08 / 08 / 2009, 11 : 02 AM
|
رقم المشاركة : [2]
|
كاتب نور أدبي متوهج ماسي الأشعة ( عضوية ماسية )
|
رد: أطوار الصهيونية ومراحلها الكبرى...
[align=justify] نتابع أطوار الصهيونية ومراحلها الكبرى.. الطور الاول: (من البدايات - 1917): من البدايات الى اكتمال عناصر النجاح.
المرحلة الأولى: (بدايات 1897): من البدايات الى بلورة فكرة الدولة اليهودية
قبل المؤتمر الصهيوني الاول عام 1897 وتولي ثيودور هرتزل لزعامتها لم تكن الحركة الصهيونية بعد قد تبلورت كحركة سياسية تدعي تمثيل ارادة الشعب اليهودي الموحد القومية ولا كلاعب فاعل على الساحة الدبلوماسية الدولية وظلت على رغم استباق بعض رواد الفكر الصهيوني لهرتزل نفسه في طرح فكرة الدولة اليهودية مجرد حركة يهودية اوروبية المنشأ ظهرت في اوائل الثمانينات من القرن الماضي غايتها العامة الهجرة الى فلسطين بحجة "العودة اليها بدوافع دينية او دنيوية او خليطة بينها بهدف استيطانها املاً بيوم آت او غير آت يتم فيه اعادة تأسيس الدولة اليهودية فيها.
وتختلف الصهيونية بهذا المفهوم اختلافاً كلياً عن انتقال مجموعات من اليهود الى فلسطين عبر العصور اثر الفتح الاسلامي لغايات دينية صرفة من زيارة وعبارة ومجاورة بل ان الاوساط الدينية اليهودية الاصيلة وحتى بعد ظهور الصهيونية السياسية بمفهوم هرتزل والى الأمس القريب ظلت في سوادها الاعظم مناهضة للصهيونية على اعتبار ان "عودة" الشعب اليهودي الجماعية الى فلسطين انما هي مرهونة بالارادة الإلهية وظهور المسيح وان اي محاولة لاستباق هذه الارادة بالمبادرة السياسية البشرية ان هي الا بدعة تنبذها تعاليم الدين ولا تقرها اطلاقاً.
وهكذا وجدت في فلسطين قبيل ظهور الحركة الصهيونية جاليات يهودية متدينة نصفها من اليهود الشرقيين (السفرديم) والنصف الاخر من الاوروبيين (اشكناز) على عداوة وخلاف مزمن مع بعضهم بعضاً اقامت في المدن الاربع المقدسة في نظرهم (الخليل والقدس وطبريا وصفد). واعتبر هؤلاء ان العيش خارج هذه المدن والعمل لكسب العيش في اي حرفة او صنعة كانت، انما هو منافٍ للدين يصرفهم عن التعبد والصلاة فكانوا لذلك عالة دائمة على ابناء دينهم في اوروبا حيث جمعت لهم الصدقات سنوياً كسباً للأجر والثواب لسد حاجاتهم المعيشية ووفق نظام عرف بـ"الهالوكا" وكان عدد هؤلاء اليهود المتدينين المقيمين في فلسطين عند بدء الحركة الصهيونية في اوائل الثمانينات من القرن التاسع عشر حوالى 40,000 وكان البكاء عند حائط البراق ("حائط المبكى") بالقدس من اهم اعرافهم بدأ العمل به في اوائل القرن السادس عشر ميلادي بعيد دخول العثمانيين المدينة علماً بان العرف الأقدم كان الوقوف على جبل الزيتون شرقي القدس في مناسبات معينة لتأمل ما اعتبر موقع هيكل سليمان والتحسر على اطلاله.
سبق عدد من مفكري اليهود هرتزل في بلورة الفكر الصهيوني اهمهم خمسة: كاليشير (1795-1874) وموزيس هس (1812-1875) وينسكر (1821-1891) وموهيليفير (1824-1898) وغينزبرغ (1856-1927). تحدى الحاخام كاليشير البروسي المولد الإجماع الديني السائد بان افتى بان العمل الميداني الاستيطاني في فلسطين يجب ان يسبق ظهور المسيح المنتظر وان المعجزة الربانية في خلاص اليهود ستلي حتماً مثل هذا العمل فزرع بهذه الفتوى "المارقة" بنور التوليف اللاحق بين الصهيونية والفكر الديني اليهودي. وجزم موزيس هس الالماني المولد والاشتراكي العلماني زميل كارل ماركس باستحالة النهوض باليهودية في الشتات الاوروبي المسيحي وبوجوب اقامة دولة يهودية في فلسطين كشرط مسق لإعادة إحياء اليهودية سياسياً وكان على قناعة بان الدول المسيحية وعلى رأسها فرنسا ستقدم العون لليهود لتحقيق هذا الهدف. وحذر بنسكر الروسي المولد من الوهم بان اللاسامية على طريق الاضمحلال نظراً لان اليهود يعتبرون اغراباً حيثما وجدوا وانه كلما وصل عددهم في اي بلد م "حد الاشباع" نتج اضطهادهم تلقائياً تبعاً لذلك، ودعا الى انشاء مركز قومي وسياسي خاص بهم من دون تحديد مكانه والى تنظيم مؤتمر قومي لاختيار البلد وتنظيم الهجرة اليه. وصب فكر الحاخام موهيليفر الروسي المولد في مصب فكر سلفه كاليشير اذ دعا الى دراسة علوم الزراعة اضافة الى الدراسات الدينية وذهب في حثه على الاستيطان الى القول "بان الله يفضل ان يعيش مع ابنائه في ارضهم (فلسطين) حتى ولو لم يتقيدوا بتعاليم التوراة على ان يظلوا في الشتات متقيدين بها". وشدد غنزبرغ الروسي المولد على ان الدولة اليهودية المرتجاة لا يجوز ان تكون ملجأ فحسب للشعب اليهودي وانه لا بد من فترة انتقال طويلة قبل انشائها يتم فيها عن طريق تثقيف الذات قومياً وروحياً التخلص من ادران الشتات البغيضة ومن الميوعة في الاخلاق اليهودية والنزعة الخانعة الى تقليد الغرب، لذلك وقف موقف الناقد لحركة الاستيطان الصهيونية الجارية قبل المؤتمر الصهيوني الاول وبعده.
يتبين لدارس هذه الكتابات ان اربعة عناصر تتفاعل فيها: نظرة موغلة في التشاؤم بالنسبة لأوضاع اليهود المستقبلية في البلاد الاوروبية يردفها نفور من النزعة اليهودية المتزايدة الى الاندماج فيها مع توكيد على وجوب المحافظة على الهوية اليهودية التراثية وتثبيتها واجماع على الحيز المفضل لذلك انما هو فلسطين عن طريق هجرة استيطانية جماعية اليها.
ولا شك في ان ظهور اللاسامية الاوروبية العلمانية منذ اواسط القرن التاسع عشر المتزامنة مع منح اليهود الحقوق المدنية الكاملة في معظم الدول الاوروبية خلال هذا القرن بتأثير الثورة الفرنسية وتشريعات نابليون. احدثت صدمة نفسية عنيفة لدى اليهود قاطبة حتى في الاوساط الداعية الى الاندماج والتكيف في اوطانهم الاوروبية بوحي من تعاليم المصلح اليهودي الالماني موزز مندلسون (1729-1786) وحركة التنوير اليهودية "الهمكالا" التي اسسها. ونعني باللاسامية العلمانية تلك الحركة التي رافقت ظهور العقيدة القومية الاوروبية القائمة على مبدأي النقاء العنصري والدولة الامة Nation State المتأثرة بالنظرية الداروينية التي اكتسحت دول اوروبا خلال القرن فجاءت لتضيف بعداً معاصراً للبعد اللاهوتي لعداء اوروبا لليهود المتوارث منذ نشوء المسيحية. وعبر عن هذه اللاسامية الحديثة عدد من مفكري الغرب في كتب تدل عناوينها على فحواها ومن اشهرها كتاب "التفاوت بين الاجناس" لغوبينو الإفرنسي الصادر عام 1853، وكتاب مار الالماني بعنوان "انتصار اليهودية على الالمانية" عام 1869" وكتاب درومنت الافرنسي بعنوان "فرنسا اليهودية" عام 1886. ولعل محاكمة الضابط اليهودي في الجيش الفرنسي دريفوس عام 1894 من اشهر الاحداث المرتبطة بانتشار اللاسامية العلمانية في اوروبا الغربية، وحضرها هرتزل بصفته الصحافية وكان لها الاثر الحاسم في تطور عقيدته الصهيونية. ولم تمض سنتان على حضور الصحافي الهنغاري هرتزل محاكمة دريفوس حتى وضع كتيبه بالالمانية عام 1896 (23,000 كلمة) بعنوان "دولة اليهود" واعقبه بالدعوة الى انعقاد مؤتمر يهودي عام لتنفيذ ما ورد فيه.
لم يأت هرتزل بجديد في تشخيصه للمعضلة اليهودية او في وصفه للدولة اليهودية كعلاج لها لكن الجديد كان في طرحه المنهجي الهادىء وتوكيده الواثق على الدولة كحل اكيد لما يعانيه اليهود في المجتمعات الغربية واطمئنانه التام الى امكان تحقيق الدولة عبر مقترحاته.
واعتبر هرتزل ان فكرة الدولة وامكان تحقيقها تحتوي على قوة كامنة قادرة على تحريك الشعب اليهودي وان اللاسامية الحديثة جعلت من اليهود الذين فرقتهم تيارات التنوير والاندماج شعباً Volk واحداً متحداً واعظم قوة من ذي قبل وان القضية اليهودية ليست قضية دينية او اجتماعية (وان اتخذت هذه الاشكال احياناً) ولكنها في الصميم قضية قومية وان لا بد من تحويلها الى قضية سياسية دولية لكسب التأييد الدولي للدولة اليهودية كحل لها.
واكد هرتزل ان الشعب اليهودي لا يقل وعياً او ارادة او موارد او طاقات عن شعوب اليونان ورومانيا والصرب والبلقان الذي حققوا آمالهم حديثاً وان لدى اليهود حافز اضافي هو اللاسامية.
واقترح هرتزل لتحقيق الدولة قيام هيئتين الاولى "جمعية اليهود" Society of Jews والثانية الشركة اليهودية The Jewish Company ، واعتبر الجمعية الاداة السياسية ذات سلطة التقرير تقوم بكل الاعمال السياسية المطلوبة من توعية الرأي العام اليهودي والعالمي الى تنظيم الهجرة الجماعية الى اختيار البلد المهاجر اليه الى اجراء المفاوضات مع الدول الكبرى للحصول على "البراءة" Charter التي تعترف بالسيادة اليهودية على البلد المختار.
ويذكر ان هرتزل لم يحدد هذا البلد في كتابه بل تساءل "هل يكون البلد فلسطين ام الارجنتين؟ سنأخذ ما يعرض علينا وما يختاره الرأي العام اليهودي".
اما الشركة فتتولى جمع المال وتنظيم التجارة والصناعة في البلد المختار وتصفية ممتلكات اليهود في اوروبا وشراء الاراضي ومدّ المهاجرين بالمساكن والادوات والقروض وتكون الشركة مساهمة محدودة برأس مال قدره مئتا مليون دولار تسجل في لندن تحت الحماية البريطانية اما المال فأسهل مصدر للحصول عليه هو كبار المتمولين اليهود فان تعذر فيحصل عليه من البنوك الصغيرة وان تعذر فمن الاكتتاب الشعبي اليهودي.
يتبـــــع
[/align]
|
|
|
|