الموضوع: حالات الشاعر
عرض مشاركة واحدة
قديم 06 / 07 / 2009, 03 : 09 PM   رقم المشاركة : [1]
د.المتوكل طه
ضيف
 


Momayz حالات الشاعر

ـ 1 ـ‏
أنا الأحدبُ المسخُ‏
لا أسمعُ النَّاسَ.. أمشي,‏
فَتمشي معي الصّلواتُ,‏
وأَمضي بَعيداً..‏
فَيبقَى القُرنفلُ مُجتمِعاً في الرُّواق.‏
أَتيتُ بِلَيلةِ إِثمٍ,‏
وكانت مَنازلُنا في المحاق..‏
ولمّا كبرتُ‏
اكتشفتُ الزمرُّدَ في الشِّعر والنَّحتِ,‏
في الرَّقصِ,‏
في مَضربِ القُطنِ,‏
في جَرسِ الموتِ,‏
في قُبْحِ وَردَتِنا, في الطَّريقِ‏
وشَيطانِ شَهوتِنا,‏
أو مياهِ الغَريقِ..‏
وفي حَدأَةِ البَطنِ,‏
في ثَرثَراتِ الحَليبِ,‏
وفي رَجفةِ الجُرحِ..‏
زَاوجتُ بينَ مَوازين رعبِ الجَمالِ‏
وأرضِ الهَلاكِ..‏
إِلى أَنْ رَأَوني بَعيداً عنِ الوَحشِ,‏
لي تَاجُ آدمَ,‏
ذَبْحُ الشَّقِيقِ..‏
وقالُوا: سَلامُك!‏
ـ 2 ـ‏
والقَلبُ تَعويذتي,‏
أَحميهِ بالحبْرِ والأصدقاءِ,‏
ويُتعُبني بالجَمالِ,‏
فأَربِطهُ بالنُّحاسِ,‏
وأُلقيهِ في اليمّ.‏
قَلبي حدودُ المَدائنِ,‏
زَهرُ البَنفسَجِ,‏
بِلَّورةُ الغَيمِ,‏
قَلبي أَميرُ الغَيابِ القَريبِ,‏
الجنونُ, المُصَابُ‏
بِنَوبةِ عِشقٍ ذَبيحٍ,‏
وقَلبي قِلادةُ مَوجٍ فَسيحٍ,‏
ورعشةُ نارٍ على كل ريحٍ,‏
وقَلبي مُقارَبةٌ للرّهانِ,‏
إِذا ما تَعلَّقَ بالطَّيرِ رَحْلُك.‏
ـ 3 ـ‏
والقَلبُ مَملكتي,‏
ـ ولو أنَّه جِلدُ ثَورٍ ـ‏
وسيِّدتي؛ عندما تَجعلُ الخَيْطَ بيتاً كبيراً,‏
وقلبيَ قِرطاجُ هذا الغِناءِ‏
المُطَهّمِ بالمَسرحِ المُستديرِ,‏
وماءُ النبيِّ الصَّغيرِ‏
الذي قالَ: اِفْعَلْ..‏
وما كان يَضحكُ بينَ المَوائدِ..‏
قَلبي نُعَاسُ الحَديدِ,‏
وَوَقْدُ الثَّلوجِ,‏
وليلُ النَّهارِ السَّعيد,‏
وبُرعمُ صُبَّارةِ التلِّ,‏
والطّيرُ في رِحلَةٍ من جَديد..‏
وقلبيَ ميدانُ طيفِ الرّبيعِ,‏
ونَايُ القَطيعِ,‏
وشَمسُ النَّجيعِ,‏
وأيامُنا من بَعيد..‏
هو الدَّمعُ والشَّمعُ والسَّمعُ‏
والمُبتلَى والمَجيد..‏
والنَّبضُ في صَدرنا,‏
إنَّما القَلبُ قَلبُك.‏
ـ 4 ـ‏
وقَلتُ أَنا‏
يومَ غادرتُ شِعركَ: إنّي شَبيهُكَ؛‏
كي أجمعَ الكهرمانَ وصوتَ الدُّخانِ,‏
وأحملَ كلَّ أثاثِ القَوافي,‏
وأضربُ بَيتي قَريباً من المُستَحيلِ.‏
اتَّسعتَ, كما قلتُ يوماً على النَّقشِ,‏
لكنَّني لم أُجاوِزْ حُدودَ الرويّ..‏
وكنتُ عرفتُ بأنّا نَراكَ‏
ولَسنا نَراك!‏
وأنّا شَربنا وإيَّاكَ قَهوتنا‏
كي يَتمَّ العِراك!‏
وما كنتَ غيرَ أبٍ لا يَضِنُّ,‏
ولكنَّنا نَبحثُ اليومَ عن سُورِنا في البِلاد,‏
ولمّا وجدناهُ.. قُلنا:‏
تَفيَّأ في ظلّنا السُّورُ, أو‏
قد خَطوناهُ, لم يَكُ غيرَ ذِراعٍ..‏
أَقولُ: نَراكَ.. ولَسنا نَراكَ!‏
ولم يَعرِفُوا, بَعدُ, مَعنى وجودِكَ..‏
لم تُدرِك الأرضُ مَعنى شتاك.‏
وأَرجُو ألاّ يَنالُوا رِضَاك,‏
ولا أُشْبِهُكْ..‏
ـ 5 ـ‏
ثَوبُك الخُردليُّ, يَا قَمري الطَّفلُ,‏
من دَمعةِ السيسَبانْ.‏
لكَ السَّيفُ واللُّؤلؤُ الحُرُّ,‏
حتّى تَتمَّ حكايةُ هذا الزَّمانْ.‏
تَقولُ الرُّواةُ:‏
أَتَوا من غُروبِ الشَّمالِ‏
إلى لَبنِ الشَّرقِ,‏
كُنَّا على رُكبَتينِ من اللَّيلِ,‏
مِحراثُنا طَاعنٌ بالبَسيطِ‏
من العُشبِ,‏
والبَيتُ لِلعُرْسِ والأُقحُوانْ..‏
ـ وكان أبي الشَّيخُ,‏
كان الجنودُ,‏
وكان الحِصانْ ـ‏
وكنتَ الذي جاءَ من رَحمِ مِيناءِ‏
بَحرٍ بَعيد..‏
فكنتَ الوَليدَ وكنتَ الشَّريدَ,‏
وكان القَصيد!‏
فكيفَ قَبِلتَ البَقاءَ على دَرجِ الدَّارِ؟‏
كيفَ رَضِيتَ بأَن يَدفنوا أمَّكَ البِكْرَ‏
خلفَ الجِدارِ؟‏
وكيفَ تُدافعُ عن قَاتلٍ يَسرقُ‏
الماءَ والنّارَ والرِّيحَ والجُلَّنار؟‏
بِدَعوى الإخاءِ وحِفظِ الدِّماء؟!‏
وأنَّكما تَخبِطانِ على هذهِ الأرضِ‏
ذات البُروجِ وذاتِ السَّماء؟!‏
ألم تَر أنّ الذي اغْتَصَبَ امرأةً‏
شَارَكَها نَفْسَ ذاكَ الهَواء؟!‏
.. وأينَ هَواؤك؟!‏
ـ 6 ـ‏
نَبيٌّ بَهيٌّ يعي نَزَواتِ المِياه,‏
جَميلٌ عَفُوٌّ, وتَعلُو يَداه‏
على كلِّ رأسٍ,‏
وإنْ قالَ: آه..‏
فَلِلشِّعرِ, هذا المُقدَّس في النَّاسْ,‏
"وبانتْ حبيبتُكَ" اليومَ, عُذْرُكْ.‏
ـ 7 ـ‏
وقلتَ من السِّحرِ‏
ما أوقعَ القَشعريرةَ في التَّمرِ,‏
نَافحتَ عن شَمسِنا في الطَّنينِ..‏
هُنا, يأخذُ الشِّعرُ تُربتَهُ,‏
ـ الاسمُ والرُّوحُ فيك ـ‏
ـ قدّس اللهُ سِرَّ الكلامِ ـ‏
لقد أَجمعُوا أنّه:‏
رَنّقَ الأرضَ وَردُكْ.‏
ـ 8 ـ‏
وكنتَ على رَعدةِ السَّرجِ في مَجلسِ الحَاسِدين,‏
تُردِّدُ ما ظلَّ حتَّى غدٍ, في المَدى..‏
وما قَالَهُ الآخرونَ سُدَى!‏
هُيولى حُروفِكَ أوَّلُ ما كوَّنَ الشِّعرَ..‏
والشُّعراءُ الذين ادَّعوا‏
لم يَقولُوا من النَّظم غير الصَّدى.‏
وجَاوَزْتَ ما قَالَهُ الأوَّلونَ,‏
وقطَّرتَ ما قَالَهُ اللاَّحِقون؛‏
أَذىً أو هُدَى..‏
لِهذا بقيتَ وليسَ الأميرُ!‏
هِجاؤكَ مَدحٌ,‏
وسَيفُكَ عَتمةُ عَينِ الرَّدَى..‏
مَلِيكاً تُريدُ؟‏
فكيفَ تَنازلتَ عن كَوكبِ المَاءِ؟‏
حتّى تُخوِّضَ تَحتَ النَّدى!‏
ثمّ لا نَعرِفُك؟‏
ـ 9 ـ‏
بَصيرتُكَ الشَّكُّ‏
والسِّجنُ طيرُ التأمُّلِ‏
والنَّظمُ لُعبةُ مَنْ يَقدرونَ على الاجتراحِ,‏
وكان عَلينا إثارةُ نارِ التَّساؤُلِ‏
كي يَصِلُوا للسُّؤالِ القَويمِ‏
ويُوقَدُ في مِرجَلِ الصَّدرِ جَمْرُك.‏
ـ 10 ـ‏
هَبطتَ لِتوِّكَ من مَعبدِ الرَّسمِ؛‏
في سَاعِديكَ الأفاعي,‏
وفي رأسِكَ النَّسرُ,‏
والماءُ بين أَصابِعكَ امرأةٌ‏
من بُروقٍ,‏
يُغرِّقُها أهلُها‏
كي تَفيضَ الضِّفافُ,‏
وتأتيكَ نَابضةً مثلَ طَميِ الجِنَانِ,‏
وغَارِقةً بالعَقيقِ,‏
وفي صَدرِها ألفُ مُهرٍ,‏
يَشقُّونَ لحمَ الضُّلوعِ..‏
فَتبقَى مُحاطاً بِهذا الصَّهيلِ,‏
وتَأتي لِتغسِلَ وجهَكَ باللّبنِ الحُلوِ,‏
حتّى تكونَ مُطيعاً لَها,‏
كُلَّما فَحَّ فِيها الحَمَامُ,‏
وحانَ على صَدرِها التّبْرِ وقتُك.‏
ـ 11 ـ‏
كَسرتَ الزُّجاجةَ,‏
ـ سامحكَ الواسعُ المُتعال ـ‏
فَضوَّعتَ ثوبَ النِّساءِ بعطرٍ,‏
(ولم يَكُ قد شَفَّ مثلَ البُكاءِ‏
وما وصلَ القَولُ حدَّ البِغَاءِ)‏
وضرَّجتَ أضلاعَهُنَّ بِجمْرِ النُّمورِ,‏
وشَاكستَ في الصَّلواتِ‏
وعندَ الحَجيجِ,‏
وما زلتَ في كلِّ ظَعنٍ تَقولُ,‏
وما زالَ في سَجدةِ اللّيلِ قَولُك.‏
ـ 12 ـ‏
ونِمْتَ على دَمعةٍ لا تَجفُّ,‏
وأُمُّكَ في حِضْنِ شَيخٍ غَليظٍ,‏
لقد قَضمَ القَارحُ النَّاقمُ الرّأسَ,‏
كنتَ رَضيعاً, ولم ترَ رأسَ أبيكَ‏
المُنَخَّلَ بالدَّمِ!‏
بعدَ لَيالٍ, بَقِيتَ مع أُختكَ في البَيتِ!‏
وحدكمَا.. تَبكِيان..‏
وكانت بِقربكما تِينةٌ تَحلبُ الشَّهدَ‏
حتّى تَناما..‏
وقالوا: رأينا الغُصونَ تُغطِّيكُما‏
في اللَّيالي,‏
وقالوا: سَمِعنا الحواكيرَ تَبكي وتَرشحُ‏
حتّى تَعُودا..‏
وما كان.. كان..‏
إلى أن حَمَلْتَ على جَاعدِ الرَّأسِ هذا الزَّمانَ..‏
نَظرتَ لمرآتِكَ الرَّملِ..‏
وما كانَ يَومُك.‏
ـ 13 ـ‏
تَراءيتَ في الدَّنِّ والصّبيةِ المُردِ,‏
بَالغتَ في الشّأوِ,‏
هذي اللُّزوجةُ إِحدى وسَائدنا,‏
إنْ خَلعنا القناعَ,‏
وهذا الذَّهابُ لَذائذُنا في الشّراعِ,‏
وعندَ المَشيبِ هُدوءٌ..‏
ولبّيكَ يا ربُّ, حَمدُك.‏
ـ 14 ـ‏
غَدائركَ السّودُ, أهواؤكَ النّسماتُ,‏
وشايُ الضّفافِ, وموقدكَ الخاص,‏
وأُنثى تُحاول أن تَرتدي فيكَ قُفطانَها‏
والصَّليبُ على القلبِ..‏
هكذا الذّكرياتُ؛‏
نُسافِرُ حتّى يكونَ لمعراجِنا جامعٌ‏
أو يكونَ لِترتيلِنا سَامعٌ‏
أو نَموتَ كما تَشتَهي الأُمّهات.‏
تَعودُ على شَفرةِ الحُزنٍ؛‏
قَلبُكَ بيتُ الكمنجاتِ,‏
وأحرفُكَ الماسُ للتّيهِ.. والنَّائحاتِ,‏
وتَبقى غريباً, على قُربِ وَجهِكَ,‏
تَشني صِغارَكْ,‏
وتُشعِلُ نارَك..‏
ولا نُنْكِرُكْ؟‏
ـ 15 ـ‏
وكسَّرتَ قَرْنَ الغزالِ!‏
لقد كادَ أَنْ يَنطحَ البابَ,‏
أنْ يَحرقَ المِسْكَ والإثمدَ المُنحني..‏
أو يَسوقَ الفَراشاتِ للنَّبعِ.‏
كان بإمكانهِ أن يَرى البدرَ خلفَ التّلالِ,‏
وأنْ يَفركَ الأرضَ حتّى تَفيضَ,‏
وأنْ يَجرحَ اللّيلَ بالنّاي.‏
وكانَ لهذا الغزالِ السَّماويِّ أنْ‏
يُشعِلَ النّارَ في العُرْسِ,‏
أو يَسحبَ الفَمَ اللبنيّ من الصّدر,‏
أو يُوقِفَ الموجَ,‏
أنْ يدْهَمَ الرّملَ,‏
لا يأخذُ العُشبَ في مِشطهِ للنّدى,‏
كانَ له رَقْصُهُ في المَدى‏
والبَراري تُناديهِ,‏
لكنّه دونَ تاجِ الطَّبيعةِ‏
مُنكسرٌ في الصّدى!‏
.. وما عادَ بَرُّك.‏
ـ 16 ـ‏
أتاكَ الذي لم يكن في مَنامِكَ‏
أو صَحوِكَ, الآنَ‏
تَرمي نبيذَكَ‏
تَعلُو جوادَكَ‏
فالثّأرُ ثأرُك.‏
ـ 17 ـ‏
تَصهَّدَ سيفُكَ في الرّدِ! قد عَرفُوه..‏
ولكنَّ أمَّكَ جاريةٌ‏
من مجاهيلِ نَهرٍ بعيدٍ,‏
وحُبّكَ, نافذةُ الرّيحِ, ماتَ,‏
ولولا كراماتُكَ البِيضُ,‏
كان ارتدى الأبيضُ العاشقُ اللّيلَ,‏
والصّبحُ, يا أسودَ الوجهِ, لونُك.‏
ـ 18 ـ‏
وكنتَ صغيراً على الخَمرِ,‏
والنّوقُ أعلى وأبعدَ من غفوةِ الخِدرِ,‏
قُمْ وانتبه للّسانِ!‏
فإن البعيدَ قريبٌ بِما للملوكِ‏
من المالِ والخيلِ..‏
والشِّعرُ يَبقى‏
وإنْ قالَ: قَد انتهى اليومَ أمرُك.‏
ـ 19 ـ‏
سَلكتَ طريقَ الغريبِ,‏
وكنتَ حريراً‏
تَجاوبتَ مع شَهوةِ المدنِ الصّاخباتِ,‏
جَمعتَ دواوينَ شعرٍ قديمٍ‏
قَرأتَ, مَحوتَ, كَبوتَ,‏
وقُمتَ, وقد ذبلَ الخيطُ إلاّ قليلاً,‏
تَعمّمتَ, ثمَّ تقلّدتَ سنَّ الأليفِ,‏
قَرأتَ على الميّتين التّمائمَ,‏
ثمَ بكيتَ مع النّحلِ,‏
زاوجتَ بين المراكبِ والبدوِ,‏
ثمّ أطلتَ الوقوفَ على الماءِ‏
حتّى تبلّلَ موجُ البقاءِ..‏
تقولُ: نَجوتُ!‏
نعم قد نَجوتَ‏
وفي يقظةِ الموجِ ـ يا صاحِ ـ موتُك.‏
ـ 20 ـ‏
مَتى سوفَ تلقاكَ, في برِّها المخمليِّ,‏
وتَدخلُ فيها إلى غَبش الماءِ,‏
تَمتصُّ زهرَ الشّتاءِ ودرّاقَ سرَّتِها‏
أو تَموتُ قليلاً على بُردةِ النّبعِ‏
ثمّ تقومُ إلى غَامضٍ في الغُلالةِ‏
تنسلُّ مثلَ الأفاعي,‏
وتذهبُ في غفوةٍ لا تعودُ؟‏
هناكَ, تَكونان فوقَ الحياةِ,‏
وبعدَ الممات..‏
جنوناً صقيلاً.. يشعُّ,‏
ويفهقُ من هلعِ العُريِ سِرُّك.‏
ـ 21 ـ‏
تُمَسِّدُ برجَ النّتوءاتِ بالكفِّ والفَمِ‏
تَسحقُ وادي النّدى بالغصونِ فتُمرِعُ,‏
تنتحبُ الأرضُ,‏
يَهبطُ سَقفُ البلادِ,‏
ويرتجُّ قلبُ المحيطِ, ويَهتاجُ,‏
يُزِبدُ, يُرخي جَناحيهِ,‏
تَضربه الصّاعِقاتُ, وتُعتِمُ,‏
تَخرجُ عن صَمتِها الكائناتُ,‏
وتلتفُّ إحدى الذّراعين تَحتَ الجحيمِ,‏
لتطبقَ, مثل الرّحى,‏
فوق غيمِ الحليبِ,‏
.. تروحُ إلى حيثُ لا يعرفُ الأمرَ أمرُك.‏
ـ 22 ـ‏
وتفتحُ عَينَيكَ,‏
تَلقى الغزالةَ حارقةً في السّماءِ,‏
فتدلجُ في جوفِكَ الحامضيِّ‏
الذي قد تبقّى من اللّيلِ,‏
تدخُلُ في دَفقة الماءِ,‏
حتّى تثوبَ إلى عقصةِ الأُذنِ والقلبِ,‏
تزدادُ حُمّى الغَيورِ‏
ـ ولا بُدَّ من قَتلِها.. الخَائنة ـ‏
وتَخرُجُ من لُطْفِ غُسْلِكَ,‏
ـ لا.. لم تَخُنْ ـ‏
ثمّ تلتقطُ البلحَ المِزَّ‏
ـ تَغدو مَعه؟!‏
لا بُدَّ من أن تَموتَ ـ‏
وتَمضي الدّماءُ إلى ساعديكَ,‏
فتطبقُ كفّيكَ في نَحرِها‏
ثمّ تُشعلُ فيها الجذوعَ..‏
ولمّا يَحطُّ الجنونُ, وتَفتح عينيكَ,‏
تَلقَى رماداً على شَكلِ رمحٍ, فَتبكي‏
وتَشربُ, تَبكي وتَشربُ..‏
حتّى يكون احتضارُك.‏
ـ 23 ـ‏
وتعْصِرُ رُمّانَها فوق ظهرِ الحصانِ,‏
وتشربهُ رانِخاً بالصِّهيل..‏
ذوّب فيها كثيراً من البردِ والخوفِ,‏
وقد أنْهكته, فنام قليلاً!‏
وعادتْ بِرُمّانِها,‏
مَسّدتهُ بأوراقها اليانعاتِ,‏
وحكّته بالنّجمتينِ,‏
فعادَ ليفترعَ العاجَ,‏
يُوصِلها للسّراج البعيدِ...‏
وغَابا..‏
وظلّت على شَرشفِ الخيلِ‏
آثارُ رمّانةٍ ذَبحتْ نفسَها..‏
وما كان ذنبُك!‏
ـ 24 ـ‏
شَبيهي أنتَ,‏
تَجرّأت حتّى بلغتَ البياضَ‏
وهاأنذا, الآن, في الأربعينَ‏
وأكثر..‏
تَرضى بزيتونةٍ في السّفوحِ‏
ولا تقبل الرّيحَ‏
إلاّ إذا مال صدرٌ بِها..‏
وسرعانَ ما تَلتقيكَ الفراشاتُ,‏
والنّار كامنةٌ تَحتَ بلّوطةٍ‏
فَقدَتِ ابْنها قبل حربينِ..‏
فيكَ هبوبُ الفُهودِ‏
ووحشةُ أنثى الصّخورِ,‏
وفي صَحنِك الطّيفُ..‏
لا تَرتوي, بعدُ, من بَتلاتِ الرّبيعِ,‏
ولم يغبِ السّرو عن خطوكَ الوَعرِ,‏
والميجنا ماءُ بَيتِك..‏
فرغتَ من اللَّهوِ حتّى تلعثمتَ بالدّمع,‏
كانت فخاخُكَ مضروبةً في البراءةِ,‏
والقصر من عَرَقِ الزّيتِ..‏
.. سوف أراكْ‏
تَحتَ سَفرجلةِ الدّار,‏
تَحكي لنرجسةٍ في الشّتاء‏
عن الرَّعدِ والخوفِ والعَابرين,‏
وتَبقى مَليئاً بِهذا اليَقينِ,‏
فلا تَرحلِ الآنَ فالبيتُ بيتُكْ.‏
ـ 25 ـ‏
شَقيقي الصّغير الجَميل‏
المولّه بالصّوتِ!‏
عبّادُ شَمسِك يَلدغُ في المرجِ..‏
نَادى على الشّاهِديْن‏
والقبرُ تلٌّ ونَهرٌ طويل.‏
سمعناه.. قالوا,‏
وفاض على غسقٍ الثّاكلات‏
فقام العبادُ إلى خيلهم في السّبيل.‏
عرفتك قبل التواء الشّعاعِ,‏
على التلِّ تكرز بالوقت‏
حتّى يُعافى الذّبيحُ القتيل.‏
وما عاد مَيْتٌ, ولا ظلّ بيتٌ‏
على قدم النّجمِ والزّنجبيل.‏
شقيقي..‏
أبوك الذي حرثَ البَحر‏
لم يطفئ النّارَ,‏
كان بداهةَ عشبِ الجدارِ‏
وما كان يحلمُ أنْ‏
يجعل اللّيلَ بعد النّهار.‏
كان سراجاً لنوم الصّغار,‏
ينام فتأتيه رؤيا الضّيوف,‏
فيعرق من قِلَّةِ في الجرار..‏
وينده أمَّ البنين؛‏
اخلعي خاتمَ العرسِ, هاتي السّوار,‏
وما في الخوابي ضَعيهِ,‏
فكلُّ الضّيوف هنا, بانتظار..‏
فتبكي, وتبعث للجارة الثّانيةْ..‏
أعطني ما لديك, فقد بعتُ عقدي وخاتمَ‏
عُرسيَ يوم اشترى البندقيّةَ,‏
لكنَّه صار ينسى‏
.. وما من ضيوفٍ سوى أنه‏
يبذل ما في الدّيار‏
وما في الجرار‏
وما في الجوار..‏
شقيقي..‏
أبوك له بيتهُ السّلسبيلُ‏
وفي بيتك الحُلْمُ‏
والضّيفُ ضيفُكْ.‏
ـ 26 ـ‏
ويأتيكَ في النّوم؛ مثلَ السّخيم!‏
وينتظرُ السّاطعة,‏
والشّفاعةُ من دم امرأةٍ عذّبتهُ.‏
والموتُ سهلٌ,‏
ولكنه سيرى الوردةَ السّابعة.‏
قال في الأرضِ ما يهدمُ الرّاسياتِ‏
ليبلغَ تَلَّ المنافع والرّافعة.‏
لم يدرك الزُّهْدَ,‏
لم يعرف العَبْدَ,‏
وهو عَبْد الرّؤى الدّامعة.‏
سامحك الأعظمُ الآخِرُ‏
على ما نزفتَ على قدمِ الفَاجِعة.‏
وكانت جراحُكَ في هجرتي سَاطِعة,‏
إنّها السّنواتُ التي لا نراها,‏
فتبقى قصائدُنا هاجعة.‏
تومئ, لكنها لن تعودَ,‏
وإنْ قيل لي إنَّها رَاجِعة..‏
والعفوَ, يا صاحبَ العفوِ,‏
أدعوكَ بأنواركَ الشّافعةِ..‏
وإنّا عيالُكْ.‏
ـ 27 ـ‏
خيولٌ, جنودٌ, قلاعٌ, وفيلْ..‏
وأنتَ الدّليلْ.‏
فقد تنتهي الحربُ قبل النّزالِ,‏
وقد تبتدي بعد وقتٍ طويلٍ.‏
إذا ما وصلتَ فأمرٌ جميل!‏
وإنْ ما هُزمْتَ فحظٌّ قليل!‏
يبادقُ من خشبٍ,‏
بين كفَّيْنِ,‏
تسليةٌ بالهزائم والنّصرِ,‏
والميّتون على حالهم في السّبيل.‏
فلا نعشَ, لا عَرْشَ, لا جرحَ, لا قَرْحَ, لا رُمْحَ,‏
لا سيفَ, لا قاتلاً أو قتيل..‏
ولا بوقَ, لا نوقَ, لا سرجَ, لا هرجَ, لا مرجَ,‏
ولا نارَ, لا ثارَ, لا غارَ, لا ثاقفاً, أو صقيل..‏
ولا شيء مما يَمورُ على شفرة المستحيل!‏
ولكنَّ بعضَ أصابعك المُنتقاةِ ستدخل رقعتها,‏
ثمّ تعبثُ بالجُنْدِ والخيلِ‏
حتّى تطالَ الوزيرَ القتيل,‏
ولكنها حين تدنو من التّاجِ تخشى!‏
.. فتنذره بالرّحيل!‏
لماذا توقفتَ؟ أين حرابُكْ؟‏

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
  رد مع اقتباس