بداية دعوني اعترف أن ذائقتنا الأدبية متواطئة بعض الشيء مع اشعار محمود درويش
فتجد ان القصيدة أول ما تهبط .. تهبط في القلب متجاهلة نداءات العقل في محاولتها
الدؤوبة لفهم ماذا يجري بين السطور .
أنا أقرأ محمود درويش بقلبي ومن ثم أبدأ محاولاتي في قرائته من خلال العقل والادراك والإستيعاب
ومحاولة تجسيد الصور الجمالية وتشريحهها في محاولة جادة للفهم .
طبعا ً محمود درويش لم يبدأ رحلته مع الشعر بهذا المستوى العالي والراقي .. بل بدأه بسيطا ً جدا ً
والجميع يذكر سجل أنا عربي .. ومنها ومن غيرها من القصائد القريبة لعقل المتلقي ولقلبه
ومشاعره وعواطفه انطلق محمود وأخذنا معه في رحلة الشعر وعالمه الشعري الجميل
كنا مسحورين فيه وهو يتنقل من ابداع إلى إبداع ونحن نتتلمذ على يدي إبداعه .. أخذت ذائقتنا
تنمو وتكبر حتى أصبحت تتماشى وتنسجم مع قصائد درويش وبلغت الذروة في مديح الظل العالي
لكن محمود أخذ يكبر ويكبر ويكبر .. أخذ ينغمس في عالمه الشعري .. كما كان يقول مطبخه الشعري
أصبح يبحر بعيدا ً عنا .. أصبحنا نلهث ونحن نركض خلفه .. تارة نلحق به وتارة نخفق .. هو لم يكن يشعر
بهذا .. الظروف اللي وجد فيها سمحت له بل أخذته بعيدا ً عنا وتجلى هذه بأشعاره الجديدة التي يكتنف
معظمها الغموض الذي أصبح ربما جزءا ً من شخصيته .. كزهر اللوز أو أبعد .. نعود لذائقتنا الأدبية المتورطة
في عشق اشعار درويش تأبى إلا أن تتذوق هذه الأشعار وأن تسكنها القلب .. لذلك نحاول مرة واثنتين وثلاثة
إلى أن نصل ولو لخمس ما كان يريد محمود أن يوصله لنا ويبقى سرّ الشاعر في قلبه لا يعرفه أحد
لكن هذه المقاطع الجميلة تعكس كما رأينا وحدة بل تخلي من الأحبة عن محمود .. نحن لم نلحظ ذلك
لكن هو عانى من الوحدة وهذه الأبيات تبرهن ذلك .. كم كنت اتمنى لو استطعنا أن نحضن وحدة
هذا الشاعر العريق .. لو استطعنا أن نمسح جزءا ً من الآمه وهو الذي كان أول الحاضرين فينا
الف شكر استاذي طلعت على الإختيار الرائع والموفق .. والله يرحم روحك يا محمود