وداعاً للسلاح
عذراً .. ارنست هنغواي
كانا يقفان قرب حائطٍ مهجور، أحدهما يرفع السلاح في وجه الآخر منتعشاً
- حان دورنا للعمل يا صديقي، وسوف نثبت للعالم بأنّنا قادرون على التحرّر والجهاد.
- أتتحرّر من وجودي يا علي، أنا عدلي، جارك. هل نسيت كيف لعبنا فوق هذا
التراب، وكيف قذفنا الكرات في وجه السماء متحدّين الطائرات الغازية والقنابل المتفرقعة
هنا وهناك؟ أنا المجنون إياه، كم مرّة مددت يدي لك محيّياً بالرغم من خلافاتنا السياسية
وهي في معظمها سطحية ولا تعني شيئاً. دعنا نتجاوز هذه المحنة، ابعد السلاح عن وجهي،
لا تفعلها، أرجوك.
- أنت كافر؟
- لا يا علي، إلا هذا الاتّهام، أنا مُحْتَل ومُضْطَهَد، أنا عاري، أنا فقير ووحيد ومُعْدَم
ومُحاصَر يا رجل. أنا فلسطيني ومشروع تهميش وأمّية وتأميم للوعي والحضور، وسرقة
للإرادة على الساحة الدولية، أنا لست كافر؟
اخترقت الرصاصة القدم من الخلف، تطاير غضروف الركبة وسالت الدماء كثيفة، نظر عدلي إلى غريمه، ومدّ القدم الأخرى، أصبحت الحياة دون معنى في تلك اللحظة، كان يتوق للموت والفناء بعد أن أصبح الدفاع عن الذات موجّه لصديق العمر وللجار الحميم. أصيب علي بالوجوم، هرع يبحث عن المساعدة، وأخذ يدور حول نفسه، أدرك بأنّه تخطّى الخطوط الحمراء غير المرسومة، هرع نحو المنزل طلباً للعون. في تلك اللحظة كانت الطائرة توجّه صاروخاً ثقيلاً نحو نقطة حدّدها نيشان الكترونيّ أمام لوحة تحكّم الطيّار العسكري. طار جسدُ علي وسقط بالقرب من عدلي. كان كلاهما ينزفان دماً وخجلاً وعاراً وقهراً. أخبروني بالله عليكم، هل يكون علي شهيداً وقد قُتِلَ بسلاحِ العدوّ الإسرائيلي بعد أن أطلق النار على جاره وابن جلدته؟ وهل يكون عدلي شهيداً أم قتيلاً بسلاح جاره العزيز؟
لو عاد الزمن إلى الوراء ولن يعود، هل كان سيتكرّر هذا السيناريو. طبعاً، لأنّنا نحتاج إلى طريقة جديدة ومختلفة في التفكير وفهم كنه الحياة وأصول المعاملات الاجتماعية، وحتى يحين هذا الوقت، ستزهق أرواح وستُسالُ دماءٌ زكيّة. ولكن من يكون والدي في تلك الدراما التي حدثت؟ وكنت أنا كذلك ضحية الصاروخ الذي أودى بحياة علي لاحقاً. ما هو اسم والدي؟ الذاكرة تخونني الآن، مع أنّي لا أجد فرقاً كبيراً، فاليتم والثأر والحقد العقائدي أصبح يملآ كلّ بيت في غزّة. ليتني أكون مخطئاً في تصوّراتي هذه، ولكن الحياة رفعت في وجهي كرتاً خمريّاً، فلا هو بأحمر فأغادر الحياة قرير العين وأرتاح من حالة الجمود التي تسيطر عليّ، ولا هو بالخمر الحقيقي فأشرب حتى الثمالة وأتيه بعيداً عن وحي الواقع. وداعاً يا أبي!
ملاحظة: هذه دعوة لجميع الفصائل بالتوقّف عن رفع السلاح ضدّ الطرف الفلسطيني الآخر.
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|