مرثية محمود درويش
حكم القضاء
كُشِفَ الـغِــطـاءُ لأَعْــــيـُنِ الـبــُـــصَراءِ
عَــــنْ سِرِّ مَـكْــنـونِ الــرَّدى بجَـــــــــلاءِ
كُــلُّ امْرِئٍ لا بــُـــــدَّ يـَلْــــقى حَــتْــــفَــهُ
إِنْ آجِــــــــــــلاً أَوْ عــاجِــــــــلاَ بـِقَــــــــضاءِ
لا شَــيءَ غَـــــيْرَ الـلَّــهِ يـَبـْـــقـى مُخــْــــــــلَدًا
هَــــــيـْهـاتَ أَنْ نَـنـْـــعَمْ بِـطــــــولِ بـَــــــقـاءِ
فَـتَـــــعاقُـبِ الأَجْــــــيالِ في فَــلَـكِ الرَّدى
كَـتــَـــعـاقُـبِ الإِصْــــباحِ وَالإِمْـــــساءِ
لم يــَـــــــبْــقَ لـِلإِنـْــــــــسانِ بـَـــــعْـدَ فـَـــــــنـائـِهِ
أَبــَـدا سِــوى الـذِّكْـرى وَحُــسْـنِ ثَـناءِ
يِـا أَيـُّـهـا الـشُّـعَراءُ مـا الـذِّكْرى سِـوى
طَـــــيْـفِ اجْـتِــــمـاعٍ راقَ عـَـــــيْنُ الرائي
دَرْويــشُ في دُ نْـــــياكَ أَحْرَزْتَ الـعُــلا
حـَـــــتَّى وَطِـــــئْـتَ مَـــــنـازِلَ الــعَـلْــــــياءِ
فَـسَـبَكْـتَ مِـنْ غُرَرِ الـقَـــوافي دُرَّها
تـِـــلْـكَ الأَوابــِــــــدُ في سَـــــنَـىً وَسَــــــنـاءِ
وجمَــــعْـتَ أَشْــتاتَ الــفَــضائـِلِ كُـلَّـــها
حَـــــتَّى شمــِــــلْـتَ فـَـضائــــِــــل الــنـُّـــجَــباءِ
يـا طـــاهِرَ الأَعْـراقِ حَــسْـــبُـكَ شــاعرٌ
زاكــي الـنـَّـــقــيـبَةِ صــــــــائِـبُ الآراءِ
يا عَــبْقَرِيَّ الذِّكْرِ صـيـتُـكَ في السَّما
زُهْرُ الـــكواكب خــــُلَّـدُ الـــــلألاءِ
دَرْويـــش أنتَ نَسـيجُ وَحْدِكَ في الـدُّنــا
وَلــَــدتْـــــــــكَ أُمُّــــــــكَ في بـُروجِ سمــــاءِ
اسْــطورَةُ الـتَّـــاريـــخِ مـَــهْـــدُ حَــــضَــارَةٍ
تـَرْعَـــــى الـــــــذِّمــــامَ وَســُـــؤْدُدَ الآبــــــــاءِ
قـدْ كُـنْتَ في دنيا الوَرى إِلْفَ الحِجى
عـَــــفَّ الـــــسَّــريِـرةِ ؛ طَــــيِـّبَ الأَنــْــباءِ
جـــاوزْتَ أَكْــنافَ الــسُّـهَى في هِمَّةٍ
تــَـعـْـلو الــسِّــمـاكَ وَمَــــبْـعَــثَ الأَضْـــــــواءِ
فَرَكَـزْتَ أَلْـــوِيـَةَ الــفِـدى خَـــــــفَّــاقَــــةً
بـِــذُرى الــعُــــــــــلا في سُـــؤْدُدٍ وَعَــــلاءِ
وَجَــــعَــلْـتَ مِـنْ إيـــفاءِ عَـــهْـدِكَ لـِلْـحِـــمى
سِــــفْـرًا يُـــسَــطِّـرُ سُــــــنـّة الأُمـَــــــــنــاءِ
وَسَــهِـرْتَ تُـصْـــلِـحُ رَأب صـَـدْعِ أحـــبَّـةٍ
حـَــتَّـى حُـرِمْــــتَ لــَــــــــذاذَةَ الإِغْــــــفـاءِ
وَدَأَبــْـتَ تحـْــــمِـلُ هـَـمّ َ كُـلَّ مـُــشَرَّدٍ
وَمُـــعـَــــــذَّبٍ وَمُـــقَـــــــــطَّـــعِ الأَشْــــــــلاءِ
وَالنَّـفْـسُ في كَـمَـدٍ عَلى السَّجْنَى الألى
وَمَـــنِ ابـْتـَــــــلاه الـــــــدَّهْـرُ بــِـــا لأَرْزاءِ
وَالـــيـَـوْمَ قـَـدْ أَمْسى تــَوَسُّــــدُكَ الــــــــثَّرى
حُـــكْمَ الــقَـضاءِ وَلاتَ حــينَ فِـــداءِ
تـَـبـْكـيـكَ مِـنْ قُــدْسِ الرِّ بــاطِ مَـــــآذِنٌ
وَكَـــنائِــــــــسٌ وَمـــَــدارِسُ الإِسْـــراءِ
أســــــوارهــــا ؛ أبــــــــوابـــهـا ؛ وقـــــبــابـــهـا
رَهْــــنُ الـبـَــــــلى مِـنْ صَـــدْمـَـــةٍ خَرْســــاءِ
وَ زُ قَــــــاقُــهـا وَالمـَـــشْرَ بِـــيـَّاتُ الــــعـُـــــــلا
كـَـدْراءُ مِـثْـلَ كَـواكِبُ الجَـوْزاءِ
حـــتى غُـــصـــــونُ الــــسِّـنْـديـــانِ نـَـوائِـــــــحُ
وَالــتّــــــــيـنُ والــزَّ يــْـــــــتـونُ في إِلْــــــــــــواءِ
لا الـطَّـيْرُ في أَوْكَـارِهـا مِـنْ غُصَّةٍ
الأَحـزانِ ؛ لا لِــــتَرَ نُّـــمِ الـــــوَرْقـــــــاءِ
لا شَــــدْوَ يُـــسْــــمَــع لـِلْـــبـَلابـِـلِ لا ولا
سّــــجْــعَ الهِزارِ وَرَ نَّــــــةَ المـُــــكَّـــاءِ
فَـعَــلَــيْـكَ يـا دَرْويـــــشُ أَلْــــفُ تحِـــــــــيَّـةٍ
مِـسـْــكِــيَّـةٍ نـَـــــفّــاحـَـــــةِ الأَشْــــــــذاءِ
يا ربِّ فارْحَمْ شاعِرًا عَــشِق الحِــمى
وامْـــــــنُـنْ عَـلَـــــــيْهِ بـِديمَــــــــــٍة وَطـْــــــفــاءِ
وَاجْـــعَـلْ سَناءَ الـقَـبْرِ في غَسَقِ الـدُّجـى
بــَــــدْرًا يـُــــــنـيرُ مَـــســـالـِـكَ الــــشُّـــعَراءِ
شعر : أحمد عبد الرحمن أبو الرب
قباطية _ فلسطين
15 / 9 / 2008 م