الاستلهام الثقافي وحوار الحضارات ـــ أ.د.حسين جمعة
[align=center][table1="width:100%;"][cell="filter:;"][align=justify]
مازال حوار الحضارات يتردد بين ظهرانينا، ويتفاعل في حياتنا ردّاً على مفهوم إلغاء الآخر وثقافته وحضارته وفق ما ذهبت إليه نظرية (نهاية التاريخ) التي أطلقها فرنسيس فوكوياما في محاضرة له في شيكاغو (1989م) مواكبة مع النظام العالمي الجديد الذي قاده آنذاك أو رد على فكرة (صدام الحضارات وصراعها) وهي الفترة التي تضمنها مقال منشور لصموئيل هنتغتون صيف عام (1993م) في مجلة (فورن أفيرز) وفيها رأي أن التصادم حتمي بين الغرب والحضارة الإسلامية ولعل آخر اللقاءات التي عقدت لأجل حوار الحضارات ما جرى في افتتاح القيروان في 2/6/2009م عاصمة الثقافة الإسلامية لعام (2009م) بمؤتمر حمل عنوان "حوار الحضارات والتنوع الثقافي".
وقد يتساءل المرء عن الغاية من حوار الحضارات؟ فيأتي الجواب بأنه تواصل إنساني معرفي واجتماعي واقتصادي وسياسي يهدف إلى التفاعل والتعاون لتجاوز سوء الفهم بين الأمم والشعوب وردْم الهوة بينها على صُعُد شتى ومستويات عدة وتجاوز الأزمات التي يعاني منها المجتمع الدوالي.
فالحوار الموضوعي العلمي يؤدي إلى التكامل ما يعني إلغاء فكرة الصراع والتباعد بين الناس، إنه التكامل الذي يحقق المساواة والاحترام المتبادل للتنوع الإنساني والثقافي..
وقد تميز العرب منذ أقدم التاريخ في باب الانفتاح الحضاري الثقافي والاجتماعي والسياسي و... إذ أقاموا علاقاتهم على أساس الإفادة من الآخر مستندين إلى الأمانة في التعرف إليه ونقل كل ما يمكن أن يفيدهم، فأكدوا بنيتهم الحضارية النقية والمتسامحة.
ثم أرسى الإسلام ذلك كله ولاسيما ما ورد في القرآن الكريم، وفيه عدد من لغات الأمم الأخرى. لهذا أثبت العرب قدرة فائقة على التعايش المشترك مع الآخر حياة وثقافة، وبخاصة حين ظلت لغتهم محتفظة بالأسماء الأصلية في لغات الأقوام كأسماء الأسلحة والثياب و...
ثم كانت الحضارة العباسية مرجل صهر للثقافات المتعددة هندية وفارسية ويونانية وأوربية؛ سلجوقية وتركية؛ أوربية وغربية... ولا شيء أدل عليه من آثار ابن المقفع وفي طليعتها (كليلة ودمنة)؛ فقد كانت جسر التواصل بين الثقافة الهندية والفارسية والثقافة العربية؛ ثم بين الثقافة العربية والثقافة الأوروبية... وكذلك كانت حكاية (ألف ليلة وليلة) بسردياتها الرائعة؛ حتى صارت (شهرزاد) من أكثر النساء شهرة في التاريخ الإنساني.
وبهذا كله كان العرب على الدوام يستلهمون ثقافة الآخر في إطار المشاركات في صناعة الحضارة التي يعيشون فيها وفي صميم الإيمان بعراقتهم والارتباط بالانفتاح العقلي الموضوعي على الآخرين وفق قيم التسامح والحفاظ على خصائص ثقافة الشعوب دون إلغاء أو تشويه أو تحريض. فالثقافة العربية تستلهم ثقافات العالم القديم والمعاصر دون تطرف أو خوف، أو قلق واضطراب... وإن وقع بعض التشوهات التي حصلت من مشوهين فكرياً بعد أن سقطوا في الجهل والعصبية والهوى...
فاستلهام الثقافات الأخرى يؤكد إصرار الثقافة العربية على تحديث ذاتها وتطوير بنيتها ووظائفها وأدواتها لكي تكتسب القدرة على مواجهة الصعوبات المستجدة؛ أي إن مبدأ الاستلهام يضع الأمم على طريق حراسة التنوير ثم النهوض... وفي الوقت نفسه فإن مبدأ الاستلهام أكد الناتج التاريخي للثقافة العربية، وأثبت أنها ثقافة ديمقراطية تأخذ وتعطي، ما جعلها تتسع للإعارة والاقتراض من أجل المصلحة العامة؛ بعكس ما هو عليه كثير من الثقافات الأخرى التي تسعى إلى السيطرة على غيرها كما هي حال ثقافة (العولمة) التي غدت تعادل الأمركة. لذا فإن العولمة ـ وبحكم ما تملكه من تقنيات متقدمة، وبوصف الغرب مركز الإنتاج بكل ضروبه... ـ قضت حتى الآن على ما يزيد على (400) لغة؛ ما يعني أنها أنهت (400) ثقافة.
أما الثقافة العربية فقد استطاعت أن تدافع عن نفسها وما زالت قادرة على استلهام الثقافات القوية؛ دون أن تتراجع أو تضمحل؛ فهي قادرة على ترسيخ تقاليد جديدة في شبكة العلاقات المعرفية والاجتماعية بين الشعوب من أجل التمكين للتجديد الثقافي و... وإكسابها قيماً حضارية تحتاج إليها الأمة، وفي طليعتها تحرير العقل من الخوف والخرافات والأوهام.. فاستلهام ثقافة الآخر أساس الحوار الموضوعي والعلمي للثقافة العربية من أجل إزالة الفروق بين الثقافات من جهة وبين الناس من جهة أخرى..
[/align][/cell][/table1][/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|