[طلعت سقيرق]

[align=justify]
جميل أن يقام الملتقى الدولي الأول للشعر العربي في القاهرة، وأن يسجل الأدب أنّ الشعر هو الذي يخلق روح التجدد والعطاء .. قد نقف هنا بتردد أو ما يشبه التردد تجاه جائزة الشعر ، إذ ليس هناك في الشعر وفي غيره من أجناس الأدب جائزة تفرّق بين شاعر وشاعر ، وأديب وأديب ، بحضور كبار الشعراء والأدباء ، فكل يعطي صوته وبصمته وتميزه للأدب والناس ، وعندما نقول هذا الشاعر أفضل من كل الحاضرين وهو الذي يستحق الجائزة ، فتلك صورة مهزوزة وغير واقعية بأي حال .. فالكل موجود ، والمقارنة ثم التفضيل بين شعراء لهم حضورهم وأصواتهم مسألة غير واقعية ومثيرة لأشياء لا يصح أن تثار في مثل هذا الجو .. طبعا هذا لا يعني بأي حال الاعتراض على توجّه الجائزة لشاعر كبير مثل محمود درويش الذي أعطى القصيدة العربية نكهة خاصة ورفع من قيمتها .. لكن الاعتراض على المبدأ والطريقة .. إذ يبدو الأمروكأننا نقول إن بقية الشعراء أقل قيمة أو أنهم لا يستحقون هذه الجائزة ما دامت قد ذهبت لمن اختارته اللجنة ..
عندما سئل الشاعر سعدي يوسف عن رأيه في ذهاب الجائزة لمحمود درويش – وكان ذلك قبل أن يتم حسم أمر الجائزة – تحدث سعدي يوسف مطولا عن نبل محمود درويش واستحقاقه للجائزة وانه سيكون فرحا إن أعطيت له.. كلمات سعدي يوسف ربما تلقي الضوء كثيرا على موقف درويش عندما صعد لاستلام الجائزة ..فدرويش رغم الاستلام والقبول لم يكن على ما يبدو مقتنعا بالانتقائية بين الشعراء ، وهو الشاعر الذي يتميز بحساسية عالية ويحترم تجارب الآخرين ..يقال إنه تحرك ببطء شديد باتجاه المنصة..ارتبك قليلا وهو يتسلم الجائزة وتحدث بجمل معبرة جدا وذات دلالة حيث :" لا تنقصني النباهة لكي أعرف أنّ المصادفة السعيدة وحدها هي التي اختارتني لهذا التكريم وكثير من الشعراء يستحقون الجائزة قبلي وأنا إذا قبلتها فإنني أقبلها نيابة عنهم . فأنا لست إلا امتدادا لهم تعلمت منهم جميعا أكثر من حرف وأكثر من سطر فالشاعر الذي يعتقد أنه الكاتب الوحيد لقصيدته خاطئ ، فالشعر كتابة على كتابة والشاعر فقط هو الذي يوقـّع اسمه على النص الذي كتبه آلاف الشعراء قبله"..
لندع الآن القول إنه كان يفترض أن يقوم الملتقى بتكريم الشعراء الشباب مثلا بدل إعطاء الجائزة لشاعر ما .. أو أن يضع خطة تعلي قيمة الشعر من خلال نشر أو إجراء مسابقات للشعر وما إلى ذلك..لنؤجل هذا الكلام ولنقف عند كلمات الشاعر محمود درويش واضعين فحواها أمام بعض قليلي الموهبة ممن ينتفخون بعد كتابة عدة قصائد أو قصص أو رواية،ويأخذون في التحدث عن أنفسهم وكأنهم سبقوا الجميع جملة وتفصيلا .. فكل واحد يصبح وحيد عصره دون منازع .. وكل واحد يلغي الآخرين ممن سبقوه إبداعا وعطاء وموهبة بشحطة قلم .. وكل واحد يقف أمام الجمهور – وعدده دائما اقل من عشرة أفراد – ليقول إنه المبدع الرائع .. وهكذا ..
كلمات محمود درويش ببساطة تدلّ على نبل الشاعر الكبير وكيف يجب أن يكون .. هو يعرف أنّ التجربة الإبداعية ، أي تجربة ، لا تكون إلا بناء على بناء ، وإضافة على ما سبق .. فالمبدع ابن آلاف السنوات من الإبداع ، وابن آلاف التجارب والقراءات والعذابات والمكابدات .. لا يأتي الإبداع طفرة ولا يمكن أن يأتي.. طبعا نميز بين مبدع ومبدع ، وكاتب وكاتب ، وهذا شيء لا بدّ منه .. لكن على المبدع أن يعرف أن الإبداع دون نبل لا يعني شيئا ..
[/align]