16 / 01 / 2008, 50 : 08 AM
|
رقم المشاركة : [1]
|
مديرة الموقع المؤسس - إجازة في الأدب ودراسات عليا في التاريخ - القصة والمقالة والنثر، والبحث ومختلف أصناف الأدب - مهتمة بتنقيح التاريخ - ناشطة في مجال حقوق الإنسان
|
يحيى الخطيب بطاقة حب و ذكرى/ طلعت سقيرق هدى الخطيب
[align=right]
[frame="15 10"]
* حين ولد أمير صغير اسمه يحيى / هدى الخطيب
نشرت في 2007-07-07
حين ولد أمير صغير اسمه يحيى بوجهه الناصع البياض و ملامحه الفائقة الجمال في حيفا عروس المدن العربية على ساحل المتوسط، لعلّ البعض قالوا: " مولودٌ وفي فمه ملعقة ذهبية " فهو سليل نسب شريف عريق و ابن شيخ جليل له مكانته الأدبية و الدينية و الاجتماعية و شرف السلالة الطاهرة، وقد تبوأ مراكز هامّة ليس فقط على صعيد فلسطين فقد كان قاض القضاة و مفتي مكّة، بالإضافة إلى أنه رجل وطني يدعم الثوار و صاحب ثروة طائلة و جاه وعز و فوق كل هذا فمولودنا آخر العنقود...
لكن الرياح تجري بما لا تشتهِ السفن و الذئاب الصهيونية بالمرصاد و الخيانة تؤدي دورها المخزي في كل زمان!
لم يهنأ الطفل بالعز و الوطن في حمى الأب
اجتمع العرب في دمشق عند الرئيس السوري في ذلك الحين " شكري القوتلي " و كان فضيلة الشيخ بين المدعوين للاجتماع و أصرّت الزوجة أن تذهب معه هي و الأولاد، وقبل تحرك السيارة التي أقلتهم تذكرت الحليب المجفف للصغير يحيى فدعت ابنتها حورية ( والدة طلعت)لاحضار بعضه من إحدى الخزائن في غرفة المؤن التي توصل ما بين البيت و المسجد و فتحت الفتاة الخزانة تبحث عن الحليب و انكفأت واحدة من جرار عديدة مخبأة بعناية بين جرار المؤن و تناثرت الليرات الذهبية المخبأة بينما كانوا يستعجلونها ببوق السيارة و هي لا تستطيع إغلاق الخزانة مما تناثر منها فراحت تدخل الليرات الذهبية بيديها معاً و بقدميها حتى تمكنت من إغلاق بابها بسرعة و إقفالها بالمفتاح!!
لو كانت حبيبتي الحورية اليافعة الملائكية الوجه و الخصال تعلم أنه آخر عهدها بهذه الخزانة والبيت و أن الصهاينة سيسطون على كل شيء و أنه لا عودة لهم لعلها كانت ملئت جيوبها ببعضها!!
خمسة و عشرون ليرة ذهبية فقط كانت في جيب فضيلة الشيخ الشريف يونس الخطيب الرفاعي و التي سرعان ما أنفقت..
ضاعت حيفا في ليلة ليلاء دامية و ضاعت فلسطين و سقط الأب الشيخ ميتاً لهول الصدمة و نشأ طفلنا الحبيب يحيى يتيماً لاجئاً بين أمّه و اخوته حيث حطّ بهم المقام في حي الزاهرية بمدينة طرابلس شمال لبنان، و مع الأيام انفصل بعض الاخوة كل في اتجاه و بقيت الوالدة في طرابلس و معها نـور الدين و سـيف الدين و يحيى، إلى أن تدخل القدر مجدداً و اختار لجواره الأخ الأكبر و المثل الأعلى نـور الدين (والدي) الذي كان يحمل جرح فلسطين في قلبه إلى أن أودى به شاباً صغيراً.
نشأ يحيى الخطيب مثل معظم أفراد العائلة يحب الكتابة و عمل في الصحافة و تسلّم إدارة صحيفة البيرق اللبنانية في الشمال و دخل سلك التعليم مدرساً للغة الانكليزية ثم مديراً لمدرسة ثانوية في طرابلس..
و على الرغم من أنه كان شاباً و سيم الملامح طويل القامة مهيب الطلعة و خيرة البنات عرضن عليه بأنفسهن الزواج منه كان قد قرر أن يكرس حياته لوالدته المفجعة الجدّة "نجلاء " و التي اعتزلت الدنيا بعد وفاة بكرها " نـور " حتى هدّها المرض و باتت تعتمد كلياً على يحيى في كل شيء و الذي كان يقوم على رعايتها و خدمتها بتفانٍ و حب إلى أن رحلت لتختلط رفاتها برفات نور الدين في قبر واحد و هو ذات القبر القديم الذي ضمّ عقب النكبة رفات جدّي الشيخ يونـس و الذي أوصيت أن يضمني في أحضان والدي و جديَّ إن كان لي نصيب و لم أمت في الغربة و إلى أن تعود كل هذه الرفات يوماً لا شك بقدومه إلى تربتها الأصلية في مدينة حيفا.
حين كنت صغيرة كنت غالباً أقضي عطلاتي المدرسية في بيت جدتي و كنت أنام أحياناً بجانب عمي يحيى لأتمتع بمقالبه الظريفة التي كان يطلعني على تفاصيلها و هو ينسجها والتي كانت تبهرني و ينقضي فيها أكثر من نصف الليل أذكر منها:
كان يزورهم رجل بسيط من حيث سيطرة الأوهام عليه و الخوف من الجان و كانا عماي يحيى و سيف الدين يستبقياه للمبيت أحياناً بدل الذهاب من المدينة إلى مخيم البداوي حيث يسكن في وقت متأخر فيجهزون له المكان الذي ينام فيه و في إحدى المرات ربط عمي يحيى خيط رفيع بالغطاء مروراً حتى غرفته و سريره و ما أن تأكد أن الرجل ذهب في النوم حتى بدأ بشد الخيط فانسحب الغطاء و هب الرجل مفزوعاً ليبدأ بعملية صرف الجان و طقوسها الطويلة بطول الليل و على الرغم من التأكيد له بأنها كانت مزحة كان يصرّ المسكين على أن منزل جدتي مسكون بالعفاريت...
أذكر مما أذكر زياراتي له في الثانوية و كنت أعرف أن بعض المدّرسات واقعات بغرامه، في احدى المرات و بعد غيبة طويلة و كن لا يعرفنني و يعرفن صلتي به وجدتهن متحلقات حول مكتبه، دخلت و بالطبع رحب بي بحرارة و تقدمت عانقته و قبلته على وجنتيه و لم يتزحزحن و أحسست أن إحداهن كانت تتنقل بنظراتها بيني و بينه بغيظ شديد مكشوف و أنا أضحك متمتعة بغيرتها و إغاظتها بمثل عمري حينها و الذي كنت أبدو أكبر منه بسنوات ، و حين غادرت خرج معي حتى الطريق و كنت أستمر براقبتها بطرف عيني و هي تتبعنا من بعيد، لكن الغريب كان في الزيارة التي تلتها و قد بالغن في تكريمي لا شك بعدما عرفن منه صلتي به و انسحبن لنا من المكتب برحابة صدر على عكس المرة الأولى و وجدت المغتاظة عند خروجي تصر أن توصلني بنفسها و تلح بدعوتي إلخ..
بعد بضع سنوات من وفاة جدتي و مع إلحاح عمتي تزوج عمي يحيى و أنجب نجلاء و نـور و يونس و هم و لله الحمد متفوقون في دراستهم جداً و مع مرتبة الشرف و الامتياز باستمرار.الغريب أنه و منذ كنت طفلة كان كلما حدثني عن شيء يقول: " غداً عندما نعود إلى حيفا.... " دائماً.. عندما نعود إلى حيفا و بتأكيد و ثقة غريبتان
فمتى سنعود؟!!...
و يونس الصغير الآن ابن الحادية عشر كلما تحدثت معهم على الهاتف ينشد لي فلسطين و بنفس الثقة يقول لي: " غداً عندما نعود إلى حيفا........."
يونس أيها الصغير الغالي لعلنا نحن لا نعود لكني واثقة أنك أنت من سيعود....
هل يدري هؤلاء الذين يتاجرون بقضيتنا و يتنازلون عن مقدساتنا عمق الجراح في نفوسنا و أننا ما زلنا نقف عند فاصلة الانتظار لنعود إلى أحضان أمّنا فلسطين و يلتمّ شملنا من جديد؟!!
عمي الغالي يحيى
أردت فقط أن أقول لك أني أحبك جداً و مشتاقة لك و أنتظر بفارغ الصبر يوم ألتقيك
لنهرول معاً على طريق الميناء في طرابلس كما اتفقنا منذ أيام في آخر اتصال هاتفي و من يدري لعل القدر ينصفنا و.. نعود إلى حيفاً..
ملاحظة: " كانت بطاقة الحب هذه في 7 تموز / يوليو 2007 و توفي عمي يحيى الخطيب في 9 تموز / يوليو 2007 أي بعد يومين فقط أثناء زيارته لعمتي في دمشق دون أن يقرأها! "
[/frame][/align] [frame="15 10"][/frame][frame="15 10"]
[/frame]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|
|
|
|