الأبناء و الاستهتار
د. ناصر شافعي
أصبحت اللامبالاة و الاستهتار سمة مميزة لأبناء هذا الجيل و ذلك يشمل كل جوانب حياتهم الشخصية أو في علاقاتهم مع أفراد الأسرة أو الأصدقاء أو غيرهم من أفراد المجتمع .. و شملت اللامبالاة الأقوال و الأفعال .. ففي الأقوال أصبح هناك عدم التزام بشرف الكلمة و الوعد و عدم الاهتمام بالصدق و قول الحقيقة .. و برزت كلمات جديدة على مجتمعنا مثل " ما تفرقش " .. "مش مهم " .. " أي كلام " .
و في الأفعال انتشرت ظاهرة اللامبالاة و عدم الاهتمام باحترام الأفعال و السلوك الشخصي .. و أصبح الاستهتار بالمظهر العام و المعاملات مع الآخرين هي الصفة السائدة .. فلا أحد يهتم براحة جاره أو نظافة عمارته أو احترام مشاعر و أحاسيس الآخرين .. فنجد السيارات تنطلق في جنون في الشوارع و صوت " كاسيت " السيارة يتفجر بأعلى الأصوات .. و يلقي الشباب المستهتر بالمخلفات في الطرقات و الشوارع .. و آخرون يلهون بالأسلحة النارية أو البيضاء أو المواد الكيمائية .
لابد من وقفة مع أنفسنا لنسأل و نحاسب .. من السبب و من المسئول عن تفشي ظاهرة اللامبالاة و الاستهتار في أطفال و شباب هذا الجيل ؟
هل هي الأسرة .. أم المدرسة و الجامعة أو وسائل الإعلام أم المجتمع أم الابن نفسه !؟
قبل أن نلقي باللوم على الابن نفسه و نتهمه بأنه أساء استخدام حقوقه مثل الحرية الممنوحة له في التعبير عن نفسه بالقول أو الفعل ، لابد أن نعترف بأن غياب الدور الرقابي و التوجيهي في الأسرة هو السبب الرئيسي لإتباع بعض الأبناء مثل هذا السلوك .
أما ما هي الدوافع التي تدفع الابن للاستهتار و اللامبالاة فهي كثيرة و أهمها :
¨ غياب المثل و القدوة للأفعال الحسنة و السليمة .. نتيجة لغياب الأب أو الأم أو عدم اتباعهما لقواعد السلوك المثالي أمام الأبناء .
¨ غياب الدور الرقابي لأحد الوالدين أو كليهما .. نظراً لظروف الوفاة أو السفر أو الانشغال في العمل .. فيندفع الابن للتصرف كيفما يشاء دون أن يجد من يرشده أو يوجهه للأقوال أو الأفعال السليمة .
¨ الضغط النفسي و العصبي على بعض الأبناء و ذلك نتيجة لسوء معاملة بعض الآباء للأبناء سواء باستخدام وسائل العنف أو الضرب أو بتضييق الخناق عليهم و عدم منحهم الفرصة للتعبير عن مشاعرهم و مشاكلهم .. فيلجأ هؤلاء الأبناء إلى التعبير عن نفسهم بسلوك خارج عن السلوك القويم و السوي كرد فعل للكبت و الضيق الذين يعانون منه ..ظناً منهم إن هذه هي الحرية .
¨ عدم وجود العقاب الكافي أو الرادع لتصرفات المستهترين من الأبناء و الشباب سواء من أفراد أسرتهم أو من أفراد المجتمع .. و التغاضي عن الأخطاء و الأفعال غير المناسبة التي يرتكبها بعض الأبناء باعتبارها بسيطة و أنها مجرد تجربة أو نزوة أو فعل طبيعي و مرحلة حتمية لابد و أن يمر بها الأبناء .
¨ تقلص حجم القيم الاجتماعية و الدوافع الخلقية و المبادئ الدينية في نظر بعض الأبناء لعدم اهتمام الأسرة بالتربية الدينية السليمة و زرع مبادئ الخير و الصلاح في نفوس أبنائهم منذ الصغر.
كيف نُعيد روح الالتزام و الاحترام لأقوال و أفعال المستهترين من أبناء هذا الجيل ؟
لا شك أن على الوالدين أن يتنبهوا لضرورة اتباع طرق التربية الصحيحة للأبناء .. و أن يكونوا دائماً القدوة و المثل على العمل و القول في إطار المبادئ الأخلاقية الصحيحة و المُثل الدينية السليمة .. و أن يعطوا مزيداً من الاهتمام لرقابة الأبناء و إرشادهم إلى طرق التعامل الصحيح مع الآخرين .
و لابد من الحزم و الشدة في التصدي للأقوال و الأفعال المستهترة التي يقوم بها أبناؤهم .. فعدم مبالاة الوالدين لهذه الأفعال المستهترة ينتج عنها استمرار الابن في فعلها بلا حساب أو عقاب .. و يجب أن يكون العقاب من جزاء العمل و أن نبتعد تماماً عن أسلوب الضرب و الإهانة حتى لا يؤدي ذلك إلى رد فعل عكسي في تصرفات الابن .
و على الأجهزة الأمنية و رجال الاجتماع و المؤسسات الدينية أن تقوم بدورها و مسئوليتها في توجيه الأبناء و شباب هذا الجيل لطرق السلوك القويم وفقاً لمبادئ و مثل المجتمع الذي نعيش فيه .. و توضح أثر هذا السلوك الإيجابي في الفرد و تكوين شخصيته في المجتمع و تكوين حضارته.
و على أجهزة الإعلام أن توضح للأبناء أن إتباع بعض أنماط السلوك الغربي المنحرف لا يعني السلوك الحضاري و التطور .. فبعض هذه السلوكيات الخاطئة قد تؤدي إلى انحرافات و مشاكل أسرية و اجتماعية عديدة .. مثل تدخين المخدرات أو تعاطي المنبهات و المنشطات أو ارتداء الملابس الفاضحة .
تحياتي . د. ناصر شافعي
حقوق النشر محفوظة للمؤلف . د. ناصر شافعي . حياة صغير . القاهرة