التنمية البشرية .. البداية .. متى ، وكيف ؟
د. ناصر شافعي
خبير تنمية الموارد البشرية و إدارة المستشفيات . إستشاري طبيب
متى وكيف بدأ التفكير في التنمية البشرية ؟
سؤال منطقي و بديهي يخطر على بال وتفكير القارئ و المهتم بموضوع التنمية البشرية . هل كان الموضوع وليد الأمم المتحدة ؟ أم أن البشر هم من فرضوا وجودها وحتمية تطبيقها ؟ .
لم يكن موضوع التنمية البشرية وليد تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ، الذي صدر لأول مرة في عام 1990 ، بل العكس هو الصحيح . فتبني هذه المنظمة للموضوع جاء نتيجة لشيوع الاهتمام به خلال العقدين السابقين ( السبعينيات و الثمانينيات ). وقد ظهر المفهوم في الغرب أولاً ، ويمكن العودة به إلى تمرد الشباب في الغرب عام 1968 وما تلاه . وكان منبع التمرد يرجع إلى عجز التمرد العلمي و المادي في المجتمعات الغربية عن إسعاد الإنسان ، أو إرضاء حاجاته غير المادية ، فالإنسان الغربي يعاني من الوحدة بين الملايين من البشر ، و يقضي معظم ساعات اليوم في العمل ، وفي فراغه يعيش بين الآلات بدل أن يعيش بين الناس .
أما تعريف " التنمية البشرية " المعتمد في تقارير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام 1990 فهو أن : " التنمية البشرية هي عملية توسيع الخيارات المتاحة للإنسان ".
ومن حيث المبدأ ، يمكن أن تكون تلك الخيارات بلا حدود ، وأن تتغير مع الزمن . لكن تبقى ثلاثة خيارات تظل جوهرية في كل مستويات التنمية وهى :
1. أن يعيش المرء حياة طويلة و صحية.
2. وأن يحصل المعارف .
3. وأن يحصل على الموارد الضرورية لتوفير مستوى معيشي لائق.
وإذا لم يحصل الفرد على تلك الخيارات الثلاثة ، فإن كثيراً من الخيارات الأخرى تسد أبوابه أمامه .
ولكن التنمية البشرية لا تقف عند هذا الحد ، فهناك خيارات أخرى و يقدرها الناس تقديراً عالياً ، وهى تمتد من الحرية السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية ، إلى توافر فرص الابتكار و الإبداع والتمتع باحترام الذات ، وضمان حقوق الإنسان .
وللتنمية البشرية جانبان ، أولهما : هو بناء القدرات البشرية بتحسين مستويات الصحة والمعرفة و المهارات ، وثانيهما هو إنتفاع الناس بقدراتهم المكتسبة في وقت الفراغ ، وفي أغراض الانتاج ، وللنشاط في أمور الثقافة و المجتمع و السياسة . وإذا لم يتكافأ الجانبان ، ألم الإحباط بالإنسان .
ووفقاً لهذا المفهوم عن التنمية البشرية ، يتضح أن زيادة الدخل المادي للفرد ليس إلا واحداً من الخيارات التي ينادي و يتمسك بها الفرد في المجتمع ( أي مجتمع ) . بالرغم من أهميته الواضحة ، ولكن لا يجوزأن نوجز ونحدد طموح الفرد في المجتمع على زيادة دخله فقط . ولذلك فإن التنمية يجب أن تشمل أكثر من الحصول على دخل مالي مناسب . وإنما يتخطى طموح الإنسان ذلك بكثير .. فهو يريد أن يتمتع بالرفاهية و الحرية و خدمات علاجية وتعليمية و ثقافية و ترفيهية مناسبة .
التنمية البشرية هدفها الأساسي تحسين و تطوير و رفاهية الإنسان .. وفتح مجالات أرحب و أوسع لحياة مطمئنة سعيدة . إن الإنسان في التنمية البشرية هو الهدف و الجوهر و الوسيلة .
تحياتي . د. ناصر شافعي