23 / 03 / 2009, 10 : 05 PM
|
رقم المشاركة : [11]
|
كاتب نور أدبي متوهج ماسي الأشعة ( عضوية ماسية )
|
رد: ذكرياتي مع التاريخ الوطني الفلسطيني
عائلتي قبل النكبة.. [align=justify]كان جدي محمود سليم شما (جد والدي) الى جانب تجارته (تجارة الاقمشة) موظفا ساميا في الدولة العثمانية. ورث عن والده سليم شما بأسه وشدته ومكانته.[/align]
محمود سليم شما
محمود سليم شما يتوسط بعض أبناءه وأحفاده
[align=justify]كان سليم شما فارساً مغرما بالخيل. وشاويش جندرمة ( ضابط في الجيش) ايام الحكم العثماني لفلسطين، وأصبح مؤرخ صفد وقاضيها وعالم أنسابها. شغل مركز عضو محكمة بداية وعين عضوا في المجلس الاداري وكان لفترة رئيس بلديتها.[/align][align=justify]
كان بيته هو بيت العائلة في صفد. ويذكر أنه كان من الثراء بمكان أنه كان يستقبل في بيته كبار شخصيات الدولة العثمانية وأنه كان يستقبل على طاولة طعامه اكثر من 400 ضيف! ولازالت تروى الى يومنا هذا الكثير من الحكايات عن مكانته وعن غنى عائلة شما.[/align]

سليم شما [align=justify]أما جدي مصطفى محمود سليم شما (والد أبي) فقد انتقل من بيت العائلة في صفد الى مدينة عكا اواسط الثلاثينات مابين عام 1935 – 1936 حيث أسس بيت عائلتنا الجديد هناك.[/align]
[align=justify]كان بيت جدي في عكا يضم الجد والجدة والأبناء وزوجاتهم والأحفاد، كان كبيرا وواسعا لدرجة أنه أصبح مدرسة بعد أن استولى عليه اليهود، ولايزال قائما الى يومنا هذا..[/align] [align=justify]كانت حدائقه مزروعة بكل صنوف وانواع الفواكه والزهور .. عشرات عرائش العنب كانت على جنبات مدخل البيت.[/align]
[align=justify]يذكر عن جدي (فيما سمعته من والدتي - رحمها الله -) أنه كان يجلس وقت العصرونية في حديقة البيت، يقطف ما يطيب له من الفواكه، وينثر أوراق الورد والزهور ببركة الماء، ويطلب من كنائنه (بما فيهن والدتي - يرحمها الله - ) أن يأتين - وهن في كامل زينتهن - بما عندهن من (نقولات/مخلوطة): مكسرات، وما حضرنه من فطائر وحلويات استعدادا لاستقبال أزواجهن.
في هذه الأجواء عاش أهلي سنوات طويلة. الى أن بدأت رحلة العذاب.. هي رحلة الخروج من فلسطين كما رسم وخطط لها عصابات صهيون لتشريد الاهالي من أراضيهم..
[/align]
لقد تأثرث مثل باقي أطفال فلسطين بالتهجير القسري ورحلة العذاب التي عاناها أهلنا.
[align=justify]روايات كثيرة ومتشابهة تتحدث عن كيفية استيلاء عصابات صهيون على أرض فلسطين وكيف نشروا الرعب بين الناس،[/align][align=justify]كانوا يحرقون الأراضي ويقتلون الأهالي ويغتصبون النساء ويدمرون كل شيء حي ، وكانوا يتركون - عن قصد - بعض الاشخاص على قيد الحياة من أجل أن ينقلوا مشاهداتهم لباقي القرى بقصد نشر الرعب واخلاء الارض من سكانها قبل وصولهم اليها.[/align]
[align=justify]كانت العصابات الصهيونية مدججة بالسلاح والعتاد بينما كان السلاح محرما على السكان العرب، ومن كانت عنده رصاصة واحدة كان يعدم! ويذكر أن جنود الاحتلال الانكليزي أعدموا شخصين وجدوا على باب بيتهم حزام رصاص فارغ!![/align]
[align=justify]استطاع شعب فلسطين أن يحتفظ بثغر عكا البحري والقرى المجاورة لها طوال أيام الصراع الدموي مع اليهود من نوفمبر (تشرين الثاني) 1947 إلى مايو (أيار) 1948.[/align]
[align=justify] حين وصل جيش اليرموك بقيادة أديب الشيشكلي في أواخر يناير (كانون الثاني) من عام 1948 استبشر أهل عكا خيرا بالعرب المنجدين ولكن إخوانهم رجال اليرموك، وهم قسم من جيش الإنقاذ، لم يتركوا معهم إلا ثلاثين مقاتلاً.[/align][align=justify]استمرت عكا محتفظة بكيانها العربي حتى هوت حيفا تحت سيطرة اليهود، فكثر عندئذ ساكنوها من اللاجئين، وتفرغت لها وحدات اليهود المقاتلة، وأخذت تصب عليها نيران مدافعها.[/align]
[align=justify]واصل أبناء عكا والمهاجرون من أبناء حيفا قتالهم على حين راح قائد جيش اليرموك يستنجد بلجنة دمشق العسكرية دون جدوى! وفي الحادي عشر من مايو (أيار) قرر الشيشكلي الانسحاب بجيشه، وبقى أهل عكا وحدهم يقاتلون. وحين خاب الأمل في عون لجنة الجامعة بدمشق ذهب وفدهم يستنجد بالملك عبد الله في عمان ولكن هذه المحاولة باءت أيضاً بالفشل، وأدرك شعب فلسطين أن الجميع قد تخلى عنه![/align]
[align=justify]دارت معارك دامية عند تل نابليون واستشهد العديد من شباب عكا الذين حاولوا وقف الزحف اليهودي. ودارت معركة في الجانب الآخر من عكا استشهد فيها كل المدافعين في تلك الجهة من شباب عكا، واستمرالموقف مضطرباً خطيراً.[/align]
[align=justify]لقد فشل وفد عكا الذي استنجد بالملك عبد الله وفشل أيضاً استنجاد القائد الشيشكلي بلجنة دمشق وأقفرت كل الآمال ولكن شعب عكا لم ييأس، فذهب وفد من ثلاثة رجال إلى الجارة القريبة من عكا إلى الحكومة اللبنانية يطلبون أن تمدهم بالسلاح عن طريق الجو وذهبت هذه المحاولة أيضاً أدراج الرياح.[/align]
[align=justify]في غمرة من اليأس جاء فريق من المناضلين، كانوا في جيش أديب الشيشكلي، فقاتلوا يوماً وليلة ثم انسحب أغلبهم ولم يبق منهم إلا 48 محارباً خاضوا المعركة بحماس، واستمر القتال في عكا قتال شوارع ونزال أمتار.[/align]
[align=justify]وفي الخامس عشر من مايو(أيار) حين كانت الأنظار تتجه إلى حدود فلسطين مترقبة دخول الجيوش العربية السبعة الزاحفة، في ذلك اليوم تمكن الفلسطينيون من انتزاع محطة السكة الحديد من اليهود، وأخرجوهم أيضاً من بناية مصلحة الشؤون، واحتفظ المناضلون بمواقعهم وسط القتال المستمر حتى منتصف النهار. ولأن المدفعية اليهودية وجحافل اليهود كانت أقوى منهم انسحبوا تاركين عدداً جديداً من الشهداء![/align]
[align=justify]تقوت روح أهل عكا المعنوية بنصرهم (انتزاع محطة السكة الحديد من اليهود،وإخراجهم من بناية مصلحة الشؤون) وازداد أملهم لما سمعوا بإعلان زحف جيوش الدول العربية من كل صوب لنجدتهم.[/align]
[align=justify]استمر القتال الليل بطوله وعند الصباح ظهرت حقيقتان خطيرتان لمجاهدي عكا كانت الأولى أن الذخائر نفذت لطول العراك وكانت الثانية أن الجيوش العربية لم تصل عكا!![/align] 
[align=justify]تلفت المناضلون إلى ذويهم وأسرهم فكانت نكبة أخرى، لقد كان الجوع والمرض يفتك بالأطفال والنساء، بل لقد عمد اليهود إلى بث مكروب التيفوئيد في المياه!! كان المرضى يطلبون علاجاً والأصحاء يطلبون حقناً للوقاية والجميع لم يجد ماء للشرب ولا حتى للإستعمال!![/align]في هذه الأجواء كانت والدتي (رحمها الله) قد وضعت مولودة هي شقيقتي ماجدة في الاول من أيار 1948.
[align=justify]وسقطت عكا في أيدي اليهود في السادس عشر من مايو (أيار) 1948 بعد يوم من زحف الجيوش العربية السبعة على فلسطين، وبعد سبعة أشهر من ثورة الفلسطينيين العارمة نوفمبر (تشرين الثاني) 1947 إلى مايو (أيار) 1948.[/align]
[align=justify]وبعد سقوط عكا سقطت أيضاً القرى المحيطة بها وهي: شعيب والمغار والدامون وتمره وأم الفرج والكابرة والبصة وعمقا والزيب وترشيحا في أيدي الصهيونيين.[/align]
[align=justify]لقد كان سقوط عكا والقرى المحيطة بها خسارة عظيمة ولو أنها لم تكن خسارة كلية لأن جزءاً كبيراً من منطقة الجليل بقي في الأيدي العربية ومنها مدينة الناصرة عاصمة الجليل.[/align][align=justify]وحسب ماورد في شهادات من عاصر هذه الأحداث فان أهم أسباب فشل الثوار (المقاومة الفلسطينية) في المعارك التي حدثت قبل دخول الجيوش العربية إلى فلسطين هي:[/align]
[align=justify] 1- حيازة اليهود على أسلحة في ذلك الوقت من طائرات وسفن حربية ودبابات ومدافع وقاذفات قنابل وأسلحة رشاشة حصلوا عليها من الغرب في الوقت الذي كان فيه الثوار لا يملكون سوى البنادق القديمة وعدد من الأسلحة الرشاشة وعدد قليل من مدافع الهاون.[/align]
[align=justify]2- وقوف القوات البريطانية وحتى يوم انسحابها بتاريخ 14/5/1948 إلى جانب اليهود في مواجهة الثوار وتسهيل عملياتهم الهجومية على المدن والقرى الفلسطينية في الوقت الذي كانت فيه هذه القوات تهاجم الثوار وتقتل بعضهم وتعتقل البعض الآخر وتصادر أسلحتهم وتفرض أقصى العقوبات على كل فلسطيني يملك قطعة سلاح.[/align]
[align=justify]3- عدم جدية القوات العربية التي دخلت فلسطين في دعم الثوار خلال معاركهم مع اليهود وتآمر بعضها لتسهيل قيام الدولة اليهودية، وذلك بأمر من القيادات السياسية لبعض القوات العربية أوالقيادات العسكرية للبعض الآخر.[/align]

[align=justify]لم يتوفر للأهالي في تلك الايام وسائل نقل تساعدهم على الرحيل. قليل منهم من أسعفهم الحظ بتوفر دابة تعينهم.. اعتمد معظم الأهالي المشي على الأقدام من قرية الى قرية وكل جهة اختارت أقرب الطرق نحو البلدات والمدن المجاورة الأكثر أمانا الى أن وصل معظم الاهالي الى البلدان العربية المجاورة كلبنان وسوريا وشرقي الأردن وجنوبا الى غزة، لقضاء فترة مؤقتة، لاتتجاوز عدة ايام او اسابيع، بينما يتولى جيش الانقاذ العربي تطهير فلسطين من العصابات الصهيونية.[/align]
[align=justify]لم تكن فلسطين خالية من السكان كما أدعى اليهود الصهاينة، فلسطين أرض الخيرات، كانت لنا أرضنا ومنازلنا، كنا نعيش في ظروف اقتصادية واجتماعية جيدة.[/align]
[align=justify]رغم هذه الظروف وقساوة المواجهة وخطر البقاء تشبث أهلي في الأرض، ولكن ذلك لم يدم طويلا، فقد شاع يومها أن جيوش الانقاذ قادمة وعلى الاهالي ان يغادروا المدن لحماية انفسهم (ولفترة محدودة).[/align]
[align=justify]في اواسط أيلول (سبتمبر) من عام 1948 غادر أهلي مع من بقي من الأهالي مدينة عكا باتجاه حدود لبنان القريبة مشيا على الاقدام،[/align]
[align=justify]وتركوا كل شئ على ماهو عليه سوى الزاد الذي يكفيهم للطريق، وذكرت لي جدتي ( زوجة جد والدتي) ووالدتي انني كنت محمولا على كتف جدتي وفي جعبتها كمية من الحليب البقري الطازج وكمية من البطاطا المسلوقة، وتولت والدتي حمل أختي التي لم تتجاوز حينها شهورها الثلاث الاولى، وحمل والدي مايكفي من الملابس لرحلة قدروها انها لعدة اسابيع، وبعدها يرجعون الى بيوتهم.. ( بقي عدد من أفراد العائلة في البيت، في هذه الفترة قام اليهود المغتصبين بالاستيلاء على البيت ووضعوا من بقي من اهلي في غرف صغيرة بحديقة المنزل الى أن تم طردهم من البيت بالقوة في عام 1952).[/align]

[align=justify]( مرفق باقي صور جواز السفر الفلسطيني للوالد والوالدة، ومثبت عليهم دخول اصطياف {سياحة} الى لبنان بتاريخ المغادرة في 15 سبتمبر 1948 )[/align]
[align=justify]أيام وليال من العذاب في الطريق، يفترشون الارض ويلتحفون السماء، الى أن وصلوا الى حدود لبنان. كان الاهالي في استقبالهم، منهم من قام باستضافة بعض العائلات، ومنهم من تطوع بإرشادهم الى أماكن تجمع العائلات الفلسطينية. توجهت عائلتي الى بيروت لما علموا بوجود عائلة والدتي هناك. كان الأمل بلقائهم ضئيلا، ولكنها كانت محاولة تستحق العناء من اجل الاطمئنان على بعض أفراد العائلة. وبعد جهد جهيد تم اللقاء وأمضت عائلتي معهم بعض الوقت الى أن حان موعد البحث من جديد عن عائلة أبي التي غادرت مدينة صفد باتجاه الجولان السورية ومنها الى دمشق.. وكان على والدي مغادرة لبنان باتجاه دمشق.. وفعلا هذا ماحصل وكانت ايضا رحلة بحث شاقة الى ان التقى والدي مع والديه واخوته في دمشق .. يومها تشكلت لجان احصاء وبحكم تواجدنا هناك تم تسجيل اسماءنا على اننا لاجئين فلسطينيين في سوريا ولم يعد اهلي كغيرهم قادرين على المغادرة الى أي مكان الا باذن وتصريح، وكانت لنا معه حكايات اخرى..[/align]
|
|
|
|