رد: زمن البوح الجميل / رسائل بين الأديبة ليلى مقدسي والشاعر طلعت سقيرق
الدخول في الخاص
[align=justify]
أتدرين ، ربما هي المرة الأولى ، التي أحاول فيها أن أراقب خطواتي . بمعنى آخر ، أن أتحدث عن الخاص في حياتي ، إذ تعودتُ خلال كلّ اللقاءات الصحفية والإذاعية ، أن أروي ذات المبدع ، ذات الفنان ، ذات الشاعر . أما هذا الجزء الذي نسميه حياتنا الخاصة ، فكان بعيداً عن الطرح ، بعيداً عن البوح . ربما لأنّ للخاص عندنا ، ولا أدري لماذا ، نوعاً من الحرمة . ولأنني صادق مع نفسي أولاً ، ومع الآخرين ثانياً ، فلا أجد في رواية الخاص أي مشكلة . لكن وأعترف ، أن الصعوبة تكمن في السقوط فجأة أمام صورة الأنا ، ليأخذ الواحد في بعثرة محتوياتها ، دون أي إنذار مسبق .. وكأنه ، هكذا بشكل فجائي ، يشعل ضوءاً مبهراً أمام عينين تجوسان في العتمة .. لكن لابأس، مادام علي أن أروي ذاتي ، في كلمات قليلة قدر المستطاع ، حتى لا أتحول إلى راوٍ يريد أن يطرح أناه في مزاد الكلام الكبير ..
ولدت يا سيدتي ، كما تعلمين ، في الثامن عشر من آذار عام 1953 ، في طرابلس لبنان ، أثناء زيارة والدتي السيدة حورية يونس الخطيب ابنة الشيخ يونس الخطيب لأهلها هناك . ومن ثم عادت بي إلى دمشق ، حيث كان يقيم الوالد محمود حسن سقيرق ، بعد اللجوء من مدينة حيفا في فلسطين عام 1948 .. قبل أن أشرّف سيادتي إلى الدنيا ، كانت أمي قد وضعت بنتا اسمها غادة ماتت صغيرة ، وقبل اصطدامي بهواء الحياة في العام الذي ذكرت .. أمي تقول إن عيناً أصابت البنت الجميلة غادة ، والعلم يقول إنها أصيبت بمرض فكان لها أن رحلت ..
وعيي تفتّح في حي الشيخ محي الدين ، وهو أحد الأحياء الشعبية الدمشقية ، فيه عشت حتى اليفاعة ، وتعلمت ، وعملت في أعمال كثيرة لا تخطر على البال . ذلك أنّ الحي الشعبي مفتوح على كلّ احتمال وجمال . وكان أبي ـ وقد مات قبل عدة سنوات ـ يعمل ميكانيكياً في رحبة الشرطة ، حيث يقوم بإصلاح أعطال السيارات . ومن غرائب الأمور، أنني حتى الآن ، لا أعرف ، ولم أحاول أن أعرف ، قيادة السيارة . وإذا بقيت في دائرة البيت، فقد أنجبت الوالدة خلال عشر سنوات ، أخين وأختين لي ، وكلهم طبعاً أصغر مني . وهم على التوالي : رجاء ، عصمت ، رأفت ، أمل .. وهذه الأخيرة أصغر مني بعشر سنوات، فهي من مواليد 1963، وربما لمجرد المصادفة ، فإنّ أمي من مواليد 1933 .
كنت منذ صغري شيطاناً في المدرسة والحارة والبيت ، لينقلب الأمر عند كبري إلى هدوء وسكينة . وربما عليّ أن أذكر هنا أن خالين لي ، توفيا، هما بدر ونور الدين الخطيب ، كانا شاعرين .. وأنّ خالين ، هما سيف الدين ويحيى الخطيب عملا في مجال الصحافة .. وأجمل ما أستطيع أن أذكره هنا ، أنّ الوالدة والوالد ، علمانا الحب .. لذلك يندر أن يجد المرء أخوة يتعاملون كتعاملنا كإخوة حتى الآن . فأنا على سبيل المثال ، لا أستطيع وما أزال ، الانقطاع عن زيارة الأهل كلّ اثنين وخميس من كل أسبوع . هذا إلى جانب الأعياد ، وما إلى ذلك . لذلك كانت معنوياتنا وما زالت رائعة ، وكان الحب وما زال ، زهرة لا تعرف الذبول في حياتنا . طبعاً كلّ إخوتي تزوجوا ، لكن ما زالت علاقاتنا ولقاءاتنا كما كانت .
من جهة المادة ، وإن كنت لا أعيرها كبير اهتمام ، فقد كانت حالتنا المادية وما زالت متوسطة. فبيت أهلي مستأجر ، كذلك بيتي ، وبيوت إخوتي . وللحقيقة يصعب أن تقفز حالة الموظف ، ما دام الراتب محدداً، من حال إلى حال . فهو مرتبط بهذا الراتب الذي يأخذه أول الشهر ، ليصرف على ما يحتاجه على مدار ثلاثين يوماً .
في الجزء الخاص جداً ، أي هذا المتعلق بشخصي ، فقد قلت ذات مرة ، وأظنك قرأته في أحد لقاءاتي : أنا سهل كالماء صعب كالمستحيل .. أحياناً أشعر بطفولة غريبة ، وأحياناً بحزن ، وأحياناً بفرح .. انفعالي إلى أبعد حد ، وهادئ إلى أبعد حد .. أرتبك في أمور لا تستدعي الارتباك . وأقف بصلابة أمام أمور تتطلب شجاعة ما بعدها شجاعة .. أحياناً يركبني الخجل ، وأحياناً تكون جرأتي دون حد . لكن في كلّ الحالات ، أحب الناس ، وإيماني شديد بأنّ الحبّ هو الشيء الوحيد الخالد في الحياة)) .
علاقتي مع الأنثى كانت علاقة جميلة ومتعددة منذ صغري .ربما أحببتُ كثيرات .. وكان من أصبحت زوجتي واحدة منهن ، وهي تعرف أنني كنتُ أحب هذه وتلك ، وأنني أكتب الشعر للكثيرات .. وأنّ فتيات الحارة ، ثم الجامعة ، كنّ حولي دائماً .. لكن علاقتي بها استمرت ست سنوات ، كان بيتها في الحارة في الشيخ محي الدين مواجهاً لبيتنا .. وبعد ست سنوات أصبحت السيدة إنعام محمدية زوجتي .. ولا أدعي أنني أضربتُ عن الحب ، إذ للشاعر على ما يبدو ، قلب لا يعرف أن يتوقف عن النبض مع كلّ جمال . لكن وبصدق ، كان عليّ أن أحترم مشاعرها ، فما حاولت في يوم من الأيام ، أن تؤثر أي علاقة على منزلي .. بقي الأمر بعيداً عن البيت . لأنني مؤمن بأنّ بيت الزوجية ، هو بيت الزوجة ، ولا يحق للزوج بأي شكل من الأشكال أن يمس كرامة زوجته .. ومن جهتها احترمت ، أو لنقل فهمت طبيعة هذا الشاعر الطفل الذي لا يريد أن يكبر . فأغمضت العين عن الكثير ، ما دام الشاعر المشاغب لا يمس كرامة البيت . وما كان لها طبعاً أن تقف في وجه الرسائل والمكالمات الكثيرة ، لأن طبيعة العمل الصحفي تقتضي ذلك ، ولأن الشاعر ـ ويا سبحان الله ـ لا يستطيع أن يتخلى عن جمال الأنثى . وإن تخلى ، فمن لهذا الجمال الفتان يرعاه ويتعهده بالغزل والتغني .. وكما قلت، بقيت محافظاً ، وما أزال ، على كرامة الزوجة ، إذ ما حاولت في يوم من الأيام أن أقترب بأي علاقة من محيط البيت .. مع أن أكثر العلاقات لا تتجاوز معنى الصداقة والزمالة ، ولا أدعي أنها كلها كذلك .. ما دمت أحاول البوح الصريح ..
البيت الذي أسكن فيه في مخيم اليرموك / شارع 15 / مؤلف من غرفتين ، وصالون صغير ، طبعاً أصبح لا يستوعب العائلة كما يجب .. لكنه على كلّ حال ، ما زال بيتاً بالأجرة وهو المتاح في ظروف الوظيفة كما قلت . واحدة من الغرفتين للنوم ، والأخرى تضمّ مكتبتي ومكتبي إلى جانب بعض الكنبات لاستقبال الضيوف والأصدقاء ..
أولادي ثلاثة ، الكبرى سهير وهي الآن في الحادي عشر ثانوي ، والثاني محمود وهو في الأول الإعدادي ، والثالثة ديما في الثالث الابتدائي.. وربما عليّ أن أذكر أنّ زوجتي من مواليد 1959 .. وأنّ زواجنا مضى عليه ، خمسة عشر عاماً ..
هل هناك شيء لم أتحدث عنه .. تقول الصفات في الهوية : الموطن الأصلي حيفا .. لون الوجه حنطي .. لون العينين بني / الأصح عسلي / العلامات المميزة شامة على الخد الأيسر / وأضيف الكثير من الشيب في الرأس / الطول 182 سم .. وماذا بعد ؟؟ .. لا أظن أنني تركت شيئاً.. وإن تركت فلكِ أن تسألي .. دمشق في 11/5/1997
[/align]
|