دروس للمبتدئين في .. الحب
كان قد حلق شعره، جاءت التسريحة قصيرة للغاية وبرزت أذناه بشكلٍ مضحك أيضًا، نظر إلى المرآة مطوّلاً، كان وجهه عابساً، وكأنّه قد خرج للتوّ من المقبرة! غسل وجهه ووضع عطره المفضّل، لكن الكميّة التي وضعها على رقبته وخلف أذنيه كانت أكثر من اللازم، لذا كانت رائحة العطر تفوح منه على بعد كبير، ما تسبّب بالزكام والعطس لبعض الذين كانوا يشكون من حساسية مفرطة. ما المناسبة التي كانت تستدعي من كمال كلّ هذا التحضير والتجميل والاهتمام. إنّه اللقاء الأوّل الذي سيجمعه مع خطيبة المستقبل! رآها في أحد المحال التجارية ابتسم لها وطلب لقاء عائلتها، لم ترد عليه في تلك اللحظة، كانت خجلة .. واعتبر الصمت علامة رضا! لهذا حسم أمره وقرر زيارة والديها، كان كمال يشعر بقلبه يقفز أمامه .. إنّها الفتاة التي ستدخل الفرح إلى عالمه. شعر ببعض الحرج حين شاهد حما المستقبل يضع طرف يده على أنفه ليتفادى العطر النافذ والذي كان يحاصر الخلايا العصبية للحاضرين في تلك اللحظة.
- العمّ أبو سمير .. يشرّفني أن أكون ضيفك، وهذه فرصة للتعارف.
- وأين أهلك .. والدك ووالدتك؟
- أحببت أن تتعرف عليّ كما أنا قبل أن أدعو والديّ لزيارة رسمية وإذا سمحت لي بمقابلة سعاد والتحدّث إليها. قد لا أروق لها .. عندها لا ضرورة لإحراج والديّ!
- على أيّة حال سأكون والداً عصريّاً، يمكنك محادثة ابنتي سعاد وأنت محقّ بالرغم من أنّ البعض قد يعتبر طرحك وقاحة أكثر من اللازم!
- سعاد؟ صاح أبو سمير وترك الغرفة دون أن ينطق بكلمة أخرى.
حضرت سعاد بعد قليل، كانت وجنتاها محمرّة من الخجل، وكانت تضع منديلاً يغطّي الجزء الأكبر من رأسها، وضعت القهوة على الطاولة وقالت بحياء:
- أهلاً.
- أهلاً بك يا سعاد! أنا كمال.
- لماذا لم تترك بعض العطر في الزجاجة للزيارة القادمة؟ لم تملك نفسها، عطست مرتين متتاليتين.
- أعتذر أنت محقّة يا سعاد.
سرقت نظرة إلى أذنيه البارزتين وابتسمت، شعر كمال بأنّ الدنيا انفتحت وليتها انغلقت فوقه. تقوقع، سعل هو الآخر، نظر إلى أخمص قدميه. كان يرغب بالبكاء لكنّه تنهّد بعمق. لم يكن يتوقّع هذه الرهبة في حضور الفتاة التي بشّ لها قلبه. احمرّ خجلاً وهو الذي كان يعتبر نفسه شجاعا في التعامل مع المرأة، يا له من ساذج!
- سعاد .. ربّما عليّ أن أذهب؟
- ولمَ العجلة يا كمال؟
- أنا .. أنا آسف. (أنا عاشق، ملوّع، محرج، أحببتك من النظرة الأولى، أتمنّى قربك، أتمنّى غضبك إذا كان هذا يضمن قبولك لي، كوني سيدة منزلي وسلطانة روحي، كوني جزءاً من نهاري وليلي، كوني أمّ أطفالي؟) طبعاً لم ينطق بحرف من كلّ هذا. فقط اعتذر وقال تلك الجملة الساذجة "أنا آسف".
ابتسمت سعاد مشجّعة وأدركت بحدسها بأنّها تقف أمام شاب حسّاس وعميق وشجّاع، لأنّه تجرّأ أن يحضر ليعرض نفسه للنقد من قبلها وقبل أهلها، هذا جميل .. هذا تصرّف واعد!
- جاكومو .. عطرٌ يدلّ على شخصية وحضور قويّ يا كمال.
- أكره الروائح الحلوة. هناك الكثير من العطور الرائعة. جاكومو ليس بالعطر الشهير ولكنّه مميّز وأنا أفضّله، وأعدك في المرّة القادمة أن أضع كميّة أقلّ من الآن.
- ومن قال بأنّه ستكون هناك مرّة قادمة؟
نظر إلى عينيها بجرأة وهمس قائلاً:
- قلبي يا سعاد! قلبي الذي يتمزّق الآن يحدّثني بأنّ هناك مرّة ثانية وثالثة ورابعة. أعدك بأن أقصّر أذنيّ إذا كان هذا سيجعلك توافقين!
شعرت سعاد بحرجٍ شديد من الصراحة التي انتابت كمال. شعرت بأنّه صادق، وقالت:
- لديّ الكثير من السلبيات يا كمال!
- بالرغم من أنّ اسمي كمال إلا أنّ الكمال لله يا سعاد. أنا أشخر في الليل بشكلٍ مزعج ورائحة قدميّ تقتل وأمضي في غسلهما وفركهما نصف ساعة على الأقل!
- وهل ستسير أمامي ببضعة أمتار واضعاً يديك خلف ظهرك؟
- بل أسير إلى جانبك لأحميك من الهواء العابر. كما أخشى أن يغازلك أحدهم وأنا أسير أمامك كالثور الأعمى، وقد تعجبين به! كلّ هذا قد يحصل خلفي .. أنا لست غبيّاً لهذا الحدّ.
ضحكت سعاد، شعرت بأنّه عدا عن كلّ شيء كان رقيقاً وصريحاً وطريفاً.
- ومن قال بأنّني قادرة على إنجاب خمسة أطفال؟
قالت سعاد عابسة
- أريد أن أكون أنا الطفل الوحيد في حياتك يا سعاد!
- وتاريخ زفافنا من كلّ عام .. نكد وطبخ وغسل أواني ..
- بل قصيدة .. أعدك أن أكتب لك قصيدة بتاريخ زفافنا وأخرى بتاريخ ميلادك، وسأسمّي ديوان الشعر ((سعاد)).
- أتحبّني حقيقة يا كمال؟
- لا أدري .. أفضّل أن أكون معجباً بك الآن .. لندع الأيام تثبت إذا ما كنت أحبّك؟ وأنتِ هل تحبّينني؟
- بل معجبة .. الوقت ما يزال مبكّراً للوقوع بالحبّ. دعِ الأيام تثبت إذا كنّا قادرين على الحبّ والحفاظ على هذه المشاعر أطول وقتٍ ممكن، وإلا أصبحنا كآبائنا وأمّهاتنا، يتحدّثون عند الضرورة ويتناولون الطعام بصمت، وغالباً ما يدير أحدهم ظهره للآخر عند النوم! أهلاً بك في عالمي يا كمال!
- أهلاً بك في عالمي يا سعاد!
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|