تهدج صوتها، خنقته العبرات وهي تقص على صاحبتها حكايتها الاخيرة..
كانت نبراتها المتعبة أبلغ كلام يصف حالة القلب الحزين الذي شغلته
أحاديث الحب المعسولة وحكايات الزمن الرديء ، وأوجاع جسد لا تنتهي
فأردته جريحاً بندوب لا تطيب..
قالت: سألت نفسي مراراً عن تلك الليالي الساهرات وعن صوت دافئ
وأغنية فبكيت بدمع صاخب متبتل وأنا أعانق الذكريات واحدة بعد أخرى حتى
انتهيت إلى هذه الذكرى الاخيرة وبلا مقدمات سقطت، وقعت من علو جبل
خلته يستحق كل شيء حتى تداعيات العقم الجوفاء التي تهزني لكنه
آثر الهرب والمكوث بعيداً متوارياً عني في واديه العميق تاركاً لي تساؤلا
مازال يقض مضجعي.. لماذا؟
كانت الصديقة تحاول ان تعي حجم المعاناة التي تلف صاحبتها مدركة تماماً
أن أي محاولة لاصطياد ذلك الحزن المعشش في صدرها هي أمر شبه مستحيل
ولكي تخفف من لهجة الأسى الذي احتواها قالت:
إذاً لم تكن تلك هي لحظة انعتاق الروح ولم تكن مبتدأ الدرب للوصول إلى بوابة
قلعة السلام الذي تنشدين؟
قالت: لا لم تكن كذلك فحين غادر روحي جسده النحيل ضاقت به سبل
النجاة فاحتوته أذرعة الصمت الموحش وتاه عن الطريق.. تخيلي أني ارتشفت
من الحب جرعة واحدة وأعطيته قارورة العشق دفعة واحدة فغص بها ولم
يملك سوى أن يلفظها مرة واحدة وهكذا مشى القدر وحده اليّ..
لم أستدعه فكان أن رحلت معه ودون أن أدري وضعت النهاية...!!
كلماتها كانت تندفع بشتى طرقها لتطرح كل آلامها دفعة واحدة ولكن هيهات
قالت الصديقة:
ماذا بعد هل هناك مزيد في رحلة العذابات المتواصلة التي تخدشت فيها كل
الجروح وسالت دماها في أودية الزمن العقيم المفعم بالقهر؟ ماذا بقي كي
تعطي روحك بعضاً من أناة وصبر ليبدأ مشواراً جديداً كيفما اتفق فقط ، ولتثبتي
أنك قادرة على العطاء مجدداً؟
قالت! من العبث أن أسأل الروح ماذا يروم، أنا ما عدت أدري كيف خطت قدماي
صرح قبري وكيف تناوشت روحي مطبات الجروح فهل كان مقدراً لي أن أقع
فريسة صوته المقنع بزيف الدفء والحنان؟
هل كان مرسوماً لي في لوح القدر أن تخذلني وأنا المتعبة من الخذلان هنّات
ذلك الصوت فتسقطني في وادي النسيان العميق ؟؟
لا أدري لعلها تساؤلات أطرح بعضها واحتفظ بالباقي كي أجلد به ذلك الجسد
المحترق ببراكين الحاجة اليه حتى أفقده القدرة على الفوران.. !!
ربما تعدني الايام بحكاية أخرى وربما ستستنزف طاقتي المبعثرة صولة أخرى
لكني أعددت لكل شيء قادم عدته فلا عودة ترتجى كي أمنحها بصيص
أمل ولا رغبة تداخلني كي أمنح عمري الصفح.. لا أملك سوى البكاء على أطلال
فقدت عنوانها منذ زمن طويل ، لينتهي بها المطاف ذرات غبار تتناثر في التراب..