عرض مشاركة واحدة
قديم 01 / 06 / 2009, 34 : 03 AM   رقم المشاركة : [1]
هشام البرجاوي
ضيف
 


سرقة وفضيحة اسمها هشام البرجاوي

[align=justify]على منوال العلاقة الثنائية الذي يصنع التواصل التقليدي المكبل بالعديد من الالتباسات، يجيء الخطاب الأحادي كي يسمح للذات بنقل مفرداتها الخاصة إلى الآخر دون متاهات تأويلية. عندما تتحدث الأديبة عن جسامة المشكلة الإجتماعية من خلال شخوص و أحداث و مفردات قصصها، فإن الحرية التحليلية تتلاشى، و تبدأ الحالة الواقعية القريبة من السوسيولوجيا بالتألق. النص الأدبي كما هو متعارف عليه بنية فكرية مفتوحة، ترفض النمطية. في الأدب لا وجود للنص الميت أو النص التقريري الجاف، باستطاعة أي انسان أن يعبر عن رأيه حول خاطرة أو رواية أو قصيدة، دون أن يمس بأسلوب المقاربات الذي تتبناه الكتابات الأدبية التحليلية. عامل المرونة الـتأويلية يفقد علته الغائية عندما يكتب الأديب ليشرح للقارىء الرسالة التي يروم إيصالها من خلال التصريح بالإنتماء الواقعي إلى آلام شخصيات القصة. أقترح عليكم هذه القراءة السريعة لقصة (عبيد و عبيد) للأديبة المغربية حبيبة زوكي التي فازت مؤخرا بجائزة ناجي النعمان عن ديوانها الفرنسي : الأبواب الموعودة، و صدرت لها رواية : غزل الحكي، عن دار فضاءات الأردنية. [/align]

قراءة في قصة ( عبيد وعبيد) للأديبة حبيبة زوكي.



[align=justify]
يمثل الخطاب السردي والقصصي لقصة( عبيد وعبيد) للقاصة حبيبة زوكي، جزءا من البيئة لعامة للعالم القصصي الذي تعمل جاهدة لبنائه. إذ نجد كثيرا الموضوعة أو التيمة السردية، التي تتجلى في كلمات البناء الفني، كالمدينة، والحي الشعبي، والسوق، بوصف هذه الأشياء الفضاء القصصي الذي يؤثث أسلوب القاصة حبيبة زوكي.




وحضور هذه التيمات، أكسب قصص حبيبة زوكي أجواء خاصة، ضمنت لها نوعا من التنويع والتجديد بعيدا عن النمطية، والاجترار.

و الأستاذة حبيبة زوكي، توظف جزئيات العالم الخارجي في قصتها( عبيد وعبيد) توظيفا فنيا يظهر مدى عمق التجربة القصصية لديها. الشيء الذي جعلنا نتلمس هذا التوظيف الفني،ونكتشف تماشيه مع بناء الحدث القصصي.
فمنذ البدء،نجد صخب الحياة ،وضراوة المدينة، لنتبين من خلالهما الخصوصية الدرامية للقصة، والمعاناة التي تعانيها البطلة أو الشخصية المحورية.

ويطالعنا المشهد الوصفي للشخصية وظروفها، والمتمثل في إعطائنا صورة عن هذه الشخصية التي حرمتها الظروف كل أسباب الحياة. كما حرمتها حقها في التربية والتعليم، لنرى أنها شخصية سحيقة الإحساس، وأنها إنسان من زمن آخر. كما نتبين من هذا الاستهلال أن حبيبة زوكي تقدم لنا الأعذار لتقبل سلوكات وخيارات البطلة آمال في مجريات القصة.كما نستشف ولو بطريقة ضمنية ، الأزمة النفسية التي تعانيها الشخصية المحورية/ آمال حين تجد نفسها في مواجهة فقر أسرتها، ومرض والدها، وجوع إخوتها. هنا تتولد لديها فكرة الخروج إلى المدينة/ الموقف لمجابهة الحياة، وتحقيق طلبات الأسرة.هكذا تجد آمال نفسها تخترق ضوضاء المدينة الضخمة كباقي النساء المحرومات، تنتظر عملا بأحد البيوت، مقابل أجرة زهيدة.

إن القصة تصوير لطبقة اجتماعية محرومة، بئيسة ، تصارع من أجل الحياة. وهي صورة واقعية، مازال مجتمعنا المغربي يحفل بها. وما زالت أزقة مدننا وشوارعها تزخر بمثل هذه النماذج البشرية.

والقصة تتضمن حدثا يتسم بواقعيته، حيث نجد البطلة آمال، والتي تمتاز بجمال خلاب، تعيش مع أسرتها أزمة حياة، وعيش، في حي هامشي. أمية، جاهلة، لم يسبق لها أن ولجت المدرسة. تجد نفسها ذات صباح بعد مرض والدها المعيل الوحيد، وجوع إخوتها الصغار، في الموقف، تنتظر من يستأجر خدماتها كمنظفة. ويتم اختيارها من بين النساء الواقفات، من طرف رجل ثري، ذي سيارة فخمة، يأخذها إلى فيلته، ويطلب منها تنظيفها. وبدون مقدمات يقع الرجل الثري في حبها، ويطلب منها أن تكون عشيقته. وأمام ما وفر لها من مال وسكن، وعيش رغيد، تقبل بدون تأخير، وتنقل أسرتها إلى السكن الجديد.

الحدث يمتاز بالصدفة السعيدة، وهو حدث مشابه لقصة فيلم ( أفواه وأرانب) من بطولة فاتن حمامة ومحمود ياسين وفريد شوقي.

هكذا نجد أن الكاتبة زوكي، تختزل شخوص قصتها إلى شخصيتين اثنتين: آمال و الرأسمالي الثري (من مفارقات القصة أن رأسماليا يتدخل لإنجاد آنسة فقيرة...قد تكون أمطرته بنظرات حاسدة ذات يوم ما)، وشخصيات ثانوية ( الأم والأب). وهذا ما منح القصة تركيزا في تناول تيمتها الرئيسية، وبلورة دلالتها بعيدا عن أي محاولة للانشغال بهموم شخصيات أخرى، وأحداث عابرة أخرى.

هكذا نجد أن الفضاء القصصي، والمجال الذي تتحرك فيه الأحداث محدود، ومتقلص بعض الشيء.

والملفت للنظر أن علاقة الشخصيتين الرئيسيتين في القصة، علاقة التضاد، والتنافر، والماثلة بين آمال والرجل الثري. لا نعرف من خلال مجريات الأحداث كيف ذابت الفوارق الطبقية. هل هذا الشخص زير نساء؟. ثم السلبية التي ميزت رد فعل الوالدين والأسرة، هل فعلا الفقر والحاجة يقتلان النفس وإحساسها بالكرامة؟.
هل هذا الثري يعاني أزمة نفسية ما؟.
هل اختياره النزول إلى هذه الطبقة بداية للانهيار وسقوط الشعارات والمبادئ، وسيادة نزعة الشعور بالمساواة؟.
هل هذا السلوك الذي قامت به الشخوص كلها، نوع من الانحراف؟.
هل سلوك الثري ينم عن شرخ نفسي، وعن سادية، وازدواجية يعانيها؟.
لقد استطاع هذا الثري بماله وسلطته أن يسيطر على آمال الغرة، ويجعلها لا تضيع الفرصة التي سنحت لها. وبالتالي تسقط كل القيم التي كانت تؤمن بها أمام إغراء مادي، هو الحل الوحيد الذي يخرجها وأسرتها من تعب الحياة وضنكها.
لكن ماذا ننتظر من فتاة جاهلة، أمية غير هذا وأكثر؟

إن القصة تصور حدة الضعف الإنساني، ووطأة الفاقة. صحيح أن القصة تحاول أن تبين أن العلاقة التي بين شخوص القصة هي علاقة مثالية. اختلطت فيها الصداقة والمحبة، والعشق، والإنسانية. لكنها في جوانبها الخفية، تفقد هذه العلاقة حياديتها و نصاعة براءتها، وإنسانيتها عندما يتم الوضع في الحرج، والاختيار،والمساومة. إن النعيم الذي وضع أمام آمال له ثمنه،وهو كرامتها، وجسدها. وهنا يتحول عمل هذا الثري وسلوكه ولو بطريقة خفية، إلى ضرب من ضروب القهر والاضطهاد، والاستغلال البشع. وهذا ما نجحت الأستاذة حبيبة في تصويره.

إن الشخصيتين الرئيسيتين، تعانيان اللاتوازن النفسي. فآمال تعاني أزمة نفسية لما يعترض حياتها من صعوبات، وما تراه من سوء حال وضنك، وترغب في تغيير هذا الحال. والثري ، يعاني هو أيضا حالة نفسية، يريد بأي حال الخروج منها. كل يبحث عن فرصته للتغيير، ولو على حساب القيم والأعراف، والأخلاق. وهذا فيه إشارة قوية من الأديبة حبيبة زوكي إلى أن المجتمع المعاصر أصبح مجتمعا متفسخا، منحلا، مجتمع ماديات ومصالح، ونزوات. ولم يبق فيه للقيم والأخلاق والمبادئ أي اعتبار.

وعندما نعود إلى القصة( عبيد وعبيد) لاستجلاء خلفيتها السردية، نجد الجو القصصي يتوزعه قطبان هما: عنصر الطبيعة الحية التي تمثل الجو الخارجي، والسلوك الإنساني للشخصيات، والذي يمكن اعتباره جوا داخليا للقصة.
كما أن العنوان، يحمل إشارات ، وإيحاءات رمزية.فالشخصيتان كلاهما،عبد لرغباته، وأحلامه، ونزواته.

ينفتح الملفوظ السردي على اللوحة التي ترسمها القاصة حبيبة زوكي للجو المتحكم داخل البيت، وداخل نفسية الشخصية المحورية آمال، وخارج الفضاء( المدينة/ الموقف)…تبدو الشخصية آمال متذمرة، مغلوبة على أمرها، مضطرة للخروج إلى العمل أمام تكالب الظروف والمصاعب عليها. فلا تجد من حل إلا البحث عن عمل كخادمة بالبيوت، مقابل أجرة يومية. هذا يمهدنا إلى النهاية السعيدة بالنسبة لآمال، والتي نجد أصداءها في الجرائد الوطنية اليومية(اغتصابات- دعارة- اعتداءات جنسية- تحرش جنسي…).

لكن الذي يربك القارئ، هو أن الانتقال من فضاء إلى فضاء لا ترافقه التغيرات اللازمة في سلوك ونفسية الشخصيات.. فدخول الشخصية المحورية آمال إلى فضاء جديد ( الفيلا)، والعمل به لم يرافقه توجسات مثلا، وشكوك البطلة، أو بعض الأفكار السوداء التي تركب رأسها. بل وجدنا سلوكا متناقضا من الثري، وحتى من آمال…الدعوة لتناول الغذاء وقبولها، إيصالها بالسيارة إلى حد بيتها، وكأننا في شريط هوليودي، مبني على الصدف السعيدة.
نعم..لا نخفي المجهود الذي بذلته الأديبة زوكي في أن تعطينا أو على الأصح تلمح لنا بأن الشخصية المحورية آمال تعاني العجز والإحباط، والانطفاء والقهر. وأنها سلبية في سلوكها ومواقفها. وأن الظروف الخارجية الضاغطة لم تترك لها الفرصة للتفكير أو وضع القيم والأخلاق في الميزان. بل رغبتها في الخروج من هذا الضغط، ومن هذه الأزمة كبيرة، جعلتها تقبل بدون هوادة اقتراح الثري.

إن القصة تنهج طريقة تقليدية في السرد، والحبكة، وتعتمد طريقة أفقيةـ تنطلق من البداية إلى النهاية، معتمدة على البداية والعقدة والنهاية المغلقة، السعيدة. وهذا جعل القصة تفتقد إلى التشويق، والتصعيد الدرامي، والحبكة الفنية.

كما أن الكاتبة اعتمدت الحوار في بناء قصتها لتخرج من رتابة السرد،وضمنته ازدواجية اللغة لتضفي على قصتها نوعا من الواقعية…

رغم كل هذا تبقى حبيبة زوكي قاصة مغربية متمكنة من آلياتها القصصية…ويمكنها أن تذهب بعيدا في فن القصة.
[/align]

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)

التعديل الأخير تم بواسطة طلعت سقيرق ; 17 / 06 / 2009 الساعة 20 : 01 PM.
  رد مع اقتباس