08 / 08 / 2009, 19 : 02 AM
|
رقم المشاركة : [3]
|
كاتب نور أدبي متوهج ماسي الأشعة ( عضوية ماسية )
|
رد: أطوار الصهيونية ومراحلها الكبرى...
[align=justify] نتابع أطوار الصهيونية ومراحلها الكبرى..
المرحلة الثانية (1897-1914): من المؤتمر الصهيوني الاول الى الحرب الكونية الاولى:
قبيل المؤتمر الصهيوني الاول وعند بداية الهجرة الاستيطانية الى فلسطين في اوائل الثمانينات من القرن الماضي كان عدد يهود العالم 7,750,000 وكانت اعلى نسبة منهم (حوالى 75 في المئة) تقطن بلاد اوروبا الشرقية وبخاصة روسيا تليها يهود اوروبا الوسطى والغربية (13,15 في المئة) ثم يهود الدول الاسيوية (8 في المئة) بينما نسبة يهود الولايات المتحدة لم تتعد 3,5 في المئة.
وكان اكبر مستودع بشري يهودي يضم حوالى خمسة ملايين منهم يخضع للحكم القيصري الذي حصر اقامتهم في مقاطعاته الغربية البولندية من دون سائر انحاء روسيا وعرفت هذه المقاطعة التي امتدت من بحر البلطيق الى البحر الاسود بـ Pale of Settlement اي "الفناء" وضيق عليهم وتكررت الهجمات الجماهيرية الروسية التي عرفت بـالبغروم Pogrom على الجاليات اليهودية فيها مما دفعها الى الهجرة خارج روسيا فتدفقت جموعهم نحو الولايات المتحدة الامريكية ودخلها منهم 600,000 بين 1881 و1899 و 1,450,000 آخرون ما بين 1899 و 1914.
مقارنة بهذه الهجرة لمئات الآلاف من اليهود الى الولايات المتحدة لم تزد هجرة اليهود الى فلسطين بدافع الصهيونية خلال الفترة ذاتها اي في العقدين السابقين والتاليين للمؤتمر الصهيوني الاول (1880-1914) على 50,000 وجاءت هذه الهجرة في موجتين: الاولى من "الفناء" ومن رومانيا بين 1882-1903 وعددها حوالى 6000 والثانية معظمها من "الفناء" بين 1904-1914 وعددها حوالى 40,000. وعلى رغم قلة عدد هؤلاء المهاجرين فقد كان لدخولهم فلسطين في هذه الفترة بالغ الاثر على مستقبل الحركة الصهيونية ذلك انهم شكلوا النواة البشرية اللازمة للمجتمع الصهيوني الجديد المزمع انشاءه من حيث نظرتهم الاستعلائية على اهل البلاد من العرب وطموحاتهم القومية وخبراتهم المتنوعة المستقاة من بيئة "الفضاء" القاسية ونظرياتهم الاجتماعية حصيلة احتكاكهم بتيارات روسيا واوروبا الفكرية عشية الثورة البلشفية.
وضع المؤتمر الصهيوني الاول بزعامة هيرتزل برنامج الحركة الصهيونية الذي عرف "ببرنامج بازل" واستمر العمل به الى ان حل محله عام 1951 "برنامج القدس" الذي وضع في اول مؤتمر ينعقد بع قيام دولة "اسرائيل". وحدد البرنامج غاية الصهيونية بالالمانية على انها "خلق مسكن ( Heimstatte) للشعب اليهودي في فلسطين يضمنه "القانون العام" واقرب تعبير بالانكليزية لـ Heimstatte هو Homestead الذي يعني "مكان منزل المرء" وكان هدف هرتزل من الاصرار على هذه الصياغة، وهو الداعي جهاراً الى قيام الدولة اليهودية، التخفيف من مخاوف كل من الدولة العثمانية وحلفائها والمتدينين اليهود وكبار اثريائهم من دعاة الاندماج بالمجتمعات الاوروبية فأرسى بذلك سابقة في التمويه على الهدف من دون التخلي عنه اصبحت من اهم ركائز الاستراتيجية الصهيونية فيما بعد. اما الوسائل التي حددها برنامج بازل لتحقيق الغاية المعلنة فهي:
1 - الاستيطان الزراعي وغير الزراعي.
2 - تنظيم الشعب اليهودي بأسره.
3 - تعزيز الشعور بالهوية اليهودية.
4 - الاتفاقات مع الحكومات لتحقيق هدف الصهيونية وهي وسائل لا تزال تعمل الصهيونية بها الى يومنا ها علماً بان المؤتمر الصهيوني الاول بدأ سلسلة مؤتمرات لم تنقطع منذئذٍ كان آخرها المؤتمر الثاني والثلاثين المنعقد في القدس عام 1992.
وصل هرتزل مبكراً الى قناعة راسخة بان اولى اولويات العمل الصهيوني يجب ان تكون الحصول على "براءة" شرعية Charter لاستيطان فلسطين من الدولة العثمانية ولا شك في ان نموذجية للبراءة كانت تلك البراءات التي منحتها الدول الاستعمارية الكبرى بريطانيا وهولندا عبر القرون الى شركات خاصة للاستثمار والاستيطان في مناطق اسيوية وافريقية بدأ بـ"شركة الهند الشرقية" البريطانية في اوائل القرن السابع عشر وانتهاء بالبراءة التي منحتها الحكومة البريطانية عام 1899 الى "شركة افريقيا الجنوبية" التابعة لسيسل رودس لاستعمار منطقة "الزمبيزي" واستعان هرتزل بقيصر المانيا للتأثير على السلطان عبدالحميد عام 1898 فسأله القيصر "قل لي بكلمة ماذا تريدني ان اطلب من السلطان" فأجاب هرتزل "شركة ذات براءة Chartered Company تحت الحماية الالمانية" وفشل هرتزل في مساعيه مع القيصر كما فشل في مساعيه مع السلطان عبدالحميد الذي قابله عام 1901. وعلى اثر فشله هذا لدى اسطنبول اتجه هرتزل في سعيه نحو مانحة البراءات العظمى: بريطانيا… وفي عام 1902 قابل وزير المستعمرات البريطاني جوزيف شمبرلين واقترح هرتزل عليه استيطان منطقة العريش في سيناء فوافق شمبرلين الا ان المحادثات مع الحكومة المصرية اخفقت فما كان من شمبرلين نفسه الا ان عرض عام 1903 على هرتزل براءة لاستيطان افريقيا الشرقية ولحرص هرتزل على الحصول على براءة من بريطانيا بالذات اقترح على المؤتمر الصهيوني السادس عام 1903 ايفاد بعثة لتقصي اوضاع المنطقة الافريقية المقترحة مما اثار معارضة شديدة داخل المؤتمر اتهمت هرتزل "بخيانة الصهيونية" لتخليه عن فلسطين. ومع ان مشروع افريقيا لم يتحقق وتوفي هرتزل في العام التالي فقد نجح هرتزل في تنبيه حركته الى اهمية البراءة القصوى كما نجح عبر المؤتمر الصهيوني واتصالاته مع صانعي القرار في وضع الحركة الصهيونية على خريطة الدبلوماسية الدولية وفي استدرار عرضين استيطانيين من اكبر عاصمة استعمارية في العالم.
وقامت خلال هذه المرحلة اثناء حياة هرتزل وبعد وفاته بعض اهم المؤسسات الصهيونية وعلى رأسها المنظمة الصهيونية ذاتها التي اصبح المؤتمر هيئتها التشريعية والسياسية العليا وضمنت المنظمة امكان كسب قاعدة شعبية لها على اسس تمثيلية ديمقراطية عبر نظام "الشاقل" بقيمة رمزية قدرها مارك واحد او فرنك او شلن ينتخب كل مئة دافع شاقل ممثلاً واحداً عنهم في المؤتمر. وامن هذا المصدر دخلاً لتغطية نفقات المؤتمر ذاته ونفقات لجنته التنفيذية ومكتبها المنبثقتين عنه عن طريق الانتخاب ايضاً. وضمنت هذه الترتيبات استمرار المنظمة كمؤسسة لا ذاتية تؤمن انتقال السلطة بالتتابع. وقام التنظيم الصهيوني في مختلف البلاد على اساس اللامركزية والتوافق مع القوانين المرعية فارتبطت الجمعيات الصهيونية المحلية طوعاً باتحاد عام Federation لكل بلد ارتبط بدوره باللجنة التنفيذية المركزية واقر مبكراً مبدأ التعددية واضيف لتنظيم الاتحادات الافقي تنظيم عمودي افسح المجال لانضمام احزاب عقائدية غير مرتبطة ببلد معين عرفت بالاتحادات المنفصلة Separate Unions انتسبت عن طريقها الى المنظمة فئات اشتراكية ومتدينة. وهكذا ورغماً عن المعارضة الشديدة التي واجهتها الصهيونية في بادىء الامر من الاندماجيين ومن المتدينين عموماً، اوجدت الاطر والمبادىء الكفيلة بتوسيع دائرة التأييد لها الى اقصى الحدود عند توفر الظروف الملائمة وغدت المنظمة الصهيونية الهيئة اليهودية القادرة على الادعاء بصدقية بتمثيل الشعب اليهودي بأسره.
إضافة الى المنظمة الصهيونية، تأسست مؤسستان خطيرتان رسميتان أخريان اثناء حياة هرتزل بقرار من المؤتمر الاستعماري اليهودي Jewish Colonial Trust ( عام 1899) والصندوق اليهودي القومي Jewish National Fund ( عام 1901). اما الصندوق الاستعماري، وهو الهيئة المالية الرئيسية للمنظمة الصهيونية، فكان التجسيد لفكرة "الشركة اليهودية" التي ذكرها هرتزل في كتابه "دولة اليهود" والمرشحة لاستلام البراءة من مانحيها وتأسس الصندوق في لندن كشركة مساهمة محدودة برأس مال معلن قدره مليونا جنيه اكتتب منه حوالى 400,000 جنيه فقط بسبب إحجام كبار المتمولين اليهود عن المساهمة فيه، بيد انه لاقى تجاوباً واسعاً لدى الفقراء اليهود الذين اقبلوا على شراء اسهمه بسعر جنيه واحد للسهم، لكونه يجمع للمرة الاولى في تاريخ المؤسسات اليهودية بين هدفي الربح المادي والخدمة القومية. وتفرغ عن الصدوق عدة شركات مصرفية بدت على انها الادوات الميدانية الصهيونية المفضلة آنذاك واهمها "شركة الانجلو بالستين" (1803) و"شركة انجلو ليفانتين المصرفية" (1908) و"شركة تطوير اراضي فلسطين" Palestine Land Development Co. ( 1908 ) وجميعها سجلت في لندن كشركات مساهمة محدودة وأسست "الانجلو بالستين" فروعاً لها في كل من بيروت والقدس ويافا والخليل وحيفا وصفد وطبريا، بينما أسست "الانجلو ليفانتين" فرعاً في اسطنبول، اما "شركة تطوير اراضي فلسطين" فأصبحت الاداة الرئيسة لشراء الاراضي باسم "الصندوق القومي اليهودي" وهو الصندوق الذي خصص لتمويل شراء الاراضي في فلطين على ان تبقى ملكاً للشعب اليهودي غير قابل للتصرف وتؤجر لليهود من دون سواهم ولا يسمح لغير اليهود العمل فيها. وتم تسجيل الصندوق في لندن كشركة "محدودة بالكفالة وبدون رأس مال موزع في اسهم"، وقام الصندوق على اساس الجباية الشعبية بواسطة طوابع بريد وصناديق صغيرة خاصة وضعت في المنازل والمؤسسات العامة حيثما وجدت جاليات يهودية في العالم، فخلق بذلك حلقة واسعة من اليهود العاديين المؤيدين مباشرة لأهداف الصهيونية.
والصندوق، وان لم يلعب دوراً حاسماً في شراء الاراضي في هذه المرحلة بالذات، فانه لعبه في الطور المقبل وهو على كل حال جسد منذ البداية عبر المبادىء التي قام عليها خطوط الاستراتيجية الصهيونية الاقتصادية الكبرى الهادفة الى انشاء اقتصاد مستقبل منفصل عن اقتصاد عرب فلسطين قاعدة لقيام الكيان السياسي عليها لاحقاً.
ومن اهم المؤسسات الصهيونية في هذه المرحلة، ان لم يكن اهمها ميدانياً، مكتب فلسطين The Palestine Office الذي تأسس عام 1908 وعكس في نشاطاته توجه الحركة الصهيونية بعد وفاة هرتزل وتجميد السعي للحصول على ابراءة نحو العمل الاستيطاني المكثف وتولى ادارته البيروقراطي البروسي الفذ ارثور روبين (1876-1943) الذي جعل من المكتب الهيئة المشرفة العليا على كافة النشاطات الصهيونية في فلسطين، ونسق من خلاله عمليات شراء الاراضي، ان من قبل المؤسسات الصهيونية الرسمية او من قبل شركات خاصة او افراد ووضع خطة جغراسية geopolitical لشراء الاراضي تعتمد وجوب الاستيطان المتصل على محاور ثلاثة: اولها السهل الساحلي بين يافا وحيفا، وثانيها السهل الداخلي بين حيفا وطبريا، وثالثها حوض الاردن من طبريا الى اعالي النهر، وهي الخطة التي تم تنفيذها في الطور التالي وارست البنية التحتية الارضية للدولة اليهودية. وروبين هو الذي رعى في هذه المرحلة التجارب الاولى للقربة الجماعية التعاونية (الكيبوتس) التي اصبحت لاحقاً رأس حربة في اعقاب وعد بلفور.
وتميزت هذه المرحلة ايضاً بظهور تنظيم عمالي حزبي بين صفوف مهاجري الموجة الثانية (1903-1914) انبثق عن حزب "بوعالي زيون" الماركسي والروسي الاصل وتزعم التنظيم الفلسطيني منه ديفيد بن غوريون الروسي البولوني الاصل (1886-1973) الذي دعا الى ضرورة تكييف النظريات الماركسية والاشتراكية الدولية مع ظروف العمال اليهود في فلسطين، ذلك ان هؤلاء يسعون الى تأسيس وطن قومي لهم فيها فطالب بـ"الاستيلاء على العمل" Conquest of Labour في المستعمرات.
والمنشآت اليهودية في فلسطين، اي عدم السماح للعرب بالعمل فيها. وهكذا تم التلاقي بين القاعدة العمالية الشعبية والمؤسسة السياسية الصهيونية حول وجوب انفصال الاقتصاد الصهيوني عن الاقتصاد العربي، ووضعت اسس التحالف السياسي اللاحق بينهما وفي الوقت نفسه تألفت اول مجموعة عمالية مسلحة يهودية باسم Hashomer ( 1908 ) " الحارس" التي كان من اهم اهدافها اخراج الحراس العرب من المستعمرات اليهودي فجاءت نذيراً مبكراً بما هو آت.
والمفارقة الكبرى طوال هذه الفترة هي حاجة المنظمة الصهيونية الى المال، بسبب موقف كبار المتمولين اليهود منها، غير ان كبار المتمولين اياهم هم الذين سدوا هذه الثغرة ليس عبر المنظمة او مؤسساتها، لكن بما قدموه مباشرة الى المستوطنين في فلسطين، وكان على رأس هؤلاء المتمولين من غير الصهاينة اسماً ( Non-Zionist) البارون ادموند روتشيلد (1845-1935) عميد الفرع الفرنسي للعائلة الذي لولا ما تبرع به لانهار حركة الاستيطان الصهيونية بكاملها ما بين اوائل الثمانينات وعام 1914، فقد بلغ مثلاً ما انفقته جمعية "احباء صهيون" وهي اكبر جمعية روسية صهيونية في "فناء الاستيطان" مثلت عشرات الآلاف من الاتباع، بلغ ما انفقته في فلسطين بين 1884 وانعقاد المؤتمر الصهيوني الاول عام 1897 مليوني فرنك، بينما لا بلغ ما انفقه روتشيلد بمفرده خلال الفترة ذاتها اربعين مليون فرنك. وهكذا مهما اختلفت دوافع الاطراف اليهودية العدة، فان الظاهرة المواكبة لتطور الصهيونية الى الآن تشير الى ان مساعي هذه الاطراف جميعاً تصب دوماً في مصب واحد.
يتبــــع 
[/align]
|
|
|
|