08 / 08 / 2009, 02 : 03 AM
|
رقم المشاركة : [7]
|
كاتب نور أدبي متوهج ماسي الأشعة ( عضوية ماسية )
|
رد: أطوار الصهيونية ومراحلها الكبرى...
[align=justify] نتابع أطوار الصهيونية ومراحلها الكبرى.. المرحلة الثالثة (1948) قيام الدولة بالحرب:
مرت الحرب الصهيونية العربية الاولى 1947 - 1948 في مرحلتين رئيستين: مرحلة الحرب غير النظامية بين القوات الصهيونية من جهة والقوات الفلسطينية الشعبية المدعومة لاحقاً بمتطوعين من الدولة العربية الذين انتظموا فيما سمي بجيش الانقاذ الذي اشرفت عليه الجامعة العربية وهي فترة امتدت من 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 1947 لغاية 15 ايار (مايو) 1948 وهو تاريخ انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وانسحاب القوات البريطانية من البلاد وإعلان قيام دولة "اسرائيل" فيها، ومرحلة الحرب النظامية بين قوات دولة "اسرائيل" وجيوش عربية ارسلتها سورية ولبنان ومصر والعراق وشرق الاردن بإشراف الجامعة العربية (اضيفت اليها فيما بعد قوات رمزية من السودان والسعودية) وامتدت من 15 ايار 1948 الى ان تم التوقيع على اتفاقيات الهدنة في نهاية 1948 ومطلع 1949 بين "اسرائيل" من ناحية وكل من مصر وشرق الاردن، ولبنان وسورية من الناحية الاخرى.
وليس الغرض من هذا الفصل وصف القتال في هاتين المرحلتين فلهذا وقت ومجال غير هذا انما الغرض من هذا الفصل هو تفحص الرواية الصهيونية لاسباب وقوع هذه الحرب الصهيونية العربية الاولى وهي رواية تجذرت في ضمير اليهودية العالمية وبالتالي في الضمير الغربي.
تقول الرواية الصهيونية ان الحرب قامت بسبب رفض العرب من فلسطينيين وغير فلسطينيين لقرار هيئة الأمم بالتوصية بـ "حل وسط" Compromise بتقسيم فلسطين الى دولتين احداهما يهودية والاخرى عربية ومقاومتهم المسلحة لهذا الحل ما اضطر الدولة اليهودية ان تخوضها دفاعاً عن نفسها وبكلمة فان فحوى الرواية الصهيونية ان الطرف العربي هو المعتدي البادىء والطرف الصهيوني هو المعتدى عليه البريء.
والحقيقة في نظرنا هي على خلاف كلي مع الرواية الصهيونية ذلك ان التقسيم لم يكن حلاً وسطاً بأي مفهوم عادل ومعتمد لهذا التعبير. فالحل الوسط بالمصطلح الاخلاقي وحتى اللغوي يعطي كل ذي حق حقه، يحافظ على جوهر حقوق كل طرف في النزاع القائم، ويقيم التوازن بين تنازلات كل منهما، وهو لا يعطي طرفاً ما ليس له على حساب الطرف الاخر ويصدر غالباً عن طرف محايد حريص على مصلحة الطرفين المتنازعين تم الاحتكام اليه والقبول المسبق بحكمه بالتراضي ويتم الاقرار بهذا الحكم من قبل المتنازعين ولو على شيء من المضض المتساوي بينهما. فأين هذا المفهوم للحل الوسط من مبدأ التقسيم (اي قيام دولة يهودية قسراً على جزء كبير او صغير من فلسطين) في سياق تاريخ القضية الفلسطينية منذ ظهور الصهيونية واينه من اسلوب طرح التقسيم على هيئة الأمم عام 1947 وتوقيته ومن تفاصيل التقسيم التي اقرتها هيئة الأمم بل ومن الطريقة التي انتزعت بها الولايات المتحدة القرار به منها ناهيك عن الابتهاج الذي وصل سمت الرأس عند طرف لدى سماعه به وعن الغضب العارم الذي استولى على الطرف الاخر منه.
فمبدأ الدولة اليهودية غاية الصهيونية ومبتغاها وهو مبرر وجودها من قبل المؤتمر الصهيوني الاول ومن بعده ونجمها القطبي الذي اهتدت بهديه في كل كلمة صيغت لتغليفه وتمويهه ان في برنامج بازل (1897) او وعد بلفور (1917) او صك الانتداب (1922) والصهيونية لم تلجأ الى التغليف والتمويه الا لخداع فريستها الشعب الفلسطيني الذي تعرف مبكراً على الساعي لاغتياله فيها وذلك بالتواطؤ مع راعيها وحاميها بريطانيا المنتدبة لريثما يشتد ساعدها وتتجمع لديها عناصر القوة اللازمة وترسى القواعد الثابتة لقيام الدولة اليهودية وهو الذي تم خلال الانتداب البريطاني كما اسلفنا.
ولم ينص قرار التقسيم الصادر عن هيئة الامم عام 1947 على ان يحتفظ كل طرف بما لديه من الاراضي بل "منح" الطرف الصهيوني الذي كان لا يملك اكثر من 6 في المئة من مساحة البلاد منحه 57 في المئة منها فبينما كانت ملكية اليهود لا تتعدى 1,624,000 دونم قبل قرار التقسيم وذلك على رغم كل ما بذلته الصهيونية خلال ستة عقود منذ مطلع الثمانينات من القرن الماضي من جهد ومال وتخطيط وتحايل وحشد وضغوط سياسية ودعاية عالمية غدت مساحة الدولة اليهودية بعد قرار التقسيم 15 مليون دونم اي انه بين عشية 29 وضحى 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 1947 قفزت "ملكية" اليهود اكثر من 900 في المئة وذلك لاعتبارات سياسية لا تمت بصلة لا من قريب ولا من بعيد الى اي قيم او قواعد قانونية او خلقية.
لم يحدد قرار التقسيم الكيفية التي ستمتد بها سلطة الدولة اليهودية من حيز مساحته 1,624,000 دونم الى حيز مساحته 15 مليون دونم يقطنه ويملكه العرب الفلسطينيون لكن الدول الاعضاء التي كانت وراء القرار بطلب وبضغوط هائلة من الصهيونية وعلى رأسها الولايات المتحدة كانت تعلم علم اليقين ان القيادة الصهيونية مصممة على تحقيق التقسيم بالقوة وان العرب يرفضون ذلك رفضاً باتاً ومصممون على الدفاع عن ديارهم، وهكذا كان قرار التقسيم بمثابة الضوء الاخضر للقوات الصهيونية للقيام باحتلال الحيز العربي الواسع والآهل بالعرب الذي ضم اعتباطاً وتعسفاً ومن دون سابق اقرار من العرب الى حدود الدولة اليهودية المقترحة فكان قرار التقسيم بالتالي نفسه قراراً بإعلان الحرب على العرب بالتواطؤ مع المنظمة الصهيونية ونيابة عنها .
قرار الحرب الصهيوني لم يؤخذ عام 1947 لا قبيل قرار التقسيم ولا بعيده لكنه ينبع نظرياً من صميم العقيدة الصهيونية من حيث انها محررة منذ البدء وبطبيعتها من قيد الاعتماد على الرض او القبول العربي المسبق لها او لسياساتها وكما قال حاييم وايزمان الى الرئيس الامريكي فرانكلين روزفلت عام 1944 "شرحت له نظريتي بانه لا يمكننا ان نربط قضايانا بقبول العرب ونحن لو فعلنا لحجبوا عنا قبولهم". ولعل من ابلغ الادلة على تجاهل الصهيونية لرفض العرب او قبولهم لجوئها المتوال الفوقي الى الدول الكبرى للاستحصال لى "براءتها" المنشودة.
ويمكننا تتبع بلورة قرار الحرب في ذهن الزعيم الصهيوني ديفيد بن غوريون قبل قرار التقسيم باكثر من عشر سنوات ذلك ان بن غوريون هو الذي اخذ هذا القرار وهو الذي اشرف على التخطيط والاعداد للحرب من اواسط الثلاثينات بصفته رئيس اللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية (1935-1948) والمسؤول عن شؤون الأمن.
وفي عام 1920 اسس بن غوريون حزب "وحدة العمل" (احدوت افودا) الاشتراكي القومي وفي عام 1930 اشرف على دمج الحزب بحزب "العامل الشاب" (هابوعيل هاتسعير) ليؤلفا حزب "الماباي" الذي قاده وبقي العمود الفقري السياسي للوكالة اليهودية لغاية قيام دولة "اسرائيل" ولوزاراتها المتعاقبة بعدئذٍ لغاية انتصار حزب "الليكود" بقيادة مناحيم بيغن على "الماباي" في انتخابات "اسرائيل" النيابية عام 1977. ودعا برنامج حزب "وحدة العمل" الى "تأسيس الجمهورية الاشتراكية اليهودية في جميع انحاء فلسطين والى نقل ملكية اراضي فلسطين ومياهها ومواردها الطبيعية الى شعب "اسرائيل" لتصبح ملكاً ابدياً له"، كما دعا حزب "العامل الشاب" منذ تأسيسه عام 1905 الى السيطرة Conquest على العمل العبري اي منع العمال العرب بالقوة من العمل على الاراضي اليهودية وبهذه الخلفية الحزبيةومن موقع المسؤولية في لجنة الوكالة اليهودية التنفيذية اخذ بن غوريون يفكر بعمق في مستقبل "العلاقة" بين الحركة الصهيونية والفلسطينيين وفي توازن القوى بينهما، فوصل الى قناعة ثابتة في اوائل 1936 كما يجزم بذلك شبتاي تيفيث Tevech كبير الخبراء الاسرائيليين في سيرة بن غوريون وسياساته، بان لا امل في السلام مع الفلسطينيين ما داموا يرفضون قيام اكثرية يهودية في البلاد ولا يقبلون بهجرة يهودية غير مقيدة اليها وان لا بد من ان تكون العلاقة المستقبلية معهم علاقة عسكرية وليس سياسية. ويضيف تيفيث ان هذا الاستنتاج لم يكن مصدر غم او كدر لت بن غوريون بل بالعكس كان قد وصل في الوقت نفسه الى قناعة ثانية وهي ان الحركة الصهيونية قد اجتازت مرحلة الخطر في ميزان القوى مع الفلسطينيين بسبب تدفق الهجرة اليهودية على البلاد في السنين الخمسة السالفة حين تضاعفت الجالية اليهودية عدداً فوصلت الى 355,157 سنة 1935 بينما لم تتعد 164,950 سنة 1930. ويؤكد تيفيث ان لهذا السبب لم يعد بن غوريون مهتماً باي اتصالات مع الفلسطينيين التي كان قد بدأها قبل 1936 وانه لم يسعَ الى مقابلة اي فلسطين بين 1936 وقيام الدولة اليهودية عام 1948.
ويشكل مشروع التقسيم للجنة الملكية البريطانية برئاسة اللورد بيل Peel الذي صدر في تموز (يوليو) 1937 في اعقاب المرحلة الاولى من الثورة الفلسطينية الكبرى (1936-1939) منعطفاً خطيراً اخراً بالنسبة للقضية الفلسطينية والحركة الصهيونية ولبلورة تفكير بن غوريون الاستراتيجي. فهذه المرة الاولى منذ وعد بلفور التي يدعو فيها طرف بريطاني رسمي الى اقامة دولة يهودية مترجماً الوعد اياه الى دولة كما تدعو اللجنة الملكية الى الهجرة القسرية ( Compulsory Transfer) للجاليات العربية من الدولة اليهودية والى ضم المناطق العربية الى شرق الاردن. وتنفجر الثورة الفلسطينية ثانية في اعقاب صدور تقرير التقسيم لتصل الى ذروتها في السنتين (1937-1939) وينعقد المؤتمر الصهيوني العشرون في زوريخ عام 1937 ويلقى تقرير التقسيم معارضة شديدة بخاصة من الاعضاء الامريكيين من حيث المبدأ لكونه يتضمن التخلي عن كل "ارض اسرائيل" والقبول بجزء منها فقط ويتزعم بن غوريون الرأي بقبوله مشروطاً ويلقي فيما يقوله في حينه اضواء كاشفة على نظرته الى مشروع التقسيم عام 1947 الذي نحن بصدده.
ففي تموز 1937 يقول في رسالة الى زعيم صهيوني بولندي "الدولة هي خطوة اولى نحو الحل الشامل للشعب اليهودي وأداة جبارة لتحرير جميع ارض اسرائيل"ز وفي خطاب لحزب "الماباي" في تشرين الاول (اكتوبر) 1937 يقول "ان تحقيق الدولة اليهودية يمر في مرحلتين الاولى مرحلة البناء وارساء القواعد وتستمر من عشر الى خمس عشرة سنة وهي مقدمة الى المرحلة الثانية التي هي مرحلة التوسع ( Expansion). وغاية المرحلتين تجميع المنفيين ( exiles) من الشتات في جميع ارض اسرائيل". ويقول في رسالة الى اولاده في تشرين الاول 1938 "ان قيام الدولة في جزء من فلسطين ليس غاية الصهيونية النهائية بل وسيلة باتجاهها". ويقول تيفيث انه حتى قبل تقرير اللجنة الملكية وبدءاً بنهاية العشرينات كان بن غوريون يصف نفسه بانه يمارس "الصهيونية العميقة" ( Deep Zionism) وان "المبتدئين" في الصهيونية لا يفهمون استراتيجية "المراحل" وان الظروف غير المؤاتية تقتضي صياغة اهداف تبدو لهؤلاء المبتدئين على انها تنازلات وهي ليست كذلك.
اما بشأن توصية اللجنة الملكية بالتهجير القسري للفلسطينيين من الدولة اليهودية فيعلق عليها بن غوريون عام 1937 بقوله: "من المؤكد ان بريطانيا لن تقوم بذلك اذا لم نصرّ عليه بكل ما اوتينا من قوة ونفوذ واذا لم يتم هذا الامر بسبب تقاعسنا فإننا سنخسر فرصة لم تسنح لنا من قبل وقد لا تعود لنا ثانية ابداً". ويستطرد بن غوريون بقوله "يجب ان ننتزع من قلوبنا الافتراض بان هذا الامر (يعني التهجير القسري) مستحيل بل هو ممكن والخطوة الحاسمة الاولى هي ان نعد انفسنا لتوليه بأنفسنا". ولم يكتفِ بن غوريون بالتعليق على تقرير التقسيم لكنه كلف عام 1937 ضابطاً كبيراً في "الهاغانا" باسم افنير ( AVNER)
بوضع خطة لاحتلال فلسطين كلها على ثلاث مراحل في حال انسحاب البريطانيين من البلاد.
طبعاً لم ينسحب البريطانيون في حينه من فلسطين بل عدلوا عن مشروع التقسيم بسبب اشتداد الثورة الفلسطينية ودعوا الى مؤتمر في لندن عام 1939 صدر كتاب ابيض في اعقابه يحدد الهجرة اليهودية وانتقال الاراضي وينص على استقلال فلسطين دولة موحدة ضمن فترة عشر سنوات شرط اتفاق الطرفين الفلسطينيين واليهود ولا شك في ان الكتاب الابيض هذا جاء نتيجة تلبد الاجاء الدولية واقتراب موعد اندلاع الحرب العالمية الثانية.
ادت المجابهة العسكرية بين الفلسطينيين وبريطانيا خلال الاعوام 36-39 الى توسيع الهوة في توازن القوى بين الفلسطينيين والصهيونيين لصالح الاخيرين فحطمت بريطانيا القوة العسكرية والتنظيمات السياسية الفلسطينية خلالها من ناحية بالمقابل وبالتعاون مع بن غوريون ضاعفت القوة العسكرية الصهيونية بإنشاء وتدريب وتسليح قوة يهودية رسمية رديفة للهاغانا اطلقت عليها اسم "شرطة المستعمرات اليهودية" Jewish Settlement Police قوامها 20,000 مسلح اضيفت الى الهاغانا "غير الرسمية" وقوامها 25,000 مسلح فأصبح لدى بن غوريون جيش قلما توفر لليهود مثله من قبل قادر على تولي العلاقة "العسكرية" مع الفلسطينيين ومع الدول العربية.
فها هو بن غوريون يجتمع بمالكولم مكدونلد وزير المستعمرات البريطاني في شباط (فبراير) 1939 فيسأله الاخير "الى متى تعتقدون اننا سنضع حرابنا تحت تصرف هجرتكم الى فلسطين؟" فيجيبه بن غوريون "لسنا بحاجة الى حرابكم". فيقول مكدونلد "وكيف يكون هذا؟ هم اكثر منكم عدداً وسيأتي لنجدتهم جيش عربي من العراق". فيجيب بن غوريون "ان اجتياز البحر اسهل من اجتياز الصحراء".
غضب بن غوريون غضباً شديداً على سياسة الكتاب الابيض لكنه ادرك ان مصلحة الصهيونية هي في انتصار بريطانيا على المانيا كما ادرك اهمية القتال بجانب بريطانيا بالنسبة "للعلاقة العسكرية" مع العرب بعد الحرب فدفع بشبابه للانخراط في الجيش البريطاني فانخرط منهم خلال السنوات 1939-1945 (27,000) حصلوا على احسن خبرة وتدريب فازداد الصهيونيون بهم قوة على قوة.
في الوقت نفسه ادرك بن غوريون ان الكتاب الابيض مؤشر لانحسار التأييد البريطاني للصهيونية وان القوة العالمية الصاعدة هي الولايات المتحدة وان لدى الصهيونية امكانات ضخمة هناك قابلة للتعبئة فانتقل اليها ونظم في ايار 1941 انعقاد مؤتمر يهودي في فندق ييلتمور في نيويورك استحصل منه على قرار بـ"انشاء فلسطين كومنولثاً يهودياً" وهي الصيغة التي اقترحتها المنظمة الصهيونية على بريطانيا بعد مؤتمر سان ريمو 1920 عند بداية المفاوضات حول صك الانتداب ورفضتها بريطانيا في حينه كما اسلفنا. وهكذا الزم بن غوريون يهود امريكا بإنشاء الدولة اليهودية وفق مخططه هو في جميع انحاء فلسطين وليس في جزء منها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
حتى قبيل مؤتمر بيلتمور كان بن غوريون طلب من الهاغانا بوضع خطط عسكرية لمواجهة سيناريوهات عدة تأخذ في الاعتبار درجات مختلفة من تدخلات اعتراضية من قبل بريطانيا او الدول العربية. وبالفعل وضعت بين 1940-1945/1946 اربع خطط عرفت بالخطط الف، باء، جميم، ودال وكانت الاخيرة تهدف الى احتلال فلسطين بكاملها مذكرة بخطة افنير AVNER عام 1937 كما حرص بن غوريون في مطلع الاربعينات على تكوين قوة ضاربة خاصة داخل الهاغانا عرفت بـ"البالماخ" وكان قبل ذلك قد اولى الصناعة العسكرية اهتمامه فبلغت طاقة عشية الحرب العالمية الثانية مكنتها من صنع مدافع الهاون Mortar وقذائفها والقنابل اليدوية وذخيرة من عيار 9 ملم. وفي حزيران (يونيو) 1945 قام بزيارة الى الولايات المتحدة لتوسيع قاعدة هذه الصناعة وطلب الاجتماع بعشرين من كبار رجال الاعمال اليهود المهتمين في "شؤون الامن". وفي 12 تموز (يوليو) 1945 وفي جلسة صباحية تم تخصيص 15 مليون دولار للهاغانا انفق نصفها على شراء آلات لصناعة السلاح من "ادارة موجودات الحرب الامريكية" Administration War Assets التي كانت بدأت تصفية هذه الموجودات وبيعها خردة. وعلى سبيل المثال تم شراء 50 آلة لاختبار Test الذخيرة سعر كل منها العادي 18,000 دولار تم شراءها كلها بسعر 150 دولاراً للخمسين آلة. وهكذا شحنت الى فلسطين 2000 ماكينة تزن مئات الاطنان وصلت جميعاً سالمة على رغم الحصار البحري البريطاني الذي سمعنا عنه الكثير في الدعايات الصهيونية ولعل ابلغ دليل على ذهنية الحرب التي استحوذت على بن غوريون وارتباط هذه الاستعدادات بها هي بدء حملة شرسة على وايزمان لازاحته عن زعامة الحركة الصهيونية (وهي حملة نجحت في غرضها في المؤتمر الصهيوني الثاني والعشرين المنعقد في بازل عام 1946) بحجة كما قال بن غوريون عام 1942 ان وايزمان "اعجز من ان يقود الصهيونية على الدرب الملتوي المؤدي الى الدولة ولا هو مكون لقيادة الشعب اليهودي في فلسطين او الامة اليهودية في الحرب لتأسيسها".
وضع بن غوريون نصب عينيه هدف احراج بريطانيا والضغط عليها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لاخراجها من فلسطين حتى يتسنى له تنفيذ خططه العسكرية (الخطتين جيم ودال) وافترضت الخطة ج حياد بريطانيا في قتاله مع العرب، اما الخطة دال فافترضت غياب بريطانيا وتدخل جيوش الدول العربية وتحاشى بن غوريون بعناية متناهية المجابهة العسكرية مع بريطانيا معتبراً ان "العلاقة" معها سياسية وان "العلاقة العسكرية" انما هي مع العرب. ونجح بمعونة المنظمتين الارهابيتين "الارغون" و"الشتيرن" المنشقتين عن "الحركة التنقيحية" اليمينية Revisionist التي اسسها فلاديمير جابوتنسكي في مطلع العشرينات و"الخارجتين" عن طاعة الهاغانا في دفع بريطانيا باتجاه التخلي عن الانتداب ومغادرة البلاد.
وكان حليف بن غوريون الاكبر في الضغط على بريطانيا الولايات المتحدة كما توقع سالفاً خصوصاً بعد وفاة فرانكلين روزفلت واستلام نائبه هاري ترومان الرئاسة عام 1945. وكان ترومان دشن سياسته الشرق اوسطية عندما صرف وفداً حاشداً من سفرائه في الدول العربية ابقاه واقفاً جاء "ليتنحنح" على موالاته للصهيونية بقوله "انني آسف ايها السادة ولكنني مضطر للاستجابة لمئات الآلاف الحريصين على نجاح الصهيونية وليس بين ناخبيي مئات الآلاف من العرب".
عل هذه الارضية المتينة وضع بن غوريون في آب (اغسطس) الخطة الصهيونية الجديدة لتقسيم فلسطين اي لقيام الدولة اليهودية على 75 في المئة من مساحة البلاد. وفي تشرين الاول (اكتوبر) 1946 ايد ترومان هذه الخطة في معرض تهنئة ناخبيه اليهود بعيد الغفران (يوم كيبور) فكانت الشعرة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لبريطانيا اذ ما لبث ان احالت القضية الفلسطينية الى هيئة الأمم حين تبنى الاتحاد السوفياتي بدوره ولأسبابه في ربيع 1947 مبدأ التقسيم اي قيام دولة يهودية فحصل بن غوريون بذلك على دعم العملاقين الكبيرين في آن واحد.
وفي 6 تشرين الاول (اكتوبر) اي قبل قرار هيئة الأمم بتقسيم فلسطين في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 1947 اصدر بن غوريون امراً لصناعته العسكرية لانتاج 20,000 بندقية و10,000 مدفع رشاش و10,000 مسدس و500 رشاش و4,5 مليون طلقة.
ترى كل كان شعور بن غوريون في تلك اللحظة بالقوة اقل من شعوره عام 1936 بسبب وصول عدد اليهود في فلسطين الى 355 الفاً وهل نسي عام 1947 كل ما قاله عن "الصهيونية العميقة" ومراحل تحقيق الاحلام الصهيونية؟.
يتبـــــع
[/align]
|
|
|
|