عرض مشاركة واحدة
قديم 15 / 07 / 2009, 15 : 12 AM   رقم المشاركة : [9]
د. ماجد حسام الدين
كاتب نور أدبي

 الصورة الرمزية د. ماجد حسام الدين
 





د. ماجد حسام الدين is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: لبنان

رد: قراءات معاصرة في تيسير النحو العربي

[align=justify]

أوراق معاصرة في تيسير النحو العربي

هذا عددٌ من الأوراق النحوية نقرؤها قراءة معاصرة ولكن ليس بعيداً عن القاعدة الصحيحة ، وليس القصد منها رفض القديم ، وطلب الجديد ، إنما القصد منها أن نعيد قراءة بعض قواعدنا قراءة متأنية بعد عصور طويلة تركناها تتكرر في كل مصادرنا ، ثم نقلناها إلى المراجع الحديثة فالكتب المدرسية والجامعية ، ولمّا حاول بعضنا تيسير النحو ظنّ أن التيسير يكون في حذف بعض القواعد ، أو في اختصار بعض الأبحاث، بل وصلت الجرأة عند بعضهم إلى حذف أبحاث مستقلة ، وأدوات كثيرة وجد أنَّها غير جديرة ، ولا تقدم أي فائدة ، وحاول بعضنا الآخر التيسير فوجد أن نعيد صياغة النحو صياغة جديدة كالقصة أو الحكاية فوقع في شركٍ لم يستطع الخروج منه ، وكثرت محاولات التيسير والتسهيل ، وعقدت لها المؤتمرات والندوات ، وخرجت بتقارير ، وقرارات لمّا ينفذ منها حتى الآن أي قرار ، ماخلا قرارات صدرت عن مجمع القاهرة ، وإن كان في كثير منها كلامٌ يُقال ، لأنَّ بعض تلك القواعد يُسِّرت لتناسب خطأ الطالب أي لتثبت قاعدة الطالب التي لا يحفظها كما هي ، فيسَّرت لـه خطأه وجوَّزته ، فإذا ما سرنا في هذا التيسير العجيب فإننا سنظل إلى نؤلف نحواً خاصاً بالطلاب الضعاف أو لنقل ، إن الطالب هو الذي سيملي علينا نحوه الذي يريده …
وقد يكون لهذا عددٌ من الأسباب يأتي في مقدمتها سببان رئيسيان ؛ الأول أن معظم ما يُسهَّل ويُيَسَّر يصدر عن غير المدرسين الذين يجب فيهم أن يعرفوا طرق التيسير لأنهم هم الذين يعانون ، ويعرفون نقاط الضعف والتقصير عند الطالب ، فغالباً ما تصدر هذه الدعوات عن مؤسسات رسمية ، ولكن لا صلة لها بالتعليم .
أما السبب الثاني فهو أنَّ ما صدر من محاولات تيسير كانت جهوداً شخصية لكن معظمها إن لم نقل كلّها لم تلق ردوداً إيجابية ، بل صارت مجالاً للنقد والتحليل والدراسة فَذُمَّتْ ولم تُمدح لأنها لم تقدم ما أريد . بل قدَّمت رأياً شخصياً ، والرأي الشخصي لا يعمم على الملايين من الناس ، وإلا لكان عندنا محاولات بالمئات . وإذا كانت هذه الجهود قد صدرت عن مجامع لغوية فإنها غالباً صدرت عن مجمع القاهرة الذي أصدر عدداً من القرارات . لكنْ لم يؤخذ بها من الجميع فكأنه عمّق الهوة ، وزاد الخلاف ، فهو قد انفرد بكثير من الأحكام لكنها لم تكن صحيحة ، وكأننا في هذا نعيش حالة من الخلاف جديدة تتجاوز اللغة ، وربما أخذ مجمع القاهرة على عاتقه هذا الدور لأنه لم يجد بداً من العمل ، ولأنه لم يلقَ آذاناً صاغية لدعواته وربما ظن الآخرون أنهم سيكونون ملحقين بما يصدر ، وهذا أمر في غاية الخطورة ، فتركنا الحبل على الغارب لمن يريد أن يعمل على هواه ، وتركنا الآخرين في حالة سبات ربما ستطول ، ولكن نصحو في كل عام أو عامين مرة ، ولكن نجد أنَّ الزمن سبقنا سنوات تحتاج إلى أضعافها لنقف من جديد .
إن الأوراق المقدمة هي أوراق للمناقشة والنقد أقدّمها مع التحليل العلمي الرياضي المنطقي قد أصيب ، وقد أخطئ ، وأتمنى أن أكون من الأول لا الثاني ، أضعها بين أيدي المختصين ، فهي قواعد أولية ربما لحقتها قواعد أكثر تعقيداً نريد منها الوصول إلى بعض الأحكام الصحيحة بعد الأحكام الخلافية التي ورثناها من شكل الكلمة وما زلنا نحافظ عليها ، ونستطيع بلا قرارات رسمية أن نصححها ونيسرها ، وهي ـ كلها ـ لا تخالف أيّ قاعدة ، وهي قبل كل ذلك لا تريد هدم قاعدة ، ولا حذف قاعدة ، بل التيسير القائم على العلم والتحليل ، وسيجد فيها من سيقرؤها مادة أولية ميسّرة أرجو أن تكون بداية حوار بين المؤسسات التعليمية والثقافية عسانا نصل في يوم إلى الحوار العلمي البعيد عن كل شيء لا يخدم لغتنا ، لأنها الباقي الوحيد بين مجتمعاتنا ، ولنكن على حذر مما يغزونا من فضائيات العالم العربي قبل العالم الغربي ، فنحن نكتب بلغة عربية ، ونقرأ بلغة عربية ، ونشاهد لغة عربية أُريد لها ما أريد ، وإن لم نوقف بعض محطاتنا ذات الخلاعة اللغوية فإننا سننشئ جيلاً يعرف كل اللغات ما عدا اللغة المقروءة والمكتوبة .
1- يجوز الوجهان :
لا يُقصد بهذه الجملة الضعف في القاعدة النحوية ، ولا التشتت في الأحكام، فالمواضع التي جاز فيها الوجهان لا تصل إلى خمسين ، وهذا عددٌ قليل جداً إذا ما قيس بقواعد العربية وأحكامها ، وهي تستند إلى قواعد نحوية لا تسير على أهواء أصحابها ، وتتفرع منها قواعد ،لكنها ـ كلَّها ـ تنتظم في قاعدة جديدة .
إن ضبط الألفاظ والكلمات في الجمل التي يُراد إعرابها هو الذي يقلل من تجويز الوجهين في معظم المواضع ، فكم من قاعدة جاز فيها الوجهان ، لأنَّ بعضهم قرأ الكلمة بلفظ غير اللفظ الذي قرأه غيره ، فهل أقول إنها تشبه القراءات القرآنية ؟‍ لقد جاز الوجهان في ترخيم النداء ، وترجيح وجه على وجه واضحٌ في الشواهد ، وكذا التبع على اللفظ الذي رُجّح على التبع على المحل ، ومثل هذا كثير .
2- القاعدة الإملائية تيسّر النحو ‍!
ثمة قواعد يمكن التخفيف من الخلاف النحوي فيها إذا اعتمدنا القاعدة الإملائية ، من هذا (ألاّ) مدغمة و(أن لا) وهذه من المشكلات التي تعترض الطالب في الإعراب ، كيف يكتبها ؟ وكيف سيعرب الفعل المضارع بعدهما ؟.
إن اعتماد قاعدة إملائية سهلة تعتمد الشكل يؤدي إلى التمييز بينهما بسهولة ويسر ، ويقود إلى الإعراب الذي لا لبس فيه ، ولا وجهان ، ونكون ـ بذلك ـ قد خففنا عن الطالب قاعدة تصعب عليه ، ما زالت منذ قديم الزمان وما زال الخلاف يجوّز وجهين في إعراب المضارع بعدهما إلاّ إذا كان مضبوطاًَ ، أو فيه دليل حسّي كالمضارع الذي من الأفعال الخمسة .
يمكن اعتماد القاعدة الإملائية التالية :
آ ـ إذا كتبت مدغمة (ألاّ) أعربت مؤلفة من أن الناصبة ، ولا الزائدة النافية ، وبعدها الفعل المضارع منصوب ، قال تعالى )وَقَضَى رَبُّكَ ألاَّ تَعْبُدُوا إلاَّ إيَّاهُ(.
ب ـ أما إذا كتبت مفككة مؤلفة من (أن) و(لا) فتكون مخففة من الثقيلة ، و(لا) زائدة نافية لا عمل لها ، وما يؤيد هذا ويسنده الشواهد الكثيرة جداً التي وردت فيها أن المخففة وقد وليها (لا) ، ثم إنَّ المخففة يفصل بينها وبين خبرها فاصل ، ومن الفواصل (لا) قال الشاعر :
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما



يظنان كلّ الظنّ أن لا تلاقيا


إنَّ اعتماد هذه القاعدة لا يكلّفنا الكثير ، إلاّ الكتابة الصحيحة في كتبنا ومناهجنا، ولا تحتاج منا إلى إعادة التفكير ولا عقد المؤتمرات والندوات ،وليبدأ الأمر من كتب أطفالنا ليكبروا ومعهم قاعدة سهلة لا تعقيد فيها ولا غموض ، ولا نعمّق الخلاف القديم !! .
أمّا ما ورد في القرآن الكريم فهو رسم المصحف الذي لا نعتمد القاعدة الإملائية المعاصرة فيه .
ولا أظنُّ أن ثمة مشكلة كبيرة سيسببها هذا التمييز الواضح البيّن ، ما دام فيه مصلحة اللغة والنحو والطالب الذي يريد أن يتعلّم لغته ، أو يبتعد عن المشكلات والصعوبات التي تعترضه كي لا ينفر من قواعد قيل عنها صعبة وفي ما ذكرت شيءٌ من المنطق العلمي المُعْتَمَدِ في النحو العربي والإملاء .
3- أنَّما بفتح الهمزة :
من القواعد التي لا نزال نحفظها ونعلّمها طلابنا أنَّ الحرف المشبه بالفعل إذا دخلت عليه (ما) كفته عن العمل وأُعربت (كافة ومكفوفة) فلم تعد بحاجة إلى اسم وخبر ، وهيأت الأداةُ (ما) الحرفَ للدخول على الجملة الفعلية ، فهذا يعني أنَّ الجملة ستكون استئنافية ، أي بداية كلام جديد ، وهذا يقودنا إلى أن الأداة (أنَّ) بفتح الهمزة يجب أن تكون ضمن القاعدة .
لكن ما يُلاحظ أن الشواهد على (أنما) قليلة ، وحَوْلَ هذه الشواهد خلافٌ ، فبعضهم يتبعها القاعدة فيعربها كافة ومكفوفة ، وبعضهم لم يجوز هذا الوجه ، ومن لم يجوّزه كان أقرب إلى الصواب ! والسبب أنَّ (أنَّ) لا تبدأ بها الجملة ، والكافة والمكفوفة تبدأ بها الجملة . ثم إنَّ من يطلع على الشواهد التي وردت فيها (أنما) يجد أنها وقعت عاملة ، ويجد أنَّ (ما) زائدة فقط ، وليست زائدة كافة ، ويجوز حذفها ولا يتأثر المعنى.
كما يجد المطلع على تلك الشواهد أنَّ هذا الحرف (أنَّ) يُسبق بفعل يتعدى إلى مفعولين أصلهما مبتدأ وخبر ، وهذا من الكثير الكثير الذي يمرّ مع الطالب في الشعر ، ويقول ـ عندئذ ـ أنَّ واسمها وخبرها سدّت مسدّ المفعولين .
ولنقرأ عدداً من الشواهد تحليلاً ، وكلُّها من الشعر المحتجّ به ..
قال الشاعر :
ألا ترى أنما الدنيا معلّلة



أصحابَها ثم تسري عنهم سَلَبا


ألا ترى أنَّك لو حذفت (ما) من (أنما) لتمَّ المعنى ؟!
بلى ، ولو حذفت (أنما) كلّها لما نقص المعنى ! وأنت تعلم أنَّ (أنَّ) تفيد التوكيد فقط ، فقولك : رأيت العلمَ مفيداً كقولك : رأيت أنَّ العلم مفيدٌ ، فالمعنى واحد .
وثمة شاهد أكثر توضيحاً لما نقول ، قال الشاعر :
فلما رأت أن لا جواب وأنَّما



مدى الصرم مضروبٌ عليه


رمتني بطرف لو كمياً رمت به



سرادقه لبُلَّ نجيعاً نحرُه وبنائقه


فهل يجوز ف (أنَّما) أن تعرب كافة ومكفوفة ؟! والواو التي قبلها لا تعرب إلاَّ حرف عطف ، ثم لو كانت استئنافية لما جاز فتح همزة (إنَّ) لأنَّها في بداية الكلام ! لقد عطفت الواو (أنَّما) على (أن لا) فلماذا لا نعدّ (ما) زائدة ، ويكون المصدر المؤول من أنَّ واسمها وخبرها معطوفاً على المصدر السابق (أن لا) .
سؤال منطقي يقوم على القاعدة نضعه أمام أصحاب اللغة ، ولا سيما مجامع اللغة التي لها وحدها الحقّ في تقرير قاعدة نحوية !! .
4- ليتمـا :
ما قلناه على (أنما)يقال على (ليتما) بل إنَّ في (ليتما) ما هو بعيدٌ عن المنطق والتحليل ، فقد أجاز عددٌ من العلماء إعمال (ليتما) وإهمالها إذا دخلت (ما) الكافة على (ليت) مستشهدين بقول النابغة :
قلت : ألا ليتما هذا الحمام لنا



إلى حمامتنا أو نصفه فقد


على أنَّ هذا البيت روي بفتح الحمام وضمّه . والسؤال الذي يُطرح : من الذي ضبط بالرفع ، ومن ضبط بالنصب ؟ ألا يجوز أن يكون أحدهم قد لفظ بالنصب ثم غلط ، فلماذا لا نعتبر هذا اللفظ من بدل الغلط الذي هو نوعٌ من أنواع البدل في العربية ؟!! .
ثم لماذا النصّ على أنَّ للبيت روايتين ؟ هل ليكون عندنا قاعدة ؟ وأي قاعدة ؟! إنها تخالف أخواتها فشذّت وشذّت القاعدة وصعبت على الطالب ، ونحن نعلم أنَّ الأداة التي تكون أم الباب هي التي تتميز من غيرها من الأدوات!.
إننا أمام شاهد قد يعضده عددٌ قليل جداً لا يقاس عليها ، ولا نقيم قاعدة على السماع ؟! لأنَّ اللفظ هو الذي حدَّد لنا القاعدة ، ونحن نعلم أنَّ الضبط (وضع الحركات) لم يكن معتمداً . أي أننا سرنا وراء من سمع البيت بالنصب، وأوقعنا طلبنا في حيرة وأضفنا إليهم قاعدة خلافية جديدة يمكننا أن نلغيها ونوحّد القاعدة ، والسؤال الآخر الذي يطرح : أليس من مهمة التعليم أن تصوّب اللفظ الخطأ ، ألا يجوز أن يكون لفظ خطأ ؟! ثم هل نستعمل (ليتما) الآن ؟! بل إننا لم نقرأها إلا نادراً ، ولا نستعملها إلا نادراً ، فليكن تصويب الخطأ بقرار صغير يجعلها كأخواتها ! .
5- أَلِفُ (مئة) لماذا لا تحذف كتابة ؟ :
لا أظن أنَّ عدداً من قواعدنا يحتاج إلى لجان ومقررات وإصدار الأحكام ثم النتائج ، ولا شكّ أن هذا كلّه سيوقع الخلاف أو يُعمّ ، والذي يبدو أنه سيظلّ ما دمنا نقف موقف المتفرج أو الخائف والمتردد ، وننتظر الآخرين ليصححوا لنا لغتنا ، ثم نصدر أحكامنا مُعلنين الرفض ، وعدم القبو بما طُرح !! ومن هذا ألف (مئة) التي يبدو أنها ستظل نقطة خلاف بيننا وبين الطالب ، ونجعله يحفظ القاعدة التالية : تُكتب الألف ولا تلفظ ! فبأي حقّ لا نزال نقول للطالب هذا ؟ والأسوأ من هذا أن بعض كتبنا كان يضع الكسرة قبل الألف (مِائة) ثم نطلب من الطالب أن يقرأ الكلمة ، فبالله عليكم كيف سيقرأ الطالب هذا اللفظ ؟ وكيف سيفتل لسانه ويطوّعه ليلفظ كلمة نحن الذين بدأنا معه الخلاف حولها ثم التنفير . ونحن الذين جعلنا الطالب وغير الطالب يقرأ الكلمة خطأ (ماءة) وهي (مئة) فلو كانت (ماءة) لكتبت الهمزة على السطر ، وكيف سأقنع الطالب بقاعدة الهمزة التي بدأ يدرسها في هذه السنِّ ؟ وهذه الـ (ماءة) جعلت مذيعاتنا ومذيعينا يخففون الهمزة ياءً ، ويلفظونها (ماية) على اعتبار أن تخفيفها يجعلها أكثر استساغة ونعومة ولطافة !.
أليس من الخطأ بمكان أن تبقى ألف (مئة) وهي التي لا تُلفظ ؟! أليس من الخطأ أن نستمر في إثباتها بعد زمن بل أزمان ومضت على سبب كتابتها ، فلماذا لا تحذف وتذهب بعد أن ذهب السبب الذي من أجله كُتبت ؟! .
نقول للطالب في التعليل إنها كتبت كي لا تلتبس مع كلمة (منه) عندما لم يكن هناك ضبط وتشكيل وهمزات ! إننا لا نطلب أن يعقد مؤتمر لألف (مئة) ولا نطلب من مجامعنا ووزاراتنا أن تقيم الندوات بسببها، فربما تكلّفنا طباعة آلاف النسخ من كتبنا المدرسية ، فقط علينا أن نكتبها (مئة) في كل كتاب يُطبع، ولسنا وقتها بحاجة إلى أن نقول القاعدة ، ولا أظن أن أحداً سيقرؤها غير صحيحة ، ولنبدأ من المرحلة الابتدائية ، فإذا اعتادها الطالب منذ صغره فإنه لن ينساها ولتعتمد ذلك كل من الدوائر التي لها صلة بالكتابة ، وليكتبها كلُّ من يكتب (مئة) ولا مسؤولية ، ولا شيء يُحاسب عليه ! .
6- ثلاث مئة .. تسع مئة :
نحن الذين حيّرنا الطالب في كتابة الأعداد بين (300 و900) ، فمرة كتبناها ثلاث مائة ، ومرة ثانية ثلاثمائة ، ومرة ثالثة ثلاثة مئة ، ومرة رابعة ثلاثمئة. وأثبتناها في الكتب في كل المراحل التعليمية ، فصار السؤال عند الطالب وغيره كيف أكتبها ، وما الشكل الذي يرضيكم ؟ .
إن بعض الكتب جوّزت الوجوه الأربعة ظناً منها أنها تيسّر القاعدة ، ولكنها لم تيسّر بل عقّدت أكثر، فهل التيسير أن نفتح الأبواب على مصاريعها وندع الطالب يكتب كيفما كان ؟ أليست الوجوه الأربعة تحتاج إلى تعليق وشرح لنقنع الطالب ، أليس الوجه الوحيد يحفظه الطالب وتنتهي المشكلة ؟ .
إن كل تسهيل يحتاج إلى تسويغ ، وليس التسهيل المسوّغ ضرورة إذا كانت عندنا قاعدة واضحة لا لبس فيها . ولقد استسهل من يكتب كتابة الأعداد كتابتها متصلة ثلاثمائة ، أو ثلاثمئة ، فظلّ عندنا شكلان، وأرى ألا نبقيهما ، بل نحذف شكلاً ونبقي على شكل واحد ، لسبب رئيسي بدأ يظهر في إجابات الطلاب وهو أنهم يظنون أن (ثلاثمئة) كلمة واحدة فيقع الطالب في الخطأ ، فهي مؤلفة من كلمتين (ثلاث) و(مئة) ، وكنا قد أعطينا الطالب قاعدة أن الأعداد بين 3-10 تضاف ، وقاعدة ثانية أن المئات تضاف ، فنكون قد شتتنا فكره في قاعدتين درسهما في درس الأعداد ، إذاً علينا أن نعيد كتابتها بشكل واحد يحفظه الطالب مع ضبط العدد الأول فيكون الإعراب سهلاً .
7- همزة ابن :
العجب أن تبقى همزة الوصل في كلمة (ابن) مشكلة يعاني منها الطالب في كتابته، والعجب أن يحاسب عليها إذا ما أثبتها في وسط السطر ، وحذفها في بداية السطر ؟! والعجب الثالث أننا ما زلنا نتبع قاعدة اعتمدت شكل الكتابة عندما لم يكن هناك ورق ، ولا ضبط ، وصرنا في عصر صار حجم الورق يقاس بالميليمتر ، ويصغر الكتاب ليوضع في أصغر حجم ، فلماذا لا تحذف هذه الألف ما دام السبب الذي وضعت من أجله ولّى ؟!
وقد يقول قائل ، وكيف سيميّز الطالب إعراب كلمة (ابن) إذا وقعت صفة أو خبراً ، ونحن نعلِّم الطالب أنَّ همزة (ابن) تحذف إذا وقعت بين اسمي علم ، وكانت صفة لما قبلها ، وتثبت إذا وقعت خبراً ، ونقول : الجواب حاضر .
آ ـ إن ورود كلمة (ابن) خبراً في كتب طلابنا نادر جداً ، بل لم يقع في كتب المختصين إلا عددٌ قليل جداً لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة .
ب ـ يتصل بما تقدّم : إذا كنا نخاف أن يقع مثل هذا عند الجميع ـ وأظن أنه لن يقع ـ فليكن عندنا قاعدة واحدة موحدة تحذف همزة (ابن) إذا كانت صفة ، وتثبت إذا كانت خبراً ، فصار الشكل هو الذي يعتمد في الإعراب، والشكل غالباً أسهل للحفظ وإثبات القاعدة ، فإذا ما رأى الطالب همزة ابن أعربها خبراً ، وإذا لم يرها أعربها صفة .
ج ـ ما تقدّم في ورود (ابن) بين اسمي علم ، وهنا المشكلة التي نعالجها ، أما إذا وقع (ابن) في جملة أخرى، أي ليس بين اسمي علم فإنه يعرب بحسب موقعه في الجملة ، ولا مشكلة لأن الألف تثبت .
د ـ أما الهمزة في النداء (يا بن) فلم نجد القاعدة الصريحة التي تجوز حذف الهمزة ، أو تبقيها ، وأرى أن تبقى الهمزة التي هي كهمزة (اسم) وغيرها . كي لا نبقي في كتبنا مشكلة خلافية يراها الطالب كبيرة ، وهو بُعد في مراحل تعلّمه الأولى. والحلّ بأيدينا لا يحتاج إلى وصاية ، وإلى قرارات ، وليبدأ الأساتذة بتطبيق هذه القاعدة في كتاباتهم ، ويعلموها طلابهم ، ولا يحاسبوهم على قاعدة اعتُمِدَ فيها الشَّكلُ منذ زمن بعيد .
8- الأسلوب واحد ولكنّ القاعدة تختلف ! :
المعروف أنَّ هناك أدوات ، وأنَّ كل مجموعة من الأدوات تعمل عملاً ما ، كالحروف المشبهة بالفعل ، والحروف الجازمة ، والناصبة والشرطية جازمة كانت أم غير جازمة .
وثمة أساليب أو جمل في العربية تتشابه في تركيبها ، وتكون فيها هذه الأداة أو تلك ، ثم يقع الخلاف حول إعراب هذا التركيب بما فيه الأداة ، فواحد يجوّز، والآخر يوجب ، ومن يقرأ العبارة يجد أن لا حاجة إلى خلاف آخر ، وتجويز وجوه إضافية . فليس فيه إلا تعقيد للقاعدة .
من هذا (أسلوبُ الشرط) الذي حذف جوابه ، وتقدّم على الأداة ما في معناه ودلّ عليه ، والقاعدة تقول : لا يجوز تقدّم جواب الشرط على الأداة ، وقد كثر مثل هذا في الأدوات : إذا ـ إن ـ لو ـ وقل في لمَّا ـ كلّما .
فقد اختلف العلماء في إعراب (إن) التي سُبِقَت بواو الحال ، فجوابها محذوف دلّ عليه الكلام السابق ، فقد أعربها بعضهم (إن الوصلية) على اعتبار الأسلوب البلاغي، ولم تعد شرطية فوقع الخلاف ورُجِّح الشرط على الوصلية على عكس رُجِّحَت من الظرفية في (إذا) ، وهما في أسلوب واحد ، فلماذا يُرجّح وجهٌ على وجه وهما متساويان في التركيب ، فما الذي يمنع من توحيد الإعراب .
نقول مثلاً : هي أداة شرط وجواب الشرط محذوف دلّ عليه الكلام السابق، لأنَّ الطالب يسمعها وصلية وقد لا يسمعها ضمن المراحل الأخيرة من تعلّمه ؟ وهي لم تمرّ معه في الأدوات بهذا الإعراب، إننا نريد أن نخفف من أسئلة الطالب وعجبه من بعض القواعد ، ومعه الحقّ فيما يسأل ويثير .
9- حتى إذا وليها الفعل الماضي :
أعرب معظم النحويين الحرف (حتى) حرف ابتداء إذا وليها فعل ماض ، وخالفهم في هذا ابن مالك الذي عدّ (حتى) حرف غاية وجر ، وعلل القدماء أن معنى الغاية لا يفارقها ، وإن وليها الفعل الماضي ، فكيف يكون معنى الغاية فيها وهي حرف ابتداء ؟! إنَّ في هذا تناقضاً يخالف القاعدة التي تستند إلى معنى الجملة.
إنَّ في رأي ابن مالك صحة قياساً إلى قاعدة معتمدة تتصل بـ (أن) إذا وليها الفعل الماضي .
المعروف أنَّ (أن) إذا دخلت على المضارع نصبته ، وأُعرِبَت (حرف مصدري ونصب) ، أما إذا وليها الفعل الماضي فتعرب حرف مصدري فقط ، فحذفت كلمة (نصب) لأن الماضي مبني لا معرب .
والأداة (حتى) إذا وليها الفعل المضارع نصبته وكانت بمعنى (إلى أن) وأعربت حرف غاية ونصب وجر. إنها تتضمن ـ ضمناً ـ الأداة (أن) فما الذي يمنع أن تكون حتى بمعنى (إلى أن) إذا وليها الفعل الماضي ، والمعنى واضحٌ وإذا ما قسنا القاعدة السابقة فإننا نجد المعادلة منطقية رياضية صحيحة .
ثم إن الشواهد التي ورد فيها معنى الغاية كثيرة جداً لا تكاد تحصى ، والمعنى هو الذي يعطي الإعراب ، وهذا تحليل لعدد من الشواهد ، قال الشاعر:
تقلبت في الإخوان حتى عرفتهم



ولا يعرف الإخوان إلا خبيرها


فالشاعر ظلَّ يتقلب بين الناس إلى أن عرفهم .
وقال آخر :
ضربنا أبا عمرو خراشاً بعامرٍ



وملنا على ركنيه حتى تهدما


فهل أستطيع أن أبدأ الجملة بقوله (حتى تهدما) بلا ربط مع ما قبلها ؟! .
وقال ثالث :
تجمَّعن من شتى ثلاث وأربع



وواحدة حتى كَملْنَ ثمانيا


أليس حرف العطف الواو يساوي إشارة الجمع في الرياضيات ؟بلى . والمعنى إنهن تجمعن من كذا وكذا إلى أن صاروا ثماني .
إنَّ رأي ابن مالك قريب من المنطق العلمي الصحيح ، ونحن نعلم أنَّ لابن مالك آراء وأحكاماً فاق فيها كثيرين ، بل إنه كان نقطة تحول في النحو العربي، وكتبه دليلٌ على ذلك ، فالعلم لم ينتهِ قبله ، ولن ينتهي بعده !! .
10- الخبر شبه جملة :
من الأسئلة القديمة ـ الجديدة التي تتكرر عند معظم الطلاب : هل الجار والمجرور متعلقان بخبر محذوف أم هما الخبر ؟! قد يكون في تعليل هاتين الإجابتين ما يُعقِّد ، وما لا يُقبل ، فما الذي يمنع من قبول الإجابتين ؟ لا شيء . وهذا تحليلٌ للسؤال .
آ ـ إذا قلت :الكتاب على الطاولة فكأنك قلت : الكتاب موجودٌ على الطاولة .
وإذا حذفت كلمة (موجود) ظلّ معناها في شبه الجملة مُتضمّناً ، فكأنها قامت مقامها ، فكأنها عُلّقت بالخبر المحذوف أو أنها ـ شبه جملة ـ قامت مقام الخبر ، مَثَلُها مَثَلُ الجملة التي وقعت خبراً ، وقلنا في إعرابها : في محل رفع خبر .
ب ـ إن ما يؤيد الكلام السابق أنَّ شبه الجملة لا تُعلَّق بنائب الفاعل المستتر ، بل تسدّ مسدّه ، أي تقوم مقامه . تقول : حيل بيني وبينك . فالظرف بيني سدّ مسدّ نائب الفاعل ، ولم نقل متعلّق بنائب الفاعل المحذوف .
قال الشاعر :
تباعدت حتى حيل بيني وبينها



كما من مكان الفرقدين النعائم


وقال الآخر :
وإني لذو رأي يُعاش بفضله



وما أنا من علم الأمور بمبتدي


ج ـ ومثله ـ أيضاً ـ شبه الجملة التي وقعت مفعولاً ثانياً ، فلا نقول : متعلقان بمفعول به ثانٍ ، بل نقول: سدّت مسدّ المفعول الثاني ، والمفعول الثاني في الأصل خبر لمبتدأ :
تقول : في العلم فائدةٌ .
وتقول : رأيت في العلم فائدةً .
في إعراب الجملة الأولى الوجهان اللذان اختلف في إعرابهما ، وما زلنا على هذا الخلاف ، ويبدو أننا سنظل عليه ، أما الجملة الثانية فليس فيها إلا وجهٌ واحد ، فما الذي تغيَّر ؟! .
إنَّ هذه الحال وأمثالها لا تتطلب منا إلاّ أن نوحّد المصطلح في الإعراب ، فنكون قد خففنا بعضاً من المشكلات ، ولكن يبدو أننا سنقول : هيهات ، وإلاّ فلنقبل من الطالب أي وجه يكتبه من الوجهين .
11- العدد بعد المعدود :
كتابة الأعداد من القواعد التي تصعب على المتعلّم ، وقليلاً ما سمعنا قراءتها صحيحة ، إمّا لأنها لم تكتب صحيحة ، وإما لأنها كتبت أرقاماً لا كتابة، فلم يعرف قاعدة من أراد قراءتها ، علماً بأنَّ قواعدها محدودة كحدود الأعداد ، لا تتغير ولا تتبدل إلا في موضعها الإعرابي .
لكنَّ السؤال الذي يطرح : كيف يكتب العدد إذا وقع بعد المعدود ؟ بالتذكير أم بالتأنيث ؟! .
إنَّ الجواب عن هذا السؤال سهل ، لأنه يستند إلى كتابة الأعداد من حيث المخالفة والموافقة ، ومن حيث القاعدة النحوية بل إنها محدّدة أكثر من غيرها من القواعد .
إنَّ القاعدة واضحة ، والمعادلة سهلة ، ولنبدأ من أصل الأعداد عندما تأتي بعد المعدود .
آ ـ إن العددين (1) و(2) يوافقان المعدود ويعربان صفة ، فالأصل الموافقة ، تقول: قرأت كتاباً واحداً ، وقرأت قصتين اثنتين . والصفة تتبع الموصوف في التذكير والتأنيث .
ب ـ إن اسم الفاعل من الأعداد يعرب صفة إذا ولي المعدود ، تقول : أنا في الصف العاشر ، وتقول : حضرت الحلقة الخامسة من المسلسل التاريخي . وتقول : قرأت المقالة الثالثة عشرة .. وهكذا .
فما الذي يمنع من قولي : قرأت كتباً خمساً ؟ لا شيء ، وإن شئت قلت : قرأت كتباً خمساً استناداً إلى قاعدة المخالفة ، وكأنَّ الأصل في الأعداد إذا وقعت بعد المعدود أعربت صفة ! فالوجهان صحيحان .
12- ليس إذا وليها الفعل المضارع :
المعروف أنَّ ليس من الأفعال الناقصة ، وأنَّها تفيد النفي وكثيراً ما يتبادل المواضع مع (ما) فأعربت (ما) عاملة عمل ليس ، وربما من هنا أجاز بعضهم أن يعرب (ليس) حرفاً فقط كما أعربت (ما) لا تعمل إذا وليها الفعل المضارع .
وتقول : إنَّ هذا الفعل لم يدخل على الفعل الماضي ، ولا الأمر بل على المضارع فقط ، لكنَّ هذا لا يعني أنه حرف نفي ، لأنَّ المصادر لم تعربه هكذا ، فمن أين جاء هذا الإعراب ؟ قد يكون من معنى النفي الذي يتضمنه ! .
و(ليس) فعل ماض لا حرف لأنَّ من علامات الفعل الماضي قبول التاء المتحركة ، وتاء التأنيث الساكنة، تقول : ليستْ ـ لستُ ـ لستما ـ لستم ـ لستنَّ ، فهذا يمنع إعرابه حرف نفي ، إضافة إلى خلو المصادر من هذا الإعراب . قال ربيعة الرفي :
فلو كان من رأف بهن ورحمة



لكفَّ يداً ليست من الذبح تعطل


لقد انتقل هذا الإعراب من أحد كتب المرحلة الثانوية ، وحمله الطالب إلى المرحلة الجامعية ، وتضمنته بعض الكتب الأخرى ، فصرنا بحاجة إلى إعادة ترميم القاعدة ، وتصويبها . وهذه مشكلة من مشكلات كثيرة تعلق في ذهن الطالب من درس تتوسع دائرتها لأن دائرة الطالب واسعة جداً ، فينتشر الجواب صحيحاً أم خاطئاً انتشاراً واسعاً ويصبح التصحيح صعبٌ يحتاج إلى وقت لا نستطيع في كثير من الأحيان أن نستدركه فيستدركنا !! .
اقتراحات
إنَّ الأوراق السابقة هي جزء من كمّ قد لا يكون كبيراً ، وقد يكون هذا بدايةً لإعادة قراءة النحو العربي مرة جديدة تعتمد التحليل الرياضي المنطقي ، ولا تتقيّد بقاعدة قالها واحد ، قراءة معاصرة لا تحطّم القاعدة ، ولا تلغي بعضها ، ولا تحذف بعضها الثالث ولا تشوّه ما ظلّ قائماً .
آ ـ إن القصد من القراءة المعاصرة أن نعيد ترتيب أبواب النحو ترتيباً آخر يعتمد القاعدة الصحيحة ، والتسلسل المنطقي لأبواب النحو .
ب ـ إنَّ ضبط الألفاظ يخفف من الأخطاء التي يقع فيها الطالب ، صرفية كانت ، أم نحوية ، أم إملائية ، وهذا الضبط الذي لم يكن قائماً في كتب الأقدمين هو الذي أوقع الخلاف في مواضع كثيرة من النحو العربي ، فبعضهم لفظ بالفتح ، وبعضهم بالضمّ فكان هناك وجهان ، واستمرّ هذا الخلاف حتى الآن ، ولكننا في هذا العصر نربك الطالب في مثل هذا ، فالضبط يجب أن يكون في كتبنا ولا سيما كتب المراحل الابتدائية والإعدادية معظم بل في كل الكتب التعليمية لا كتب اللغة العربية فقط، ثم ينتقل الضبط إلى كتب المختصين ، ولا سيما الشعر الذي كان وما زال مدار خلاف بين القراء واللغويين والنحويين لأنَّ أحدهم يفهم المعنى غير المعنى الذي فهمه الآخر إذا لم تكن الكلمة مضبوطة، إننا نخفف كثيراً من مشكلاتنا النحوية في عملية ضبط صحيحة سليمة ، فهلاَّ فعلنا .
ج ـ إنَّ ثمة قواعد إملائية لا تبتعد عن النحو وتعتمد الشكل لا الضبط ، يمكن أن تخفف من التشتت والخلاف إذا ما كتبت بقاعدة إملائية صحيحة يميز فيها الطالب بين أداتين ، وهذا لا يحتاج فقط إلى اعتماد شكل واحد للكلمة ولا سيما ما يتصل بالأدوات النحوية .
د ـ يتصل بما تقدّم ألف (مئة) وواو (أولي) وهمزة الوصل في (ابن) وغير هذا كثير ، لا يحتاج منا إلا إلى بعض التفكير المنطقي وبعض من الجرأة التي لا تؤدي إلى الإخلال ، بل إلى الوقوف إلى جانب لغتنا نقوي من عضدها قبل أن يجهز عليه من يتربص بها ، وهم حاولوا وما زالوا ، وجهودهم في الهدم تفوق جهودنا في البناء أو إعادة البناء ، والمعروف أنَّ الهدم أكثر سرعة من البناء .
هـ ـ إننا في أمس الحاجة إلى التخفيف من عبارات (يجوز الوجهان) ، وعبارات الترجيح والتجويز وعبارات الخلاف النحوي الذي نقده قدماؤنا في كتب الخلاف النحوي القديم التي عُدَّت من الخطأ في كثير مما جاء فيها ، وعُدَّ ما فيها وهماً ، فما ذنب من جاء بعدهم ؟ هل الواجب أن نظلّ على وهم بعض القواعد ؟ أم أن الواجب أن نكشف الحقيقة وندمها لطلابنا ؟ إنني لا أقول ما تقدّم من الوهم بل ما ألف وما وقع كان كالبيت المصنوع الذي كان أحدهم يرصف ألفاظه لتناسب قاعدة نحوية قد نبعدها عن الطالب إذا ما دققنا قليلا .
و ـ قد يقول أحدهم هل أرمي ما في هذا الكتاب ، أو هل ألغيه ، وهو من التراث ؟!
بداية نقول : إنَّ من ألّف هو إنسان لا نبي ، وكل بني آدم خطَّاء ، وقد خُطئ كل إنسان بدءاً من سيبويه أبي النحو ، وانتهاء بآخر من ألَّف وقل مثل هذا في الشعراء الكبار . إن القصد من هذا أن نعيد كما قلنا ترتيب النحو ، وإعادة قراءته ، وتشذيبه، وجعله مقبولاً لدى الطالب بقواعد يمكن صياغتها صياغة سهلة لا تعقيد فيها ، ولا صعوبة ونترك ما في كتب الأقدمين لمن يريد أن يقرأ ما جاء به القدماء ولكن لا أن ننقله إلى طلبتنا ، ولا سيما في المراحل الجامعية وما قبلها ، ربما نقبل أن ينقلها إلى المختصين في الدراسات العليا ليطلعوا على مناهج الأقدمين .
ز ـ إننا لا نقلل من جهد القدماء ، ولا نقول إنَّ ما جاؤوا به لم يعد قادراً على التعبير في هذا العصر ، وهذا رأي غير صحيح البتة ، فلغتنا قادرة على التعبير في كل الموضوعات ، ولكننا نريد ممّا نقول أن نقرأ من جديد ديوان الشعر العربي الذي لم يكن متوافراً للقدماء ، وعند ذاك سنجد أن ثمّة قواعد ستتبدل، وأن بعضها سيحذف ، ومقابل هذا سنزيد بعض القواعد التي لم يقف عندها القدماء ربّما لأنها لم تكن تثير عندهم شيئاً ، وهم العلماء ، لكنها غابت عن ذهنهم لأنهم لم يوجهوها إلى الطلاب ، وهذا ما نبحث عنه الآن.
ح ـ لا شك في أنَّ حضارة هذا العصر صارت لا حدود لها ، وصرنا بحاجة ماسّة إليها ، ونتمنى لو نفيد منها في عملية إحصاء حقيقية ، ورصد متأنٍّ مع الصبر لما جاء عن القدماء لتكون قواعدنا قائمة على الصواب ، أو لنقل على الدقة ، لا أن نُبقي قواعدنا قائمة على شاهد فردٍ واحد ، وفي كثير من الأحيان مجهول القائل ، ولا نعرف ما قبله وما بعده ، وهذا لعمري كصناعة أي جملة من أي فرد . وهذا منذ القديم لم يؤخذ به ، لم يؤخذ بالشاذ ، ولا يقاس عليه ، ولكن هذا الشاذ ظل في مصادرنا، وانتقل إلى مراجعنا ، ومن ثمة إلى كتبنا المدرسية فكأننا ما فعلنا إلا نقل ما عند القدماء إلى كتبنا وعقول طلبنا ، وليس في هذا تأليف ولا تيسير ، ولا تبسيط !! .
ط ـ ولكن ... قد يقول قائل ، ليست هذه المرة الأولى التي يُطلب فيها التيسير، فكم من ندوة ، ومؤتمر عُقدت وعُقد ، وها هي قراراتنا وتوصياتنا تتكرر في كل عام ، ولا ينفذ منها شيء فمن لـه السلطة على تنفيذها بعد تقريرها ، نقول : إنَّ الدور الأول والأساسي يقع على عاتق مجامعنا اللغوية، ووزارات التربية والتعليم ، بالتعاون مع وزارة الثقافة ، وكل المؤسسات التي تتصل بالكتابة والقراءة ، كاتحاد الكتاب العرب ووزارة الإعلام ، وليكن عندنا ـ مرة ـ بعضٌ من الجرأة في إصدار الأحكام، وإعطاء العلم حقيقته لا عاطفة ولا خيالاً ، ولا أن نكون خائفين من الآخرين ، فممن نخاف ما دام الجميع يدعونا إلى تيسير اللغة وتقديمها سهلةً للجميع ، فلمن نقدمها : أليس لطلابنا ، بلى ، فليكن لوزارة التربية دورٌ بارز في مناهجنا ، وكذا وزارة التعليم العالي ؟ أليس لمن يقرأ ويكتب ، بلى ، فليكن الدور الكبير لقرارات مجمع اللغة العربية، يعمَّم كما يعمَّم أي قرار وتعمم ، ولا أدري لماذا تعمم قرارات في كل الدوائر الرسمية ، وتنفذ لكنَّ كل ما يتصل باللغة يبقى حبراً على ورق ، ربَّما ليظل كما كتب ، فيتكرر المشهد ، ونبقى في مكاننا نراوح بين مؤيد ومعارض ، علماً بأننا ـ جميعاً ـ نحاول أن نعيد للغتنا بريقها الذي كان في الزمان الماضي ، ولكن نسينا أن بريقاً ما نحن الآن بحاجة إليه قبل أن يكثف اللون الأسود الذي رموه أمام ذاك البريق فلا نستطيع من بعدُ أن نرى ! فها هم يفعلون كل ما بوسعهم كي يضعونا في عصور من الظلمة في كل شيء ، ونحن في موقف لا نحسد عليه .

[/align]
د. ماجد حسام الدين غير متصل   رد مع اقتباس