13 / 08 / 2009, 07 : 05 AM
|
رقم المشاركة : [2]
|
كاتب نور أدبي متوهج ماسي الأشعة ( عضوية ماسية )
|
رد: القدس التى توحدنا...
[align=justify] القدس التى توحدنا
لقــاء الإسـلام والمسيحيـة...
الأب د. حنا الكلداني
لم يكن أبدا الإسلام والمسيحية مجموعة من التعاليم الدينية المحضة. بل تجسد كل منهما فى بيئات اجتماعية وإنسانية وجغرافية وثقافية متعددة. والتعايش الإسلامى المسيحى فى القدس حالة فريدة من نوعها كون القدس هى ملتقى الأماكن المقدسة للديانتين وفيها ذاكرة الكتب المقدسة المادية للديانتين. وشكل المسيحيون والمسلمون الذاكرة التاريخية والإنسانية حول المكان والكتاب. والمسيحية والإسلام اليوم فى القدس، هما حصيلة تجارب وتراكمات تاريخية، تمتد جذورها بين الوحى والسماء ويوم الحشر إلى هموم الحياة الدنيا بكل تفاصيلها. وقد تشكلت "النعم" التاريخية فى ذاكرة التعايش تدريجيا مع العهدة العمرية بين الخليفة الفاروق والبطريرك صفرونيوس، ولكن نصوص العهدة العمرية متعددة، وأحيانا تبدو متناقضة! وقد تراكمت عليها خبرات واقع الإسلام والمسيحية فى العيش معا. وهذا العيش لم يكن حلوا مطلقا أبدا، ولا مرا مطلقا أبدا. وللأمانة التاريخية لا يجوز ترميم التاريخ ورؤيته بما يناسب خطاب اليوم وحاجة الساعة الراهنة.
لقد مرّ الإسلام والمسلمون، والمسيحية والمسيحيون، فى حضن هذه المنطقة العربية وفى فلسطين بالذات فى حقب تاريخية متتالية لا مجال لذكر تفاصيلها هنا. وبلغ التاريخ الذروة، ثم بدأ عصر الأفول والانحدار. ولم يكن الوجود العربى طارئا بعد ظهور الإسلام، فقد سجله التاريخ على ارض فلسطين منذ فجر المسيحية فى سفر أعمال الرسل، فصل 2: آية11. ولا شك أن هناك تباينا رئيسا فى تطور الإسلام والمسيحية عبر العصور.
فالمسيحية ظلت دينا، ولم تتحول إلى دولة، وإن صارت الكثير من الدول ذات غالبية مسيحية، وأثرت فى الحضارة والتشريع.
ولكن لم تصل المسيحية إلى الحكم بالمعنى الحرفى المطلق. وأما الإسلام فقد اندمج سريعا فى الدنيا والسياسة وصار دولة، أو دينا له دولة. ولذلك فالتعايش قد تختلف معانيه:
هل هو تعايش بين دين ودين أخر، أو بين مواطنين من دينين مختلفين، أو تعايش بين دين وكيان؟
"فى الماضي، وقد يظهر فى المستقبل" يحمل فى آن واحد بعد الدين والدولة والدنيا، وقد اجتمعت فى بوتقة واحدة. لا شك أن التاريخ غنى بالخبرات، ولكن خبرات التاريخ وإن كانت ذات صبغة دينية ترتبط بالتراث الدينى والكتب السماوية لا تعتبر خبرات مقدسة وقوالب جاهزة للاستعمال فى الواقع الاجتماعى والسياسي.
فالعقيدة لها قدسيتها فى البعد الدينى والعبادى المحض ولا تنسحب على التطبيقات السياسية والاقتصادية بالضرورة.
فكما نشأ المسلم عبر العصور على ربط الدين بالدولة، نشأ المسيحى على الفصل: "أدوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله". وهاتان رؤيتان متباينتان، كالخطين المتوازيين، فهل يلتقيان؟ ولذلك لا بد من الاتفاق على الخبرات التاريخية وعلى صلاحيتها لعالم اليوم.
"التاريخ هو عبء الموت" كما يقول اللاهوتى فون بلتازار، إذا تحجر على مستوى الذاكرة لدى إنسان اليوم، وقد يغدو التاريخ ذاته أداة تطوير وتحرر إذا قبلنا بالمبدأ النقدى وإمكانية إيجاد صيغ تعايش تعتمد على ما قدمته الخبرة الإنسانية الشاملة، بما فيها الخبرات الدينية، فى مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة الكاملة.
وللقدس معان عديدة فى الجغرافيا والسياسة واللاهوت. فقدس اليوم وما بين الأسوار تحوى الأماكن المقدسة وتحمل خلفها ثقلا من التاريخ يزيد على خمسة آلاف عام. وحيز جغرافيتها المتواضع المحدود يضيق بالكم التاريخى العظيم المتراكم. وهناك القدس العربية التى نشأت حول الأسوار. والقدس الغربية التى هى مدينة يهودية حديثة.
والقدس الكبرى التى ابتلعت مساحات شاسعة من الضفة الغربية وتمتد بين بيت لحم ورام الله، وبين مشارف اللطرون إلى شفا غور الأردن. وقد أحاطها الإسرائيليون بالمستعمرات، وربطها المحتلون بشبكة من البنية التحتية، تجعلها تبدو مدينة واحدة. وقد طمأن اليهود أنفسهم بأنها عاصمتهم إلى الأبد.
وتحت الاحتلال تغيرت القدس من الناحية السكانية وغدا أصحابها غرباء بين جدرانها مقيدين بقوانين وتنظيمات هى اقرب إلى الفصل العنصري. أما القدس فى اللاهوت والرمزية، فهى رأس الهرم الروحى والتاريخى لفلسطين وبلدان المنطقة. وعندما نتكلم عن التعايش فى القدس لا نعنى ما بين الأسوار، بل فلسطين التاريخية كلها، والدول المجاورة.
أما فى البعد اللاهوتي، فقد شكلت القدس الأرضية صورة مسبقة للقدس السماوية رمز الآخرة والخلود ملكوت الله الأبدي. "ورأيت المدينة المقدسة أورشليم الجديدة نازلة من السماء من عند الله...هوذا بيت الله والناس يسكن معهم ويكونون له شعبا.
والله معهم ويكون لهم إلها" " رؤيا : 21، 1- 3 ". والقدس الجديدة السماوية هى قدس مفتوحة لكل البشر، هى ملكوت الله الذى لا يغلق فى وجه إنسان.
فإن كان الإنسان فى دنياه عنصريا يستحوذ على مفاتيح الجنة لنفسه ويغلقها أمام غيره، ويجعل الجنة محجوزة لدين ما أو لطائفة من البشر، فإن القدس الجديدة السماوية هى لكل البشر ومفاتيحها بيد الله وبيد كل إنسان عمل خيرا وسعى إلى حب الله ورضوانه. فالقدس السماوية، لا تشبه القدس الأرضية، فالقدس السماوية مليئة بحب الله، وهى الله المحبة.
أما القدس الأرضية، فتتقاطعها الحواجز والكراهية والخوف من الآخر والاستحواذ المبنى على العرق والدين وهاجس الأمن... والقدس قبل 1967، كانت معقولة مقبولة، أما اليوم فقد هجرها الحب... ويجد الأنبياء أنفسهم فيها غرباء.
[/align]
|
|
|
|