رد: التجمعات النسائية تحت المجهر
[align=justify]
تحياتي أستاذة سلوى
هذا النوع من التجمعات النسائية في بلاد الشام كلها قديم قدم المجتمعات،فيه الغث وفيه الثمين.
أتذكر جدتي رحمها الله وعادة " الاستقبال " حسبما نسميه في لبنان كما كل أنحاء بلاد الشام
وأذكر فيما اذكر جدتي كان استقبالها مثلاً أول اثنين من كل شهر وحسب المتبع يقال ست فلانة استقبالها يوم كذا وست فلانة يوم كذا ولهذا التراث ذاكرة جميلة موغلة في القدم تختلف باختلاف البيئة والمجتمع بين العائلات العريقة في المدن وبين الفئات الشعبية وبين الأولى والثانية الفئة التي تصلح الفئة الأولى على تسميتها بمحدثي الثراء، وكل فئة من هؤلاء لها محيطها ومجتمعها الخاص كذلك هذا موجود في القرى بصيغة مختلفة أيضاً ، فهو عند الفلاحات له وقت ومواعيد منظمة تكون إما لجمع الفواكه والحصاد ( وهذه عادة متبعة منذ آلاف السنين في كل أنحاء بلاد الشام وما زالت محافظة على نمطها ) ويأخذن معهن في هذا اليوم الذي يعاون فيه (فلانة) كل واحدة زوادة من الأطعمة والأشربة يتقاسمنها ومع كل واحدة صغارها يلهون أمام أنظارهن في البساتين ويعتبر في المجتمع القروي أيضاً يوم الخبيز هو مثل استقبالات المدن حيث يجتمعن ويساعدن بعضهن البعض وبين عمل وغناء وحديث إلخ..
تجدين في المدن والقرى المتدينات أيضاً يجتمعن بشكل دوري لقراءة وختم القرآن والتسبيح إلخ..
والدتي لم تكن مهتمة بالاستقبال خصوصاً وهي سيدة عاملة وأرملة تربي أطفال تتحمل لوحدها مسؤوليتهم ومسؤولية كل شيء لذا كانت تكتفي بمواعيد يتفق عليها حسب الظرف بينها وبين صديقاتها، وعندما توفيت جدتي رحمها الله كنت صغيرة، أكثر ما أذكر من استقبالاتها ربما أقدام النساء وعدها ومراقبة وجوههن إلخ..لكني أذكر ملياً الكثير من استقبالات سيدات من العائلة أكثرها ربما استقبال عمة والدتي رحمها الله، التي كنت أحبها جداً ومتعلقة بها وهي كذلك كانت مولعة بي،هي سيدة متعلمة ومثقفة وكذلك زائراتها وكنت بالفعل أستمتع بينهن، صديقات لمدة أكثر ربما من خمسين سنة حتى وفاة قريبتي كل واحدة منهن تحترم خصوصيات الأخرى ولا ترفع أي سيدة مع أخرى أصول التكليف أو مخاطبة صديقتها باسمها مجرداً ، يتحدثن عما قرأن من كتب ، يناقشن آفة اجتماعية، يخضن في قضايا الوطن، في العلوم، آخر القصائد الشعرية التي أثرت بإحداهن وتحب نقلها بأداء جميل لصديقاتها.
كانت النساء أيضاً تجتمع كنوع من الترفيه عن النفس، تجدين سيدة تجيد العزف على العود (عدد السيدات اللاتي يجدن العزف على العود في كل أنحاء بلاد الشام كان كبيراً) فتجدينهن يجتمعن للترويح عن النفس يعزفن ويغنين بحرية).
الخلاصة أن هذه الاستقبالات والتجمعات الدورية لها موروث ثقافي وحضاري قديم جداً في بلادنا حتى أن الدراما السورية جسدته وجسدت بعض أنماطه كما عرفتها كل بلاد الشام.
أما لو جئنا لهذا النمط الذي تفضلت بتقديمه فهو للأسف دخيل على مجتمعاتنا ظهر مع عصر المادة والاستهلاك ، شوه حلاوة هذا الموروث من اللقاءات الجميلة ككل ما يتم تشويهه في هذا الزمن المادي الجاف.
برأيي لا يجب القضاء على هذه العادة المتوارثة الجميلة لكننا نستطيع تنظيمها وإعادة الروح إليها والهدف الجميل منها بشكل مفيد وجيد، المبالغة بالضيافة وأصنافها ليس دليل كرم ويتنافى مع أصول اللياقة ويأخذ طابع التباري والتحدي كذلك الأمر في المبالغة بالأناقة والاكسسوارات، هذا بالفعل أصبح موجوداً ليس فقط في الصبحيات والاستقبالات بل حتى في التعزية وكل المناسبات التي يجتمع فيها الناس.
من الناحية الدينية أيضاً يعتبر تبذير وإسراف محرّم فالفقراء أولى بهذا المال الذي يبدد وهنا يأتي دور المرأة المثقفة الواعية في عملية الترشيد والتوعية اللبقة وإعادة نمط ومفهوم الاستقبالات الجميلة إلى أصلها الأول.
شكراً لك وبانتظار القضية القادمة التي ستثيرينها إن شاء الله
دمت وسلمت
[/align]
|