ذاكرة ليست للبيع !!..
[align=justify]
اطمئنوا وكونوا مرتاحين تماما فما قصدت من العنوان أن أعرض ذاكرتي للبيع!!.أو للإيجار !!.. ولا حتى للفرجة المؤقتة لقاء هذا الأجر أو ذاك.. فمخزون الذاكرة أغلى وأثمن وأهم بكثير من كل كنوز الدنيا ، لأنه ببساطة شديدة ، صورتي وصورتك ، خطواتي وخطواتك ، أحلامي وأحلامك .. وهذا من الصعب بيعه أو رهنه ..وباعتقادي الشخصي المحض أنّ من يرضى أن يبيع ذاكرته يسهل عليه أن يبيع كل شيء .. لكن لماذا أدخل بكم هذا المدخل ، وما الداعي لكل هذا المشوار الذي يمكن أن نمشيه بخطوتين ، وكفى !!..
أريد وبكثير من التأكيد أن أفرد أمام جيل اليوم أشياء صارت على ما يبدو من المنسيات دون سبب منطقي ..من ذلك ، وأقفز إلى ما يتصل بالموضوع مباشرة ، احترامنا لمعلمنا هذا الاحترام الذي كان فعلا مضرب المثل ..ولا تستغربوا إن قلت لكم إنني كنت أهرب من الحارة كلها أو الشارع حين أرى احد معلمينا قادما..وكم مرة وصلت إلى البيت لاهثا وأنا أتلفت ورائي خوفا من أن يكون المعلم قد شاهدني في الشارع أو الحارة ألعب بدل أن أجلس إلى كتبي ودفاتري ووظائفي.. صدقوني لم يكن هذا خوفا..لم يكن رعبا .. بل كان ببساطة شديدة احتراما لهذا الذي يقدم لنا حياته كي نكبر علما ومعرفة وذكاء ..
ولأن الذاكرة التي ضمت كل ذلك ليست للبيع أحب أن أقف هنا وهناك ، لنرى كيف كانت هذه الذاكرة تتعامل مع الكتاب .. وكلمة كاتب لم تكن سهلة أو متاحة لأي كان ، أيام كانت الحروف تحترم ويقف منها الناس موقف الإجلال والتعظيم..
كنت أقف على درج اتحاد الكتاب العرب ، وأنا غر في أول الطريق، عندما رأيت الدكتور بديع حقي رحمه الله بأناقته المعهودة يصعد درجات الاتحاد ، ولا أدري من أين جاءتني الشجاعة لأتقدم منه وأسلم عليه ، صدقوني لا أعرف الآن إن بقي ريقي في فمي أم هرب كله .. والعجيب الرائع أن يكون هو المحاور المبادر بكلمات وتواضع لا مثيل لهما ..قلت جملا لا ادري إن كانت تصلح أن تكون الآن كلمات متقاطعة أم لا ..ولأنه كان كبيرا بحق ، اعتبرني أنا الغر صديقا له ، ومن يومها كان يتحدث عني بكل ما هو جميل ، بل ويكتب عن كتبي .. بربكم مثل هذه الذاكرة هل تباع ؟؟..
أديبنا المشهود له مدحة عكاش ، كان يستقبلنا في البناء القديم لجريدته ومجلته ..طبعا لا داعي لأن نقول من هو الرجل وماذا يشكل في عالم الثقافة .. كان يجلس معنا ساعات ، يحدثنا ونحدثه، حتى أنّ الواحد منا ، رغم صغر سنه ، كان يتوهم أحيانا انه صار كاتبا مهما ، خاصة أنه كان ينشر لنا في الصفحة الأولى من الثقافة الأسبوعية ..وكنا لا نصدق أنّ أسماءنا في الصفحة الأولى ومعروضة في كل المكتبات .. هل مثل هذه الذكرى تصلح للبيع ؟؟..
شاعرنا حسن البحيري رحمه الله ، وكنت من المقربين له ، وكان سليط اللسان بشكل مربك لمن يستحق ذلك ..مرة أهديته شيئا من قصائدي ، قرأ البعض على عجل لوجود عدد من الأدباء في بيته وكلهم من الأسماء الكبيرة المعروفة..عندما أردتُ الذهاب صعد معي درجات بيته الطويلة ، استغربت الأمر ، إذ انه ترك ضيوفه وأصر على الصعود معي حتى آخر الدرج ، مددت يدي مودعا ، قال بما يشبه الهمس " انتبه ..هذه المفردة التي استعملتها في شعرك خطأ والصواب كذا ".. وتركني ونزل .. أترك هذه الذكرى برسم كل من يتنطعون لتحطيم كل موهبة مهما كانت وعلى مرأى من الجميع .. حسن البحيري ، يتبعني ، يصعد الدرج كله ، لينبهني إلى خطئي .. فكم تساوي هذه الذكرى ؟؟..
أديبنا سعد صائب ، صاحب الكتب والمؤلفات الكثيرة ، المليء علما وثقافة وعطاء .. يقرأ قصيدة لي في مجلة " المعرفة " فيتصل مباشرة مهنئا على تميز هذه القصيدة شارحا بشكل أذهلني كل صغيرة وكبيرة فيها .. هل مثل هذه الذكرى تباع ؟؟.. كنت أتمنى أن يتسع المجال لأروي الكثير ، عن رجال كانوا كبارا بأدبهم وتواضعهم وحبهم وتواصلهم واحترامهم للصغير والكبير ، مع أنّ اسم كل واحد منهم يشكل عالما من الأدب والإبداع لا يحد..
[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|