08 / 08 / 2009, 50 : 03 AM
|
رقم المشاركة : [10]
|
كاتب نور أدبي متوهج ماسي الأشعة ( عضوية ماسية )
|
رد: أطوار الصهيونية ومراحلها الكبرى...
[align=justify] نتابع أطوار الصهيونية ومراحلها الكبرى.. المرحلة الثانية (1978-1997): من كامب ديفيد الى اليوم:
- زادت سرعة تدهور اوضاعنا تجاه الصهيونية و"اسرائيل" منذ المعاهدة المصرية-الاسرائيلية الى ان وصلنا الى الدرك الذي نحن فيه اليوم وكان اجتياح صدام الاجرامي للكويت المحطة الرئيسية على منتصف درب هذا الانحدار المريع.
طبعاً لم يكن ميزان القوى الفعلي (وليس الكامن) بيننا وبين "اسرائيل" في يوم من الايام منذ تأسيسها ولغاية المعاهدة المصرية - الاسرائيلية لصالحنا بيد ان قاهرة المعزّ كانت الوزن الاهم في الكفة العربية والعمود الفقري لاي عمل عربي مشترك جاد فنتج عن تحييد مصر العسكري واخراجها من الحلبة تعزيز لكفة "اسرائيل" بوزن مصر وانقاص لنا بقدره ايضاً وكسب منطق "القطر" ازاء منطق "القوم" جولة جديدة بعد كسبه جولتين سابقتين في الانفصال عام (1961) وفشل محادثات الوحدة بعده وترسخت تدريجياً شرعية الانفراد الكياني في التعامل مع الصهيونية و"اسرائيل".
وتزامنت ذيول المعاهدة المصرية - الاسرائيلية ومضاعفاتها المباشرة وغير المباشرة في السنين التي فصلت ما بينها وبين اجتياح صدام للكويت مع الحروب الروسية الافغانية (1979-1989) والحرب العراقية - الايرانية (1980-1988) وحولت الاولى انظار موسكو وواشنطن عن الشرق الادنى بينما ادخلت الحرب الثانية العرب في مجابهة ماحقة مع نظام قضى لتوه على اكبر حليف لاسرائيل بعد الولايات المتحدة (شاه ايران) وابدى تعاطفاً خاصاً مع القضية الفلسطينية فهدرت في محاربته عشرات البلايين من الدولارات وزهقت مئات الآلاف من الارواح العربية والمسلمة في وقت تولى الحكم فيه في تل ابيب زعيم غلاة "اسرائيل" واشدهم بأساً وبطشاً.
وتزامن مع كل هذا استلام رونالد ريغان لرئاسة الولايات المتحدة ( يناير 1981 - 1989) وتعيينه للجنرال الكسندر هيغ تلميذ هنري كيسنجر وزيراً للخارجية. وكان يغان خال الذهن خلواً تاماً بالنسبة للعالم العربي وغيره ويضاهي جونسون في علاقاته الوثيقة باليهود بسبب خلفيته كممثل محترف في هوليوود. واعتمد ريغان خاصة في الشؤون الاسرائيلية على يوجين روستو المحامي الامريكي اليهودي الصهيوني العتيق الذي سبق ان اشرنا الى دوره ودور اخيه في عهد جونسون (1963-1969) وكانت نظرة ريغان في الشؤون الخارجية مراهقة في بساطتها وتبسيطها للامور خلاصتها ان ثمة طرفان: "نحن وهم" us and them اي امريكا.
والاتحاد السوفياتي وان الاتحاد السوفياتي انما هو امبراطورية شريرة evil empire فحسب. اما بالنسبة لاسرائيل فهي جزء اصيل من "نحن" وهو بكلامه هو "الموجود asset الاستراتيجي الوحيد المتبقي لنا الذي يمكننا الاعتماد عليه في الشرق الاوسط بعد سقوط ايران (يعني الشاه)". اما هيغ فطموحه منذ قيادته لقوات الحلف الاطلسي رئاسة الجمهورية وما وزارة الخارجية الا وسيلة للوصول اليها، لذا كانت سياسته في الشرق الاوسط اشد خطراً على العرب من سياسة كيسنجر نفسه لاستدراجه لرضى اليهود واعقب هيغ وزيراً للخارجية لمعظم الثمانينات (1982-1988) رجل الاعمال جورج شولتز الذي كان اول وزير للخارجية للعرب "مدخل" عليه فاذا به فور اعتلائه كرسيه يصد الابواب في وجوه شركاء الامس كل الايصاد خوفاً من اولاد عمهم وارتعاشاً.
لم تخف على بيغن هزالة الاوضاع العربية ولا متنانة وضعه في واشنطن خصوصاً وفي وجود القيادة الجديدة في البيت الابيض" ودشن ريغان سياسته الشرق اوسطية اثناء تبادل "س. وج." في اول مؤتمر صحافي عقده بعد انتخابه حين اجاب على سؤال حول "لاشرعية" الاستيطان في الاراضي المحتلة بقوله ان الاستيطان برأيه "ليس غير شرعي" not illegal ، وهكذا وبكل بساطة نقض ريغان سياسات كل اسلافه ونسخها نسخاً واعطى بيغن ضوءاً اخضر مشعاً كان ينتظره، وليس مصادفة ان السؤال طرح على ريغان في مطلع عهده بل اغلب الظن انه من وحي يوجين روستو ملقن ريغان الاجابة عنه بالتنسيق المحكم مع "الايباك" وتل ابيب، واطلق بيغن وخلفه شامير (1983-1992) الاستيطان من عقاله رقعة وانتشاراً واسكاناً دونما رادع او وازع كما اطلق يد ارييل شارون وزير دفاعه للتخطيط "لمشروعه (مشروع شارون) الكبير" great plan لاعادة رسم خريطة لبنان السياسية الذي بحثه شارون مع هيغ في (اكتوبر) 1981 و (فبراير) و (مايو) 1982.
وصال بيغن وجال في هذ الاجواء فأعلن القدس بنصفها الشرقي عاصة ابدية "لاسرائيل" عام 1980 وضرب المفاعل العراقي في (يونيو) 1981 من دون ان يرفع صدام حاجبه لانهماكه في محاربة اعداء العرب "الفرس". وصرح بعد ضربة المفاعل ان "اسرائيل" لن تسمح لاي بلد عربي او غير عربي (يعني ايران وباكستان) بتطوير اسلحة الدمار الشامل". وقام في (يوليو) 1981 بالغارة على حي الفاكهاني في بيروت ذهب ضحيتها 300 شهيد لبناني وفلسطيني، وفي (ديسمبر) 1981 اعلن ضم الجولان الى "اسرائيل" وهي ثاني ارض عربية تضم رسمياً منذ 1967 بعد القدس الشرقية واول ارض عربية خارج حدود فلسطين الانتدابية ضمتها "اسرائيل". وعلق اسحاق شامير وزير الخارجية في حينه على تصويت الولايات المتحدة في مجلس الامن على ادانة ضم الجولان (من دون ان تفرض امريكا على "اسرائيل" اية عقوبة) بقوله: "ان مصالح "اسرائيل" والولايات المتحدة ليست متطابقة ولا بد لنا بين الحين والاخر من ان نهتم في مصالحنا". وكان ضم الجولان عملياً رد تل ابيب على مبادرة ولي العهد آنذاك الامير فهد في (نوفمبر) حين وضع اسساً لتسوية تتضمن التعايش مع "اسرائيل" شرط الانسحاب الى حدود 1967 وقيام دولة فلسطينية بما فيها القدس الشرقية.
ولم يكتفِ بيغن بضرب المفاعل العربي لكنه سعى للحيلولة دون حصول المملكة السعودية على اسلحة تقليدية من واشنطن في معركة "الايواكس" AWACS الشهيرة عام 1981 اي انه كان يريد ان يكون لتل ابيب واللوبي اليهودي حق "الفيتو" على اية صفقة سلاح بين واشنطن وعاصمة عربية. ومع ان اللوبي اليهودي خسر هذه المعركة بالذات الا ان تفاصيل خسارته تدل بالعكس على فائق قوته ذلك ان ايقاف الصفقة كان يحتاج الى اكثرية في كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ: وحثل اللوبي بالفعل على اكثرية مجلس النواب (301 صوت مقابل 111 صوتاً) وفشل في مجلس الشيوخ بأربعة اصوات فقط (52 مقابل 48) وذلك بعد ان تدخل ريغان شخصياً في المعركة واعلن على التلفزيون انه "ليس من شأن الشعوب الاخرى ان تصنع السياسة الخارجية الامريكية" وايده علناً كل الرؤساء السابقين الاحياء: كارتر، وفورد، ونيسكون.
واستغل بيغن محاولة اغتيال سفير "اسرئيل" في لندن لاجتياح لبنان في حزيران 1982 تمهيداً لتنفيذ "المشروع الكبير" الهادف الى تحطيم البنية المدنية والعسكرية الفلسطينية على ارض لبنان واخراج القوات السورية منه وتسليم "القوات اللبنانية اليمينية" الحكم وعقد معاهدة سلام وتطبيع معها. ايضاً يراقب بيروت تحترق وتقصف من البر والبحر والجو بأحدث اسلحة الترسانة الامريكية وافتكها لغاية 4 (اغسطس) عندما تفوه بملاحظة فحواها ان افعال "اسرائيل" "غير مناسبة" بعد ان اوفد فيليب حبيب وبعد ان استشهد 17,500 لبناني وفلسطيني معظمهم من المدنيين.
نجح بيغن في اخراج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان وكاد ينجح بفرض المعاهدة عليه بفضل الدعم العنيد الذي تلقاه من جورج شولتز خليفة هيغ في وزارة الخارجية لولا بطولة المقاومة اللبنانية وصمود القوات السورية وظهور معارضة شعبية اسرائيلية ضد وجود "اسرائيل" في لبنان في اعقاب مذبحة صبرا وشاتيلا واكتشاف "اسرائيل" حسب قول معلق اسرائيلي "ان آل الجميل ليسوا كل الكتائب والكتائب ليسوا كل الموارنة والموارنة ليسوا كل المسيحيين والمسيحيون ليسوا كل اللبنانيين". وكان قد خلف بيغن في الوزارة شامير (1983-1984) ثم شمعون بيريز الذي تعاقب على الحكم مع شامير في حكومة اتحاد وطني (1984-1988) بسبب حصول حزب العمال على اكثرية ضئيلة (44-41) ازاء حزب الليكود في انتخابات الكنيست الحادي عشر عام 1984. ولم تنسحب "اسرائيل" من لبنان حتى 1985 لكن انسحابها لم يكن كاملاً وهي لا تزال تحتل ما مساحته حوالى 10 في المئة من مجمل مساحة لبنان تضم اكثر من مئة قرية وضيعة يسكنها اكثر من ربع مليون مواطن لبنان ويقع رأس الضلع الشرقي لجنوب لبنان المحتل عند جزين في موقع اقرب الى بيروت منه الى الحدود الاسرائيلية وهو يلتف ويسيطر على اكثر من مئة قرية لبنانية اخرى جنوب صيدا وخارج المنطقة المحتلة.
ويشكل الجنوب اللبناني المحتل الارض العربية الثانية بعد الجولان التي تحتلها "اسرائيل" خارج حدود فلسطين الانتدابية. ومن اخطر الاحداث ما بين المعاهدة المصرية - الاسرائيلية واجتياح الكويت واعظمها اثراً على ميزان القوى بين العرب و"اسرائيل" بدء انخلال الاتحاد السوفياتي الذي كان اندروبوف 1980-1984) آخر زعيم صلب العود فيه وهو الذي دعم سورية خلال اجتياح "اسرائيل" للبنان، غير ان غورباتشوف (1985-1991) ما لبث ان افهم سورية انه اعجز من ان يحافظ على التوازن الاستراتيجي بينها وبين "اسرائيل" التي كانت دمشق تعتمد عليه لسد الفراغ الناتج عن المعاهدة المصرية - الاسرائيلية فزادت كفة "اسرائيل" بذلك ثقلاً على ثقل، وتجسد الانحلال السوفياتي ايضاً في رضوخ موسكو لضغوط "اسرائيل" وواشنطن والسماح للهجرة اليهودية الجماعية. وفي المقابل وافقت واشنطن على طلب شامير بتقييد الهجرة اليهودية اليها فتدفق 700,000 مهاجر سوفياتي يهودي على "اسرائيل" ما بين 1989 و1996 فزادت "اسرائيل" بهم قوة بشرية وخبرات فنية على اعلى المستويات وعادل عدد اليهود السوفياتي الذين دخلوا "اسرائيل" خلال هذه السنوات السبع عدد سكان "اسرائيل" عند قيامها عام 1948 بعد سبعين سنة من الهجرة منذ مطلع الثمانينات في القرن الماضي.
وقام ريغان بضغط من المستعربين Arabists في الخارجية بإعلان مبادرته لتسوية القضية الفلسطينية بعد يومين من خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت في اول (سبتمبر) 1982، واكدت المبادرة على عدم الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية حتى تعترف الاخيرة باسرائيل وبقرار 242 كما اكدت عدم تأييد امريكا لدولة فلسطينية او لضم الاراضي المحتلة من قبل "اسرائيل" وطالبت بحكم ذاتي فلسطيني مرتبط بالاردن وبتجميد الاستيطان والمفاوضة على مستقبل القدس.
كانت هذه المبادرة ثاني مبادرة امريكية "شاملة" بعد مبادرة روجرز عام 1969 واخر معزوفة لمستعربي الخارجية رفضها بيغن رفضاً فظاً في اليوم التالي لإعلانها واجابت عليها الدول العربية في قمة فاس في (نوفمبر) 1982 اجابة استندت الى مشروع الامير فهد لعام 1981. غير ان المبادرة بقيت كسابقتها حبراً على ورق ولم يتوقف الاستيطان لحظة بسببها واصبح شغل جورج شولتز الشاغل بعد فشله في فرض المعاهدة الاسرائيلية على لبنان الثأر من العرب ولم يعد ينظر الى المنطقة الا من خرم ابرة "الارهاب" وكثف الضغوط على منظمة التحرير الفلسطينية لينتزع منها الاعتراف باسرائيل وبالقرار 242 و"بنبذ" الارهاب (وهو شرط ثالث اضيف الى شرطي هنري كيسنجر السابقين) من دون اي مقابل من "اسرائيل" وتم له ذلك في (ديسمبر) 1988، وكان هذا البند الوحيد في مشروع ريغان الذي نفذ واعتبره شولتز فتحاً مبيناً فنشر صورة عن رسالة عرفات بذلك في مذكراته وهي الصورة الوحيدة لوثيقة ديبلوماسية نشرها في هذه المذكرات التي تملأ مئات الصفحات. وصمم شولتز خلال ولايته كما يقول هو ان يعزز العلاقة بين امريكا و"اسرائيل" (وكأنها ما زالت بحاجة الى تعزيز) بنيوياً حتى لا تستطيع ادارة امريكية لاحقة ان تعكسها وكان من اهم تدابيره تحقيقاً لذلك اخراج معالجة شؤون الصراع الصهيوني - العربي من ايدي المستعربين وحصرها في فريق يهودي من "خريجي" "الايباك" وبلغ ما وصل "اسرائيل" من المعونات خلال عهد ريغان وبمشورة شولتز 22 بليوناً و881 مليون دولار وهو ضعف ما وصلها في عهد كارتر.
ولعل ابلغ مؤشر على تعاسة اوضاعنا تجاه "اسرائيل" عشية اجتياح صدام الجنوني للكويت قيام اطفال الضفة والقطاع بالتصدي لاسرائيل بالحجارة نيابة عن القيادة الفلسطينية والعواصم العربية على روعة هذا العمل ونبله فجاء الاجتياح ليردف الزلزال الرابع الكارثي بالزلازل الشرقية الثلاثة التي سبقته عام 1967 و1948 و1914-1918، وليضيف ذيوله السلبية وما اكثرها على ذيولها ذلاً متراكماً وهواناً وكسباً صافياً مجانياً للصهيونية و"اسرائيل".
وما مؤتمر مدريد الذي حضره جميع العرب باستثناءات قليلة الا اخطر هذه الذيول وافدحها ومرآة صادقة لمجمل ما وصل اليه ميزان القوى عبر هذه الاطوار والمراحل التي اسلفنا بين العرب من ناحية و"اسرائيل" والصهيونية العالمية والولايات المتحدة من ناحية اخرى.
لست من المدافعين عن اتفاق اوسلو وهو الطافح بالفجوات والنواقص ولا عن القيادة الفلسطينية واخطائها الاستراتيجية التي لا تحصى من السعي لتوريط الجيوش العربية في اواسط الستينات الى نظرية ايجاد "هانوي" عربية الى التورط في السياسة الداخلية اللبنانية الى التجافي المتعمد تجاه دمشق وعمان الى نسيان البعد العربي الاصيل للقضية الفلسطينية الى عدم سجب اجتياح صدام للكويت. بيد انني لست من المستسهلين الطلب بإلغاء اتفاق اوسلو ومحاربته وميزان القوى هو على ما وصل اليه، بخاصة بعد اجتياح الكويت وولاية كلينتون والاتفاق في نهاية المطاف يخرج كثيراً عن كونه الناتج الطبيعي على الصعيد الفلسطيني لمؤتمر مدريد وشروطه.
ولم يكن جورج بوش خلف ريغان ( يناير 1989-1993) نصيرا للصهيونية او متعاطفاً مع "اسرائيل"، ولا كان وزير خارجيته جيمس بيكر، ولا كان لليهود "مدخل" على ايهما، وكان بوش اكثر الرؤساء الامريكيين معرفة بالشؤون الخارجية لا يضاهيه فيها سوى نيسكون مع الفارق انه خلافاً لنيكسون كان بالغ الاهتمام بالشرق الاوسط وبالصراع الصهيوني العربي بالذات وهو الرئيس الامريكي الوحيد الذي سبق له قبل توليه الرئاسة ان قال كلاماً قاسياً كممثل لامريكا في الأمم المتحدة استنكاراً لسياسة الاستيطان الاسرائيلية كما ان الرئيس الوحيد الذي كانت له صداقات عربية، اما بيكر فقد كان المسؤول في البيت الابيض عن ادارة معركة "الايواكس" ضد اللوبي اليهودي وكان حانقاً عليه ومزمعاً مع رئيسه بوش على عدم الرضوخ له.
وغدت امريكا سيدة العالم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي انهياراً كاملاً، عامي 1990-1991 وطبعاً كانت سيدة الشرق الاوسط من دون منازع في اعقاب عاصفة الصحراء، وضم التحالف الذي رأسته ليس دول الخليج فحسب بل ومصر وسورية ايضاً، وبلغت شعبية بوش في امريكا الذروة بعد اخراجه صدام من الكويت، ومع ذلك فقد كانت شروط مؤتمر مدريد الاساسية هي شروط اسحاق شامير: من حيث ابعاد هيئة الأمم وتهميش دور الراعيين واعتماد التفاوض الثنائي المباشر، واقصاء م.ت.ف، وعدم تمثيل الفلسطينيين تمثيلاً مستقبلاً، وتزامن المفاوضات على الجبهات المختلفة وتحويل قضية اللاجئين الى لجنة متعددة الاطراف تمييعاً لمسؤولية "اسرائيل"، وكان الفريق الخبير المرافق لبيكر هو في معظمه ممن عينهم جورج شولتز.
وكانت "اسرائيل" قد بدأت في اواخر عام 1990 وبعد اجتياح الكويت تطالب الولايات المتحدة بضمان قرض بعشرة بلايين دولار لاسكان المهاجرين من الاتحاد السوفياتي السابق فاستغل بوش الامر لاعادة التأكيد على خطورة الاستيطان والتعويض عن سكوت ريغان وشولتز المشين ازاءه فربط منح القرض بإيقاف الاستيطان وهو اصلب موقف وقفه رئيس امريكي بشأنه منذ 1967، وكانت المجابهة العلنية وهبطت الوفود اليهودية على الكونغرس فلجأ بوش الى الرأي العام وتراجع اللوبي ولو الى حين، وكان هذا التأزم بين واشنطن وتل ابيب من اسباب فشل الليكود في انتخابات 1992 ونجاح رابين. ولكن ما لبث بوش ان سمح بالقرض الى رابين من دون ان يحصل منه على التزام بوقف الاستيطان تحت ضغط مقتضيات الانتخابات الرئاسية عام 1992 التي خسرها لصالح كلينتون. بيت القصيد هنا هو ان حتى بوش رضخ فكيف بنا اذا كان الرئيس بيل كلينتون ونائبه الطامح آل غور؟
وبعد عندما نستعرض الاطوار الاربعة التي مرت الصهيونية بها منذ 1897 ونستشرف القرن المقبل من الصراع معها خليق بنا ان نذكر الى الشعب اليهودي هو اليوم شعب امريكي من حيث العدد والثروة المادية والبشرية والنفوذ السياسي، وهو جزء عضوي من المجتمع الامريكي ومن النخبة السياسية والاجتماعية والفكرية والاقتصادية فيه، وهو متعاطف تعاطفاً كلياً مع "اسرائيل" ومؤيد لها تلقائياً مهما فعلت، وهو قادر تنظيماً ونفوذاً ومواد ان يؤثر في اية ادارة حالية او قادمة تأثيراً حاسماً لمصلحة "اسرائيل" كما فعل في الماضي ولقد نجح نجاحاً لا حدود له في تدجين الكونغرس الذي اصبح اداة طيعة بين يديه وان الصراع الصهيوني العربي اصبح جزءاً من اللعبة السياسية الامريكية الداخلية لا علاقة لاعتباراتها بحقائق الميدان السياسي المشرقي وان المال الذي يتدفق على "اسرائيل" من حكومة الولايات المتحدة اصبح اليوم اضعاف ما ترسله المؤسسات الصهيونية وان لا رقابة او محاسبة على انفاق هذا المال ولا سياسة لواشنطن في صراعنا مع تل ابيب سوى سياسة تل ابيب وان الممول لاحتلال جنوب لبنان وللاستيطان في القدس والجولان والضفة والقطاع هو واشنطن وهي المحافظة على تفوق "اسرائيل" العسكري النوعي والكمي والمتغاضية عن برنامجها الننوي والمدافعة عنها في هيئة الأمم والمعاقبة لكل من تصدى لها والراعية لجعل "اسرائيل" القطب المهيمن على مشرقنا من خلال معاهدات ثنائية بينها وبين كل بلد عربي على انفراد.
وان الكلام عن امريكا كوسيط نزيه هراء والقول باهتمام امريكي جدي بتسوية عادلة خرافة وان الحكومة (وليس الشعب الامريكي الساذج الطيب المرفه المعني اولاً واخيراً بالبيسبول والفوتبول وكرة السلة) منحازة انحيازاً شبه كلي بسبب ما اسلفنا، وان هذا الوضع باقٍ لن يتغير واننا بالتالي في صراع ليس مع "اسرائيل" والصهيونية ولا مع هذه الادارة او تلك ولكن مع الحكومة الامريكية بالذات اليوم وغداً وبعد غد اننا دخلنا بالفعل عقد الانتداب الاسرائيلي - الامريكي علينا وان ما هو آت لن يكون اقل هولاً مما فات.
انتهى.
[/align]
|
|
|
|