشعة قام بها (أمنون) بن داود بدعم وتخطّيط من عمّه شقيق والده (يوناداب). فقد احتال أمنون على أخته (تامار) واستدرجها إلى مخدعه واضطجع معها حيث نقرأ :"وكان لأمنون صاحبٌ اسمه يوناداب بنُ شمعي أخي داود. وكان يوناداب رجلاً حكيماً جداً. فقال له أمنون إنّي أحبُّ تامار أُختَ أبشالوم أخي. فقال يونادابُ اضطجع على سريرك وتمارض . إذا جاء أبوك ليراك فقلْ له دع تامار أُختي فتأتي وتطعمني خبزاً وتعمل أمامي الطعام لأرى فآكل من يدها."([30])
نجح مخطّط يوناداب، ووافق داود على إرسال ابنته تامار لتخدم أخيها أمنون فاستغل أمنون وجودها وتمكن منها واضطجع معها، ثم طردها. حيث نقرأ:"فلم يشأ أن يسمع لصوتها بل تمكنّ منها وقهرها واضطجع معها."([31])
لكنّ أبشالوم ابن داود شقيق أمنون وتامار الذي استنكر فعلة أخيه أمنون، ضمر الشرّ له، وقرّر وضع خطة للغدر به واغتياله انتقاماً لأخته تامار.. فتامار كانت أخت أمنون من أبيه داود.
بعد سنتين حسب ما يروي كاتب السفر قرّر أبشالوم الانتقام من أخيه أمنون.. فخطّط لاقامة وليمة يدعو إليها والده وإخوته ومنهم أمنون حيث نقرأ:"وكان بعد سنتين من الزمان أنّه كان لأبشالوم جزّازون في بعل حاصور التي عند أفرايم فدعا أبشالوم جميع بني الملك. وجاء أبشالوم إلى الملك وقال هوذا لعبدك جزّازون, فليذهب الملك وعبيده مع عبدك. فقال الملك لأبشالوم. لا يا ابني لا نذهب كلّنا لئلاّ نثقل عليك، فألحّ عليه فلم يشأ أن يذهب بلْ باركه. فقال أبشالوم إذاً دعْ أخي أمنون يذهب معنا. فقال الملك لماذا يذهُب معك. فألحّ عليه أبشالوم فأرسل معه أمنون وجميع بني الملك. فأوصى أبشالوم غلمانهُ قائلاً انظروا متى طاب قلبُ أمنون بالخمر وقلتُ لكم اضربوا أمنون فاقتلوه. لا تخافوا أليس أنّي أنا أمرتكم. فتشدّدوا وكونوا ذوي بأس. ففعل غلمانُ أبشالوم بأمنون كما أمر أبشالوم "([32])
كما نقرأ في سيفر صموئيل أيضاً عدة حالات غدرٍ واحتيال حدثتْ خلال الصراع بين أبشالوم وأبيه داود أهمّها الغدر بأبشالوم وقتله من قبل قائد جيش داود (يوآب بن صرويه).
كان داود قد أوصى قواده وجنوده بعدم التعرّض لابنه أبشالوم وطالبهم بالحفاظ على سلامته، غير أنّ يوآب بن صروية نكثَ بهذا الطلب وخان ملكه داود وغدر بأبشالوم وقتله كما يردُ في النصّ التوراتي حيث نقرأ: "وصادف أبشالومُ عبيد داود وكان أبشالومُ راكباً على بغلٍ فدخل البغلُ تحت أغصان البُطمة العظيمة الملتفة. فتعلّق رأسهُ بالبطمة وعُلّق بين السماء والأرض والبغل الذي تحته مرّ. فرآه رجلٌ وأخبر يوآب وقال إنّي قد رأيت أبشالوم معلّقاً بالبطمة. فقال يوآب للرّجل الذي أخبره إنّك قد رأيته فلماذا لم تضربه هناك إلى الأرض وعليّ أنْ أعطيك عشرة من الفضّة ومنطقةً. فقال الرّجل ليوآب فلو وُزنَ في يدي ألفٌ من الفضّة لما كنتُ أمدّ يدي إلى ابن الملك لأنّ الملك أوصاك في آذاننا أنتَ وأبيشاي وإتّاي قائلاً احترزوا أياً كان منكم على الفتى أبشالوم".([33])
"فقال يوآب إنّي لا أصبرُ هكذا أمامك. فأخذ ثلاثة سهامٍ بيد ونشبّها في قلب أبشالوم وهو بعدُ حيٌّ في قلب البطمة. وأحاط بها عشرة غلمانٍ حاملو سلاح يوآب وضربوا أبشالوم وأماتوه."([34]).
وفي سفر الملوك الأول يروي كاتبه عدّة عمليات اغتيال وتصفية قام بها الملك سليمان بن داود ضدّ عدد من قواد أبيه ومعاونيه، ومن بينهم شقيقه الأكبر (أدّونيا بن حُجّيت). فنقرأ: "والآن حيّ هو الرّبّ الذي ثبّتني وأجلسني على كرسّي داود أبي والذي صنع لي بيتاً إنّه اليوم يقتلُ أدوينّا. فأرسل الملك سليمان بيد بنايا هو بن يهوياداع فبطش به فمات."([35])
ونقرأ في الاصحاح الواحد والعشرين من نفس السفر عن جريمة قتل استخدم فيها أسلوب الغدر والخيانة بطريقة بشعة جداً خطّطت لها (ايزبيل) امرأة ملك اسرائيل (آخاب) ضد رجل آمن يدعى (نابوت اليزرعيلي):
"وحدث بعد هذه الأمور أنّه كان لنابوت اليزرعيلي كرمٌ في يزرعيل بجانب قصر آخاب ملك السامرة. فكلم آخاب نابوت قائلاً أعطني كرمكَ فيكون لي بستان بقولٍ لأنه قريب بجانب بيتي فأعطيك عوضه كرماً أحسن منه وإذا حسن في عينيك أعطيتك ثمنه فضةً. فقال نابوتُ لآخاب حاشا لي من قبل الرّب أن أعطيك ميراث أبائي."( [36])
انزعج آخاب جداً من هذا الرّد.. واكتأب وجهه. فدخلت إليه امرأته مهدئة وواعدةً بحلّ القضية بسهولة قائلة لآخاب: "أأنت الآن تحكم على اسرائيل. قمْ كلْ خبزاً وليطبْ قلبك. أنا أعطيك كرم نابوت اليزرعيلي. ثم كتبتْ رسائل باسم آخاب وختمتها بخاتمه وأرسلتْ الرسائل إلى الشيّوخ والأشراف الذين في مدينته الساكنين مع نابوت. وكتبت في الرسائل تقول. نادوا بصومٍ وأجلسوا نابوت في رأس الشّعب. وأَجلسوا رجلين من بني بلّيعال تجاههُ ليشهدوا قائلين قد جدّفتَ على الله وعلى الملك. ثم أخرجوه وارجموه فيموت ."([37])
نجح مخطّط ايزابيل بشكل جيد كما رسمته. فتمتْ تصفية نابوت اليزرعيلي غدراً وخيانة وغشاً واستولى آخاب على البستان الذي كان لنابوت حيث نقرأ: "ولمّا سمعت إيزابيل أنّ نابوت قد رُجمَ ومات قالتْ إيزابيل لآخاب قمْ رثْ كرمَ نابوت اليزرعيلي الذي أبى أن يعطيك إيّاه بفّضةٍ لأنّ نابوت ليس حيّاً بلْ هو ميتٌ. ولمّا سمع آخاب أنّ نابوت قد مات قام آخاب لينزل إلى كرم نابوت اليزرعيلي ليرثُه."([38])
إنّ مقتل نابوت اليزرعيلي كان سبباً في التخطّيط لعدّة عمليات قتل واغتيال استخدم فيها أسلوب الغدر والخيانة أيضاً. فبعد وفاة الملك آخاب تسلّم ابنه (يورام) السلطة. غير أنّ أليشع النبي أخذ يخطّط لإغتيال يورام والثأر لنابوت اليزرعيلي بالتعاون مع قائد الجيش (يهوبن يهوشافاط) فاستغلاّ الصراع الذي كان قائماً فيما بين الآراميين وبني اسرائيل، حيث كان يورام ملك اسرائيل وأخزيا بن يهورام ملك يهوذا يقاتلان معاً الآراميين في منطقة (راموت جلعاد) وهناك جرح يورام في المعركة فرجع ليبرأ في يزرعيل من الجروح التي جرحه بها الآراميون في راموت . وكان ملك يهوذا قد نزل ليرى يورام بن آخاب في يزرعيل ويطمئن على وضعه.
إلى يزرعيل وصل قائد الجيش المتآمر ياهو بن يهوشافاط وعدد من المسّلحين بغية اغتيال يورام فالتقيا في بستان نابوت اليزرعيلي حيث نقرأ:"فلمّا رأى يهورام ياهو قال أسلامٌ يا ياهو. فقال أيُّّ سلامٍ ما دام زنا إيزابل أُمّكَ وسحرها الكثيرُ . فردّ يهورام يديه وهربَ وقال لأخزيا خيانةً يا أخزيا. فقبض ياهو بيده القوس وضربَ يهورام بين ذراعيه فخرج السهم من قلبه فسقط في مركبته"([39])
"فجاء ياهو إلى يزرعيل. ولمّا سمعتْ إيزابلُ كحّلتْ بالأُثمد عينيها وزيّنتْ رأسها وتطلّعت من كوةٍ. وعند دخول ياهو الباب قالتْ أسلامٌ لزمري قاتلِ سيّده. فرفع وجهه نحو الكوّة وقال منْ معي. منْ فأشرف عليه اثنان أو ثلاثةٌ من الخصيان. فقال اطرحوها. فطرحوها فسال من دمها على الحائط وعلى الخيل فداسها ودخلَ وأكلَ وشربَ ثم قال افتقدوا هذه الملعونة وادفنوها لأنّها بنتُ ملك "([40])
ولم يكتف ياهو بهذه الجرائم والاغتيالات.. فقد قرّر اغتيال جميع أبناء آخاب بن عمري بعد أنْ قتل ابنه يورام الملك. وكان عدد أبناء آخاب سبعون ولداً. ويعيشون في السّامرة تحت اشراف مُرّبين هناك. فأرسل ياهو إلى هؤلاء المُرّبين رسائل طالبهم فيها بقتل جميع أبناء آخاب الأولاد والشبّان وقطع رؤوسهم وإرسالهم إليه . حيث نقرأ:"فكتب إليهم رسالة ثانية قائلاً إنْ كنتم لي وسمعتم لقولي فخذوا رؤس الرّجال بني سيدكم وتعالوا إليّ في نحو هذا الوقت غداً إلى يزرعيل. وبنو الملك سبعون رجلاً كانوا مع عظماء المدينة الذين ربّوهم. فلّما وصلت الرسالة إليهم أخذوا بني الملك وقتلوا سبعين رجلاً ووضعوا رؤسهمُ في سلالٍ وأرسلوها إليه إلى يزرعيل."([41])
ثم تابع ياهو جرائمه وغدره واغتيالاته كما يرد في السفر: "وقتل ياهو كلّ الذين بقوا لبيت آخاب في يزرعيل وكلّ عظمائه ومعارفه وكهنته حتى لم يبقِِ له شارداً. ثم قام وجاء إلى السّامرة. وإذا كان عند بيت عقد الرّعاة في الطريق صادف ياهو إخوة أخزْيا ملك يهوذا. فقال من أنتم فقالوا نحن إخوةُ أخزيا ونحن نازلون لنُسّلم على بني الملك وبني الملكة. فقال امسكوهم أحياءً. فأمسكوهُم أحياءً وقتلوهم عند بئر بيت عْقدٍ اثنين وأربعين رجلاً لم يبق منهم أحد."([42])
أيضاً لم يكتفِ ياهو بما اقترفه من جرائم باسم رب الجنود يَهْوه، فقد صبّ جام غضبه على سكان كنعان وكهنتهم بعد أن خطّط لهذا الأمر تخطّيطاً محكماً استخدم فيه الحيلة والخدعة ثم الغدر والقتل.
لقد اتصّف الكنعانيون بالروح المتسامحة والانفتاح والمساواة بين جميع الشعوب والأديان، فلم يتعرضوا لمعتقدات الآخرين . ولا لكهنتهم، ولم يفرضوا ديانتهم على أحد وقد عاش اليهود بين ظهرانيهم ومارسوا شعائرهم الخاصّة بهم، ولا نقرأ أنّ كنعانياً اعتدى على كهنة يَهْوهَ ..
غير أنّ ياهوشافاط وبدافع من عنصريته وحقده وغدره لم يرع هذا الأمر.. وكان مثالاً لليهودي الحاقد الذي ينتظر الفرصة الملائمة للانقضاض على الأغيار الأبرياء وقتلهم بقسوة ووحشية. فلّما قتل جميع أبناء آخاب وأصحابه ومعارفه ومن يمَّت له بصلة. التفت إلى كهنة الكنعانيين مستخدماً حيلةً للغدر بهم وقتلهم كما يروي كاتب السفر حيث نقرأ: "ثم جمع ياهو كلّ الشعب وقال لهم. إنّ آخاب قد عبد البعل قليلاً وأما ياهو فإنّه يعبده كثيراً. والآن فادعوا إليّ جميع أنبياء البعل وكلّ عابديه وكلّ كهنته. لايُفقد أحدٌ لأنّ لي ذبيحة عظيمة للبعل. كلّ من فقد لا يعيش. وقد فعل ياهو بمكر لكي يفني عبدة البعل. وقال ياهو قدسوا اعتكافاً للبعل. فنادوا به وأرسل ياهو في كلّ إسرائيل فأتى جميع عبدة البعل ولم يبق أحدٌ إلاّ أتى ودخلوا بيت البعل فامتلأ بيتُ البعل من جانب إلى جانبٍ. فقال للذي على الملابس أَخرج ملابس لكل عبدة البعل. فأخرج لهم ملابسَ . ودخل ياهو ويهوناداب بنُ ركاب بيت البعل. فقال لعبدة البعل فتشوا وانظروا لئلا يكون معكم هاهنا أحدٌ من عبيد الرّبّ ولكنّ عبدة البعل وحدهم. ودخلوا ليقّربوا ذبائح ومحرقاتٍ. وأما ياهو فأقام خارجاً ثمانين رجلاً وقال. الرجل الذي ينجو من الرجال الذين أتيتُ بهم إلى أيديكم تكون أنفسكم بدلَ نفسه. ولمّا انتهوا من تقريب المُحرقة قال ياهو للسُّعاة والثّوالث أدخلوا اضربوهم .لا يخرج أحدٌ . فضربوهم بحدّ السيف وطرحهم السّعاة والثّوالث وساروا إلى مدينة بيت البعل."( [43])
ويروي كاتب سفر الملوك الثاني عن جريمة بشعةٍ جداً اقترفتها(عثليا) والدة ملك يهوذا (أخزيا) الذي قتله ياهو يهوشافاط بعد أنْ غدر بملك إسرائيل (يورام بن آخاب) وقتله . فنقرأ: "فلمّا رأت عَثليا أُمّ أخزيا أنّ ابنها قد مات قامت فأبادت جميع النسل الملكي."([44])
طبعاً لم ينحُ من هذه المذبحة البشعة إلاّ طفل رضيع يدعى (يوآش بن أخزيا) سرقته عمّته وخبأته عند (يهوياداع) في بيت الرّبّ وبقي فيه ست سنوات إلى أن أخرجه الكاهن (يهوياداع) وألبسه تاج الملك وأعطاه الشهادة وملكّه ومسحه ملكاً بدلاً من عثليا بالاتفاق مع عددٍ من قادة الجيش المتنفذين وكان يهوياداع الكاهن قد وضع خطة لإغتيال عثليا، وقد نجح في تنفيذ الإغتيال كما يرد في النص التوراتي .([45]).
ثم تعرّض يوآش هذا إلى مؤامرة استخدم فيها أسلوب الغدر والخيانة وتمّ فيها اغتياله وقتله كما يرد في سفر الملوك الثاني: "وقام عبيدهُ وفتنوا فتنةً وقتلوا يوآش في بيت القلعة حيث ينزل إلى سلّى . لأنّ يوزاكار بن شمعة ويهوزاباد بن شومير عبديه ضرباهُ فمات. فدفنوه مع آبائه في مدينة داود وملك أمصْيا ابنه عوضاً عنه."(.[46]).
وتستمرُّ عمليات الغدر والخيانة والإغتيالات في مملكتي يهوذا وإسرائيل على السّواء. فنقرأ عن فتنة في إسرائيل ضدّ زكريا بن يربعام ملك إسرائيل قام بها (شلُّوم بن يابيش) بتكليف من ربِّ الجنود يهوهَ كما يرد في النّص التوراتي حيث نقرأ: "ففتنَ عليه شلُّوم بن يابيش وضربه أمام الشّعب فقتله وملك عوضاً عنه"([47]).
لكنّه لم يهنأ كثيراً. فقد أُحيكت مؤامرة ضّده وتم اغتياله من قبل رجلٍ يدعى (منحيم بن جادي) فنقرأ: "وصعد منحيم بن جادي من ترصة وجاء إلى السامرة وضرب شلّوم بن يابيش في السّامرة فقتله وملك عوضاً عنه."([48])
وعندما توفيّ مناحيم تسلّم ابنه (فقحيْا) السلطة، لكنّه تعرض لخيانة وإغتيال أيضاً: "ففتن عليه فقحُ بن رمليا ثالثه وضربه في السّامرة في قصر بيت الملك مع أرجوبَ ومع أرْبَةَ ومعه خمسون رجلاً من بني الجلعاديين. قتله وملك عوضاً عنه."(.[49]).
وكان مصير (فقح بن رمليْا) كمصير سلفه.. فقد تعرض هو الآخر لخيانة وغدر أودى بحياته فنقرأ: "وفَتن هو شعُ بنُ أَيْلةَ على فقح بن رمَليْا وضربه فقتله وملك عوضاً عنه"(.[50]).
----------------------------
[1] -سفر التكوين الاصحاح 34 .
[2] -سفر التكوين الاصحاح الرابع والثلاثون.
[3] سفر التكوين الاصحاح الرابع والثلاثون.
[4] -سفر التكوين الاصحاح الرابع والثلاثون
[5] -سفر التكوين الاصحاح الرابع والثلاثون.
[6] -سفر التكوين الاصحاح الرابع والثلاثون.
[7] -سفر التكوين الاصحاح السابع و العشرون
[8] -سفر التكوين الاصحاح السابع والعشرون
[9] -سفر التكوين الاصحاح السابع والعشرون.
[10] -سفر التكرين الاصحاح السابع والعشرون.
[11] -سفر التكوين الاصحاح الواحد والثلاثون .
[12] -سفر التكوين الاصحاح الواحد والثلاثون .
[13] -سفر التكوين الاصحاح السابع والثلاثون.
[14] سفر التكوين الاصحاح الثامن والثلاثون.
[15] سفر التكوين الاصحاح الثامن والثلاثون .
[16] -سفر الخروج الاصحاح الثاني عشر.
[17] -سفر القضاة الاصحاح الثالث.
[18] -سفر التكوين الاصحاح الرابع.
[19] -سفر صموئيل الأول الاصحاح الثامن عشر.
ونقرأ أيضاً:"وميكالُ إبنة شاوُلَ أحبّت داود فأخبروا شاول فحسُن الأمر في عينيه . وقال شاول أُعطيه إياها فتكون له شركاً وتكون يد الفلسطينيين عليه.".الاصحاح الثامن عشر.
"وكان شاول يتفكّر أن يوقع داود بيد الفلسطينيين" الاصحاح الثامن عشر.
"وكلّم شاول يوناتان ابنه وجميع عبيده أن يقتلوا داود.". الاصحاح التاسع عشر.
"وكان الرّوح الردويّ من قبل الرّب على شاول وهو جالس في بيته ورمحه بيده وكان داود يضرب باليد. فالتمس شاول أن يطعن داود بالرمح حتى إلى الحائط. ففّر من أمام شاول فضرب الرمح إلى الحائط فهرب داود ونجا تلك الليلة.". الاصحاح التاسع عشر.
[20] -سفر صموئيل الثاني الاصحاح الثالث.
[21] -سفر صموئيل الثاني الاصحاح الثالث.
[22] -سفر صموئيل الثاني الاصحاح الثالث.
[23] -سفر صموئيل الثاني الاصحاح الثالث.
[24] -سفر صموئيل الثاني الاصحاح الرابع
[25] -سفر صموئيل الثاني الاصحاح الرابع.
[26] -سفر صموئيل الثاني الاصحاح الحادي عشر.
[27] -سفر صموئيل الثاني الاصحاح الحادي عشر .
[28] -سفر صموئيل الثاني الاصحاح الحادي عشر .
[29] -سفر صموئيل الثاني الاصحاح الحادي عشر .
[30] -سفر صموئيل الثاني الاصحاح الثالث عشر .
[31] -سفر صموئيل الثاني الاصحاح الثالث عشر .
[32] -سفر ضموئيل الثاني الاصحاح الثالث عشر .
[33] -سفر صموئيل الثاني الاصحاح الثامن عشر .
[34] -سفر صموئيل الثاني الاصحاح الثامن عشر .
[35] -سفر الملوك الأول الاصحاح الثاني .
[36] -سفر الملوك الأول الاصحاح الواحد والعشرون .
[37] -سفر الملوك الأول الاصحاح الواحد والعشرون.
[38] -سفر الملوك الأول الاصحاح الواحد والعشرون.
[39] -سفر الملوك الثاني الاصحاح التاسع .
[40] -سفر الملوك الثاني الاصحاح التاسع .
[41] -سفر الملوك الثاني الاصحاح العاشر .
[42] -سفر الملوك الثاني الاصحاح العاشر .
[43] -سفر الملوك الثاني الاصحاح العاشر.
[44] -سفر الملوك الثاني الاصحاح الحادي عشر.
[45] -سفر الملوك الثاني الاصحاح الحادي عشر.
[46] -سفر الملوك الثاني الاصحاح الثاني عشر .
[47] سفر الملوك الثاني الاصحاح الخامس عشر.
[48] -سفر الملوك الثاني الاصحاح الخامس عشر.
[49] -سفر الملوك الثاني الاصحاح الخامس عشر .
[50] -سفر الملوك الثاني الاصحاح الخامس عشر .
[/align]
يتبــــع>>>
|
|
|
|